أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عيسى طاهر اسماعيل - عقل ينتج وعقل ينبهر بإنتاج غيره!















المزيد.....

عقل ينتج وعقل ينبهر بإنتاج غيره!


عيسى طاهر اسماعيل

الحوار المتمدن-العدد: 5654 - 2017 / 9 / 29 - 16:21
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


أنْ تعقد مقارنات بينك وبين الآخر وأن تقيس نفسك به، بغية اللحاق به، يجدر بك أن تحسن في إختيار أداة القياس الصحيحة وأن تحدد الاختلاف المفصليّ الذي يجعلك تلهث عبثا للحاق به؛ وإلاّ ذهب سعيك أدراج الرياح وإختفى في زوبعة.
يتعلق الأمرهنا، بعقد مقارنات بين عقلين أو نهجين، أحدهم ينتج وآخر ينبهر بإنتاج غيره، عقل ينتج ما ينقل الصوت والصورة عبر الأثير وعقل يقف منبهرا متسائلا حائرا: يا إلهي كيف يحدث هذا!؟ وقد يضع في ذيل سؤاله، عددا غير قليل من علامات التعجب والذهول.
يسخر مطاع صفدي في كتابه(نقد العقل الغربي) من "غابة المقارنات" تلك التي يعقدها البعض بين هذين النموذجين، كأن يحصر البعض المقارنة في جوانب محددة، فيوصم الذّات مثلا بالتقدم في الجانب الروحي ويوصم الآخر بالفقر الروحي، أو أنّ يحصر موضوع المقارنة في مسافة زمانية وكأن ما على المتخلف عن الركب سوى أن يشد العزم ويشمر عن السواعد ويلحق بالمزدهر، رادما المسافة الزمنية التي كانت تفصل بينهما. قال صفدي ساخرا:"وقد طال الزمن ولم يكتشف أحد بعْدُ أنه ليس هناك سباق ولا متسابقون، لأنه ليس هناك ملعب واحد يعدو على أرضه المشتركة الجميع..." (1).
إذا كان من نفي ونسف لوجود ملعب واحد وأرض واحدة يعدو عليه الجميع، فلا صَعُبَ نفي المسافة الزمنية أيضا؛ فعلى إمتداد العشرات من السنين، لم تحصد المجتمعات التي سعت للحاق بالآخر، من سنين دأبها وجهدها، سوى المزيد من الخيبات والمزيد من التخلف والدمار، وحتى المجتمعات التي شهدت إستقرارا سياسيا وإجتماعيا إلى حد كبير، لم تفلح في الوصول إلى ما كانت عليه المجتمعات المزدهرة المتمدنة حين أن قررت أن تلحق بها؛ فيبدو أن لا أرض تجمعنا، ولا زمن - إنْ حُسِب بطولٍ أم بقصرٍ- يسعفنا في شيء.
من هنا، وجب غض الطرف عن عقد المقارنات تلك والنظر فيما هو أعمق وبناء عليه، تبدو أن الكساحة التي تعاني منها مجتمعاتنا والتي تجعل من اللهاث خلف المزدهر عبثا، تتعزز وتعيد أنتاج نفسها عبر مظاهر ومشاكل جوهرية وعميقة تعاني منها مجتمعاتنا، ومنها:
1.الفهم وفهم الفهم.
2.التخلف عن الدخول في عصر الأنوار.
3.الهيمنة الذكورية المفرطة.
الفهم وفهم الفهم: والسؤال الرئيس الذي يجب أن يُطرح في هذا الصدد هو: كيف يفهم كل منّا العالم وكيف نفهم عملية الفهم ذاتها؟ يؤكد مطاع صفدي على أهمية طرح هذين السؤالين، في كتابه نقد العقل الغربي، ولبيان ذلك، يأتي صفدي بمثال أنتروبولوجي معروف، ف:" الطفل الذي يسأل أمه من أين أتت بأخيه الوليد، يمكنه أن (يفهم) السبب ما أن تخبره أمه أن الله أنزله لها بقُفَّةٍ من فوق سطوح البيت. كذلك الإنسان الإبتدائي الذي يبني نظامه المعرفي كله على أساس إحيائي، فيتصور وراء كل حدث طبيعي أو فيزيولوجي روحاً أحدثته أو صنعته. مثل هذا النظام المعرفي يقدم أجوبة كافية. إنه يغلق دارة السؤال والجواب عند صاحبه. ويمكن القول إنه فَهِمَ، وأنه حصل على – الحقيقة – التي كان ينشدها. فهذه الطريقة في الفهم اذن تشكل نظاماً معرفياً معيناً. ولكن يبقى أن نسأل وهل هذا النظام المعرفي هو نظام المعرفة. هذا السؤال يطرح إذن مستوى آخر من المشكلة يريد أن يفهم هذا الفهم. ولكن لا يمكن أن يتم ذلك إلا بإعادة طرح هذا الفهم عبر إطار المعرفة بجعله موضوعا للسؤال الأساسي الذي هو كما يلي: ما قيمة هذا الفهم بالنسبة لتحقق المعرفة، وأية معرفة هي التي تستحق مدلولَها ذاك"(2).
نحن هنا، أمام فهم وفهم، فالذي يجعل نظامه المعرفي مبنيا على أساس إحيائي يمكنه أن يطمأن إلى كل جواب، لكن هل هذا الجواب يدر إنتاجا ماديا أو ينتج - في الغالب الأعم - حركة إجتماعية تطالب بتغيير ما مثلا؟ فالذي يعتقد أن العيش تحت نير نظام ظالم مثلا، هو أمرإلهي أو هو نتيجة عقوبة إلهية ولا يجب مجابهته والمطالبة بتغييره، فإن هذا الفهم، في الغالب الأعم، لا ينتج حركة إجتماعية إعتراضية تطالب بتغيرات من شأنها أن تحد من جور ذلك النظام وظلمه. وكذا الحال في فقر ذلك النظام المعرفي بالنسبة للمردود الماديّ والتقني؛ فلا يخفى أن هذا السؤال، الذي يتقصى عملية الفهم ذاتها، يريد أن يسائل هذا الفهم أولاً من خلال إنتاجيته التقنية وربما لا يغيب في أفق هذا السؤال أيضا، ما ردده هيوم عن الفكر اللاهوتي و الميتافيزيقي عندما يقول: "إذا أخذنا بيدنا أي مجلد في اللاهوت أو في الميتافيزيقا المدرسية مثلاً، وتساءلنا: هل يتضمن أي تعليلات تجريدية حول الكم والعدد؟ - كلا. هل يتضمن أي تعليلات تجريبية حول وقائع ووجود؟ - كلا. إذن ارمه في النار لأنه لا يمكن أن يتضمن سوى سفسطات وأوهام"(3). وإذا كنَا لا نوافق هيوم في حرق الكتب، فإننا نجاريه في الفقر الذي يوصم ذلك الفكر من ناحية الإنتاج التقني وكذلك نجاري صفدي في أن مجتمعاتنا ما زالت مجتمعات مسكونة بالفهم الإسطوري للعالم، إنها مجتمعات تغلق دارة السؤال والجواب عند صاحبه، بل قد يدفع السائل حياته إذا ما كان سؤاله يحوم حول المثلث المحرم: الدّين، السياسة والجنس. هذه المجتمعات التي تخاف السؤال، مجتمعات لا يمكن أن تنتج ما هو جديد ولا يمكن أن تحصد شيئا، إنها تتلقف إنتاج غيرها وتجتر من ماضيها مطمئنة خدرة من أموال النفط والإقتصاد الريعي أو تعيش على ماضي تليد تريد أن يجر الحاضر إليه وأن توثقه. فإذا كان السؤال في الثالوث المحرم محرما أو محصورا ومهددا، فإن ذلك يلقي بظلاله على الميادين الأخرى أيضا ويوسع من دائرة المحرم، ربما هو الخوف المتجذر في لاوعي السائل أو هو ضربة استباقية من جانب السلطة التي تسعى لتوسيع دائرة المحرم خوفا من يوم، من أن يطال السؤال، أرض مخاوفها وتهدد مصالحها.
ثانياً: التخلف عن الدخول في عصر الأنوار أو الخوف من الإستعمال الحر للعقل
في نص لكانط، نشره سنة 1784 في إحدى الجرائد البرلينية، عن سؤال: ما هي الأنوار؟ كتب يقول:" إنّ بلوغ الأنوار هو خروج الأنسان من القصور الذي هو مسؤول عنه، والذي يعني عجزه عن استعمال عقله دون إرشاد الغير"(4). ويحدد كانط في مقاله هذا، الكسل والجبن كسببين يحولان دون قيام الكثير من النّاس في استعمال عقولهم والبقاء قُصَّراًّ طوال حياتهم، وهما أيضاً السّببان في أنّه من السّهل على آخرين أن ينصّبوا أنفسهم أوصياء عليهم. لقد حدد كانط الأنوار بأنه خروج الإنسان من حالة القصور وحدد القصور بأنه العجز عن الإستعمال الحر للعقل والذي يمنعه من ذلك الكسل والجبن. فلا فكر ولا إستعمال للعقل مع الكسل. التكاسل يجعل غيرك يفكر عنك مما يجعله في مقام الوصي عليك، فمن لا يفكر يبقى طفلا يحتاج إلى وصي والوصاية يعني أنك قاصر لم تبلغ الرشد بعد؛ كذا الحال مع الجبن، أن تجبن، تجعل من غيرك شجاعا في أن يفكر بدلا عنك ويجعل نفسه وصيا عليك.
أن مجتمعاتنا الموبوءة بالجبن والكسل، قد جعلت فئة من الناس تستحوذ على عملية التفكير، وأعني بالتفكير هنا المعنى البسيط للكلمة، ولا أعني العمليات الفكرية المعقدة والتجريدية. هذه النخبة التي تفكر بدل الجميع، كررت مظهرا ربما شهدتها البشرية في عصورها السحيقة عندما كان مهام التفكير والتدبيرفي يد الكهان ورجالات الحرب والسياسة أو كما كان المشهد عليه في أوربا في عصرها الظلامي، عندما كان التفكير في الدين والحياة حصرا من حق رجال الدين.
يشدد كانط في مقاله السالف الذكر، على الأهمية الخطيرة للمسائل الدينية كونها الأهم بالنسبة للحكام للقيام بدور الوصي على الناس وكذلك يبين أن القصور فيها هو الأكثر مضرة وعارا. يقول كانط:" في تناولي لبلوغ الأنوار، الذي يتمثّل بالنّسبة إلى الإنسان في الخروج من القصور الذي هو مسؤول عنه، اعتبرتُ المسائل الدّينيّة جوهريّة، لأنّه فيما يتعلّق بالفنون والعلوم، ليس للحكّام أيّ مصلحة في ممارسة دور الأوصياء على رعاياهم. أضف إلى ذلك أنّ القصور في مجال الدّين هو من بين أنواع القصور أكثرها مضرّة وعاراً في آن واحد"(5). وإن كنّا لا نوافق على ما ذهب إليه كانط من أن لا مصلحة البتة للحكام في القيام بدور الأوصياء فيما يتعلق بالفنون والعلوم، حيث أن لفنون معينة وعلوم طبيعية حتى، دورا مهما في الحث على التفكير والخروج من حالة القصور التي تحدث عنها كانط، حيث أن أنها تبلور من وعي الفرد وتساهم في إنبثاق الشخصية الفردية للإنسان والتي تجعله يتكون كفرد وأن يعتبر نفسه فلانا، منفلتا من كتلة القطيع التي تجعله شخصية لا ملامحة لها إلا من خلال المجموعة، لكنّنا نوافق كانط وبشدة فيما يتعلق بالدين والمسائل الدينية. أعتقد أن الثورة الحقيقية التي قام بها لوثر، هي أنه أنهى الاحتكار الذي كان القساوسة يمارسونه في تفسير النصوص الدينية، حيث جعل من ذلك حقا لكل فرد وبذلك لم يعد رجل الدين بإمكانه أن يكون وصيا على الفرد.
في مجتمعاتنا الكسيحة، لم تفلح موجة الحداثة المستوردة من إقصاء دور رجال الدين، بل أشتبك الديني والسياسي معا في حلف متين مقدس. إنّ التشابك الشديد بين السيّاسيّ والدّينيّ يجعلنا في غير حرج لرفع واو الربط بينهما وجعله السيّاسيّ الدّينيّ والدّينيّ السيّاسيّ. فالأحزاب السياسية تتمظهر في زي الحداثة، لكنها تقدم نفسها في خطابها وممارساتها كأديان جديدة، فالزعيم السياسي يمثل دور النبي ورفاقه يمثلون دورالصحابة والحواريين.
وهنا نتسائل: ما السبيل لدخول عصر الأنوار، إن كانت الأنوار تعني الخروج من حالة القصور؟ هل السبيل هو الثورة؟ أم هو الإصلاح المستمر؟ أم نحن بحاجة لمستبد مستنير؟
يرى كانط أن الثورة لا تقدم شيئا فيما يتعلق بتغيير نمط التفكير، حيث:" يمكن لثورة أن تؤدّي إلى الإطاحة بالإستبداد الشّخصيّ والإضطهاد القائم على التّعطّش إلى المال والهيمنة، ولكنّها لن تؤدّي أبداً إلى إصلاح حقيقيّ لنمط التّفكير؛ بل بالعكس ستقوم أحكام مسبّقة جديدة، شأنها شأن الأحكام المسبّقة القديمة، لتضيّق الخناق على ذلك السّواد الأعظم المحروم من التّفكير"(6).
ويرى كانط أن السبيل الوحيد لنشر الأنوار هو الإستعمال الحر للعقل وهو يفرق بين إستعمالين: الإستعمال العمومي والإستعمال الخاص؛ فيرى أن الإستعمال العموميّ للعقل ينبغي أن يكون دائما حرا، بينما الإستعمال الخاص قد يكون في العديد من الحالات محدودا بشكل صارم دون أن يعوق ذلك بوجه خاصّ تقدّم الأنوار(7).
ويقصد بالإستعمال العموميّ للعقل، أن يستعمل المرء عقله بإعتباره فردا ضمن المجتمع أما الإستعمال الخاص فيقصد به المسموح به للمرء في ممارسة المسؤوليّية أو الوظيفة، كأن يكون المرء جنديا مثلا، عليه أن يطيع الأوامر،أو بإعتباره مواطنا عليه أن يدفع الضرائب؛ لكن من الواجب عليه أن ينتقد ما يراه غير مناسب وعليه أن ينتقد قانون الضرائب وأن يكون حرا في إنتقاده. وهنا يستلهم كانط مقولة فريدريك الكبير* ويستثمره في فكرته عن إستعمال العقل. يقول فريدريك الكبير:" فكّر قدر ما تشاء وفي كلّ ما تشاء، إنّما أطِعْ!" (8)، أو بلغة كانط، إستعمل عقلك بحرية في الأمور العامة وحدده أو ألجمه في الأمور الخاصة، انتقد القوانين وفي ذات الوقت أطعها، قاوم وإنتقد السياسة الضريبية وفي نفس الوقت أدفع ضربيتك. وفي ذلك إصلاح لها بنقدها وتجنب للفوضى بإحترامها، ذلك هو مغزى مقولة فريدريك الكبير. ولكن ما وجه الإستبداد في مقولة فريدريك الكبير؟ هل الإستبداد هو في إطاعة قوانين الدولة وهل عدم إطاعتها تمرد وتوجه نحو فلتان ومن ثم شغب وفوضى؟ التفكير في كل شيء وبمقدار ما تشاء مع إطاعة ما هو مسنون، فرصة للإصلاح مع التمسك بما هو قائم، وفي ذلك تحقيق وإستجابة لقوى التغيير في المجتمع وفي ذات الحين طمأنة لمخاوف القوى المحافظة؟
هل ترانا بحاجة لمستبد مستنير؟
ربما كان حالة فريدريك حالة شبه استثنائية كحال المأمون العباسي، حاكم يهوى الفلسفة والفنون ويرعاهما، وفي ذلك قد يكون مستبدا مستنيرا؛ لكن في مجتماعتنا، حيث الساسة جلهم وأكثرهم، يحكمون وفيهم ألف عاهة وعقدة نفسية، يحاربون ويحاصرون ويبيدون مل مختلف، فكيف لهم أن يكونوا مستنيرين؟
أعتقد أن الخلاص يكمن إما في بروز طبقة حاكمة تساندها قوة إجتماعية مؤمنة بقيم الحداثة والعلمانية الليبرالية، حيث ترى هذه الطبقة الحاكمة أن لا مصلحة لها إلا في ترسيخ قيم الديموقراطية والعدالة والاجتماعية، أو رعاية من قبل دول عظمى ترى أن مصالحها في المنطقة مرتبطة بقيام مجتمعات تنشد تلك القيم وترسخها، وفي ذلك أماني ربما لن تتحقق في القريب العاجل.

ثالثاً: الهيمنة الذكورية
المجتمعات البشرية هي مجتمعات يهيمن فيها الذكر، بحيث أن قوة هذا النظام:" تتراءى فيه أمراً يستغني عن التبرير، ذلك أن الرؤية مركزية الذكورة تفرض نفسها كأنها محايدة، وإنها ليست بحاجة إلى أن تُعلِن عن نفسها في خطب تهدف إلى شرعنتها"(9). وحتى المجتمعات الغربية وبالرغم من الثورات والهزات التي نخرت في جسد هذا النظام، لكنه بقي إلى حد ما بمنأى عن معاول الهدم والفناء وإن لم يبد بذلك الوضوح كما في مجتمعاتنا. ويجد هذا النظام كل الظروف مواتية لتجسيد تلك الهيمنة:"والحضور المعترف به كونياً للرجال، يتأكد في موضوعية البنى الاجتماعية ونشاطات الإنتاج وإعادة الإنتاج، والقائمة على تقسيم جنسي لعمل الإنتاج وإعادة الإنتاج البيولوجي والاجتماعي، ويمنح للرجل النصيب الأوفر، وكذلك في الترسيمات الملازمة لكل الهابتوسات**"(10).
وكما أن عموم الناس لا تجرأ على التفكير وقد أوكلوا غيرهم يفكرون بدلا عنهم، حيث نصبوا على أنفسهم أوصياء، كذا المرأة لا تجرأ على الإستقلال بتفكيرها ومواقفها، حيث تتجلى كتابع للرجل، تتبع ظله أينما ارتحل وأينما سكن؛ فقد لا تجد إلا فيما ندر، إمرأة تخالف التوجه السياسي لزوجها أو تصوت لناخب غير الناخب الذي اختاره زوجها إن ترك لها الزوج حرية الإختيار، فقد لا تخالف اختيار زوجها مخافة المساس بمشاعره وكسر خاطره. هذه الهيمنة الذكورية المفرطة، هذه التبعية للزوج، تعطل وتشل فكر نصف المجتمع- تناغما مع مقولة المرأة نصف المجتمع – حيث الرجل يفكر بدلا عنها. ومن الناحية السياسية فإن تبعية المرأة للرجل، تجعل المشهد السياسي أقل حراكا، ذلك أن الإختلاف تزيد من الحراك السياسي وتجعل المشهد أكثر حيوية.
من هنا، وجب نقد وخلخلة هذا النظام الذي يتمرس خلف العائلة والمدرسة والدين وتجعل من السلطة السياسية تشرع له ما تشرع، بغية البقاء والنأي بعيدا عن الزوال.
في مقالنا هذا حددنا مشاكل ومظاهر تتميز بها مجتمعنا مما تجعله في سعيه اللحاق بالمزدهر من المجتمعات عبثا وهدرا للوقت والمال والنفس؛ فما لم نغير من نمط فهمنا ونظامنا المعرفي وما لم نستخدم عقولنا بشجاعة وحرية رافضين وصاية غيرنا وما لم نرتقي ونزلزل هذا الهيمنة الذكورية التي تسم مجتمعنا؛ فلن يجمعنا ملعب واحد نعدو عليه، حالمين باللحاق بالآخر المزدهر.
الهوامش:
1. مطاع صفدي، نقد العقل الغربي، الحداثة ما بعد الحداثة، مركز الإنماء القومي، بيروت، 1990، ص53.
2. المصدر نفسه، ص53.
3.دیفيد هيوم، مبحث في الفاهمة البشرية، ترجمة: د. موسى وهبة، دار الفارابي- بيروت- لبنان، ط1، 2008، ص221
4. إمانويل كانط، ثلاثة نصوص: تأملات في التربية، ماهي الأنوار؟،ما التوجه في التفكير؟، تعريب وتعليق: محمود بن جماعة، دار محمدعلي للنشر،صفاقص - تونس، ط1، 2005، ص85
5. المصدر نفسه، ص93.
6. المصدر نفسه، ص87.
7. أنظر، المصدر نفسه، ص88.
8. المصدر نفسه، ص88.
9. بيار بورديو، الهيمنة الذكورية، ترجمة: د. سلمان قعفراني، المنظمة العربية للترجمة، بيروت – لبنان، ط1، 2009، ص27.
10.المصدر نفسه، ص60.
*فريدريك الثاني،1712-1786، أعظم ملوك بروسيا، في شبابه كان مهتما بالموسيقى والفلسفة، نادى بالحكم المطلق المستنير، روّج للتسامح الديني في أرجاء مملكته، رعى الفنون والفلاسفة ألّف المقطوعات الموسيقية للفلوت، أصدر أمرا جاء فيه:" يجب التسامح مع جميع الأديان، وعلى الحكومة أن تتحقق من أن أحدا منها لا تتجاوزعلى غيرها، لأن على كل إنسان في هذا الوطن أن يصل إلى السماء بطريقته الخاصة".
** هابتوس أو هابيتوس: هو أنساق استعدادات دائمة، حيث تنتجها التكييفات المرتبطة بطبقة خاصة بواسطة شروط وجود، بحيث يمكن تغيير موضعها لتشتغل كمبادىء مولّدة وكتنظيم للممارسات والتمثيلات التي تستطيع أن تكيّف هدفها موضوعيا من دون افتراض مقصد واع للغايات، وتحكم سريع في العمليات الضرورية للوصول إليها، فهي "منظّمة" و"مطردة" موضوعيا دون أن تكون قط نتاج الإذعان للقواعد، ولكونها هذا كله، فهي منظمة جماعيا من دون أن تكون نتاج الفعل المنظّم لقائد جوقة موسيقية. أنظر: ستيفان شوفالييه و كريستيان شوفيري، معجم بورديو، ترجمة:د. الزهرة إبراهيم، الشبكة الجزائرية السورية للنشر والتوزيع، ط1، 2013، ص284.



#عيسى_طاهر_اسماعيل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- برلمان كوريا الجنوبية يصوت على منع الرئيس من فرض الأحكام الع ...
- إعلان الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. شاهد ما الذي يعنيه ...
- ماسك يحذر من أكبر تهديد للبشرية
- مسلحو المعارضة يتجولون داخل قصر رئاسي في حلب
- العراق يحظر التحويلات المالية الخاصة بمشاهير تيك توك.. ما ال ...
- اجتماع طارئ للجامعة العربية بطلب من سوريا
- هاليفي يتحدث عما سيكتشفه حزب الله حال انسحاب انسحاب الجيش ال ...
- ماسك يتوقع إفلاس الولايات المتحدة
- مجلس سوريا الديمقراطية يحذر من مخاطر استغلال -داعش- للتصعيد ...
- موتورولا تعلن عن هاتفها الجديد لشبكات 5G


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عيسى طاهر اسماعيل - عقل ينتج وعقل ينبهر بإنتاج غيره!