|
من أجل بغداد .. أخشى أن ؟
نعيم عبد مهلهل
الحوار المتمدن-العدد: 1463 - 2006 / 2 / 16 - 12:23
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
يقولون : أن كبرياء العواصم لا يحترم المدن الأخرى .! لا ادري إن كان هذا ينطبق على بغداد ، تلك المدينة المسورة بحلم قديم ، لم يصنعه الخليفة المنصور فقط ، فلربما صنعته أغنية من أغاني المرحومة صديقة الملاية . يوم عبروا بنعش الأمام الشهيد موسى الكاظم ع على جسر يربط الرصافة بالكرخ ، قال أحد الذين غلبهم شوق التشيع : ويحك بغداد ، تقتلين إماماً ! ولكي نرد على عاشق المذهب برغبة الانتقام الخليفة الآمر بسيناريو قتل إمام . نقول : العواصم تطيع ولاتها ، لأنهم يهندسون فيها هوسهم حد الأسطورة . أما الأئمة فهم قديسو الرغيف اليابس وسجادة الصلاة فلا شان لهم بالعواصم ولهذا أودعت بغداد قبر سليل أبي الحسنين ع في قبر بإطرافها ، هي اليوم منطقة عامرة تسمى الكاظمية . الحكام يعشقون العواصم أكثر من النساء الفاتنات . العواصم عندهم فوق حسابات مدن البلاد الأخرى . الرشيد قال لجعفر البرمكي : اجعلها فاتنة الدنيا . قال جعفر : ولكنها لن تكون لحدك يا مولاي ؟ قال : ويحك كيف عرفت ؟ قال : مكتوب في قرطاس أجفانك . ضحك الرشيد ، ولم يصدق ، ولم يغضب ، إذ يومها كان البرامكة قريبون إلى شغاف القلب . الرئيس السابق أراد أن يخلق من بغداد ولعا كالرشيد فقال للمفتي رحمه الله وكان يومها أمينا للعاصمة في أوار الحرب العراقية الإيرانية وهو من أكباش فدائها أيضاً : أريد أن تضع عينا على بغداد وأخرى على جهد الحرب الهندسي . مر واحدة سها المفتي عن الأمر وأنشغل بإكمال طريق تعاوني خلف سواتر القتال في جبهة مجنون ، وقيل إن الموكب الرئاسي كان مارا في احد شوارع بغداد وتطايرت أمامه أوراق نفايات طريق . فتسائل : أين المفتي .؟ قيل له : انه في جبهة مجنون يكمل طريقا تعاونيا خلف السواتر في قاطع فرقة مشاة 30 . ويقال : إن عينا الرئيس أومضت بقدح احمر ، وأشرت بإكمال سير الموكب . أذن كان الولاة في لحظة زهوهم بعواصمهم يتناسون حتى سلامة جندهم . ورغم هذا فهي في لحظة من لحظات التأريخ ( حسبت جيدا أم لم تحسب ؟) لن تكون مأوى أو ملاذا آمنا لكل أولئك الذين جملوها بالقصور وحدائق الحيوان والعمارات والنصب التي تمجد الحاكمين الذين هم أصلا لم يولدوا فيها . ففي العصر الحديث للدولة العراقية من الملك فيصل حتى الرئيس الطلباني لم تمنح العاصمة بغداديا حكم البلد . الملك الهاشمي وذريته حجازي . الزعيم عبد الكريم قاسم أصله من الصويرة من إداريات الكوت . المشيران عبد السلام عارف وعبد الرحمن عارف هما من الرمادي . الرئيس البكر وصدام من صلاح الدين . الرئيس الياور من شمر العربية ونواة وجودها جزيرة الموصل . وآخر عناقيد الرئاسة العراقية السيد جلال الطلباني ، كردي من طلبان قرية سكنت واحدة من سفوح جبال السليمانية ولها فرع لتكيات القراءة المحمدية في كركوك . والغريب إن العواصم في اغلبها تنأى إن يكون رئيسها جنوبيا أو موقعها جنوبي وهذا ما اعتقده يعود إلى عبارة ديوارانت الشهيرة التي أطلقها في كتابه الموسوعي ( قصة الحضارات ) والقائلة : ( سيظل الشمال والى الأبد يرفد العالم بالقادة والحكماء ، وسيبقى الجنوب والى البد يرفد العالم بالمقاتلين والقديسين ) . ماكان لبغداد وفي بغداد زمن ذهب بعيداً ، الذكريات مرها وحلوها لم تعد تمسح بطراوة الأمل على الذاكرة . بغداد تعبانة ، منهكة ، يعبرون إليها من كل حدود العراق ، من عرعر ، من طربيل وآل بو كمال ..من جهات شتى يؤسسون لفلسفة تجيز للخنجر أن يحز رقبة البراءة وهم يصفون حساباتهم على ذقن المدينة المبدعة ، متحفها سرق ، زوراءها يبست ، مقاهيها خفتت أسطواناتها ، بيوتها القديمة ما عادت تهنئ بنومة الصيف فوق السطوح بسبب طيش الرصاص من الصديق والعدو وحتى الهاون الذي كان ينام في الحجابات جرب حظه فوق بيوت بغداد ، ورغم هذا هناك حكومة تعمل .. ومواطن يعمل عسى أن تكسر السكين التي تذبح الورد وان تذهب بعيدا أمطار خريف الإرهاب عن عاصمتنا . بغداد .. مدينة مبجلة . عاصمة تقرا النص بقراءات لتأويل الحلم من اجل حقيقة واحدة ..إنها باقية من أجل ذكريات الذين غادروا والذين يحلمون لقضاء سهرة طويلة على ضفاف دجلة . هي مدينتنا تتنبأ بحدث الكون ، ولايتنبا الكون بحدثها ، لإنها واحدة من امهر صانعي الغواية والشهوة والسكرة والسجدة والغناء . قال عنها المعري : أراها في بصيرتي المدلهمة خيطا من النور يأتي من السماء . وقال عنها أبن بطوطة : درة بخدين ، الرصافة والكرخ ، ومابعدهما ليس هناك فسحة لحسن الهواء وصفاء البال . القنصل الروسي في العهد العصملي كتب في مذكراته : موسكو تقتل وباء الطاعون بثلاثة أشهر وبغداد قتلته بخمسة أيام . أملي أن لا يجعلها الغرباء غزة ثانية لوهم غواية ميتافيزيقية ما . لأنها إن أرادت أن تتحصن من حزام ناسف فهي تتحصن بالجوادين وقبابهما الذهبية ،بالشيخ والإمام ساكني الأعظمية ، بضريح الحلاج والسهروردي وبضحايا زنازين الشعبة الرابعة والرضوانية وما فعله جند الجنرال سانشيز في قواويش أبي غريب . أمنية أخيرة ... أن أرى البط في دجلة يأكل الخبز من أيدي الأطفال ، وان لا تصير البتاوين بيتا للظلمة والمتعة تدار بعقول السودانيين .. وان تبقى بغداد رائية للشعر والحب ومصدر ذهول كل قادم جديد إليها ، خاصة أولئك الذين ترسلهم صرائف مدارس الأهوار والريف إلى جامعاتها . فعلى حد قول احدهم : من محاسن العواصم ، إنها تأوي الجهات كلها . وبغداد عمرها ما غفت عن جهة من جهات العراق .
#نعيم_عبد_مهلهل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رجل البنتاغون رامسفيلد .. شاعراً
-
كم أحب النخلة ..لأنها تشبه ابتسامة كاردينالاً مندائياً يحب ا
...
-
أزهار بودلير .. وهي تتنفس حياتنا بتأوه
-
أنا أحسد الذين يعيشون خارج أسطرة ما أنا فيه
-
الكنائس العراقية والجبنة الدنماركية ....
-
قلب العراق ...قلبنا جميعاً
-
وزارة الموارد المائية أنموذج للقادم العراقي من ارث الحكومة ا
...
-
قصة قصيرة ..جولة ليلية للليل
-
قصة قصيرة ....كلبة فوق سطح القمر ....
-
ِيوم في حياة وزير الموارد المائية العراقي
-
خواطر كونكريتية
-
قصائد معتقة كخبز وجدوه في كهف أثري
-
قصة قصيرة ..الحرب وذاكرة موزارت
-
قصة قصيرة...الخرافة ..هي أن لاتكون قبل أن تكون
-
قصة قصيرة ......لماذا يموت البلبل ؟...................
-
قصة قصيرة ...كلب القرية لا ينبح بل يغني .
-
من يضيف إلى عينيك الكحل غير أصابعي
-
قصة قصيرة....أبي في متحف اللوفر...
-
قصة قصيرة...شفتا صديقتي تكتب القبلات ببراعة
-
قصة قصيرة ...الشراكسة ومدحت باشا ومدينتي
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات
/ صباح كنجي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت
...
/ ثامر عباس
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|