ومن العرض السابق فى البحث نستطيع ان نستخلص الحقائق التالية :
(1)
جاءت نشأة اتفاقية الجات فى إطار حركة الاقتصاد الرأسمالى وسعيه الحثيث لتجنب حروب اقتصادية بين أطرافه، تهدد بتفجير النظام من الداخل على شاكلة تلك الحرب التى شهدتها الثلاثينيات وأدت إلى أزمة الكساد الكبير والتى أشعلت فتيل الحرب العالمية الثانية.
(2)
نجحت الجات منذ 1947، وعبر سبع جولات تفاوضية سبقت جولة أورجواى أن تحتوى التناقضات الضخمة التى تعتمل داخل النظام الرأسمالى العالمى، خاصة عندما بدأ يواجه مشكلات اقتصادية ضخمة فى السبعينات (كساد تضخمى، بطالة، انهيار بريتون وودز لأسعار الصرف، انتشار موجه الحمائية الجديدة بين الدول المتقدمة)، وساعد على ذلك توحد الدول الرأسمالية فى مواجهة العدو المشترك (الكتلة الاشتراكية) والتى كان وجودها يشكل نفيا جزئيا لانفجار التناقضات داخل النظام الرأسمالى.
(3)
ومع سقوط دافع التوحد بانهيار المنظومة الاشتراكية تفجرت من جديد التناقضات الكامنة بين دول المنظومة الرأسمالية، وبرز ذلك بوضوح خلال مفاوضات جولة أورجواى، حيث كادت خلافات الولايات المتحدة والمجموعة الأوربية واليابان أن تتسبب فى انهيار المفاوضات برمتها، وتعريض العالم لحرب تجارية شاملة.
(4)
ولم تكن الجات - بأى شكل من الأشكال - تصورا أو خيارا للدول النامية فرضته مصالحها، فحين انشأت الاتفاقية كانت معظم الدول النامية مازالت مستعمرة، وبعد استقلال هذه الدول، وعبر جولات التفاوض الثمانى فى إطار (جات)، لم يكن للدول النامية أى دور يذكر، وعجزت عن صياغة تصور جماعى لمصالحها تمارس من خلاله مساومة إيجابية للوصول إلى وضع أفضل داخل (جات).
(5)
وقد شكلت جات الإطار التنظيمى الذى مارست خلاله الدول المتقدمة عملية التراكم الرأسمالى عن طريق النهب المنظم للفائض المتحقق بالدول النامية، واستنزاف مواردها الأولية، وضمان بقاء أسواقها مفتوحة على مصراعيها أمام السلع ورءوس الأموال القادمة من الدول المتقدمة.
(6)
وكما كان انهيار الكتلة الاشتراكية عاملا فى تفجير تناقضات البنية الرأسمالية كان ايضا عاملا مؤثرا بالسلب على الدول النامية، فقد وضع - الخلل الرهيب فى توازن القوى الناجم عن هذا الانهيار - الدول النامية فى مواجهة الغول الرأسمالى والذى كان وجود الكتلة الاشتراكية يلجم - نوعا ما - كثيرا من طموحاته، وذلك فى ظل الأوضاع المتدنية التى تعانى منها الدول النامية.
(7)
تعد اتفاقية جولة الأورجواى التى عقدت فى إطار (الجات) كارثة بكافة المقاييس بالنسبة للدول النامية، فقد فتحت الباب بلا حدود أمام انسياب المزيد من المكاسب التجارية باتجاه أغنياء الشمال، وذلك على حساب السواد الأعظم من الدول محدودة ومتوسطة الدخل فى الجنوب.
(8)
عبر اتفاقية الجات حققت الولايات المتحدة من جانب وحليفاتها (أوروبا - اليابان) نتائج مبهرة لم تكن تحلم بها قبل سنوات مضت منها:
أ- إعادة ترتيب البيت التجارى الغربى من الداخل بهدف تغليب المصالح المشتركة وإزالة كل مظاهر الانقسام والاحتكاك والتوتر التجارى لتحل محلها آليات التعاون والتنسيق، والهدف يكمن فى تعميق الهيمنة الأمريكية - الاوروبية - اليابانية المشتركة على مقدرات أسواق التجارة العالمية بلا منازع.
ب - حرمان عدد ضخم من الدول النامية المستوردة للحبوب والأغذية والمنتجات الأخرى من أى مزايا سعرية هامشية سابقة كانت تحصل عليها قبل الاتفاق بفعل التنافس السعرى المشروع بين كبار المنتجين فى الولايات المتحدة وأوروبا واستراليا وغيرها، والنتيجة زيادة بالمستوى العام فى أسعار السلع الغذائية فى السوق العالمية تتراوح نسبتها بين 10 إلى 25%.
ج - استحداث نظم وقواعد وآليات جديدة تؤدى فى مجملها إلى فتح أسواق الدول النامية بدون قيود أمام منتجات الدول الصناعية.
د - اعتصار مكاسب اضافية من الفقراء محدودى الدخل فى الجنوب لصالح مترفى الشمال تقدر فى مجموعها بنحو 350 مليار دولار سنويا، منها 200 - 255 مليار دولار فى شكل اعفاءات جمركية مباشرة نتيجة إلغاء نظام الحصص.
(9)
إذن، تشكل اتفاقية الجات امتدادا صارخا لنفس السياسات التجارية الاحتكارية التى ينتهجها الغرب الصناعى منذ بضعة عقود، والتى كان من أبرز نتائجها احتكار أسواق المنتجات الزراعية والمواد الأولية والمواد الخام بما فيها النفط الذى يباع حاليا بما يقل عن نصف قيمته الحقيقية.
(10)
الأخطر من كل هذا، هو إنشاء منظمة التجارة العالمية، بما يعنى تحول الجات من اتفاقية إلى منظمة عالمية ملزمة قانونيا للأطراف المشاركة فيها، وتكمن الخطورة فى ان هذه المنظمة ستضم فى إطارها جميع القضايا الشائكة التى فشلت الجات فى التوصل إلى
حلول لها بما فى ذلك تحرير اللوائح والقوانين الداخلية - فى الدول الاعضاء فى هذه المنظمة - والتى تشكل عائقا فى وجه التحرير الكامل للتجارة الدولية، بما يهدد - فى حالة تكامل عمل هذه المنظمة مع مايفرضه صندوق النقد الدولى والبنك الدولى من سياسات اقتصادية على الدول النامية تهدف لربط اقتصادها بالاقتصاد الرأسمالى، وتغييراته وازماته المستمره على الصعيد العالمى، ودمج اقتصاديات الدول النامية أكثر فأكثر فى آليات عمل الاقتصاد الرأسمالى، وتصدير أزمات هذا النظام إلى الدول النامية، وتحويل الديون الاجنبية لدى الدول النامية لأصول إنتاجية (الخصخصة) مع ما يصاحب هذه السياسات من أزمات اجتماعية وأمنية (كالبطالة والتطرف)، بفقدان الدول النامية لسيادتها القومية على قراراها السياسى والاقتصادى والاجتماعى، نظرا لإرتباط اسواقها واقتصادها بالخارج، وعدم قدرتها على صياغة بدائل لتنمية شعوبها ومجتمعاتها نابعة من ظروفها الاجتماعية والاقتصادية.
الــهـــوامـــــش
1- اتفاقية الجات والاقتصاديات العربية - ابراهيم نوار كراسات استراتيجية رقم (22)
2- الليبرالية المتوحشة - د. رمزى زكى
3- هل يحتاج العالم لبريتون وودز جديدة - د. رمزى زكى مجلة العربى نوفمبر 94
4- المنظمات الاقتصادية الدولية - د. خالد محمد خالد السياسة الدولية عدد (116)
5- الجات من الاتفاقية الى المؤسسة الدولية متعددة الأطراف - مصطفى أحمد مصطفى
المجلة المصرية للتنمية والتخطيط. المجلد الثانى - العدد الأول يونيو 94
6-الأهرام الاقتصادى 31/1/94
7-هل يحتاج العالم لبريتون وودز جديدة - د. رمزى زكى مصدر سبق ذكره
8- السياسة الدولية عدد 116 - م-س-ذ
9-الشرق الاوسط 11/4/94
10-العالم اليوم 19/2/93
11- مجلة شئون عربية ديسمبر 1994
12-الجات من الاتفاقية إلى المؤسسة الدولية - المجلة المصرية للتنمية والتخطيط م-س-ذ
13-دورة أورجواى والعالم الثالث - حسابات المكسب والخسارة - عبد الفتاح الجبالى السياسة الدولية 118
14-المجلة المصرية للتنمية والتخطيط م.س.ذ
15-السياسة الدولية عدد 118 م.س.ذ
16-المصدر السابق
17-الأهرام الاقتصادى 25/4/94 - د.ماجدة شاهين
18- المصدر السابق
19- المجلة المصرية للتنمية والتخطيط.م.س.ذ
20- الأهرام الاقتصادى 25/4/94 - م.س.ذ
21- المجلة المصرية للتنمية والتخطيط م.س.ذ
22- التقرير الاستراتيجى العربى 1992
* ميكى كانتور: عين فى منصب الممثل التجارى الخاص مكافأة له على جهوده فى حملة بيل كلينتون.. وقد قضى معظم حياته العملية محاميا فى لوس انجلوس.
23- العالم اليوم 13/3/93
24- السياسة الدولية عدد 116 ابريل 94 (ماذا تعنى النافتا لامريكا) نزيرة الافندى
25-نفس المصدر السابق
26-الآسيان والابيك : خيارات الاقليمية فى شرق آسيا- أحمد محمد فرج - السياسة الدولية عدد 116
27-نفس المصدر السابق
28-مجلة الحوادث 3/12/93
29- الخليج 14/12/93
30-نفس المصدر السابق
31-الاهرام الاقتصادى 25/4/94 - م.س.ذ - د. ماجدة شاهين
32-السياسة الدولية عدد 118 - عبد الفتاح الجبالى م.س.ذ
33- الاهرام 18/3 د. سعيد النجار
34- السياسة الدولية عدد 112
35- العالم اليوم 13/11/93
36-الاهرام 18/3/94
37-رمزى زكى - الليبرالية المتوحشة - شئون عربية ديسمبر 1994
38-الاهرام 15/4/94 د. سعيد النجار
39- السياسة الدولية 118 عبد الفتاح الجبالى
40- شئون عربية ديسمبر 1994
41-نفس المصدر السابق
42- الاهرام 16/4/94
43-الاهرام 16/4/94
44-شئون عربية ديسمبر 1994 - م.س.ذ
45- السياسة الدولية عدد 118
46- الاهرام الاقتصادى 31/1/94
47-الاهرام 22/4/94 د. سعيد النجار
48- شئون عربية ديسمبر 1994
49-نفس المصدر السابق
50-الوفد 12/12/93
51-الجات والاقتصادات العربية كراسات مركز الاهرام الاستراتيجى - ابراهيم نوار - شئون عربية ديسمبر 1994
52- الجات والاقتصادات العربية - م.س.ذ
53-شئون عربية - م.س.ذ
54-شئون عربية ديسمبر 1994
55-نفس المصدر السابق
56- الجات والاقتصادات العربية - ابراهيم نوار
57- شئون عربية
58- المجلة المصرية للتنمية والتخطيط يونيو 94
59- السياسة الدولية عدد 118
60- الحياة 7/9/94 - جميل مطر
61- السياسة الدولية عدد 118،