|
نقرأ القرآن ولا نقرأ الحياة
محمود كرم
الحوار المتمدن-العدد: 1460 - 2006 / 2 / 13 - 08:23
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
بينما كان ( بو عبد الله ) يجري اتصالا ً هاتفياً مع زوجته ليخبرها عن إعجابه الشديد من نوعية ( الرخام ) الذي يغطي أرضية المجمّع ، وعزمه على شراء نفس النوعية لمنزله الجديد ..
كان ( بو علي ) منشغلاً بالحديث مع ( بو عزيز ) عن مشكلته الصحية الطارئة ، والتي سببت له بعض التوتر والإزعاج ، وكان الأخير يطمئنه ويخفف عليه توجساته سارداً له بعض الإرشادات ، كونه ملمّاً ببعض الجوانب الطبية إضافةً إلى عملهِ الأصلي في الهندسة الكيميائية ..
وكنتُ أنا و ( بو خالد ) نتجاذب حديثاً سياحياً يتعلق بآخر اكتشافات الفرد الكويتي في عالم السياحة ، وتبيّن بأن هناكَ مجموعة من الكويتيين قد وصلوا إلى اكتشاف جزيرة يابانية تنعم بالهدوء والطبيعة الخلابة تصلح لتكون مكاناً جميلاً وجديداً للتمتع بإجازة الصيف هروباً من حرارته اللاهبة ..
وبملاحظةٍ خاطفة من ( بو علي ) أعاد جلستنا المسائية في الكافيه إلى قاعدة الحوار المشترك ، مبتدءا ً بوجود إشكالية عند جمهور المسلمين في قراءة النص الديني والتي بدورها أفرزت توجهات سلوكية خاطئة نتيجةً للقراءة السطحية والماضوية والمحدودة والمبتسرة ، منّوهاً إلى أن القراءة الصحيحة تستلزم فهماً عميقاً لأبعاد النص الديني ، وأيضاً فهماً عصرياً يحرره من التفسير الماضوي المحدود ويحرره بالضرورة من تفسيرات تيارات الإسلام السياسي وتيارات العنف الديني ..
قلتُ له : مشكلتنا إننا نقرأ القرآن ولكننا لا نقرأ الحياة ، ونقرأ التاريخ ولكننا لا نعيش الحاضر على حد قول أحد المفكرين لا يحضرني اسمه .
وطرح ( بو خالد ) رأياً يتلخص : في أنه من الخطأ الاعتقاد بأن بعض الظواهر الإجتماعية والتي تأخذ شكلاً دينياً ظاهرياً إنها نابعة من روح الدين ، بينما هي في واقع الحال لا تعدو كونها مجرد عادات وتقاليد وموروثات إجتماعية ..
وعلى البعض أن يتخلى عن إطلاق الأحكام القطعية والنهائية التي تتسم بنفي الآخرين من ملة الإسلام لمجرد أنهم لا يتوافقون معهم في الرأي أو في الشكل أو في الطريقة ..
وفي الوقت ذاته يجب أن يسود احترام الآراء والتوجهات والنوايا والشخوص بين كافة أطياف المجتمع كقاعدة أساسية لخلق حوار متزن ينتصر فيه العقل ويبتعد عن التشنج والاحتقان والاستبداد في الطرح ..
وفي منحىً آخر من النقاش الذي أخذ يتشعب قليلاً قلتُ : هناكَ مشكلة تتعلق بهذه الناحية من النقاش والسبب فيها جماعات الإسلام السياسي التي تبنّت تسييس الدين وجره إلى المعترك السياسي عنوةً وهي تتمثل في عدم قدرتهم أو تعمدهم الخلط بين ما هو ديني وما هو سياسي وبالتالي لم تستطع تلك الجماعات من فك الارتباط القائم في منهجها السياسي الذي تخامره دائماً معتقداتهم الدينية التراثية بين إيمانها بضرورة تطبيق الحكم الإسلامي وبين انخراطها في مؤسسات المجتمع المدني ، فعلى سبيل المثال وليس الحصر في السابق كانت جماعات التيار الديني في ( الأردن ) تقاطع الانتخابات البرلمانية على اعتبار إنها تتعارض مع منظومة الإسلام السياسي ، بينما شاركت فيها فيما بعد ، ولا نعرف على وجه التحديد هل مشاركة جماعات الإسلام السياسي سواءً في الأردن أو في بقية الدول الإسلامية والعربية بتلك الانتخابات والتي هي في النهاية من ( التقليعات ) الغربية التي لم ينزل الله بها من سلطان ولا علاقة لها بطريقة النظام السياسي الإسلامي من قريب أو بعيد هي من باب إيمانها الكامل بطبيعة الحياة الديموقراطية الدستورية التي توفرها هذه المؤسسة من الحكم أم إنها قد وجدت نفسها مضطرة للدخول بهذه ( اللعبة ) للاستيلاء عليها وتفريغها من محتواها الديموقراطي الحقيقي وتنفيذ ما تصبو إليه بالتالي من خلالها وكذلك الحال ينطبق أيضاً على الجماعات الدينية المصرية التي تشارك في العملية الديموقراطية هناك وترفع شعار ( الاسلام هو الحل ) في تناقض صريح مع المضامين الدستورية والعصرية والديموقراطية لمؤسسات المجتمع المدني وطبيعة الحياة العصرية وطبيعة المجتمع الذي يتكون أفراده من مشارب مختلفة وديانات مختلفة وأعراق متعددة ..
وكذلك في الكويت حيث ترى جماعات التحزب الديني أن ( الشورى ) هو الأنموذج الذي يجب أن يسود الحياة السياسية كونهُ من التراث السياسي الإسلامي ، بينما نجد تلك الجماعات تشارك وبضراوة في العملية الديموقراطية والتي هي في النهاية شكل من أشكال الحكم المدني والمجتمع المدني البعيد عن أدبيات ومفهوم ( الشورى ) الإسلامي ..!!
هذا الخلط الدائم والمتعمد من قِبل جماعات الفكر الديني في العالم الإسلامي أفرز عدة إشكالات ساهمت في عدم وضوح الرؤية عند فئات كثيرة من جمهور المسلمين علاوةً على الضبابية التي تكتنف ممارستهم للحياة السياسية من حيث عدم فصلهم بين ما يؤمنون به ويعتقدون بصحتهِ وأفضليته وبين سعيهم الحثيث لاستغلال ما توفره طبيعة الحياة السياسية المدنية ..
#محمود_كرم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحسين في المزاد العاطفي والأسطوري
-
حينما تصبح هويتنا الدينية رصيدنا الوحيد
-
زبدة لوبارك تحت المقاطعة
-
هل تسير شعوبنا في ركاب الإرهابيين
-
متى انهزمنا لكي ننتصر ؟؟
-
أين الشيطان ..؟؟
-
أمة مريضة بثقافة الموت
-
مسئولية العقل التفكيري تفكيك المقدس
-
الانغلاقات الفكرية إحدى معضلات الفكر الديني
-
ظاهرة التدين الشكلي
-
حديث الأمكنة
-
حركة التاريخ
-
حدَثَ في لندن
-
الآخر هو أنا
-
أيها العابرون مهلا ً
-
ثقافة التلقين الديني
-
اشتهاءات الحلم
-
الانتماء للوطن وليس للأوهام
-
استبداد الصورة
-
الطغاة .. ذاكرة الماضي القبيح
المزيد.....
-
الإمارات تعلق رسميا على مقتل -الحاخام اليهودي-.. وتعلن القبض
...
-
من هم المسيحيون الذين يؤيدون ترامب -المخلص-؟
-
المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية: مذكرتا اعتقال نتنياهو وجال
...
-
الأميرة المسلمة الهندية -المتمردة- التي اصطادت النمور وقادت
...
-
تأسست قبل 250 عاماً.. -حباد- اليهودية من النشأة حتى مقتل حاخ
...
-
استقبل تردد قناة طيور الجنة أطفال الجديد 2024 بجودة عالية
-
82 قتيلاً خلال 3 أيام من أعمال العنف الطائفي في باكستان
-
82 قتيلا خلال 3 أيام من أعمال العنف الطائفي في باكستان
-
1 من كل 5 شبان فرنسيين يودون لو يغادر اليهود فرنسا
-
أول رد من الإمارات على اختفاء رجل دين يهودي على أراضيها
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|