أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - مثلثُ التفوق والإنسانية














المزيد.....

مثلثُ التفوق والإنسانية


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 5642 - 2017 / 9 / 17 - 07:21
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


مثلثُ التفوق والإنسانية

جلسنا نتابعُ ما يجري للمُستضعفين في ميانمار من ويل وتقتيل وتهجير قسري، والقلبُ ينزف. ثم تضاعف نزيفُ القلب حين صفعتني تعليقاتٌ طائفية لبعض المتصفحين في مواقع التواصل الاجتماعي! هل تُطلُّ الطائفيةُ بوجهها القبيح، حتى في لحظات الحزن على الأرواح المُزهَقة والأسر المُشرّدة والأطفال المرتعبين؟! هل نسألُ عن عقيدة المقتول أو المُغتصب أو المُهجّر، حتى "نُقرّر" إن كنّا سنتعاطفُ معه أو نحزن لأجله، أم لا؟! لستُ أصدّق!
الطائفيةُ مرضٌ خطير. لم أرها يومًا منهجًا في التفكير. إنما هي مرضٌ قاتل، لا يدمّر الآخرين، إنما يدمّر صاحبَه، أولًا. والحمد لله الذي عافانا من ذلك المرض. وأنا أتابع بعض التعليقات الطائفية على صفحتي الرسمية، لا أدري لماذا تذكّرتُ ابني "مازن" وهو بعدُ طالبٌ في الصف الثالث من كلية الهندسة قسم العمارة، حينما كان جالسًا يفكّر في تصميم مميز لقاعة المؤتمرات التي طلبها منهم أستاذهم بالكلية. رسم أربعة قاعات متصلة، منفصلة. قاعة على شكل قلب كبير، تجاورها ثلاثُ قاعات أصغر، كلٌّ منها على هيئة مخٍّ بشري. ثم كتب فلسفة التصميم كالتالي: "مثلث التفوّق: المعرفة- العقل- القلب. فالمعرفةُ لا تأتي إلا إذا استخدمنا ‘العقلَ’ لنتعلّم، و‘القلبَ’ لنحبَّ." تلاقت عيناي بعيني والده، المهندس المعماري أيضًا، وابتسمنا. لقد تعلّم ابنُنا الدرسَ الطيب الذي غرسناه فيه منذ طفولته: "إن امتلأ قلبُ الإنسان وعقلُه بحبِّ الله، ما عاد بقلبه، ولا عقله، متسعٌ لكراهية أحد.” الإنسانية هي الحل لجميع مشاكل الإنسان. أدرك الصبيُّ الجميلُ أن العقلَ (وحدَه)، قد يشيّدُ مجتمعًا عالِمًا مثقفًا متطوّرًا، لكنه جافٌّ، قاسٍ، أجوفُ الروح. وأن القلبَ (وحدَه)، قد يمنحنا مجتمعًا طيبًا متعاطفًا رحومًا، لكنه في الأخير مجتمعٌ رخوٌ لا قوامَ صلبًا له، ولا قانونَ عادلاً يحكمه. العقلُ يضبط ميزانَ القلب؛ فيجعله لا ينحازُ للأقرب، بل للأكفأ. والقلبُ يضبطُ ميزانَ الميل والهوى، فيدفعنا لأن يكون ولاؤنا وانتماؤنا للإنسانية بكاملها؛ دون عنصرية ولا تحيّز. في هذا يقول "هنري برجسون، في كتاب "التطوّر الخلاّق": "الإنسانُ العادي ميالٌ بطبيعته إلى موافقة الجماعة التي ينتمي إليها. أما العبقريّ الفائق، فيشعر أنه ينتمي إلى البشرية جمعاء، ولذا فهو يخترق حدودَ الجماعة التي نشأ فيها، ويخاطب الإنسانيةَ كلها بلغة الحبّ."
“المسلمون يُقتلون في بورما!” هكذا يقولُ صغارُ العقول ضيقو الأفئدة. أما نحن فنقول: "بشرٌ يُقتلون في بورما!" فلسنا مرضى بما مرضوا لنُصنّف البشرَ؛ ونوزع أحزاننا على القتلى وفق عقائدهم وطوائفهم. ذلك شأن الصغار ومرضى "الميجالومانيا"، ممن يجعلون من أنفسهم الصغيرة ديّانين مع الله، حاشاه! فالحمد لله تعالى الذي عافانا مما ابتلوا به أنفسَهم من جنون ومرض. أما المرضُ فهو: تقسيمُ البشر على أساسٍ عَقَدي وطائفي ومذهبيّ. وأما الضمير (هُم) في كلمة (أنفسهم)، فيعود على الطائفيين المتطرفين مرضى جنون العظمة Megalomaniac.
وأما لماذا لم أقل: “الحمدُ لله الذي عافانا مما ابتلاهم به"، كما تجري أدبياتُنا الإسلامية في حمد الله وشكره على نعمة العافية؟ فلأنني أؤمن أن الله لا يبتلي أحدًا بذلك المرض: الطائفية، إنما أنفسَهم يُمرضون وأرواحَهم يبتلون. اللهم إلا إن كان الابتلاءُ بمعنى الاختبار ، وليس بمعنى الإيقاع في البلاء والمرض. فاللهُ يخلقنا أنقياءَ مُعافين من البغضاء والعنصرية والشراسة، حتى نختار "نحن" أن نكره ونبغض فنصير إرهابيين طائفيين ميجالومانياك، أو لا نختار ما سبق، فنظلُّ على فطرتنا الطفولية النقية السوية، فنكون لله أقرب، ونصير مُستحقين ميراثَ الله في أرضه.
وإذن، فإن تصحيح الجملة في صدر المقال هو: “بشرٌ يُقتلون في بورما"! هكذا أراهم، فيعتصرني الألمُ على قتلهم، سواء كان القتل والتشريد بسبب الغاز الطبيعي أو حقوق المواطنة أو حيلة داعشية، كما تذهب الرواياتُ المتباينة. لا يهم. القلبُ ينزف عليهم دون النظر إلى عقيدتهم. وليس كما يفعل الصغارُ: أحزن إن اتفقت عقيدتُهم مع عقيدتي(!) وأفرح فيهم إن كانت عقيدتهم على غير عقيدتي(!)، شأن التافهين من العنصريين الطائفيين والمرضى.
الإنسانيةُ تتخبّط. أتساءلُ أحيانًا إن كانت هذه اللحظة الزمنية العسرة التي نحياها أفضل أم أسوأ من لحظتيْ الحرب العالمية الأولى والثانية اللتين راحت فيهما أرواحُ ملايين البشر دون جريرة ولا منطق ولا معنى، سوى انتماء هذا أو ذاك إلى بلاد متناحرة لأسباب سياسية، بسبب نقض معاهدات أو قتل ورثة عروش أو ميول استعمارية أو سلطوية أو اقتصادية أو تجارية أو ….؟! تتعدّد الأسبابُ، والهمجية واحدة والتجبّر واحد والاستعلاء بالمال والاستقواء بالسلاح والاستضعافُ بالكثرة العددية، واحد.
تُرى، ماذا يقول الدواعشُ والمتطرفون اليومَ؛ وفينا مِن مسلمي ميانمار المستضعفين مَن يذوق من نفس الكأس المرَّة التي سقاها داعشُ لغير المسلمين؛ تقتيلا واستلابًا واغتصابًا وتهجيرًا؟! هل يبكون ضيعتنا وضعفنا واغتراب الإسلام؟!
وماذا يقول ضحايا داعش من غير المسلمين؟! هل يهمسون: إنها عدالة السماء؟! كلا. دموع الأولين كاذبةٌ منافقة؛ وزعمُ الآخرين هراء. ليس عدلا أن يدفع بشرٌ مسالمون فاتورةَ غيرهم من الإرهابيين القتلة. كلنا ضائعون مادام الإنسانُ ظالمًا. اللهم انزعْ من قلوب البشر شوكةَ الطائفيات والمذهبيات والعرقيات والعنصريات والطبقيات والأكثريات والأقليات الغليظة المتخلفة؛ واستبدل بها زهرة الإنسانية الرهيفة المثقفة.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا اليابانُ يابانُ؟
- قطعةٌ من الفرح في صندوق الحَزَن
- أسئلة (مفيد فوزي) الحرجة! العيل بيجي برزقنا!
- السماءُ حزينةٌ ونحن نضحك!
- معايدةُ العيد من ألدّ خصومي!
- (مسافة السكة) ل المنيا الشقيقة يا ريّس!
- محفوظ عبد الرحمن ... خزّافٌ يبحث عن الزمن المفقود
- الحبُّ على طريقة -أمّ الغلابة-
- رفعت السعيد … ورقة من شجرة الوطن
- رسالة غاضبة إلى أمينة ثروت أباظة
- أطهر صبايا العالمين … سيدة الحزن النبيل
- ماذا تعرف عن مدارس الأقباط يا شيخ عامر؟
- أبجد هوز … وخفة ظلّ العميد
- الشيخ عبد الله نصر بين التراث والموروث
- حطّموا الأصنامَ …. يرحمُكم الله
- سمير الإسكندراني … تعويذةُ الفراعنة
- جريمة -الشيخ عبد الله نصر-... بين التراث والموروث
- علا غبور .... فارسةٌ نورانية من بلادي
- أغنية حبّ من أجل مأمون المليجي
- غزوة المترو … والمطوّع على الطريق


المزيد.....




- طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال ...
- آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - مثلثُ التفوق والإنسانية