|
الاعلام و التغيير
محمد مجدى عبدالهادى
الحوار المتمدن-العدد: 1463 - 2006 / 2 / 16 - 12:17
المحور:
الصحافة والاعلام
عندما يطرح سؤال الاعلام ، فلا يمكن ان تكون محايدا ، فأنت اما مع -بشروط او بدون شروط- و اما ضد فالاعلام اذا ما غضضنا الطرف عن تقنياته -رغم اثرها الهام- هو دائما ذو مضمون ايديولوجى -فرسالة ما ،من مرسل ما ،الى مستقبل ما،فى ظرف اجتماعى ما ،هى بالضرورة ذات هدف ، يحدده المرسل فى ضوء الظرف الاجتماعى بعامة ، و مصالحه و توجهاته بخاصة و اذا كان الاعلام ذى مضمون ايديولوجى ، فهو بالضرورة ذو توجه سياسى محدد ، و بعد اجتماعى معين و اذا كان الأمر كذلك ، فان المضمون الاعلامى يتنوع و يتلون و يتناقض ، بقدر تنوع وتلون و تناقض ،مكونات البنية الاجتماعية ،و قوى الشارع السياسى ، و الأفكار المتداولة ، و هو يعكس كذلك علاقات القوى بينها و عندما يكون التغيير هو الهم الأكبر لأمة ، فلابد للمهمومين بهذا التغيير ، أن يجيبوا على كل سؤال من منظور هذا التغيير ، و لا شك فى أن سؤال الاعلام هو أحد أهم هذه الاسئلة لهذا ستختص مداخلتى بالحديث عن واقع لاعلام العربى فى معركة التغيير ، سواء فى حاضره الحدود او مستقبله المنشود الناظر فى ساحتنا الاعلامية ،سيراها تتوزع بين اربع ساحات فرعية ، هى : 1-ساحة الاعلام الحكومى ، المسمى كذبا بالقومى ،و هو بطبيعة الحال ،و بحكم الاستبداد الذى نعيش فى ظلماته ، يخدم الأنظمة الحاكمة ، و يؤدى دورا رجعيا ، كما يفتقد الى المصداقية عموما ، و ان كان يمارس تأثيرا مهما على الجماهير 2-ساحة الاعلام التجارى ، و هى التابعة للقطاع الخاص الهادف للربح ، و هو يلعب دوره تبعا لمصالحه ، و لتوجهات المسيطرين عليه ، و على أساس هذا تتحدد مواقفه من النظم القائمة ، أما الفنون التى يروج لها ، و التى يعتبر الاسفاف سمتا لها ،فهى تلعب دورها التخريبى المنشود فى تخدير وعى الجماهير ، و تزييف وعيها ، اضافة الى الدعم غير المقصود للسلفيين ؛ و لهذا فهذه الساحة تلعب بصفة عامة دورا رجعيا 3-ساحة الاعلام السلفى ، و هى ساحة واسعة وكبيرة ، تمارس معارضة ما للنظم القائمة ، و ان كانت تروج لمضمون سياسى رجعى ، و تنبع خطورتها من كونها تتمتع بمصداقية و فاعلبة كبيرتين 4-ساحة الاعلام التقدمى ، و هى تضم كل المنابر و الأدوار الاعلامية التى تتبناها التيارات التقدمية عموما ، من القوميين الديموقراطيين ، و الاسلاميين المستنيرين ، و العلمانيين التقدميين ، و هى أصغر الساحات الاعلامية جميعا ، و أضعفها تأثيرا ، حتى اللحظة الراهنة و المدقق فى الساحات السابقة ، سيلاحظ حتما ترتيبها تنازليا من حيث القوة و الانتشار ، مع ملاحظة عدم اختلاف الساحتين الأوليين من حيث الاتجاه العام و اذا كانت الساحتين الأوليين تلعبان دورا رجعيا واضحا و مباشرا ، تعيه الجماهير بصور متفاوتة ، و أشكال مختلفة ، و اذا كانت الساحة السلفية تلعب دورا رجعيا بصفة عامة ، كما أن التغيير الذى تنشده ، ليس هو التغيير الذى نتمناه ، فان الساحة الأخيرة -ساحة الاعلام التقدمى- هى وحدها التى يقع على كاهلها عبء التغيير ، فهى حاملة لواءه ، و قاطرة طليعته الى الجماهير و هذا هو ما يحتم الاهتمام بهذه الساحة ، و انعام النظر فيها و اذا فعلنا هذا لاحظنا -كما سبق أن ذكرنا- أن هذه الساحة هى أضعف الساحات الاعلامية تأثيرا ، و اذا كان صغر حجمها أمر مقبول بحكم ضعف الامكانات ، فان ضعف التأثير أمر غير مقبول بالمرة ؛ لأنه يعنى ضياع الأمل فى التغيير ذاته ، أو و هو الأسوأ ، ترك الأرض واسعة لليمين الدينى الرجعى ، ليقوم هو بالتغيير ، و لكن للأسوأ ، التغيير للخلف ، بشعاره الأزلى "لليمين در" لهذا فعلينا دراسة أسباب ضعف الاعلام التقدمى ، دراسة شاملة ، تشارك فيها كل القوى المعنية بمستقبل هذه الأمة ، انطلاقا من وعيها بالدور الهام للأعلام فى عملية التغيير ،فقبل أقل من قرن قال لينين : أعطنى جريدة ، أعطك ثورة و من جانبى هنا فلن أتناول الا بعض الأسباب ، التى أراها الأكثر أهمية و محورية ، كاشارات عامة ، تمثل مدخلا لمعرفة أسباب المشكلة ، و التى عن طريق معرفتها ، يمكن استخلاص نتائج نبنى عليها فى حل المشكلة ، و تجاوز الواقع المرير : أول الأسباب هو ضعف الامكانات ، و يتضح ذلك بصفة خاصة اذا ما تمت المقارنة مع الساحات الأخرى ، و هو أمر طبيعى ، و لايجوز اتخاذه ذريعة لضعف قوى التغيير ، فدائما ما كانت القوى الطليعية قليلة الزاد ، فهى سمة عامة لها ، كما أن الأهم ليس الحجم ، بل الفاعلية ثانى الأسباب ، هو ضعف التنسيق بين القوى و المنابر التقدمية ، و هو بطبيعة الحال يغذى الضعف الأول ، و يعزز آثاره ، فيجب على قوى التقدم محاولة التنسيق من أجل سياسة اعلامية -ضمن السياسات الكفاحية الخرى- موحدة ، و التغاضى مؤقتا و بصورة جزئية عن خلافاتها الصغيرة و الكبيرة ، و التى تدور فى الغالب حول مسائل لا علاقة لها بالحاضر الآنى أو بالمستقبل القريب ، بل ربما دارت فى بعض الأحيان بسبب خلافات و ثارات سياسية و تنظيمية ، بل و أحيانا شخصيةأ سبب ثالث ، هو الافتقاد لاستراتيجية واضحة ، يمكن من خلالها توصيل الرسائل المطلوبة للجماهير ، بل يتم العمل بصورة عشوائية ، غير مخططة ، تضر و لاتنفع ، و تقود بالضرورة للانعزال عن الجماهير ، التى لا تتجاوب و الرسائل الاعلامية للساحة التقدمية ، بل ربما استهجنتها هذه هى الأسباب العامة لضعف الاعلام التقدمى الطليعى من وجهة نظرى ، و التى أراها متشابكة متضافرة العمل ، بحيث أنه لا يجوز التعامل مع سبب دون التعاطى مع باقى الأسباب ، التى تربطها بها علاقة جدلية ، فلا شك فى ان عدم التنسيق بين قوى الاعلام الطليعى يقلل من تأثيرها ، بتفتيته و تشتيته لهذه القوى ، التى لا تستطيع أى منها منفردة التصدى لقوى الرجعية ، اضافة الى أن عملها منفردة ،و عدم التنسيق بينها ، يدفع كل منها للعمل وفق استراتيجية خاصة به -هذا اذا افترضنا ان لدى بعضها استراتيجية ما- و هو ما يؤول فى النهاية لعدم الفاعلية و عدم الكفاءة للاعلام التقدمى ككتلة عامة ، حيث يفتقد للمصداقية أمام الجماهير ، و للقوة أمام الرجعية ، التى تجيد استغلال الخلافات و التناقضات الداخلية للكتلة الطليعية ؛ لضرب قواها و فرقها ببعضها البعض و هكذا ، فان أزمة الاعلام الطليعى انما هى جزء من أزمة القوى الطليعية ذاتها ، بل هى تعبير عنها ، كما أنها سبب لها ، فيجب على هذه القوى أن تفهم أن الاعلام هو قاطرة التغيير ، فبه يبدأ ، و عليه يستند ، كما أن عليها أن تعى أن الخطوة الأولى و الحاسمة لاصلاح أداتها الاعلامية ، هى التنسيق من أجل الالتزام باستراتيجية ملائمة و موحدة ، تعزز قوتها فى مواجهة الخصوم ، و مصداقيتها أمام الجماهير
#محمد_مجدى_عبدالهادى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حقيقة الأزمة الفنية فى مصر - التحليل الاقتصادى لأزمتنا الفني
...
-
و اذا قرأنا ، فماذا نقرأ؟
-
متى يقبل الاشتراكيون الارهاب الفردى؟
-
عن التقارب الأخير بين الحكومة و الاخوان
-
أسطورة الحزب الاشتراكى العام
-
الديموقراطية التى تريدها اميركا
-
الاصلاح السياسى:ضرورته،ممكناته،مخاطره
المزيد.....
-
الإدارة الأمريكية توضح جهودها لـ-تهدئة التوترات- بين تركيا و
...
-
عائلات فلسطينية ترفع دعوى على الخارجية الأمريكية بسبب دعمها
...
-
نهاية أسطورة الاستبداد في المنطقة
-
-ذي تلغراف-: الولايات المتحدة قد تنشر أسلحة نووية في بريطاني
...
-
-200 ألف جثة خلال 5 سنوات-.. سائق جرافة يتحدث عن دفن الجثث ب
...
-
وليد اللافي لـ RT: البرلمان الليبي انحاز للمصالح السياسية وا
...
-
ميزنتسيف: نشر -أوريشنيك- في بيلاروس كان ردا قسريا على الضغوط
...
-
خوفا من الامتحانات.. طالبة مصرية تقفز من الطابق الرابع بالمد
...
-
ألمانيا وفرنسا وبريطانيا تدعو إيران إلى -التراجع عن تصعيدها
...
-
طهران تجيب عن سؤال الـ 50 مليار دولار.. من سيدفع ديون سوريا
...
المزيد.....
-
السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي
/ كرم نعمة
-
سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية
/ كرم نعمة
-
مجلة سماء الأمير
/ أسماء محمد مصطفى
-
إنتخابات الكنيست 25
/ محمد السهلي
-
المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع.
/ غادة محمود عبد الحميد
-
داخل الكليبتوقراطية العراقية
/ يونس الخشاب
-
تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية
/ حسني رفعت حسني
-
فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل
...
/ عصام بن الشيخ
-
/ زياد بوزيان
-
الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير
/ مريم الحسن
المزيد.....
|