|
الحوار المفتوح........ ج2
عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 5631 - 2017 / 9 / 5 - 04:00
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
سؤال_ من هذا الكلام يمكننا أن نقول أن كل يهودي أو نصراني يتمسك بدينه ويعمل وفق مقتضياته لا يمكن أن نسميه كافرا بدين الإسلام؟ هذا ما أجده مخالفا للكثير من النصوص القرآنية التي تصفهم مرة بالمشركين ومرة بالكافرين؟ أليست النتائج التأريخية التي أنتجها التمسك بنصوص القرآن الخاصة بأهل الكتاب تشير إلى غير ما تقوله؟. الجواب_ قلنا في الجواب السابق أنه لو تم الحفاظ الكامل والموث لأحكام ونصوص الديانات السابقة بالصيغة التي جاءت فيها ولا أقصد التعبد أو الممارسات الطقوسية فهي تحصيل حاصل لتلك النصوص والأحكام، لم نك بحاجة إلى دين جديد وإلى نبي مرسل في كل مرة، ومع ذلك لو أفترضنا جدلا أن بعض مؤمني الديانات الإبراهمية قد أستحضروا فعلا كتبهم الأصلية التي تخلو من التحريف والعبث، سوف نجدهم في حالة تطابق شبه تام مع الجزء المحمدي من الرسالة الإسلامية ولا يمكن أن نصفهم بغير المؤمنين بالحق. اليهود والنصارى والأحناف وبعض الديانات التي ذكرها القرآن من أمن منهم بها وعمل على تنفيذ وبسط ما فيها لاشك أنهم مؤمنون بدين الحق، القرآن نفسه لم يذكرهم بأي نعت يخرجهم من دائرة الحق {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ}البقرة62، إنما الأوصاف التي ذكرتها جاءت نتيجة إيمانهم بالمحرف وعملهم بعلم أو بدون علم بما في دائرة التحريف وليس على أساس إيمانهم بالدين {فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }البقرة181. تبقى قضية مهمة في تحديد معنى المشرك، هناك نوعين من مفهوم الشرك في القرآن، الأول الشرك في اله وهو أن تجعل مع الله إله أخر أو تعتقد ذلك أو تؤمن بأن الله مفهوم مركب أو مجزأ {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ اللّهِ شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُل لاَّ أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَـهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ }الأنعام19، فهذا الشرك تحديدا هو ما جعل النص القرآني يصف بعضا من أهل الكتاب بالمشركين لأنهم أشركوا مع الله {لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَـهٍ إِلاَّ إِلَـهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }المائدة73، أو لأنهم أضافوا وصفا لا يليق بوحدانية الله {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ }المائدة64. وهناك شرك أخر يتضمن جعل ما ليس في الدين أو لم ينزل به الله من سلطان حقيقة وكأنها صدرت من رب لدين، فهم أشركوا بما لله من حق وأشركوا بما عنده من أفكار أو مواق أو أراء وجعلوها موازية ومساوية للنص الديني المنزل، وبذلك زاحموا الله في وظيفته {فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـذَا مِنْ عِندِ اللّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ }البقرة79، كلا الحالتين تم التعامل بها من أهل الكتاب إلا ما ندر ، لذا فعندما يصفهم الله بالمشركين أو الكافرين إنما ليثبت لهم وعليهم موقف يراد له التصحيح وفقا لملة إبراهيم الأولى وما جاء في أخر نسخة أو حلقة من دين الله، هذا لا يعني أن كل من كان في وقت الرسالة هم ممن تنطبق عليهم الأوصاف بل منهم كانوا على إيمان حقيي وطاعة مخلصة لله {وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ }المائدة83. سؤال_ هل يمكن لنا أن نتصور وقوع الشرك الذي ذهبت له في جوابك السابق بين المسلمين؟ وهل صحيح أن ما يوصم به بعض المسلمين اليوم من وصف الشرك والكفر مطابق لما هو وارد في قصديات النص القرآني؟. الجواب_ لا أظن أن مسلما اليوم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله قد يفكر في أن يكون على خلاف مع شهادته، ولا يوجد مؤمن بأن الله الواحد الأحد الفرد الصمد ممكن أن يكون له شريك أو نظير أو عون، القضية التي تثار اليوم من بعض الأصوات شديدة المحافظة والتي لم تتفهم طبيعة الإنسان الفطرية تكفر الناس لأسباب ظاهرها يوحي بالشرك، ولكن لو سألت أي فرد من هؤلاء وقلت له أن مع الله إله أخر، ستجد الجواب القطعي بالنفي والأستنكار. هناك في الواقع الأجتماعي وتأثير ما في الجذور الحضارية عند الأمم والمجتمعات بقايا ممارسات فطرية تشكل من خزينه الروحي، فمثلا عندما يتقرب للأولياء أو الشخصيات الدينية بسبب أو لسبب، فهو يظن أن الناس منازل عند الله كما هي منازلهم في الواقع، وكلما عظمت المنزلة كلما كان القرب من الله أدنى، يستخدم هذا القرب وهذه المنزلة ليختصر الطريق إلى ربه وهو يعلم أن ما لدية من ذخيرة إيمانية غير كفاية ليكون بذات القرب والمنزلة، فهو يتوجه لله بالتأكيد ولا يتوجه للولي أو صاحب الكرامة، كما يفعل في الحياة اليومية مع السلطة أو مع الواقع الأجتماعي. الله يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور والله أعلم بما في النوايا، فهو وحده من يمكنه أن يصنف هذا كافر وهذا مشرك بناء على محددات قيمية وقياسية ذكرتها النصوص، وبما أن مثل هؤلاء المؤمنين الذين يتقربون لله بالصالحين لا هم يفولون هؤلاء أربابا يقربونا زلفة من الله ولا يدعون أنهم أبناء الله ولا ينسبون لله نقصا في القدرة أو في الفعل، فلا يمكن أن نصف هؤلاء بالمشركين ولكن الواجب الطبيعي أن نسعى لهم في الحقيقة أن الله قريب من كل عباده بما فيهم الذين أسرفوا على أنفسهم بالمعاصي، وعليهم أن يتقربوا إلى الله بقلوبهم بعد تطهيرها مما يمنع الأقتراب والتلاقي. إذن الجواب على السؤال سيكون من غير الممكن أن تجد من يشهد يوميا ولأكثر من مرة أو يؤمن في قرارة القلب أن الله واحد أحد لا شريك له ولا نظير، أن يكون كافرا أو مشركا بالأفتراض، بل لا بد أن يظهر وعلى الملأ وبدون ضغط ولا أكراه ما يؤمن به، هناك وفي تلك الحالة ممكن أن نصفه مشركا أو كافرا أو جاحدا، وإلا لا لأحد الحق ولا القدرة ولا المنزلة التي تكفر الناس وتخرجهم من دينهم لمجرد أنك تختلف معهم في قضية أو لا تتفق معهم على منهج ما. سؤال_ في الحياة العملية ليس متاحا دائما أن نجعل القرآن الكتاب الذي يحتوي الحدود المعيارية والقيم التي تصنف الناس وفقا لما تظهره سلوكياتهم اليومية، ليس لأن القرآن بعيد ولكن السؤال هو من يكون قادرا وبحيادية وتجرد أن يطبق المفاييس المعيارية تلك؟. الجواب_ طبيعي عندما نتدبر القرآن ونتفهم حدود المقاصد وجوهر المعنى في أي حكم أو موقف سيكون من السهل مع التجرد والحيادية والأجتهاد بمطابقة الحال مع التوصيف أن نعبر عن نتائجنا بدقة قد تقترب من التمامية، هذا للذي يتيسر عليه العمل بمقتضيات أليات التدبر وبأحترافية في البحث والمعايرة، أما العوام من الناس من الذين لا يتيسر لهم ذلك فهم غير معنيين أصلا بقياس حال الأخرين، هنا سيتضح لنا أهمية ما سماه النص الديني بالتفقه في الدين لا على أساس أتخاذه مهنة أو وظيفة حصرية لبعض الأفراد، بل لأنه واجب كفائي على من أستطاع إلى ذلك سبيلا {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ }التوبة122. المشكلة في التأريخ الإسلامي وفي ما يتعلق بهذه القضية (قضية التفقه) أن البعض من المسلمين أتخذها ذريعة موضوعية لتجسيد الذات الفردية لديه، فهو عندما يتفقه في الدين لا يتفقه على أساس أنه متطوع بما لديه من ملكات فكرية وعقلية للمساعدة في إيصال الفقه المتدبر به للناس، بل الغالبية العظمى جعلوا من مرتبة التفقه بديلا عن تكليفهم الأصلي في العمل التطوعي إلى أتخاذ القضية مهنة توصله إلى درجة ترضي غروره الشخصي أولا، وتوفر له عملا ثابتا ومريحا ومنزلة أجتماعية، بأعتبار أن الناس بحاجة للفقيه مثلما هي بحاجة إلى الكثير من أصحاب الخبرة والمهارة والفن المعرفي، هنا خرج الفقيه من دائرة الإنذار المكلف بها إلى دائرة السلطة الدينية وبنى من حوله هالة من التقديس والتعظيم جعلت منه شريكا في التشريع، وغير قابل لأن يرد عليه من قبل الأخرين بأعتباره يؤدي واجبا لمصلحة الله والدين. الأصل أن الدين للناس كل الناس وهو سهل وميسر ومتاح للجميع بالقدر الذي يستوعبون فيه أداء ما مطلوب منهم على طريق الإيمان، عندما تعدد الفقهاء وصاروا أحزاب وشيع تحت عوامل وأسباب تاريخية وسياسية ومنها ما لا يمكن أن يئتلف مع وظيفة الفقيه، نشأت التعارضات وتناغم جهال الناس مع طروحاتهم أم طمعا أو أنتصارا لعصبيات أو أفكار محددة، هنا أغلقت دائرة الفقه على مدارات محددة وأراء مؤطرة له نشأت منها الملل والأحزاب والطوائف وترك الدين الإسلامي كأصل لنعمل بالمنتج الفهي فقط، في هذا الجو برزت مسألة التكفير والتشريك وأصبح الفقيه والعقائدي الذي أطلقت عليه تسمية (رجل دين) هو الحاكم بأمر الله، وله وعليه وحده يقع واجب تطبيق المعيارية القياسية في السؤال، وبذلك زاحم هؤلاء الفقهاء ورجال العقيدة حق الله المخصوص بالتركية {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ اللّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً }النساء49.
#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)
Abbas_Ali_Al_Ali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحوار المفتوح........ ج1
-
لماذا يتم تحريف الدين في كل مرة ح2
-
لماذا يتم تحريف الدين في كل مرة ح1
-
الحرية الدينية من منطلق الخيار الإنساني الأصيل
-
سأرحل بحرية لأبحث عن حرية
-
مشاكل الواقع العراقي وشروط مرحلة التغيير والإصلاح
-
الكتابة على سطح القمر
-
ربيع حالم
-
إشكالية الدين ومصير الإنسان ح2
-
إشكالية الدين ومصير الإنسان ح1
-
الدين وأزمة الهوية الدينية ... ألحاد وإيمان
-
بمناسبة تأجيل الأنتخابات المحلية ودمجها في الأنتخابات الوطني
...
-
لماذا نجح الرسول في بناء مجتمع واحد وفشل المسلمون في ذلك؟
-
مفاهيم عدالة الصحابة ومعصومية المجتمع والولاية التكوينية وأث
...
-
الدين وهوية الشخصنة
-
نحن والدين وخداع التأريخية
-
مقدمة ديواني الجديد ....... رسائل مهملة
-
التغيير من وجهة نظر فلسفية ح1
-
تعريف المقدس أستدلالا بالقصد المعنوي النصي
-
أنا رجل بلا .......
المزيد.....
-
بيان إماراتي بشأن اختفاء الحاخام اليهودي
-
قائد الثورة الاسلامية آية اللهخامنئي يصدر منشورا بالعبرية ع
...
-
اختفاء حاخام يهودي في الإمارات.. وإسرائيل تتحرك بعد معلومة ع
...
-
إعلام العدو: اختفاء رجل دين اسرائيلي في الامارات والموساد يش
...
-
مستوطنون يقتحمون مقبرة إسلامية في الضفة الغربية
-
سفير إسرائيل ببرلين: اليهود لا يشعرون بالأمان في ألمانيا
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة -أفيفيم- بصلية صا
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة -ديشون- بصلية صار
...
-
سفير إسرائيل ببرلين: اليهود لا يشعرون بالأمان في ألمانيا
-
أسعد أولادك…. تردد قناة طيور الجنة التحديث الجديد 2025 على ج
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|