|
من المسؤول عما نحن فيه؟
الطيب طهوري
الحوار المتمدن-العدد: 5632 - 2017 / 9 / 6 - 22:00
المحور:
المجتمع المدني
الجالسون في حديقة الغبار التي لا عشب فيها ولا نوار قالوا لبعضهم البعض وقد اشتد حر ما قبيل الظهيرة: لقد عاقبنا الله على أفعالنا.. الراكبون في حافلة النقل الحضري وقد لفحهم صهد الريح الجنوبية بعيد الظهيرة قالوا لبعضهم البعض متذمرين: إنها نتائج أعمالنا..إنه عقاب الرب لنا.. النساء في البيوت كان كلامهن هو نفسه كلام الجالسين والراكبين.. سألني زميل من الجالسين وقد رآني ألتزم الصمت:ما رأيك أنت؟.. أجبته سائلا: وما رأيك أنت؟.. ابتسم: رأيي هو رأيك.. ابتسمت: وما هو رأيي يا زميلي؟.. أنت غير مقتنع بالمرة بما قالوا، أجاب.. فعلا، لستُ مقتنعا أبدا بما قالوا.. لماذا؟ سألني.. إجابة السؤال عندك، أجبته.. كان الجالسون صامتين يستمعون إلينا.. وجهت السؤال إلى أحدهم: هل يمكن للإله الحق أن يكون ظالما؟.. استغفر ربه..لا يمكن أجاب.. عمر وأفراد أسرته يسكنون بيتا قصديريا لا وجود لمكيف هوائي فيه ،وزيد وأسرته يسكنون قصرا يتوفر على أكثر من مبرد..أكملت بعد صمت قصير: وفيه مسبح أيضا..أيهما يتعرض لهذا الذي اعتبرتموه عقابا من الله لنا على أفعالنا أكثر؟.. لم يجبني الذي وجهت السؤال إليه..لم يجبني الآخرون.. أجبت تفسي: عمر وزوجته وأطفاله أكثر ، بالتأكيد.. واصلت: عمر عامل بناء عند أحد المقاولين، يؤدي عمله غالبا تحت أشعة الشمس الحارقة..زيد مقاول يؤدي عمله غالبا في مكتبه المكيف ويتنقل إلى ورشات مقاولته في سيارته المكيفة..أيهما يتعرض لهذا العقاب أكثر؟.. عمر، صاح أحدهم.. بهدوء تكلم الذي كان بجانبه: هذا الذي اعتبرناه عقابا هو في الحقيقة ابتلاء لنا..وإذا أحب الله عبده ابتلاه.. تكلمت: نسيت أن أخبركم.. بماذا؟ سألوني جميعا.. زوجة عمر مصابة بمرض مزمن..كلما اشتدت الحرارة ازداد ألمها..هل ابتلاها الله أيضا بهذا المرض ليدل على مدى حبه لها؟..وما هذا الابتلاء الأبدي؟..ما فائدته؟.. أجابني أحدهم: لتكون عبرة لنا.. سألته: ولماذا هي بالذات من تُبتلى لتكون عبرة لنا؟..ولماذا يكون ابتلاؤها أبديا، أعني حتى تموت؟ نظروا إلى بعضهم البعض ، وراحوا يستغفرون ربهم.. زميلكم علي، تتذكرونه جيدا،أصيب ابنه الأصغر بمرض أفقده البصر، أخذه إلى الكثير من الأطباء المختصين،دون جدوى، اتفقوا كلهم على استحالة استرجاعه بصره..سيعيش هكذا طوال حياته..هل نقول بأن الله ابتلاه هو الآخر؟..ما فائدة هذا الابتلاء بالنسبة له ،وهو ما يزال طفلا صغيرا؟.. أجابني نفس الشخص: ليكون عبرة لنا هو الآخر.. أضاف الجالس بجانبه :مؤكد أنه سبحانه وتعالى قد ابتلاهما لحكمة لا نعرفها.. وليس من حقنا الاعتراض على ما أراد وفعل، علق أحدهم.. نحن لا نعترض يا زميلي..نحن نتناقش فقط..نحن نبدي رأينا ليس إلا ، قال زميلي.. نحن لا نتصور أن الله يعاقب عباده، قلت..ولا نتصور أنه يبتليهم ليكونوا عبرة للآخرين..لم نعتبر من الموت الني تأخذ في كل لحظة روح إنسان ما، فكيف نتعظ مما تعتبرونه ابتلاء لبعضنا من الله.. بل يعاقبنا ويبتلينا ، صاح أحدهم؟.. لماذا ؟ سألته.. لنعود إلى طريق الحق..لنتخلى عن أعمالنا السيئة، أجاب.. منذ متى وهو يعاقبنا؟ سألت.. وأجبت مباشرة: منذ عقود ، بل منذ قرون وهو يعاقبنا؟ هل عدنا؟.. أجاب زميلي: إطلاقا..لم نعد..كلما عاقبنا أكثر ازدادت أفعالنا سوء أكثر.. أضاف: هل تعتقدون أننا جميعا سيئون حتى نعاقب كلنا؟..بالتأكيد ، لا..ما ذنب الأطفال؟..ما ذنب المجانين؟..ما ذنب الحيوانات؟..ألم يقل الله في قرآنه: ولا تزر وازرة وزر أخرى؟.. واصلت رأي زميلي: إذا كان لأحدكم ولد سيء الأخلاق، ماذا يفعل له؟..لم أنتظر إجابتهم..ينصحه، وإذا لم يستقم يعاقبه.. بالتأكيد، أجابوا.. وإذا لم ينجح ذلك العقاب وقد تكرر ..ماذا يفعل أبو الطفل؟ سألتهم.. على الأب البحث عن طريقة أخرى، قال أحدهم.. وإذا لم يبحث عن طريقة أخرى، وواصل نفس طريقته العقابية التي لم تغير ولن تغير طفله ذاك، ماذا نقول عنه؟.. نظروا إلى بعضهم البعض..طأطأوا رؤوسهم ولم ينبسوا ببنت شفة.. هل يُعاقَب إخوة الطفل بسبب سوء ذلك الطفل؟.. لا يمكن، قالوا.. هكذا أيضا هو الله في علاقته بكم، وقد اعتبرتموه مثل ذلك الأب ،يعاقبكم لتستقيموا، أو يبتلي بعضكم لتتعظوا.. وقف أحد الجالسين ..وكمن وجدها راح يسأل: ومن الذي يعاقبنا أيها المتفلسف إذن ؟.. استدار إليه زميلي..نحن من نعاقب أنفسنا، أجابه ، وهو يربت على كتفه اليسرى.. نعاقب أنفسنا؟..كيف؟ أيها الفيلسوف الآخر؟.. ما ترونه من تغيرات سلبية تحدث في عالم الطبيعة وتخل بالتوازن فيها هو نتاج ما لحقها من تلوث فضيع..ونحن البشر من عملنا على تلويثها.. صمت قليلا..حدق في وجوههم ثم أكمل: وقد أدى هذا التلوث إلى ارتفاع درجة حرارة الأرض.. أخذت الكلمة منه: وإلى احتراق الكثير من الغابات..لا حظوا ما حدث في بلادنا الجزائر هذه الأيام.. تكلم زميلي من جديد: تعدادنا السكاني الكبير أدى إلى تلويث كل المجاري المائية في بلادنا..إلى تقلص الموارد المائية السطحية ، وحتى العميقة في بعض المناطق..إلى تقلص الكثير من الأراضي الزراعية الخصبة..إلى بناء الكثير من المصانع لإنتاج مختلف السلع التي نحتاجها ، ومن ثمة إلى رمي الكثير من النفايات الصناعية في مختلف المجاري المائية التي تصب في بحرنا المتوسط، إلى جانب ما نرميه نحن من نفايات منزلية، وما نملأ به مختلف المجاري المائية من خلال ما ترميه مؤخراتنا في قنوات الصرف الصحي.. عاد زميلي إلى الكلام: ونتج عن كل ذلك انتشار الكثير الكثير من الأمراض، كما ترون.. إذا كان الأمر كما شرحتما ووضحتما،ما الحل؟ سأل بعضهم.. أجبت: الحل بأيديكم..بدل تحميل الله مسؤولية ما صرتم عليه،أو تحميلها الآخرين ممن تعتبرونهم أعداءكم من خلال ما تسمونه مؤامرة، أو تحميلها الشيطان، شغلوا عقولكم ..تحملوا مسؤولياتكم.. نظموا أنفسكم..واجهوا الفساد الذي استشرى بينكم..اعملوا كما يعمل الآخرون في هذا العالم..قفوا مع كل الخيرين في هذا الوجود وواجهوا داخليا وخارجيا كل الذين يلوثون أرضكم التي تعيشون فيها.. ابدأوا بأنفسكم..حاربوا الفساد فيكم..اعملوا على تنظيف محيطكم..تخلوا عن كل مظاهر التبذير في حياتكم..اعملوا على توعية غيركم بمجمل المخاطر التي تواجه البشرية في هذا العالم..كلكم مسؤولون، فليتحمل كل واحد منكم مسؤوليته..
#الطيب_طهوري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هذا ما يفعله مسؤولو ال تحت في شعوبنا العربية
-
عن الإيديولوجيا..عن مخاطرها
-
في معنى الأصالة
-
عن ديمقراطية الشعر..عن لا ديمقراطيته
-
عن القصيدة/ القبيلة العربية ومجتمع حاضرنا العربي
-
مجتمعنا العربي وعالم الحداثة
-
بين ثقافة الولاءات وثقافة الكفاءات
-
مقبرة الحجارة
-
هنا، لا أمام لي
-
من آخرته عاد أبي
-
عن الحب..عن القبائل الأمازيغ في الجزائر
-
الإسلاميون والخوف
-
رمالا تعوي ريح ُ عباد*
-
لنبني حدائق ثقافية لأطفالنا
-
العرب المسلمون يعيشون مخياليا في الماضي
-
بين تقدم الغرب وتخلفنا..الأسباب أساسا
-
تأملات فيسبوكية
-
لماذا نحن لا ننتحر..لماذا هم ينتحرون؟
-
الأقوياء المتنفذون وحدهم من يخدمهم الدين في الواقع
-
لا خروج لنا من تخلفنا إلا بانفتاحنا على الحياة وتفاعلنا مع ب
...
المزيد.....
-
تصويت تاريخي: 172 دولة تدعم حق الفلسطينيين في تقرير المصير
-
الجمعية العامة للأمم المتحدة تعتمد قرارا روسيا بشأن مكافحة ت
...
-
أثار غضبا في مصر.. أكاديمية تابعة للجامعة العربية تعلق على ر
...
-
السويد تعد مشروعا يشدد القيود على طالبي اللجوء
-
الأمم المتحدة:-إسرائيل-لا تزال ترفض جهود توصيل المساعدات لشم
...
-
المغرب وتونس والجزائر تصوت على وقف تنفيذ عقوبة الإعدام وليبي
...
-
عراقجي يبحث مع ممثل امين عام الامم المتحدة محمد الحسان اوضاع
...
-
مفوضية اللاجئين: من المتوقع عودة مليون سوري إلى بلادهم في ال
...
-
مندوب ايران بالامم المتحدة: مستقبل سوريا يقرره الشعب السوري
...
-
مندوب ايران بالامم المتحدة: نطالب بانهاء الاحتلال للاراضي ال
...
المزيد.....
-
أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|