|
بيئة العنصرية وكراهية الآخر هل نحن في مواجهة مع الغرب!؟
عبد الحسين شعبان
الحوار المتمدن-العدد: 1463 - 2006 / 2 / 16 - 12:22
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
اثار نشر صحيفة دانماركية صور مسيئة للرسول محمد (ص) استياء ملايين المسلمين في العالم، خصوصا" وإنه عكس الاجواء السلبية المشحونة بالتوتر وبرائحة العنصرية التي سادت لدى بعض الاوساط في اوروبا وامريكا والتي اتخذت اجراءات " قانونية" وغير قانونية استهدف بعضها مباشرة الجاليات العربية والاسلامية، حيث شكلت مرتعا" خصبا" لنزعات الكراهية والعداء للآخر وعدم التسامح، والتي تعاظمت إثر تفجيرات 11 ايلول (سبتمبر) الارهابية التي راح ضحيتها أكثر من 3 ألف انسان بريء، وكذلك ما أعقبها من تفجيرات حصلت في العديد من البلدان الاوربية. ومعروف ان العنصرية بيئة مشجعة على الارهاب، لكونها بيئة إلغائية استئصالية اقصائية، لا تتسم بالعدل والمساواة والاقرار بالحقوق واحترام التنوع والاختلاف، وتسهم في تغذية العنف والعنف المضاد وردود الافعال والانتقام. واذا كان المتهم الاساسي الذي أدين في مؤتمر ديربن العالمي حول العنصرية 2001، هو "السياسة العنصرية" ومن يقف وراءها ، حيث كانت سياسة اسرائيل العنصرية والتنكر لحقوق الشعب العربي الفلسطيني واعمال الابادة والارهاب الرسمي هي التي وقفت امام المساءلة وحظيت بحيز كبير من هذه الادانة، فإن وجهة الإتهام تحولت الى "العرب والمسلمين"، حين ظهر إنتماء من نفذوا العمليات الارهابية اليهم . ولم يشفع لهم ادانتهم الشديدة لتلك الاعمال الارهابية وتعاونهم من اجل استئصال شأفة الارهاب، كما لم يغفر لهم انهم كانوا ضحية الارهاب على مدى يقارب عن ستة عقود من الزمان ، سواء الارهاب الموجه من الخارج ضدهم ، او الارهاب الداخلي الذي اشتد في الربع الأخير من القرن الماضي على يد جماعات متطرفة ومنغلقة وتدعي امتلاك الحقيقة ، فكانت تنتهج نهج الارهاب والعنف واستخدام القوة وسيلة لاملاء ارادتها وفرض رأيها القائم على تحريم الاخر وتجريمه وتأثيمه ، سواء كان هذا الاخر داخليا ام خارجيا ، فلا فرق لديها. وهنا لابد من الاشارة الى ان بعض هذه الجماعات المتطرفة كانت تحظى بتأييد ودعم من "الغرب" بصورة معلنة او مستترة ، بل أن بعضها جرت محاولات لتصنيعه ، وتلك احدى مفارقات الصراع في منطقتنا وعلى ضفافها اذا جاز التعبير، سواء شمال المتوسط أو عبر القارات. المعركة حاليا لا تدور بالجيوش وحدها ، وسيلة للصراع ، وليس الاقتصاد والآيديولوجيا وحدهما علامات أساسية لهذا الصراع ، بل امتد الصراع وشمل على نحو أوسع وأعمق تأثيرا الحقل الثقافي. وليس عبثا أن يعبر الرئيس الفرنسي جاك شيراك في حفل افتتاح اليونسكو الـ 33 في تشرين الأول (أكتوبر) 2001 عن ذلك حين قال "ان القرن التاسع عشر شهد صراعات القوميات والقرن العشرين شهد صراع الايديولوجيات ، اما القرن الحادي والعشرين فقد شهد صراع الثقافات" . لقد جعلت "العولمة" العالم كله "قرية كونية" وان كنت من الذين ينددون بالعولمة ويلحظون سلبياتها الكثيرة، الا ان للعولمة ايجابياتها غير القليلة ايضا، وعلى النخب الفكرية والثقافية العربية والاسلامية والعالمثالثية ومعها نخب اوربية وغربية متنورة ، ان تسعى لعولمة حقوق الانسان والمعرفة وثقافة التسامح والعدل والاستفادة من المنجز العلمي ـ التقني على المستوى العالمي لما فيه خير البشرية وسلامها وتقدمها ورفاهها. واذا كان رد الفعل شديدا وسريعا" ازاء ما نشرته الصحيفة الدانماركية وعدد من الصحف الاوروبية، فإن ردود الفعل العربية والاسلامية ازاء ما صدر من قوانين لمكافحة الارهاب رغم انها كانت مفصلة عليهم لم تكن بالمستوى المطلوب. ان بعض التصرفات العنصرية تثير العديد من التساؤلات القديمة الجديدة: هل نحن في مجابهة مع الغرب ؟ و هل ثمت مواجهة بين الغرب والاسلام؟ هل هي مشكلة الحداثة او ما بعد الحداثة؟ هل في الاعلان عن دخول عالم " ما بعد التاريخ " الذي دعا اليه فرانسيس فوكوياما بإقرار ظفر الليبرالية على المستوى الدولي كنظام سياسي واقتصادي ، يوصل العالم الى شاطئ السلام؟ أم الاقرار بـ "صراع الحضارات" الذي دعا اليه صموئيل هنتنغتون حين طلب شحذ جميع الاسلحة لمواجهة الخطر الراهن؟ وقصد به الاسلام بعد انهيار الشيوعية على المستوى الدولي. اين هي حدود الوصل والفصل بين الدعوة الى التعددية واحترام حقوق الانسان وحرية السوق ، ازاء محاولات فرض الاستتباع والهيمنة ؟ وكيف السبيل الى اجراء اصلاحات ضرورية في العالم العربي والاسلامي كتعبير عن استحقاق وحاجة ماسة داخلية أولا وقبل كل شئ وليس ارضاء لأحد أو استجابة لطلب خارجي ! ثمت وجهتا نظر مخطؤتان في رؤية كل من الغرب الى العرب والمسلمين وفي رؤية العرب والمسلمين الى الغرب بشكل عام ، وان كنت لا أنفي التمايز في المواقف لكلا الفريقين ، الا ان هذا ما زال هو السائد ، بل واليومي والذي يحدد علاقة السياسة بالثقافة احيانا و بالعكس . وكمقدمة لهذه الفقرة اقول ان هناك نحو مليار وأربعمائة مليون مسلم أو ما يقارب ذلك متوزعين على أكثر من 60 بلدا بينهم 57 دولة اسلامية (عضو في المؤتمر الاسلامي) اضافة الى بلدان يشكل المسلمون جزءا كبيرا من سكانها (اقلية عددية كبيرة) مثل الهند و اثيوبيا ، وهناك 16 مليون مسلم في روسيا وحدها . ان سكان العالم الاسلامي يؤلفون نحو خمس سكان العالم ، كما تؤلف البلدان الاسلامية نحو ثلث دول العالم البالغة 190 دولة . لقد ظل الفهم قاصرا في النظر الى المسلمين باعتبارهم "كتلة واحدة" "والاسلام شيء واحد"، بل هناك ادغاما وتشوشا احيانا في توصيف الجماعات الاسلامية والاسلام أو بين المسلمين والاسلاميين والاسلامويين، وذلك في حمى الحديث عن "التهديد الاسلامي" و "الخطر الاسلامي" ، وبإستعادة لغة الحرب احيانا عند الحديث عن الاسلام باعتباره "عدوا" وليس المكون الثقافي لمئات الملايين من البشر. وحسب وجهة النظر هذه تكاد تكون غالبية المسلمين "مجبولة" على الارهاب وعلى "العدوانية" التي تدمغهم دون تمييز او تمحيص او محاولة للفهم بأصول الدين وبالقانون والانظمة السائدة وبالسياسة المتبعة وبالعلاقات الدولية ، ناهيكم عن التنوع والاختلاف التي تمتاز به المجتمعات الاسلامية مثل غيرها من المجتمعات. فللإسلاميين وللمسلمين بشكل عام آراء مختلفة في السياسة والمجتمع والعلاقات تبعا لاختلاف المصالح والأهداف والتصورات. والاسلام ليس كله ولا حتى المسلمين كلهم أو معظمهم او حتى جزء مؤثر منهم يؤيدون تنظيم القاعدة أو رؤية حكومة طالبان الأفغانية أو نموذج اسامة بن لادن او قطع الرقاب وجزّ الاعناق وتفجير السيارات المفخخة، ولعلهم لا يرحبون بقيام دولة دينية لما أفرزته التجربة المريرة في أفغانستان وغيرها من "الأنظمة الإسلامية"، بل ان قسما كبيراً وحاسماً من الاسلاميين ناهيكم عن المسلمين لم يؤيدوا اجراءات حكومة طالبان وتعصب تنظيم القاعدة والتوجهات الارهابية التي اعتمدها، بما فيها تحطيم التماثيل البوذية في باميان باعتبارها "غير اسلامية" وهو موقف فيه الكثير من انعدام الذوق والحس الجمالي ناهيكم عن كونه تفريط بثروة تاريخية عالمية ذات قيمة لا تقدر بثمن ، وكذلك الموقف من المرأة و قضايا التقدم الاجتماعي والمجتمع المدني والتفاعل مع الحضارة الانسانية. المجتمعات العربية والاسلامية مثل غيرها من المجتمعات الانسانية تمثل حضارة وتاريخا وقيما وتوجهات فكرية وقومية وثقافية واختلافات سياسية ومدارس نظرية بخصوص التنمية والتطور، وهي تتأثر بالعالم وبكل ما يجري حولها من تقدم وعلوم وتكنولوجيا وافكار ومتغيرات . ومع ان هويتها العامة هي الاسلام ، فهو ليس دين حسب ، بل هو في نهاية المطاف حضارة لامم وشعوب وتكوينات عرقية وأثنية ولغوية وأصول متنوعة ، ساهم الاسلام في حياتها دون ان يضع حاجزا امام انخراطها في الركب الحضارى نحو الحداثة والديمقراطية وحقوق الانسان ،وهو ما يتم التطلع نحوه بشكل كبير وهو ما يجري الصراع حوله بشكل أكبر بين التيار التقليدي والتيار الحداثوي. واذا كانت نظرة "الغرب" الى الاسلام قاصرة وان كانت بالطبع نظرة غير موحدة بحكم وجود تيارات وتوجهات فكرية وثقافية مختلفة ، الا ان هذه هي نظرة الغرب السياسي ، وبخاصة ازاء التيارات الاسلاموية التي قد تشمل احيانا الاسلام ككل لاسباب سياسية ، فان النظرة السائدة في العالم العربي والاسلامي الى "الغرب "هي الاخرى نظرة "كلانية" او كلية، أي شمولية مستندة الى التاريخ أحيانا بل تلجأ الى استحضاره بشأن الصراع بين "الغرب" و"الاسلام" كلما وجدت حاجة الى دعم وجهات نظرها الراهنة ، فهو صراع تاريخي ، حتمي منذ حروب الفرنجة " ولا أقول الحروب الصليبية" وقبلها في الفتوحات الاسلامية ، بل انها حرب "صليبية جديدة" كما يذهب البعض. الصراع اذن حسب وجهة نظر بعض المتطرفين والمتعصبين في العالمين العربي والاسلامي مثلما هو رأي المتطرفين اليمينيين في " الغرب " هو صراع متوارث ، قيمي وديني وأخلاقي ، لا سبيل للتلاقي أو التعايش معه ، لأن الحضارة الغربية هي حضارة مسيحية - يهودية ، ويتم دمغها احيانا "بالكافرة" وحسب هذا المفهوم فهو صراع تناحري لا سبيل الى حله سلما او اعترافا بالاخر، وذلك دون النظر الى المصالح المشتركة والمنافع المتبادلة والمشتركات الانسانية. واذا كانت السياسة هي في المحصلة تعبيراً عن صراع واتفاق المصالح وليس اختلافات عقائدية حسب، فإن الثقافة هي جسر التواصل بين البشر والكيانات بحثا عن المشتركات الانسانية وفي اطار حقول المعرفة . والثقافة في نهاية المطاف معرفة، والمعرفة سلطة على حد تعبير الفيلسوف البريطاني فرانسيس بيكون، وعلى العرب والمسلمين تنمية سلطتهم بالمعرفة . وكان تقرير التنمية البشرية لعام 2004 الصادر عن الامم المتحدة قد كشف حجم النقص الفادح في المعرفة والحريات التي تعتبر من اهم معوقات التنمية في البلدان العالمثالثية ومنها البلدان العربية والاسلامية ، اضافة الى تهميش دور المرأة وعدم الاقرار بحقوق الاقليات. المداولة والشراكة والحوار وسيلة للتواصل الحضاري ولتعزيز وتطوير جسر الثقافة، الذي يمكن استخدامه سلبا أو ايجابا ،" فالغرب" ليس وحده مسؤولا وان كانت مسؤوليته اساسية ولا يمكن تخفيفها تحت اي مبرر كان ، في الاجابة عن بعض الاسئلة التي تضعها تحديات العولمة في اطار الثقافة الكونية متعددة المشارب والاصول والتكوينات، ومن هنا يتعاظم القلق المشروع لدى مئات الملايين من المسلمين حين تنتشر وتستشري بعض النزعات العنصرية في الغرب ليس على الصعيد السياسي فحسب بل على الصعيد الثقافي ايضا" تلك التي تستخف بمقدسات المسلمين وتسيء الى معتقداتهم ونبيهم !!
#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مفارقات - الالتباس- الحضاري مسيحيو العراق والاساءة الى النبي
...
-
حوار مع الناقد والمفكر العراقي عبدالحسين شعبان
-
رؤية في مشروع الدستور العراقي الدائم
-
هل هو فعل إكراه أم فعل ارادة ؟
-
الفيدراليات العراقية بين التأطير والتشطير
-
تقرير متخصص يسلط أضواء جديدة علي الوضع الانساني (2-2) أكثر م
...
-
العقوبات أسهمت في تفاقم انتهاك حقوق الانسان
المزيد.....
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
-
“ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|