|
التاريخ يعيد نفسه ...مصريا
أحمد صبحى منصور
الحوار المتمدن-العدد: 5631 - 2017 / 9 / 5 - 09:54
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
التاريخ يعيد نفسه ...مصريا مقدمة : بدأ تاريخ البشرية بمصر ـ ولا يزال مستمرا .. وإذا كان التاريخ يعيد نفسه فإن إحتمال هذا وارد فى تاريخ مصر وارد . بل إن إستقرار نظام الدولة المصرية المركزية العميقة يؤكد أن تاريخها يعيد نفسه ، وبالتالى فإن ما كان يحدث فيها من مجاعات وأوبئة تقضى على الملايين من سكانها أمر وارد حاليا، حتى مع بعض التغييرات الحادثة فى مصر بعد حكم العسكر المصرى ، مثل السد العالى الذى حفظ مصر من أهم مسببات المجاعة وهو تناقص النيل أو فيضانه بما يمنع الزراعة . فهل هو إحتمال قائم بعودة المجاعة فى مصر بما كان يحدث فى العصور الوسطى ؟ نجتهد فى الاجابة على هذا السؤال فى لمحة سريعة : أولا : ثنائية الفرعون / مصر : 1 ـ الفرعون هو الرمز القرآنى لكل مستبد فى العالم . وكل من حكم مصر صار فرعونا مستبدا يؤمن أنه يملك أرضها ومن عليها ، ويتصرف ويتكلم على هذا الأساس ، لا فارق بين أول من حكمها ( مينا نارمر ) أو من يحكمها الآن ، ولا فارق إن كان الفرعون مصريا أصيلا أو متمصرا ( حاكما أجنبيا ) . ولكن تظل هناك فروقا بين الفراعنة . هناك فراعنة أقوياء إمتدت بهم إمبراطورية مصر ، مثل تحتمس ورمسيس الثانى و الظاهر بيبرس ومحمد على باشا والخديوى اسماعيل . وهناك فراعنة فاشلون ، منهم الكامل الأيوبى ( ت 635 / 1238 ) الذى تنازل عن بيت المقدس وبيت لحم والناصرة وصيدا للامبراطور فريديرك مجانا فى معاهدة يافا عام 626 . وحفل العسكر المصرى الحاكم بفراعنة لم يعرف التاريخ المصرى الطويل مثيلا لهم فى الفشل الذى يبلغ درجة الخيانة ، عبد الناصر أضاع سيناء ، والسادات إستعاد بعضها . ومبارك خان مصر وسرقها . أما السيسى الفرعون الحالى فهو يبيعها أنقاضا . 2 ــ قوة الفرعون أو ضعفه تنعكس على تصرفه مع النيل ، وهو سبب وجودى لمصر . قد يكون بفشله سببا فى استمرار المجاعة ، ويكون النيل أرحم بمصر منه ، فالمستنصر الفاطمى تسبب بضعفه فى إستمرار المجاعة سبع سنوات ، مع أنها تستمر فى أغلب الأحوال أقل من عام . وتسبب صراع المماليك فى سلطنة الصبى فرج بن برقوق فى استمرار المجاعة ثلاث سنوات ( 806 : 808 ). ولم يكن النيل سببا فى استمرارها كل هذا الوقت . ثانيا : ثنائية الفرعون / النيل ، فى القرآن الكريم : 1 ـ تعبيرا عن فرعونيته وملكيته مصر وما عليها نادى فرعون موسى فى قومه : ( أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ (51) الزخرف ) . واضح فى الآية أنه لم يتكلم عن نهر واحد أو عن شريان واحد للنهر ، بل أنهار تجرى تحت حكمه وسيطرته . أى أنه كانت هناك شرايين لنهر النيل تتخلل العمران المصرى ، وتربطه ببعضه ، وتجعل لفرعون تمام التحكم فى كل العمران المصرى ، بحيث أنه بعث فى مدائن مصر فجمع منهم السحرة فى وقت محدد ، ( الأعراف 111 ـ ) ( الشعراء 36 : 38 ) وأنه ايضا حشد جيشه من مدائن مصر فى وقت محدد لمطاردة بنى اسرائيل فى هروبهم مع موسى ( الشعراء 53 ـ ) . 2 ـ لعب النيل دورا هاما فى قصة موسى عليه السلام ، فهو الذى حمل تابوت موسى الى قصر الفرعون . ويلاحظ وصف النيل ب ( اليمّ ): (إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى (38) أَنْ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ )(39) طه ) ووصف البحر الأحمر بنفس الوصف (فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ (136)الاعراف) ، أى أن جريان النيل فى تدفقه كان يماثل تدفق البحر . وحمل النيل عذابا لفرعون كان ضمن قوله جل وعلا : (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ (133)الاعراف ). ثالثا : ثنائية الفرعون / النيل ، فى عهد الفراعنة العظام : 1 ــ نهر النيل ضرورة وجودية لمصر ، أدرك هذا فراعنة مصر القديمة ، فكانت عاصمة مصر فى الجنوب ( طيبة / الأقصر ) وتتوسط مصر القديمة التى كانت تمتد من البحر المتوسط الى حوض النيل فيما يُعرف الآن بالسودان . السودان ـ حتى الآن ــ ممتلىء بالآثار الفرعونية من أهرامات ومعابد ، وعُثر فى السودان على مخطوطات مصرية هيروغليفية تعود الي 3000 سنة ق.م . ليس هذا فقط بل وصلت السفن المصرية والحملات العسكرية الى بلاد ( بونت ) ، وهى الآن الصومال واثيوبيا فى عهد الملكة حتشبسوت وتحتمس الثالث الى رمسيس الثالث وامنمحات الثالث . 2 ـ محمد على وحفيده الخديوى اسماعيل هما آخر الفراعنة العظام فى التاريخ المصرى بأكمله . محمد على الذى كان واليا عثمانيا فى مصر بلغ بحدود مصر الشرقية الى شمال سوريا ، وأعاد السودان الى مصر، هو الذى إفتتحه وهو الذى أسس الخرطوم عند إلتقاء النيل الأبيض بالنيل الأزرق. وأنشأ محمد على القناطر الخيرية لتتحكم في تدفق المياه للثلاث رياحات الرئيسية في دلتا النيلبعمل ترميمات لها . 3 ـ وزيادة فى الاحتياطات أسّس الخديوى عباس حلمى الثانى سد إسوان فيما بين 1899 : 1906 ، وكان فى عهده أكبر سد فى العالم بأسره . وهو مبنى من حجر الغرانيت واقام له محطتين للكهرباء هما محطة توليد أسوان الأولى و محطة توليد أسوان الثانية. مع طريق يربط بين ضفتي النيل الشرقية والغربية. رابعا : ثنائية الفرعون / النيل ، فى عهد عسكر مصر الحالى : 1 ـ كان سد إسوان كافيا ، وحمى مصر من مجاعات. ولكن قام عبد الناصر بحركة الجيش عام 1952 ، والتى جعلت العسكر المصرى ( يحتل مصر ) ويهبط بها بالتدريج الى أن وصلت فى عهد السيسى الى الحضيض . 2 ـ سعى عبد الناصر الى الشهرة والزعامة مبكرا ، فأنشأ السد العالى بدون حاجة له . بالسد العالى دخل عبد الناصر فى صدام مع أمريكا التى رفضت تمويله لخطورته .ردّ عبد الناصر بتأميم قناة السويس ، مع انه كان يمكن أن تعود لمصر قانونا بعد عدة سنوات . وبتأميم قناة السويس دخل عبد الناصر فى حرب 1956 التى انهزم فيها ، وأضاع سيناء للمرة الأولى ، وأعادتها له اسرائيل بعد أن أعطاها قرية ام الرشراش التى جعلتها اسرائيل إيلات ، وصارت منفذا لها على البحر الأحمر ، تهدد به مصر فى منابع النيل . ثم أضاع سيناء للمرة الثانية عام 1967 . 3 ـ كان السد العالى عملا دعائيا ، لذا لم يقم عبد الناصر بتلافى آثاره الجانبية مكتفيا بالدعاية الضخمة الى حصل عليها . أدى السد العالي إلي تقليل خصوبة نهر النيل وعدم تعويض المصبات في دمياط ورأس البر بالطمي مما يهدد بغرق الدلتا بعد نحو أكثر من مائة عام وبسبب بعض العوامل الأخرى مثل الاحتباس الحراري وذوبان الجليد بالقطبين الشمالي والجنوبي بتأثير سلبي من طبقة الأوزون. وبالسد العالى تم إغراق قرى النوبة وآثارها ، وترحيل النوبيين من بلادهم فى تهجير قسرى ظالم . هذا علاوة على التهديد العسكرى لمصر ، لأن تفجير السد العالى يعنى إغراق العمران المصرى كله . 4 ـ أصبح واضحا أن مصر مقبلة على مجاعة مائية عام 2025 ، ومع ذلك فلم يهتم مبارك بعلاقات مصر مع دول منبع النيل خصوصا اثيوبيا ، وجاء الوقت الذى تبنى فيه اثيوبيا السد فى أرضيها والذى يهدد بموت مصر عطشا . وجاء السيسى بفشل متكرر يعالجه بالتنازل فى أى مفاوضات حتى يتجنب حربا يعرف مقدما أنه سينهزم فيها ـ وهو الجنرال الذى لم يخض حربا من قبل . خامسا : جنون الأسعار بداية المجاعة القادمة 1 ــ إرتبط فشل العسكر المصرى من عهد مبارك الى الآن بالجمع بين الاستبداد والفساد والتعذيب ، وبدأ إرتفاع الأسعار من عهد السادات . أول إرتفاع للأسعار سبّب ثورة الجياع فى أحداث 17 ـ 18 يناير عام 1977. من وقتها بدأ إرتفاع الأسعار فى مصر ولم يتوقف .ومنشور لنا هنا مقال ( جيلنا : جيل النكلة والمليم ) ، وكان الدولار يساوى عشرين قرشا فى الخمسينيات فأصبح الدولار الآن يرتفع ويلامس العشرين جنيها . كان كيلو اللحم 28 قرشا فى أوائل الستينيات ، وصل العام الماضى ال 80 جنيها ، وهو الآن ( سبتمبر 2007 ) الى 140 جنيها . 8 ـ الغلاء الذى يطحن الأغلبية الساحقة من المصريين الآن قضى تقريبا على الطبقة الوسطى . فى الستينيات كان مرتب خريج الجامعة 17 جنيها ، يعيش به ويسكن ويتزوج ويمكن أن يحضر حفلة أم كلثوم مرة فى السنة بعد عدة سنوات من الخدمة . الآن ، هناك مديراعام فى وزارة الشئون الاجتماعية له أقدمية 25 عاما ومرتبه 2355 جنيها فى الشهر . وهو يواجه معضلة شهريا فى الايجار والكهرباء والملابس والطعام له ولأسرته ( 8 أفراد ).! هذا مثال للطبقة الوسطى . العامل الزراعى فى الريف الذى يمثل الفقر يحصل على أقل من 100 جنيه يوميا ، بينما وصل سعر كيلو فى الفراخ الى حوالى 30 جنها ، وثمن البيضة 150 قرشا . وثم سندوتش الطعمية الصغير الذى لا يكفى شخصا واحدا 250 قرشا . وقرص الطعمية 50 قرشا . ليست المشكلة فى هذا التوحش فى الأسعار فحسب ، بل فى أنه يتصاعد كل دقيقة ، لا يشمل الطعام فقط بل الملابس وأسعار الخامات . هذا السُّعار فى إرتفاع الأ سعار هو الطريق السريع للمجاعة . وهى مضمونة مع إستمرار حكم العسكر بفساده وسرقاته . البديل هو سقوط حكم العسكر ، وهو يعنى حربا أهلية ، حين تشتعل ثورة الجياع وينضم اليها جنود الجيش والرتب الصغرى من الضباط .وكتبنا هنا عن ثورة الجياع القادمة . 9 ــ هذا مع إفتراض أن مصر لن تتعرض لمجاعة مائية قادمة . أحسن الحديث : قال جل وعلا : (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً (16) الاسراء ).
#أحمد_صبحى_منصور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التاريخ يعيد نفسه : رؤية تاريخية
-
التاريخ يعيد نفسه : رؤية قرآنية
-
من أخبار الغلاء والمجاعات والأوبئة فى مصر الأيوبية والمملوكي
...
-
الشدة المستنصرية ( 2 من 2 ) حين جاع الخليفة المستنصر والمصري
...
-
الشدة المستنصرية ( 1 من 2 ) ( حين أذلّ الجنود خليفتهم المستن
...
-
الخليفة (المستنصر الفاطمى ) الذى حكم ستين عاما
-
( فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ ) : تعليق على المقال
...
-
دولة النبى محمد عليه السلام وأهل الكتاب
-
كان النبى محمد عليه السلام تاجرا .
-
النشر فى جريدة الدستور
-
الغيب فى القرآن الكريم
-
الكافرون فى تشريع الزواج الاسلامى
-
النشر فى صحف أخرى بفضل الكتابة فى ( الأهالى )
-
حين كتبت فى جريدة ( الأحرار ) : ( هناك محاولة لإغتيالى .!!).
-
العلاقة بحزب وجريدة ( الأحرار )
-
نماذج من النشر فى جريدة ( الأحرار ) فى إصلاح العسكر المصرى ا
...
-
فى مأساة برشلونة نجدد الدعوة الى إحالة شيوخ الارهاب الى المح
...
-
نماذج من النشر فى جريدة ( الأحرار ) ضد تعذيب العسكر المصرى ل
...
-
نماذج من النشر فى جريدة ( الأحرار ) ضد فساد العسكر المصرى ال
...
-
دعوة الى محاكمة شيخ الأزهر أمام الجنائية الدولية بسبب سجن ال
...
المزيد.....
-
82 قتيلا خلال 3 أيام من أعمال العنف الطائفي في باكستان
-
1 من كل 5 شبان فرنسيين يودون لو يغادر اليهود فرنسا
-
أول رد من الإمارات على اختفاء رجل دين يهودي على أراضيها
-
غزة.. مستعمرون يقتحمون المقبرة الاسلامية والبلدة القديمة في
...
-
بيان للخارجية الإماراتية بشأن الحاخام اليهودي المختفي
-
بيان إماراتي بشأن اختفاء الحاخام اليهودي
-
قائد الثورة الاسلامية آية اللهخامنئي يصدر منشورا بالعبرية ع
...
-
اختفاء حاخام يهودي في الإمارات.. وإسرائيل تتحرك بعد معلومة ع
...
-
إعلام العدو: اختفاء رجل دين اسرائيلي في الامارات والموساد يش
...
-
مستوطنون يقتحمون مقبرة إسلامية في الضفة الغربية
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|