|
خرافة أسمها الحسد
داود السلمان
الحوار المتمدن-العدد: 5642 - 2017 / 9 / 17 - 00:22
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
العلم، يوماً بعد آخر يسقط الخرافات ويكذّب الحوادث والحكايات التاريخية المتعلقة بهذا المضمون، والتي للأسف الشديد، لا يزال الكثير من الناس وفي عصر العلم يؤمن بها وكأنها حقائق ساطعة فيعلق عليها آماله ومستقبله. وهذه الخرافات كثيرة جداً لا يستوعب ذكرنا مقال واحد، وانما يحتاج ذكرها وشرحها الى مجلد بحاله. وطالما نحن بصدد تسليط الضوء على "الحسد" وهل له حقيقة وواقع ملموس في حياتنا التي نعيشها الآن؟. الذين يتشبثون بالتراث وبالنظريات الدينية القديمة، لازالوا يؤمنون بالحسد على أنه واقع، وانه حقيقة ملموسة، غير عابئين بالعلم، مع انهم يأخذون بكثير مما جاء به العلم، كالحقائق الطبية والقضايا التكنولوجية وما شابه، لكنهم حينما يأتون الى الامور الغيبية (الماورائية) يكذبّون العلم ويعودون الى اوهامهم وخرافاتهم. تقول الآية: {وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ} (يوسف، 67). حكاية عن يعقوب النبي. ودعونا نذهب الى المفسرين ونرى ماذا يقولون في تفسير هذه الآية، ولنأخذ على سبيل المثال القرطبي والذي هو من كبار المفسرين. يقول القرطبي بصدد شرحه للآية: الأولى: لما عزموا- يعني اولاد يعقوب- على الخروج خشي عليهم العين فأمرهم ألا يدخلوا مصر من باب واحد، وكانت مصر لها أربعة أبواب وإنما خاف عليهم العين لكونهم أحد عشر رجلاً لرجل واحد وكانوا أهل جمال وكمال وبسطة قاله ابن عباس والضحاك وقتادة وغيرهم. الثانية: إذا كان هذا معنى الآية فيكون فيها دليل على التحرز من العين، والعين حق وقد قال رسول الله -: إن العين لتدخل الرجل القبر، والجمل القدر. وفي تعوذه: أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة ما يدل على ذلك. وروى مالك عن محمد بن أبي امامة بن سهل بن حنيف أنه سمع أباه يقول: اغتسل أبي سهل بن حنيف بالخزار فنزع جبة كانت عليه، وعامر بن ربيعة ينظر، قال: وكان سهل رجلا أبيض حسن الجلد قال، فقال له عامر بن ربيعة: ما رأيت كاليوم ولا جلد عذراء! فوعك سهل مكانه واشتد وعكه، فأتي رسول الله فأخبر أن سهلا وعك، وأنه غير رائح معك يا رسول الله فأتاه رسول الله فأخبره سهل بالذي كان من شأن عامر فقال رسول الله: علام يقتل أحدكم أخاه ألا بركت إن العين حق، توضأ له ، فتوضأ عامر، فراح سهل مع رسول الله ليس به بأس. وركب سعد بن أبي وقاص يوماً فنظرت إليه امرأة فقالت: إن أميركم هذا ليعلم أنه أهضم الكشحين فرجع إلى منزله فسقط، فبلغه ما قالت المرأة، فأرسل إليها فغسلت له ففي هذين الحديثين أن العين حق، وأنها تقتل كما قال النبي وهذا قول علماء الأمة، ومذهب أهل السنة وقد أنكرته طوائف من المبتدعة، وهم محجوجون بالسنة وإجماع علماء هذه الأمة، وبما يشاهد من ذلك في الوجود فكم من رجل أدخلته العين القبر، وكم من جمل ظهير أدخلته القدر، لكن ذلك بمشيئة الله تعالى كما قال: وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله. قال الأصمعي: رأيت رجلا عيوناً سمع بقرة تحلب فأعجبه شخبها فقال: أيتهن هذه ؟ فقالوا: الفلانية لبقرة أخرى يورون عنها، فهلكتا جميعا، المورى بها والمورى عنها. قال الأصمعي. وسمعته يقول: إذا رأيت الشيء يعجبني وجدت حرارة تخرج من عيني. الى آخر الخرافات التي يرويها القرطبي في هذا الباب والتي يدعم فيها نظريتها هذه. والعلم يؤكد أن أي نظرية أو امور أخرى يعتبرها البعض أنها حقيقة، وهي بالأحرى لا يوجد لها واقع ملموس، وفقد تعد من باب الخرافات، وما اكثرها. الدكتور علي حسين في كتابه القيم "ماهي الفلسفة" وتحديداً في الفصل الثاني، قد عالج هذه المسألة أعني مسألة الخرافة والاسطورة بشيء من العلم والمنطق ومن الواقع الملموس، ووصل بالنتيجة الى أن ثمة امور من باب الصدفة تحدث متتالية لأكثر من مرة ويعدها البعض بأنها حقيقة ثابتة، وقضايا أخرى ورثتها العامة فأخذتها كحقيقة. يقول: "ينبغي أن نعترف بأن التفكير الخرافي، للأسف الشديد، شائع في بلادنا، فالغالبية العظمى من الناس تؤمن بالعين والحسد، ومنهم من يعلقون السحالي والتماسيح على ابواب دورهم، ومنهم من يرسمون الاكف على جدرانها، ومنهم من يعلقون الاحجية والتعاويذ في اعناقهم ويدسونها في فراشهم وبين طيات ثيابهم، ومنهم من لازالوا يعالجون الامراض بالزار وحرق البخور. ولا تزال عيادات الدجالين – ممن يدعون العلم بالغيب وضرب المندل وقراءة الفنجان والكف وفك السحر وانزال الاذى بالناس- غاصة بحشود من السذج الذين يعيشون بأجسادهم في القرن الحادي والعشرين، بينما عقولهم تنتمي الى عصور الظلام والجهل". (راجع الكتاب المذكور ص 82). ولنا عودة أخرى الى هذا الموضوع...
#داود_السلمان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الثورة الروسية الكبرى هل حققت اهدافها؟
-
الزواج قداسة .. أم تعاسة؟
-
أعلن الحاده فقتلوه!
-
ملك أحمد يغتصب زوجة ولده
-
فتاة النادي- قصة قصيرة
-
أنا وهابي!
-
مقال في العبادة
-
مقالٌ عن الألم
-
نحن و(الحمير الذين يحملون اسفاراً)!
-
سؤال نشأة الخلق
-
(الانسان مقياس كل شيء)
-
حين كنتُ متطرفاً !
-
-الطمع فسّد الدين-
-
ما هو العرفان؟
-
سلمان الفارسي (المعلم الثاني)
-
الاوائل في الفلسفة والعلوم(4)
-
الاوائل في الفلسفة والعلوم (3)
-
اللاأدرية (الفصل الثالث) والاخير
-
اللاأدرية (الفصل الاول)
-
اللاأدرية (الفصل الثاني)
المزيد.....
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|