أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عايدة الجوهري - هل أنتمي إلى أقليّة؟















المزيد.....

هل أنتمي إلى أقليّة؟


عايدة الجوهري

الحوار المتمدن-العدد: 5634 - 2017 / 9 / 8 - 19:07
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


نحن في لبنان مجموعة أقليات دينية، حوّلها النظام اللبناني، عبر التاريخ، إلى كيانات سياسية اجتماعية، ثقافية، تتصارع وتتطاحن، في الحرب والسلم، وإنّ خروج الأفراد، الذهني والنفسي، والسياسي، من هذه الكيانات، يوجب جهودًا جبّارةً. عن هذه الإشكالية أجبت ذات يوم.
سألني ذات يوم الباحث السويسري هارمت فاهندريش Hartmut Fahndrish أن أكتب عن خصوصية تجربتي ككاتبة وباحثة لبنانية تنتمي إلى أقليّة دينيّة، وعن نظرتي إلى أحوال الطائفة التي أنتمي إليها، في إطار جمعه شهادات عدد من الكتاب اللبنانيين حول هذه المسألة. لحظتئذٍ خطر في بالي أنّي أنتمي إلى أقليّة دينية. هالني أن أفكّرَ بذاتي كمنتمية إلى أقلية دينية سوسيولوجية، وأن أشهدَ وأستجوبَ على هذه القاعدة. بدا لي سؤاله سؤالاً وجوديًّا منقوصًا، مفتعَلاً، وإن كان واقعيًّا، بحكم مجريات الأمور السياسية.
بدايةً، يزعجني مصطلحا «أكثرية» و«أقلية»، وإن استُعملا للدلالة على أحد أسس الديموقراطية المعمول بها في الديموقراطيات البرلمانية، لأنّ حكم الأكثرية السياسية يعني، في بلدٍ يتدنّى فيه الوعي السياسي، هيمنة الدهماء بأهوائها وأمزجتها ونزواتها على «أقلية»، قد تكون متنوّرة، عارفة، خبيرة. فما بالك إذا كانت هذه الأكثريات والأقليات، أكثريات وأقليات جغرافية إنجابية، دينية، كما هي الأحوال في لبنان ومصر على سبيل المثال؟ وما بالك أيضًا إذا كانت هذه الأكثريات والأقليات، ثقافية عرقية، كما كانت عليه حال الأكراد في العراق وسورية، وكما هي الحال دائمًا في تركيا؟ ففي بلاد الأكثريات والأقليات الدينية والثقافية والعرقية تسقط السياسة ومعها الديموقراطية على مذبح العصبيات والأنانيات والمشاريع الفئوية.
هي مرآة استشرافية، تعكس واقعًا فعليًّا هذه المرّة، أجبرني السائل بإصرار جمّ على النظر فيها. بدت لي هذه المرآة مشوَشة، غير أليفة، تحتاج إلى صقل دؤوب كي تصلح للاستعمال. أخالني أتنصّل منها عمومًا بوعيٍ تامّ، حتى حين يحثّني الآخرون الأكثريون على النظر فيها، بمقدار ما ينظرون إلى أنفسهم كأكثريين، ويريدون أن أنظر إلى نفسي بالمقاييس ذاتها. قد أتعثّر ببؤس بعضهم الأخلاقي. أرثي لهم. هو هروب ميتافيزيقي يقتضي التنكّر للعبة المرايا، حرصًا على الذات وتماسكها وتمامها.
حين يُطلب إليك، أو يُفرض عليك النظر إلى نفسك كأقلوي، يتأسّس في اللحظة ذاتها مأزقك ومأزق الآخرين، وتشرع في إعادة تعريف هويتك لنفسك أولاً، قبل الاستجابة لرغبات الآخرين. ومهمّة تعريف الذات كأكثري ليست هي الأخرى بالأمر الهيّن، لأنّ الذات في الحالين ليست أكثر من واحدة وحيدة.
فور سؤاله عن أقلويتي، بادرته قائلةً إنّي أفتقد ذاك الشعور، كوني أشعر ذاتي مواطنةً افتراضيةً، تنشد تحقيق مواطنتها، بالتعامل معها قانونيًّا وسياسيًّا واجتماعيًّا كفرد قائم بذاته، لا بغيره، لا كعضو في جماعة صاهرة مصهورة.
وبما أنّ مفهوم الهوية ليس سلبيًّا بالمطلق، أفهمته أنّي أنتمي إلى أقلية عابرة للطوائف، قرّرت أن تكون ذهنيًّا وفكريًّا ونفسيًّا متفرّدةً، ألاّ تشبه إلاّ نفسها، وهي تغالب، بجهد يومي، لحظوي، المشاعر المضادة الكثيفة، التي يدأب على بثّها الناطقون بأصوات الجماعات، سياسيون وإعلاميون و«مثقفون»، ورجال دين مقدّسون، في المرئي والمسموع والمكتوب، وبدرجة أقلّ الأناس العاديون الذين نلتقيهم، لإنجاز مَهمّاتنا المهنية وغير المهنية.
أضفت أنّ هؤلاء الهامشيين يشعرون بفرح التمرُّد على السائد، وبالانعتاق والحرية... فالحرية شعور داخلي جوّاني أولاً، قبل أن تكون معطى موضوعيًّا برّانيًّا. إنّهم يتغرغرون بها في مشيتهم، لأنّ في الامتثال الأعمى للواقع ذلاًّ ونكرانًا للذات، يوهنان «الأنا» وقد يسفهان «الأنا العليا» إن لم يلغياها.
وأردفت إنّي أستغرب أن يبقى المرء كما أرادته جماعته بعد أن قرأ ما قرأ، وبعد أن اختلط بمن اختلط، وخبر من خبر.
وافترضت أمامه أنّ هؤلاء لا يغبطون المثقفين المتسلّقين الذين انخرطوا بكل جوارحهم في الأفعال والخطابات السياسية المهيمنة، لأنّ للمساومة على الذات، أثماناً، يحاول إغفالها المتورطون فيها.
منابر المتمردين على هذا النظام شحيحة، يملك بعضهم مساحات ضئيلة جدًّا في وسائل الإعلام المعهودة، والبعض الآخر يلجأ إلى المواقع الصحافية الإلكترونية، التي لا تجرؤ على الظهور في الأكشاك، وكثيرون يتلطون في الفايس بوك، هربًا من عسف المسيطرين على وسائل الإعلام. ومن لم يجد منبرًا، أو يرغب فيه، يكتفي بالبوح في مجالسه الخاصة، كما يكتفي بصوته البيولوجي.
أمّا عن الطائفة التي أنتمي إليها بحكم الولادة والقانون فلا أخوّل نفسي حقّ التكلم باسمها، وافتراض ما يشعر به أفرادها بصفتهم أقلية ديموغرافية دينية وسياسية، وتأويل تداعيات هذا الشعور على وعيهم لذواتهم، وسلوكاتهم، لأنّ الأحكام العامّة تقوم على التنميط وتتحوّل إلى كليشهات، كما أنّ افتراض التماثل والتشابه بين أفراد المجموعة الواحدة، فيه مجازفة علمية، وتزييف للحقيقة، علمًا أنّ ظواهر اجتماعية سياسية كهذه تستحقّ الدرس لأنّ للأقليات الدينية في ظل نظام طائفي تمييزي، خواصًا وميكانيزمات سلوكية دفاعية، قابلة للوصف والتدقيق، ككل الأقليات في العالم.
وإذا شئت باقتضاب شديد تعقُّب مزاجهم العام، فهم، كمختلف الأقليات في بلد متعدّد وملتهب في آن، تنتابهم نوبات من الخوف على أمنهم. والخوف على الأمن الشخصي من أرذل أنواع الخوف، لأنّه يحرّض الناس على العيش في رهاب دائم، وعلى الكراهية. غير أنّ خوفَهم لا يلبث أن يهدأ لاقتناعهم برسوخهم في هذه الأرض منذ مئات السنين، وتعلّقهم بها. أتحسّر لأنّهم يتبنّون، وغيرهم، خطابًا مناضلاً يحوّلهم على مر السنين والنضالات إلى مواطنين واثقين بدولتهم، بالحدود الدنيا. أتعاطف معم حين يشتكون من نقص فادح في التنمية ولكن أذكّر، من أستطيع تذكيره، بأنّهم ليسوا وحدهم ضحايا هذا النظام التمييزي العنصري، وأنّ حرمانهم عابر للطوائف، مع بعض التفاوتات.
هذا ما أعلنته شفهيًّا للباحث السويسري في لقائنا الأول، خاتمةً كلامي بأنّي لا أملك الوقت الكافي لمعالجة سؤاله، لأنّي منهمكة بموضوعات أخرى، فأجاب بأن أكتفي بما قلته شفهيًّا. وحتى تاريخ تحرير هذا المقال، لم أستطع الوفاء بوعدي المؤجّل، وخطر لي في هذه الآونة بالذات توثيق ما قلته له، ربما لأنّ الكتابة في موضوعات معيّنة تخضع لبواعث غامضة.



#عايدة_الجوهري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -يسار- عايدة الجوهري: مفهوم متحرّك للعدالة الإجتماعية
- كلُّنا مقتولات محتَمَلات
- العرب يكرهون العمل
- التمرُّد على الله
- لماذا تكتبين؟
- أسياد وعبيد
- لعنةُ الأنوثة؟ أم لعنةُ الرّجولة؟


المزيد.....




- استقبل تردد قناة طيور الجنة أطفال الجديد 2024 بجودة عالية
- 82 قتيلاً خلال 3 أيام من أعمال العنف الطائفي في باكستان
- 82 قتيلا خلال 3 أيام من أعمال العنف الطائفي في باكستان
- 1 من كل 5 شبان فرنسيين يودون لو يغادر اليهود فرنسا
- أول رد من الإمارات على اختفاء رجل دين يهودي على أراضيها
- غزة.. مستعمرون يقتحمون المقبرة الاسلامية والبلدة القديمة في ...
- بيان للخارجية الإماراتية بشأن الحاخام اليهودي المختفي
- بيان إماراتي بشأن اختفاء الحاخام اليهودي
- قائد الثورة الاسلامية آية الله‌خامنئي يصدر منشورا بالعبرية ع ...
- اختفاء حاخام يهودي في الإمارات.. وإسرائيل تتحرك بعد معلومة ع ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عايدة الجوهري - هل أنتمي إلى أقليّة؟