|
الذكرى المئوية للثورة البلشفية: حال اليسار
جيك محمد
الحوار المتمدن-العدد: 5642 - 2017 / 9 / 17 - 00:20
المحور:
ملف الذكرى المئوية لانطلاق ثورة أكتوبر الاشتراكية في روسيا
الذكرى المئوية للثورة البلشفية: حال اليسار يعتزم اليساريون، في كل بقاع العالم، للاحتفال بالذكرى المئوية لثورة أكتوبر-1917، 2017. مائة سنة مرت على حدث تاريخي، ألهم ملايين من الأشخاص. فكلما يحل شهر أكتوبر، من كل سنة، يتمنى كل يساري أن يعيش "مدينته الفاضلة" و يزداد حماس الشباب الملهم بالثورة البلشفية. لكن مع مرور الوقت و توالي الهزائم و خيبات الامل، تتضاءل وثبرة الحماس و بقي القليل يجتر و يمجد الحقبة الذهبية، و تطفو فوق سطح الفكر اليساري صراعات فارغة حول من له الأحقية في ارث الماركسية و من هو الوريث الشرعي لها. في كل بقاع العالم، تتجادب حركات يسارية منتسبة الى الماركسية اللينينة و الماوية و التروتسكية في نقاشات عقيمة حول الوريث الشرعي للماركسية، جعلت القليل من الشباب يميل الى إحداها، في حين بقيت الطبقة العاملة ضحية مرض الطفولة اليسارية. عاش بداخلنا، منذ أن كنا تلاميذا، حلم الاشتراكية، حلم اعتبرناه مقدسا و أقصى أشكال الفتوة و الشجاعة و الانسانية، لا يضاهيه أي شكل من أشكال تدبير البشرية لأمور عيشها و ضمان مستقبل الاجيال المقبلة. رافقنا اشخاص نعتبرهم منظرين و جباهدة الفكر الماركسي، أشخاص يقفون وسط حلقات بالكلية، يناقشون لساعات طوال، يستشهدون بماركس و انجلز ولينين وتروتسكي و ستالين و بليخانوف و روزا و غيرهم، حماس و تجييش و منافسة. حب قوي و جياش و تضحية ظاهرية من أجل الطبقة العاملة. عيونهم لا تنام، ترصد كل صغيرة و كبيرة. اتهامات بالخيانة و الردة و التحريف في مقدمة ألسنتهم، يطلى بها كل من سولت له نفسه التشكيك في مصداقيتهم أو تناغم منهجية تحليلهم مع الواقع. وضع الرفاق جدارا اسمنتيا مسلحا، أمام كل منخرط فعلي أو متعاطف، لصون شخصية القائد الميداني من أي ضرر معنوي أو مادي تتعرض له، شخصيات هلامية فرضت نفسها على المبتدئين في عالم السياسة، تربية مفروضة قبل الانغماس في كراريس و كتيبات تمجد مرحلة تاريخية مهمة لأشخاص حملوا هم الطبقة العاملة. تألم الجميع لحال تلك الطبقة الاجتماعية التي عاشت كل أشكال الاستغلال و الاضطهاد، منذ بداية الثورة الصناعية، و حدد كارل ماركس في الرأسمال دورها الفعلي و قوتها الحقيقية و ثمن لينين الفكرة و شرح امكانية توظيف قوتها و انجاح تنظيمها. بدأ النقاش محموما بين الرفاق القدامى حول دور الحزب و ماهية الدولة العمالية، أي مجتمع نريد و كيف يمكن البناء؟ نقاش و جدال مكتوب، إصدارات تلوى الأخرى، مئات المقالات و عشرات الكتب... تركوا ارثا فكريا مهما حول مرحلة تاريخية مرت بها البشرية في صراعها الدائم بين الذين يملكون و الذين لا يملكون. ما زال رفاق اليوم، القليلون، يصدرون بيانات في كل مناسبة تحل بها ذكرى تأسيسهم أو أحداث استثنائية، يدبجونها بعبارات شبيهة ببيانات القرن التاسع عشر. ارتباط وجداني و عاطفي و بكاء على الاطلال بنفس الطريقة التي يكتب بها شيوخ السلفية بياناتهم و اصداراتهم. يجمعها الماضي رغم اختلاف المرجعيات النظرية و الفكرية . عندما يتوقف العقل على الابداع و التفكير في المستقبل، بناء على الواقع اليومي، تحضر قوة الذكريات و الأحلام و تحل محل التفكير العميق و التنظير. لقد أصبحنا نبتعد كل يوم عن فترة تاريخية مهمة، قرن من الزمن مر على الثورة البلشفية. معارضة سياسية لنظام رأسمالي قاده يساريون باسم الطبقة العاملة، و سموا أنفسهم بالثوريون المحترفون رفقة الطليعة العمالية. حدد لينين شكل بناء الحزب منذ ازيد من قرن و اجتهد الذين جاءوا بعده في تتمة مهمة بناء الاداة السياسية للطبقة العاملة. تطورت الأمور و تغيرت بنية المجتمع الرأسمالي و ظهرت طبقات اجتماعية لها تأثير أكبر و تعمقت الصناعة بتغيير رأسمالها الثابت و اضحت اكثر قوة و تطورا على ما كانت عليه سنة 1917. من جهة أخرى ظهرت حركات سياسية مختلفة كليا على ما كانت عليه في نفس الفترة، حركات سياسية طائفية و عرقية أكثر قوة و هيمنة في المجتمع الرأسمالي. تتعزز بشكل يومي الهيمنة السياسية لحركة الاسلام السياسي، في بعض الدول و حركات يمينية متطرفة في أخرى و نزوعات نحو الطائفية و القبلية و تقرير المصير، أشكال و تعبيرات سياسية رجعية تنذر بالأسوء، أمام غياب النظرة الوحدوية و التضامنية بين شعوب العالم. كل يوم ينفخ الذين يملكون وسائل الانتاج في المجتمع الرأسمالي لإشعال فتيل نار تشتيت وحدة الشعوب و إثارة الفتنة و تشجيع الاجيال المقبلة على اختيار الاستقلال على أساس عرقي أو طائفي كحل لمعاناتهم. إن در الرماد في عيون تلك الأجيال أخطر ما تواجهه البشرية حاليا. انها خطوات تبعد الذين لا يملكون عن تقرير مصيرهم الحقيقي في عيش كريم و حرية و عدالة اجتماعية... سنعيش على المدى المتوسط او البعيد ما يحاك منذ الآن لحرب طائفية بين ايران و تركيا، قوتين دينيتين سنية و شيعية ستكون مثال مدمرا لحرب طائفية ممكن ان نعيش تفاصيلها آجلا او عاجلا إن أهم ما ينبغي أن يلتف حوله ، المحتفلين بالذكرى المائوبة لثورة أكتوبر، في هذه الظروف العصيبة و المخاطر المحدقة بمكسب وحدة الفكر التقدمي و العمالي هو النضال من أجل مجتمع علماني. إن مكونات اليسار الحالية مطالبة بنهج ما قام به فلاسفة الانوار بأروبا. إن رواية عالم صوفي لجوستاين غاردر، خاصة الجزء المتعلق ب عصور التنويرتقربنا أكثر الى ما عرفته أوربا خلال تلك الفترة،باختصار إننا بأمس الحاجة الى عصرنا التنويري. تعتبر ثورة الياسمين بتونس سنة 2011 ، أفضل ما عرفته ثورات الربيع العربي، ثورة دائمة و مستمرة. واصل الشعب ثورته بكل جرأة، خطوات رائدة من اجل عصر تنويري عربي. طرحت اشكالات عميقة في وجه دعاة الظلامية، صدمات عنيفة: المساواة في الارث و الزواج من الاجنبي لصالح المرأة التونسية ... إن الشعوب الاسلامية في حاجة ماسة لصدمات عنيفة تزعزع أسس بعض التقاليد المتخلفة، لا مستقبل بدون تلك الصدمات لبدأ مشوار جديد يقربنا أكثر للمجتمع الذي يحترم الجميع، مجتمع تدوب فيه الاختلافات العرقية و الطائفية، مجتمع يسعى للوحدة العرقية و الطائفية تحكمه مؤسسات و قوانين ديمقراطية، بعيدة عن النزوعات الانفصالية أو ما شابه. مجتمع يرتاح فيه الجميع أي كان جنسه و أصله... لقد أصبحنا نرى خرجات سياسية غريبة لأطياف سياسية منتسبة لليسار بالمغرب، خاصة النهج الديمقراطي. تسعى بكل قوة لاحتضان قوة سياسية اسلامية، بمبرر" العدو المشترك". إن التنسيق الميداني الحالي بين حزب النهج الديمقرطي المغربي و جماعة العدل و الاحسان، يعتبرنموذجا عن تخبط اليسار. و جعله يبحث عن حل لكسر قفل أزمته عوض البحث عن مفتاح حقيقي. " هناك اناس من اليسار بدؤوا يتجاوبون، خاصة خلال الذكرى الرابعة لوفاة عبد السلام ياسين و عدد منهم أصبح يطرح هذا الموضوع، لكننا لا نريد أن نؤسس لاتلاف يضم مكونين أو ثلاثة مكونات بل نريد أن تتوسع الدائرة لتشمل أكبر عدد من مكونات هذا البلد حتى يكون لهذا الائتلاف التأثير المطلوب". هكذا تحدث رئيس الدائرة السياسية لجماعة العدل و الاحسان في حواره مع جريدة المساء عدد 3264. بكل تعال و كبرياء و ثقة في النفس. و حدد أسباب الخطوة في : " هذا الحوار بدأناه منذ سنوات من خلال ندوات متعددة ، في اطار الوعي بطبيعة الظروف التي تعيشها البلد، و التغييرات التي نرجوها جميعا و ما تقتضيه هذه التغييرات و هو ما حملنا الى الاعتقاد بأنه لا يمكن لأي طرف مهما كانت قوته و مهما كانت شعبيته أن ينهض بمهمة التغيير و حده. و من اجل ذلك نحن ندعو، و نستمر في الدعوة ، الى ضرورة أن نلتقي و أن نتحاور بخصوص الكيفية التي سنؤسس بها لنظام سياسي يحترم المغاربة و يضم مؤسسات بصلاحيات حقيقية و حكومة منسجمة تحكم و تنبثق عن انتخابات حقيقية و مؤسسة برلمانية تكون بصلاحيات حقيقية و قضاء مستقل استقلالا حقيقيا . لقد ضاع كثير من عمر هذا الشعب" لقد حدد هنا السيد عبد الواحد الاسباب و استجاب الرفاق: لكن سيضيع الكثير من عمر النهج الديمقراطي. السؤوال المطروح حاليا على الرفاق في النهج في هذه الذكرى المائوية، ماهي المؤسسات الديمقراطية التي يتوافق فيها الطرفان؟ هل سيقبلون بالعلمانية؟ أم سيستغل الاسلاميون السداجة السياسية للرفاق- التكتيك . "مثقفونا جلهم متخلف عن الركب و عما يعرفه العالم من تقلبات و تأثيراتها علينا، غير مسموعين بالشكل الكافي، و بالتالي غير قادرين على لعب دور التنوير و التأطير لتغيير المجتمع. بعضهم استقال و آخرون يحابون اليمين و اليسار و العلماني و المتطرف و يزيدون في ضبابية الاوضاع، و آخرون مزورون ، بفتح و كسر الواو، تحولوا الى ناطقين رسميين ، بلا ضمير، و يبررون ما لا يمكن تبريره و يخدعون الرأي العام بدون خجل." نبيلة منيب جريدة آخر ساعة عدد 526 / 28 غشت 2017 ، إن هذا وصف أقرب الى الحقيقة، عبرت عنه نبيلة منيب و تحصرت لحال وضعية السياسيين بالمغرب ، كما عبر عنه أيضا خطاب العرش لسنة 2017. أزمة سياسية حقيقية لم نعش مثلها من قبل، النزوع نحو التطرف هو ملاذ الآلاف من الشباب. الأدرع النقابية و الجمعوية و الاعلامية للأحزاب مهترئة،تأطير باقي فئات المجتمع لا تدخل في برنامجها... ان الحركة اليسارية المغربية بكل أطيافها، و احتفالا بالذكرى المائوية، ملزمة بفتح النقاش من جديد، ليس حول الوريث الشرعي للماركسية أو ضد اليسار الاصلاحي أو ما شابه من الصراعات الفارغة، التي تدور عادة في فلك الماركسيين اللينيين و الماويين و التروتسكيين، بل حول العلمانية اولا و أخيرا. و دعم التجربة التونسية بكل قوة و التعريف بها في صفوف النساء و الشباب.
#جيك_محمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
الإنسان يصنع مصيره: الثورة الروسية بعيون جرامشي
/ أنطونيو جرامشي
-
هل ما زَالت الماركسية صالحة بعد انهيار -الاتحاد السُّوفْيَات
...
/ عبد الرحمان النوضة
-
بابلو ميراندا* : ثورة أكتوبر والحزب الثوري للبروليتاريا
/ مرتضى العبيدي
-
الحركة العمالية العالمية في ظل الذكرى المئوية لثورة أكتوبر
/ عبد السلام أديب
-
سلطان غالييف: الوجه الإسلامي للثورة الشيوعية
/ سفيان البالي
-
اشتراكية دون وفرة: سيناريو أناركي للثورة البلشفية
/ سامح سعيد عبود
-
أساليب صراع الإنتلجنسيا البرجوازية ضد العمال- (الجزء الأول)
/ علاء سند بريك هنيدي
-
شروط الأزمة الثّوريّة في روسيا والتّصدّي للتّيّارات الانتهاز
...
/ ابراهيم العثماني
-
نساء روسيا ١٩١٧ في أعين المؤرّخين ال
...
/ وسام سعادة
-
النساء في الثورة الروسية عن العمل والحرية والحب
/ سنثيا كريشاتي
المزيد.....
|