أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فؤاد بلحسن الخميسي - المدينة كفضاء للتفكير والعيش: المغامرة؛ المفارقة؛ الأمل!















المزيد.....

المدينة كفضاء للتفكير والعيش: المغامرة؛ المفارقة؛ الأمل!


فؤاد بلحسن الخميسي
كاتب وباحث

(Belahcen Fouad)


الحوار المتمدن-العدد: 5642 - 2017 / 9 / 17 - 07:26
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لا نختار العيش أو الارتباط بالمدينة. بل نجد أنفسنا مرغَـمين على العيش فيها، أو، في الحد الأدنى، التردد عليها بين الفينة والأخرى. وحتى أولئك الذين تُـراودهم الرغبة في الانتقال إلى العيش في القرية، فإنهم يفكرون في ذلك من داخل ثقافتهم الحضرية؛ ولهذا فهم يحملون كل ما تجود به عليهم المدينة من وسائل وسلع إلى القرى التي اختاروا الإقامة بها. أنوار المدينة، فضاءاتُها، نشاطها، فكرها، ثقافتها، منتجاتها، انفتاحها، عَصريتها، وشبكاتها الاجتماعية، تشكل في معظمها مشاهد عرضٍ ساحر ومثير. هكذا تصير المدينة بمثابة شِراك ممتد بين الذكرى والفرصة والحلم.
بخصوص المــُدن، تقول الاحصاءات (على رأسها تلك الصادرة عن الأمم المتحدة) أنه ابتداء من سنة 2007، أمسى أكثر من نصف سكان العالم يعيش في الوسط الحضري. كما أن 600 مدينة عالمية كبرى تُنتِـج اليوم ثلث الثروة العالمية. بينما تُنتج الحواضر الأخرى، المتوسطة والصغيرة، باقي الثروات، في وقت تتضاءل حصة القرى يوما بعد يوم مع تضاؤل أهمية الزراعة في هرم الانتاج. وكذلك فإن البحث العلمي يتركز في معظمه في جامعات ومختبرات ومراكز البحث المتواجدة في المدن. والأمر نفسه بالنسبة للإنتاج الثقافي.
وفي المغرب، يُـسجل النمو الديمغرافي بالوسط الحضري نِسَبا أعلى من تلك المسجلة بالوسط القروي. وبعد أن كانت 8% فقط من ساكنة البلاد تقطن بالوسط الحضري في بداية القرن العشرين، ارتفعت هذه النسبة إلى 29% سنة 1950، ثم قفزت إلى 55.1% سنة 2004، إلى أن صارت 60.3% (20.4 مليون مغربي) سنة 2014.
وبفعل هذا الانقلاب الديمغرافي من جهة، وتسارع عجلة الانتاج من جهة ثانية، اللذان تشهدهما المدينة منذ القرن 19 وحتى الآن، فإن هذه الأخيرة بات تقود معظم التحولات الجارية في القيم والثقافة والمعرفة والسياسة والاقتصاد والفن والبيئة. إذن، فهي تُشكل إطار بناء المستقبل. أو بالعبارة الشائعة: «في المدينة، يُكتب مستقبل البشرية».
إن هذه الأهمية المتعاظمة للمدن، بدأت تفرض علينا منظورات جديدة للتعاطي مع قضايا التنمية. ومن هنا دعوة «ميشيل بوڤـيـي» إلى إعادة ترتيب تفكيرنا في قضايا التنمية والحكامة لا على أساس «مركزي-محلي» بل على أساس «الدولة-المدينة-الفاعلون».
في المدينة تعيش المغامرة بشكل أقل تقَيـُّدا بالتقليد وأكثر انفتاحا على التجريب: خَلْق المعرفة الجديدة؛ إنتاج السلع والخدمات والتِّقانة غير المسبوقة؛ إبداع الجديد في الفن؛ تطوير الفكر الانساني (حتى أن بعضهم قال: لا تفكير خارج المدينة). هكذا، يكون التحول السريع هو الثابت الأهم في حياة المدينة.
لكن، أيضا، في المدينة تعيش المفارقة عارية، مرئية، وقريبة من الجميع: الرفاهية إلى جانب الاحتجاج ضد الأوضاع القائمة؛ كثافة حضورِ جهازي الأمن والوقاية إلى جانب ارتفاع منسوب المخاطر (حوادث الطرق؛ جرائم؛ حرائق)؛ هجرة القرويين إلى داخل المدينة للبحث عن فرص أفضل بالموازاة مع هجرة المدنيين إلى خارجها لنفس السبب؛ المشاركة التي يفرضها التبادل مع الآخرين والعيش قريبا منهم ومُقاسَمتهم خيرات الفضاء العمومي وفي نفس الوقت بروز الاختلاف معهم في المواقف السياسية والانتماء الحزبي والتموقع الطبقي؛ الغِنى النسبي والفاحش وعلى هامشِه الفقرُ والهشاشة الواضحين؛ الحرص على نظافة المكان وفي نفس الوقت تلويث المناخ والبيئة المحيطة (انبعاثات الغازات الدفيئة، النفايات الصلبة والسائلة)؛ تعدد مصادر الإنتاج وتفريخ البطالة؛ الانفتاح على تجارب العالم وتفاقم العنصرية ضد الوافد الغريب؛ اتساع هامش الحرية وفي نفس الوقت زيادة إجراءات الضبط عبر التشريعات والتنظيمات؛ إلخ. تتعايش المتناقضات في حيز صغير أو كبير، بِـنِسب مختلفة ومتغيرة، في مجال اجتماعي يتراوح بين تحقيق الرفاهية والسقوط في اليأس.
ولهذا، يبدو أفق المدينة مثـقَلا بالتحديات. والتعاطي بإيجابية مع هذه الأخيرة هو الضامن الأساسي ليبقى الأمل حيا فينا. ويمكن عرض أهم هذه التحديات، التي لا يمكن العبور إلى المستقبل من دون تخطيها، في التالي:
* خلق قنوات للحوار: ما إن يزداد تعقيدها حتى تَـصير المدينة في أمَس الحاجة إلى إيجاد قنوات للتواصل والتبادل الاجتماعيين. إذ لا يمكن مواجهة المشاكل الكبيرة والمعقدة إلا بالحوار المستمر والتنسيق الدائم بين المعنيين. إن القدر المعقول من التنافس والتصادم بين القوى الفاعلة (المعنية) طبيعي وضروري. غير أنه يصير خطيرا حينما يتجاوز الحدود فيُـهدد أو يُقوض فرص خلق حد أدنى من التوافق حول الأولويات العامة ومسالك الفعل المستعجَلة (في مجالات التهيئة العمرانية، البنيات التحتية، الأنشطة الاقتصادية، وتحسين الوضع الاجتماعي). تحتاج المدينة التي تريد أن يكون لها وجود في المستقبل إلى نشر المعلومة وتقاسم التجارب والتخطيط التشاركي والتفاوض بين الفاعلين.
* إيجاد فرص للعيش الكريم والإبداع: يتفاقم تعقيد المدن مع ارتفاع عدد ساكنتها وتعدد الفاعلين فيها وزيادة تجهيزها وتطوير أدوات إنتاجها الاقتصادي وزيادة قدراتها في التواصل. ويتفاقم هذا التقعيد أكثر إلى درجة يصير معها مشكلا اجتماعيا أو أزمة حينما لا يواكَب بتفكير متجدِّد وبتفاعل مجتمعي يقظٍ ومُتَحَفزٍ للمشاركة والنقد وتجديد القدرة على الانتاج. فالجامعات ومراكز الدراسات ومؤسسات البحث والمثقفين والجمعيات والمنظمات تظل حلقات مهمة في عملية تفكيك التعقيد وإعادة صياغته بصورة تُخفف من تأثيراته الضارة بالواقع وبالمستقبل. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، لا مستقبل لامتصاص أهم أثر جانبي لتعقيد المدينة؛ والمتمثل في تردي الوضع الاجتماعي لشريحة واسعة من الساكنة التي لا تستفيد بما يكفي من عملية توزيع الثروات؛ دون التمكن من خلق فرص جديدة داخل سوق العمل وبنيات تعليمية وتكوينية مرتبطة بحاجيات هذا السوق.
* استقبال المزيد من المهاجرين: ستكون مدننا في حاجة إلى تطوير بنياتها الاستقبالية وتأهيل وعيها الجمعي حتى تستطيع استيعاب الوافدين الجدد إدراكيا وسوسيو-اقتصاديا: لاجئو الحروب الأهلية (عرب وأفارقة)، لاجئو المناخ والفقر (أفارقة) واللاجئون الباحثين عن بعض أحلامهم في بلادنا أو عبر المرور منها. وهنا الحاجة المستعجلة لتطوير ثقافة إنسانية منفتحة وكذا تكريس القيم الإسلامية التي تؤكد على أهمية مساعدة المستضعفين بغض النظر عن مرجِعياتهم الدينية والثقافية وأصولهم العرقية؛ وذلك حتى نستطيع استقبال والتعاطي مع هؤلاء اللاجئين بشيء من الرحمة والدفء، واستبعاد عنصريتِنا وأنانيتنا وهوياتنا المغلقة. بل ويجب أن يَـنْشط خيالنا في اتجاه تمكين هؤلاء وأبنائهم من بنيات للإدماج وفرص للعمل والتعليم والتطبيب والسكن وغيرها من الخدمات على قدم المساواة مع المغاربة ِبـما يضمن كرامتهم إذا ما قرروا الاستقرار بيننا. وفيما يتعلق بالمهاجرين من القرى المجاورة (حوالي 300 مهاجر قروي معربي كل يوم)، فهنا الحاجة أيضا إلى دمجهم بسرعة أكبر مما يجري الآن، من خلال تأهيلهم التعليمي والمهني وتوفير كل الفرص الضرورية لاستيعابهم في النسيجين الاجتماعي والاقتصادي وتجنب سقوطهم في أحزمة الفقر ودور الصفيح التي تحيط بالمدن.
* الحد من العنف: من خلال تدخلات متعدد المقاربات والفاعلين: مجتمع مدني-جهاز الأمن-قطاع الصحة. فالمجتمع المدني مدعو لتشكيل بنيات لاستقبال والاتصال بالشباب والمراهقين، وعلى رأسهم أولئك الذين يوجدون في وضعية صعبة (المدمنون، السجناء، الأشخاص في وضعية نفسية وعقلية صعبة، الفقراء، العاطلون، النساء والأطفال المعرضون للعنف،...). كما على جهاز الأمن أن يبلور استراتيجيات تدخلية لتفكيك شبكات الجريمة وتوزيع المخدرات. بينما تبقى الدولة مسؤولة عن سد الخصاص على مستوى البنيات الصحية الضرورية لاستقبال الأشخاص الذين تعرضوا للعنف والمسبِّبين له على السواء (مستشفيات للأمراض العقلية والدعم النفسي، أدوية، متابعات حالات العنف قانونيا وعلاجيا،...). وفي الواقع، لا يمكننا أن نصل إلى هذه الأهداف في غياب مجتمع مدني نشط، يعمل على إثارة النقاش العمومي حول هذه المخاطر والتدخلات الاستراتيجية والاستعجالية الضرورية.
إننا نحلم أكثر في المدينة. وإذا حلمنا في القرية فإننا نحلم من داخل ثقافة المدينة. مهمتنا جميعا أن نجعل من هذه الأحلام أحلاما وردية قابلة للعيش.



#فؤاد_بلحسن_الخميسي (هاشتاغ)       Belahcen_Fouad#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إلى أين يسير المغرب؟ مفارقات العقل الثوري وانتحارية الدولة ا ...
- نهج المعارضة السورية على ضوء حكمة الملكة بَلقيس
- كلمات في الفقيد الكبير عبد الهادي التازي
- مع الانسان الضحية .. لا مع الانسان الجاني
- المقاومة أولا .. وأخيرا - فلسطين قضية التحرير الكبرى
- داعش الإرهابية، مأزق الإسلاميين المعتدلين وهذيان القرضاوي -ع ...
- عن جريمة اغتيال مثقف الكرامة المهدي المنجرة - أو بعض مما لم ...
- النسخة الجديدة من حكومة بنكيران في معادلة الربح والخسارة
- بعد سنة من المعاناة والتحدي داخل السجن، المناضلة عفاف بنزكري ...
- في بحث عن اسمها وسط سديم ليلي!
- في رحيل رجل شريف .. عبد السلام ياسين
- في بكائيات المجتمع حول ضحايا البرد والثلج - مقترح للإنتقال م ...
- امتحان الثورة والثوار في مصر
- كلمة في المناضل والمعتقل السياسي معاد «الحاقْد»
- حوار مع الشاعر والمترجم رشيد وحتي: الترجمة عملية تلقي مزدوج
- مستقبل حركة 20 فبراير بين متاهات المأزق ومداخل الهوية الجديد ...
- الربيع العربي .. من إرادة التغيير الشعبي إلى سياسة المحاور ا ...
- اسم أدبي .. فاطمة الزهراء الرياض
- صعوبات تعترض الطلاب الدارسين خارج أقاليم إقاماتهم العائلية . ...
- تعليقا على إطلالة المفكر عبد الله العروي الأخيرة بعد صمته ال ...


المزيد.....




- وقف إطلاق النار في لبنان.. اتهامات متبادلة بخرق الاتفاق وقلق ...
- جملة -نور من نور- في تأبين نصرالله تثير جدلا في لبنان
- فرقاطة روسية تطلق صواريخ -تسيركون- فرط الصوتية في الأبيض الم ...
- رئيسة جورجيا تدعو إلى إجراء انتخابات برلمانية جديدة
- وزير خارجية مصر يزور السودان لأول مرة منذ بدء الأزمة.. ماذا ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير بنى تحتية لحزب الله في منطقة جبل ...
- برلماني سوري: لا يوجد مسلحون من العراق دخلوا الأراضي السورية ...
- الكرملين: بوتين يؤكد لأردوغان ضرورة وقف عدوان الإرهابيين في ...
- الجيش السوري يعلن تدمير مقر عمليات لـ-هيئة تحرير الشام- وعشر ...
- سيناتور روسي : العقوبات الأمريكية الجديدة على بلادنا -فقاعة ...


المزيد.....

- المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024 / غازي الصوراني
- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فؤاد بلحسن الخميسي - المدينة كفضاء للتفكير والعيش: المغامرة؛ المفارقة؛ الأمل!