|
الذكرى المئوية لثورة أكتوبر - (5/ دكتاتورية البروليتاريا)
موسى راكان موسى
الحوار المتمدن-العدد: 5653 - 2017 / 9 / 28 - 01:39
المحور:
ملف الذكرى المئوية لانطلاق ثورة أكتوبر الاشتراكية في روسيا
نعرف أن حكومة البلاشفة تشكلت في معظمها من المثقفين لا من البروليتاريا ، و هؤلاء المثقفين سواء حُسبوا (منسلخين من طبقتهم) أو (مثقفين عضويين) أو كحلفاء للبروليتاريا من (الطبقة الوسطى/المتوسطة) أو (البرجوازية الصغيرة/الصغيرة الجديدة/الوضيعة) غير مهم طالما حُسبوا من (( الطليعة )) ؛ رغم أن التحديد الطبقي مهم لفكر يتبنى الصراع الطبقي ، إلا أننا نرى أن أصحاب هذا الفكر يقفزون على مسألة التحديد الطبقي حين يتعلق الأمر بـ(( ـالطليعة )) ، و يتحوّل الصراع لو حل فيها كـ(( طليعة )) إلى صراع (أفراد) لا (طبقات) [ كما في مسألة ستالين ـ تروتسكي ] ، أو إلى صنف من الصراع غريب عن الصراع الطبقي [ كمثل ما يرى النمري في (جوكوف ، بيريا ، خروتشوف) ممثلين عن (العسكر ، الفلاحين ـ البرجوازية الوضيعة) و ستالين ممثل عن البروليتاريا رغم كونه ليس بروليتاريًا ] .
لا يجب أن يفوتنا أن (( الطليعة )) صارت (( حكومة )) ، بالتالي فإن (( الحكومة )) تصير هي (( الطليعة )) شاء من شاء و أبى من أبى ، و هو ما حدث فعلا ، لذا فإن النظر إلى (تحريفية) أو (خيانة) (( الحكومة )) يجب أن يبدأ من (الإمكان) الذي من (( الطليعة )) ، فما (( الحكومة )) السوفييتية إلا (تحقيق) لـ(إمكان) في (( الطليعة )) البلشفية ؛ بل في (( الطليعة )) من حيث هي مفهوم ماركسي ، قبل أن يجد تحقيقه مع البلاشفة .
(( الطليعة )) البلشفية أعلنت قيام (( حكومة )) دكتاتورية البروليتاريا ، و التي كما سلف معظمها ليسوا ببروليتاريين ، لكن ماذا تعني دكتاتورية البروليتاريا ؟ .
(( تعني الإشتراكية ، حيث تقوم البروليتاريا بمحي الطبقات بما فيه نفسها ، محققة العبور إلى الشيوعية )) ، هذه الإجابة الماركسية البديهية (و لنقل المسلمة العقائدية لمجرد الإغاظة) بجانب كونها تماثل بين (الإشتراكية) و (دكتاتورية البروليتاريا) وفق حتمية غائية مُتخيلة [ و لا يجب أن يخدعنا استعمال (الموضوعية) و (القوانين الاجتماعية) في هذا الموضع ] .. لا تقول شيئا عن (( كيفية )) قيام البروليتاريا بالمحي ؛ بالطبع ما كان لماركس أن يتحدث عن شيء لا يشهده لأنه ليس بطوباوي ، لكن ماركس و إن لم يكن ليتحدث عن شيء لا يشهده فهو فقط لا يتحدث بالتفاصيل ليس إلا ، فهو قد تحدث (بشكل عام) عن الإشتراكية كما عن الشيوعية ، و هي حيلة ذكية لمرء عنده وسواس من أن يُتهم بالطوباوية خصوصا إن كان ممن إستل قلمه ضد الطوباويين ، فلو أن ماركس صمت فلم يتحدث لا بالتفاصيل و لا بشكل عام لكان نجى من أن يُوسم بالطوباوية ، فالذي تحقق على إيدي البلاشفة يدغم ماركس بل و الماركسية بالطوباوية في هذا الشأن ، فالبروليتاريا لم تكن السلطة و إن أدعت السلطة أنها دكتاتورية البروليتاريا ، و بناء الإتحاد السوفييتي لم يكن بيد البروليتاريا بل بفضل واقعية ستالين [ فالخطة الخمسية قامت بها شركات أجنبية معظمها من مجموعة مورغان ـ روكفلر ] و قبله طبعا لولا واقعية لينين لما كان للبلاد أن تنجو (و أن لا تبيت على الطوى) لولا مساعدة الرأسمالية [ و هو القائل : دون مساعدة من رأس المال سيكون من المستحيل لنا الاحتفاظ بالسلطة البروليتارية في بلد مدمر بشكل لا يصدق يشكل فيه الفلاحون ، الذين دُمّروا أيضا ، الأغلبية الساحقة ] ، أما الإنتصار على النازية فلم يكن لمصلحة البروليتاريا إنما لصالح العسكرتيريا [ و مرة أخرى بفضل واقعية ستالين (أيضا في المقابل كان تشرشل واقعيا بدوره فوضع يده في يد الشيطان) ، و لكن أليس الإنتصار هنا هو نوع من أنواع الهزيمة التي لا يُفترض بالماركسي الإفتخار بها ؟! ] ، بعد كل ذلك لو أن البلاشفة فعلا (بشكل خاص لينين و ستالين) كان نبراسهم في الطريق (الماركسية) لما كان لهم شيء من النجاح السالف الذكر [ البقاء ، النجاة ، البناء ، الإنتصار .. إلخ ] ، كل ذلك كان بفضل (الواقعية) لا (الماركسية) .
***
البروليتاريا كما نعرف و تُعرفها الماركسية هي طبقة إجتماعية ، و كأي طبقة أخرى تحوي فئات و مستويات ، لكن قبل الخوض أكثر في هذا الشأن هناك مجموعة من النقاط التي أرى أن ذكرها يعصم من الإلتباس :
* البروليتاري عامل ، لكن ليس كل عامل بروليتاري .
* البروليتاري عامل مُنتج ، لكن ليس كل عامل مُنتج بروليتاري .
* السلعة هي مُنتَج ، لكن ليس كل مُنتَج سلعة .
* البروليتاري عامل أجير ، لكن ليس كل عامل أجير بروليتاري .
* البروليتاريا لا توجد دون أن توجد البرجوازية ، و الوجود هنا متضمن في علاقة إجتماعية إقتصادية معيّنة تبدأ من البرجوازية و تستمر مع البرجوازية و تفنى بفناء البرجوازية ؛ إذا دون برجوازية لا وجود للبروليتاريا ، و العكس غير صحيح .
* البروليتاريا الرثة أو حثالة البروليتاريا هي بروليتاريا فقط كـ(( ـإمكان )) ؛ إذا ففـ(( ـفعليا )) ليست بروليتاريا ، و (( الإمكان )) إنما مرتبط بشروط إجتماعية في ظل هيمنة النمط الرأسمالي كنمط إجتماعي .
أما فيما يتعلق بفئات البروليتاريا فهي تختلف بإختلاف نوع العمل المُنتج و موقعها من عملية الإنتاج [ و هنا حتى المهندس يصير بروليتاري ؛ فقوة عمله تنتهي مع قوة عمل الآخرين في شكل (سلعة) لا (خدمة) ] ، أما ما يتعلق بالمستويات فتختلف بإختلاف المعيار ، أكان المعيار هو الإجادة في العمل فيكون (عامل ماهر) مقابل (عامل غير ماهر) ، أو الرتبة بين العمال فيكون (عامل أرستقراطي) مقابل (عامل عادي) ، أو الثقافة و التعليم فيكون (عامل مثقف/متعلم) مقابل (عامل غير مثقف/متعلم) ، أو غير ذلك مما يكون سهل الملاحظة ؛ كل ذلك يهمنا لنفهم أن الفرق قائم حتى في البروليتاريا نفسها .
بعد أن أستلم البلاشفة السلطة و تشكلت الحكومة و أعلنت ديكتاتورية البروليتاريا ، فنحن أمام أربع خيارات :
1. مع قيام الإتحاد السوفييتي وُجد عمال ، لكن لم يكن هناك أي وجود للبروليتاريا ؛ إذ لم تكن هناك برجوازية كما أن العلاقة الإجتماعية الإقتصادية المعيّنة التي بها توجد البروليتاريا لم تكن لتُسمح .
2. الدولة تحوّلت من (دولة رأسمالية) إلى (رأسمالية دولة) ، بالتالي فإن البروليتاريا وُجدت بفضل لعب الدولة دور البرجوازية في ضمان العلاقة الإجتماعية الإقتصادية المعيّنة التي بها توجد ؛ و مما يدعم هذا الخيار واقع وضع لينين يده بيده الرأسمال لإنقاذ الدولة (سلطة البلاشفة) ، كما و فعل ستالين الأمر نفسه في بناء الإتحاد السوفييتي بالتعاون مع الشركات الأجنبية (الرأسمالية) ضمن الخطة الخمسية .
3. أن عمال الإتحاد السوفييتي هم بروليتاريا بـ(( ـالإمكان )) بالنسبة للرأسماليين في خارج الإتحاد السوفييتي .
4. أن عمال الإتحاد السوفييتي هم بروليتاريا بـ(( ـالإمكان )) بالنسبة لرأسماليي الداخل في الإتحاد السوفييتي نفسه ؛ لكنهم رأسماليين بـ(( بـالإمكان )) أيضا .
إذا فدكتاتورية البروليتاريا مع الخيار الأول تكمن في الطليعة أو الحكومة ، أما مع الخيار الثاني فتكمن في (رأسمالية دولة) ، أما مع الخيارين الثالث و الرابع فهي قائمة على (( الإمكان )) ! .
دكتاتورية البروليتاريا إذا محض هراء ، حتى و إن رفضنا تجربة الإتحاد السوفييتي تبقى هراء ، و حتى لو قمنا بالجمع بين كذا خيار من الخيارات الأربع تبقى هراء ، لكن ماذا لو نظرنا إلى موقع آخر لدكتاتورية البروليتاريا ؟ .
الموقع الذي يبدو أنه الصحيح لدكتاتورية البروليتاريا هو في كونها مجرد (أداة) غير لازمة في طريق الطليعة إلى السلطة ، و بشكل خاص في الإنتفاضة و الثورة ؛ فهي هنا أقرب لأن تكون (جماهيرية) من كونها (طبقة) ، فهي هنا (بروليتاريا) بالمعنى الواسع للكلمة .. أي البروليتاريا بالـ(( ـفعل )) و البروليتاريا بـ(( ـالإمكان )) بما تشمله الأخيرة من حثالة البروليتاريا بل و حتى الفلاحين و غيرهم مما بفعل هيمنة النمط الرأسمالي مهددين بأن يصبحوا بروليتاريا ، و (الدكتاتورية) هنا لا يمكن أن تعني سوى ما تتصف به الجماهير من لا عقلانية و عنف و غير ذلك ، إذا فدكتاتورية البروليتاريا هي الثورة في ظل هيمنة النمط الرأسمالي لا أكثر و لا أقل ، و التسمية (دكتاتورية البروليتاريا) ليست سوى لمسة ميتافيزيقية من ماركس لترويض الثورة لصالح الطليعة ، و بالفعل استفاد (البلاشفة) منها أيما استفادة ، إذ عقلنت الثورة [ نظريا ] لها كطليعة و أكتسبت الشرعية لها كسلطة .
#موسى_راكان_موسى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الذكرى المئوية لثورة أكتوبر - (4/ أسماك ماركس)
-
الذكرى المئوية لثورة أكتوبر - (3/ روجر بابسون : أنها البرجوا
...
-
الذكرى المئوية لثورة أكتوبر - (2/ لعنة الديالكتيك)
-
الذكرى المئوية لثورة أكتوبر - (1/ كيف نقرأ الثورة ؟)
-
افول الماركسية - ماركس بعد مئة سنة (7/أزمة الماركسية = تحقيق
...
-
افول الماركسية - ماركس بعد مئة سنة (6/الإشتراكية المحققة)
-
افول الماركسية - ماركس بعد مئة سنة (5/لينين الأرثوذكسي الوحي
...
-
افول الماركسية - ماركس بعد مئة سنة (4/أورشليم الماركسية)
-
افول الماركسية - ماركس بعد مئة سنة (3/فلسفة التاريخ الماركسي
...
-
افول الماركسية - ماركس بعد مئة سنة (2/الماركسية ليست ثورة عل
...
-
افول الماركسية - ماركس بعد مئة سنة (1/تمهيد)
-
افول الماركسية - كلسن و نقد الماركسية (8/تناقض قاتل)
-
افول الماركسية - كلسن و نقد الماركسية (7/الفوضوية و الماركسي
...
-
افول الماركسية - كلسن و نقد الماركسية (6/وهم الإجتماع المتجا
...
-
افول الماركسية - كلسن و نقد الماركسية (5/إضمحلال الدولة)
-
افول الماركسية - كلسن و نقد الماركسية (4/إزدراء الداروينية)
-
افول الماركسية - كلسن و نقد الماركسية (3/الإرث الهيجلي)
-
افول الماركسية - كلسن و نقد الماركسية (2/نقد كلسن)
-
افول الماركسية - كلسن و نقد الماركسية (1/تمهيد)
-
افول الماركسية - التناقض الجدلي و اللا تناقض (5)
المزيد.....
-
هزة أرضية بقوة 5.1 درجة في تكساس
-
مادورو يدعو ترامب إلى التحقيق بنفسه في محاولة اغتياله
-
الكشف عن الرسالة الأخيرة لطاقم -تيتان- وأول صورة لها من قاع
...
-
مصدر: 250 عسكريا أوكرانيا في إدلب يدربون الإرهابيين على تصني
...
-
عقيلة صالح يتحدث عن أثر التقارب المصري التركي على تواجد القو
...
-
نيجيريا.. الفيضانات تساعد281 سجينا على الفرار (فيديو)
-
ضربة مزدوجة للأمراض.. طبيب ينصح بخلط عشبتين
-
صحيفة: شكاوي سابقة عديدة حول سلوك المتهم بمحاولة اغتيال ترام
...
-
OpenAI تعلن عن نموذجها الأحدث للذكاء الاصطناعي
-
توجيه تهمتين للمشتبه به في محاولة -اغتيال- ترامب
المزيد.....
-
الإنسان يصنع مصيره: الثورة الروسية بعيون جرامشي
/ أنطونيو جرامشي
-
هل ما زَالت الماركسية صالحة بعد انهيار -الاتحاد السُّوفْيَات
...
/ عبد الرحمان النوضة
-
بابلو ميراندا* : ثورة أكتوبر والحزب الثوري للبروليتاريا
/ مرتضى العبيدي
-
الحركة العمالية العالمية في ظل الذكرى المئوية لثورة أكتوبر
/ عبد السلام أديب
-
سلطان غالييف: الوجه الإسلامي للثورة الشيوعية
/ سفيان البالي
-
اشتراكية دون وفرة: سيناريو أناركي للثورة البلشفية
/ سامح سعيد عبود
-
أساليب صراع الإنتلجنسيا البرجوازية ضد العمال- (الجزء الأول)
/ علاء سند بريك هنيدي
-
شروط الأزمة الثّوريّة في روسيا والتّصدّي للتّيّارات الانتهاز
...
/ ابراهيم العثماني
-
نساء روسيا ١٩١٧ في أعين المؤرّخين ال
...
/ وسام سعادة
-
النساء في الثورة الروسية عن العمل والحرية والحب
/ سنثيا كريشاتي
المزيد.....
|