أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - محمد شيرين الهوارى - الضربة القاضية للشعب - الإجهاز على القليل المتبقى من الأدوات الاقتصادية المُتاحة لقضاء حوائج عامة الناس















المزيد.....



الضربة القاضية للشعب - الإجهاز على القليل المتبقى من الأدوات الاقتصادية المُتاحة لقضاء حوائج عامة الناس


محمد شيرين الهوارى

الحوار المتمدن-العدد: 5629 - 2017 / 9 / 3 - 23:53
المحور: الادارة و الاقتصاد
    


مقدمة:
لم تعد هناك على ما أظن اليوم ولو الحد الأدنى من المساحات للنقاش حول المشروع الإقتصادى الذى يتبناه الرئيس عبد الفتاح السيسى منذ اليوم الأول لتوليه زمام السلطة بمصر فى يونيو 2014 والذى يزداد وضوحاً يوماً تلو الآخر بكل ما يحمل من نيوليبرالية متوحشة (وإن كانت تبدو بسذاجتها الشديدة فى الكثير من الأحيان كالطفولة المشردة أكثر منها سياسة إقتصادية جادة) وإنحياز تام لرؤوس الأموال وإصرار غريب على إفقار شعب بأكمله من أجل تحقيق مكاسب سياسية هى محدودة فى نهاية الأمر وربما أيضاً رغبة من النظام فى الحفاظ على شعبية رأسه التى إرتكزت فقط على مجموعة من العوامل العاطفية والسيكولوجية دون أن يكون لها ظهير موضوعى يمكنها من إجتياز الإختبارات الصعبة على أرض الواقع والتى أثبتت السنوات الثلاثة الماضية أنها سريعة التآكل.
صحيح أن الرئيس السيسى لا يزال يتمتع بدعم واسع لدى الغالبية العظمى من الطبقات الراقية (أولاً وأخيراً لأنهم مستفيدين منه ومن وجوده مادياً) وأيضا ً لدى قطاعات مختلفة بداخل الطبقة الوسطى ولكن شعبيته تتراجع بوضوح وبشكل شبه يومى فى صفوف السواد الأعظم من الشعب المصرى وهى الطبقات الكادحة والمقهورة إقتصادياً والمقموعة إجتماعياً التى تعيش تحت خط الفقر وألتى هى مهددة بأن يحدث لها ذلك وأصبحت تدرك أكثر من ذى قبل أن سياسات حكومة السيسى وحكوماته المتعاقبة هى السبب الرئيسى فى معاناتها الشديدة وأزمتها المستفحلة.
والدلائل على ما أقول عديدة فى الحقيقة ويمتلئ بها مشروع السيسى الاقتصادى لدرجة يصعب معها ذكرها من كثرتها وتنوعها، ناهيكم عن تحليلها جميعاً فى مقال واحد ويكفى أن نذكر هنا على سبيل المثال ولا الحصر التراجع عن فرض الضريبة الرأسمالية على أرباح التعاملات بسوق الأوراق المالية وقانون الإستثمار الجديد وعدم تفعيل الحد الأدنى العادل للأجور فى مقابل إصدار قانون معيب للحد الأقصى للأجور بحيث لم يعد ينطبق على أحد وفرض ضريبة القيمة المُضافة التى لا تراعى أوضاع محدودى الدخل والإلغاء التدريجى للدعم على الكثير من السلع والخدمات الأساسية مثل الوقود والكهرباء والمياه وإعادة توجية الدعم ليخدم الفئات الأكثر ثراءً ويُعظم من أرباحها والتهديد بقطع أرزاق ما لا يقل عن ثلاثة أرباع العاملين بالجهاز الإدارى للدولة دون تقديم بديل وقلة، بل انعدام فاعلية التصدى للموجات التضخمية المتتالية التى لم يعد يحتملها المواطن البسيط... وهلم جرا, القائمة تطول وتطول وتطول.
وتحوز معظم الأمور المذكورة أنفاً فى العادة على الكثير من التغطية الإعلامية سواء فى الصحف أو فى البرامج الحوارية بالقنوات الفضائية المختلفة والمُسخرة جميعاً لتكون أبواق النظام الإعلامية وتتم مناقشتها بسطجية ودعائية من قِبل الشخصيات العامة المرضى عنهم والخبراء والمتخصصين الموالين لنظام الحكم أو من يدعون أنهم عالمين ببواطن الأمور وإن كانوا فى أغلب الأحوال من أبعد ما يكون عن الفهم المبدئى حتى للموضوع محل النقاش بكل ما قد تكون به من ملابسات وتعقيدات، خاصة على المستوى العملى.
إلا أن هناك نوعية أخرى من القضايا الإقتصادية شديدة التأثير على الحياة اليومية للمواطن العادى أو البسيط ولكنها فى الوقت نفسه فنية لدرجة أن معظم الوسائل الإعلامية تعزف عن التعرض لها لشبه يقينها بأن القراء أو المشاهدين لن يهتموا بها كثيراً وهو فى تقديرى الشخصى ليس فقط استسهال ولكنه فى الواقع يعتبر نوع من التغييب – مقصوداً كان أم غير مقصود – لوعى العامة بالإشكاليات الحقيقية المحيطة بهم وما يفقدونه يوماً تلو الآخر وهو ما يجب الإنتباه له أى كان موقفنا من هذه الإشكاليات.
وأعتبر أن إحدى أهم هذه القضايا هى مسألة إعادة هيكلة القطاع المصرفى وما يشهده من حراك واضح وأنه يتوجه إلى المزيد من هيمنة رأس المال المستبد وغلاة النيوليبرالية الذين يعتبرون متطرفين حتى بالنسبة للمقاييس الأمريكية وهو حراك يستدف أيضاً فيما يبدو – وبدون سبب منطقى واحد إلا الهرولة وراء نماذج مُفرغة من معناها يطرحونها كبار رجال الأعمال – القضاء على البقية الباقية من مؤسسات التمويل أو المصارف التى أنشئت خصيصاً و تمت صياغة اللوائح المُنظمة لعملها فى خمسينيات القرن الماضى لخدمة الشرائح والفئات الأقل حظاً من الناحية الإقتصادية لتحقيق ولو الحد الأدنى من العدالة الإجتماعية وهى البنوك النوعية المملوكة للدولة.

البنوك النوعية (التاريخ والأغراض):
ملحوظة مبدئية: لا تشتمل هذه الورقة على بنكى "الإسكان والتعمير" و"البنك المصرى لتنمية الصادرات" وذلك لكونهما خرجا فعليا ً من العباءة الحكومية حيث يملكون مستثمرين سعوديين ومصريين وأمريكيين حوالى 21.25% من "بنك الإسكان والتعمير" وتملك مجموعة من المستثمرين المصريين والعرب والأجانب قرابة الــ 25% من "البنك المصرى لتنمية الصادرات" .
أما بخلاف ذلك فكانت توجد بمصر فى الماضى أربعة بنوك نوعية وهى "بنك العمال المصرى"، "بنك التنمية الصناعية المصرى "، البنك الرئيسى للتنمية والإئتمان الزراعى" وأخيرا ً "بنك ناصر الإجتماعى" ثم تم دمج بنكى "العمال المصرى" و"التنمية الصناعية المصرى" فى نوفمبر 2008 (النصف الثانى تقريبا ً من فترة رئيس الوزراء أحمد نظيف) ليتحولا إلى "بنك التنمية الصناعية والعمال المصرى" .
وجميع هذه البنوك المفترض أنها مملوكة بالكامل للدولة المصرية وأنشئت فى الأساس لخدمة فئات مجتمعية معينة أو أنشطة بعينها من خلال التمويل بقروض ميسرة (آجل طويل وفوائد منخفضة) أو تمويل البنية التحتية المطلوبة لمشروعات القطاع الذى تخدمه دون أن تنتظر عائد من ذلك أو حتى رد المبلغ الأصلى.
وبدون الخوض فى تفاصيل دقيقة, تعتبر أفكار البنوك الأربعة الرئيسية هى كالتالى:
1.) "بنك التنمية الصناعية والعمال المصرى" التابع لوزارة المالية وهو البنك الذى تأسس عام 1947 تحت اسم "البنك الصناعى" ثم تم دمجه فى "بنك الأسكندرية" عام 1971 حتى أعيد تأسيسه ككيان مستقل مرة أخرى عام 1976 وكان رأسماله وقتها يبلغ عشرة ملايين جنيه وتطور بمرور السنين حتى وصل عام 2003 لرأس مال مرخص به يبلغ مليار جنيه ومدفوع 500 مليون وهو يعتبر مبلغ ليس بالكبير جداً فى عالم البنوك وإن كان بكل تأكيد ليس هيناً أيضاً.
وكان الهدف الرسمى والمُعلن من وراء دمج "بنك العمال المصرى" مع "بنك التنمية الصناعية المصرى" ليقوم كيان "بنك التنمية الصناعية والعمال المصرى" عام 2008 هو توسيع أنشطته المصرفية لتشمل كبار المستثمرين الصناعيين بجانب المشروعات الصغيرة والمتوسطة التى كانت هى فى البداية المحور الوحيد لإهتمام البنكين.
2.) "البنك الرئيسى للتنمية والائتمان الزراعى" التابع لوزارة الزراعة وإستصلاح الأراضى وهو البنك الذى تأسس عام 1931 تحت اسم "بنك التسليف الزراعى المصرى" وتم تعديل اسمه عام 1976 ليصبح "البنك الرئيسى للتنمية والإئتمان الزراعى" وأضيفت على أنشطته الأساسية (تقديم الدعم والتمويل اللازم للمزارعين لجميع أنواع المحاصيل الزراعية وجميع الأنشطة المتعلقة بالزراعة وتمويل المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة) تمويل الإلتزامات الشخصية للمزارعين كتلك المرتبطة بالعملية التعليمية للأبناء او مصروفات الزواج وشراء السلع المعمرة وبصفة خاصة فى المناطق الريفية .
هذا وقد شهد البنك فضيحة فساد كبرى وقت أن ترأس مجلس إدارته الدكتور / يوسف عبد الرحمن (من عام 2000 وحتى عام 2002) فى عصر وزير الزراعة وإستصلاح الأراضى الشهير يوسف والتى حُكم فيها على الأول بالسجن المشدد لمدة عشر سنوات . وصحيح أنه لم يكن لهذه القضية رابط مباشر بنشاط البنك ولكن وجود اسم رئيس مجلس إدارته فيها يعكس بدرجة ما الأوضاع التى كان قد وصل إليها بالفعل منذ حوالى 15 سنة.
3.) "بنك ناصر الإجتماعى" التابع لوزارة التضامن الإجتماعى وهو البنك الذى تأسس عام 1971 فى أوائل عصر أنور السادات مستهدفا ً تمويل إحتياجات محدودى الدخل من أول المشروعات متناهية الصِغر, عبورا ً بقروض الإسكان والزواج والسيارات ووصولا إلى القروض الإجتماعية العامة حيث إعتبر هو المنفذ الرئيسى لمنح إعانات ومساعدات الدولة للشرائح الأكثر فقرا ً أو الأكثر إحتياجا ً .
هذا مع الوضع فى الإعتبار أنه كانت هناك أصلا ً رغبة واضحة لدى السادات لجعل قطاع البنوك (بما فيها البنوك الحكومية والتى كانت أنذاك "بنك مصر" و"البنك الأهلى المصرى" و"بنك القاهرة" و"بنك الأسكندرية" الذى تم بيعه منذ عدة سنوات) أكثر إستجابة لمتطلبات القطاع الخاص التجارى – والإحتياجات التصديرية على وجه التحديد – وهو ما بدا متعارضاً مع قيامها بخدمة المواطنين البسطاء فأحيلت هذه المهام إلى هيئة البريد من ناحية وبنوك مثل "ناصر الإجتماعى" من ناحية أخرى.
كما لعب البنك أيضاً دوراً رئيسياً فى الصفقة متعددة الجوانب التى أبرمها السادات مع قوى الإسلام السياسى من جماعة "الإخوان المسلمين" وحتى "الجماعة الإسلامية"، فظهر "بنك ناصر الإجتماعى" كأول بنك فى مصر يقوم بنشاط مصرفى سُمى بالإسلامى والتكافلى.

ونرى فيما سبق بوضوح أن هذه البنوك الثلاثة شكلت إجمالاً على مدار نصف القرن الماضى على أضعف الإيمان الركيزة الأساسية التى ارتكنت عليها الدولة لتقديم الخدمات المصرفية والتسهيلات الإئتمانية لعامة الشعب غير القادر على سداد نسب الفوائد الفلكية التى تطالب بها البنوك التجارية الكبرى لبساطة ما يمارسه من نشاط أو لضآلة دخله من جانب وبالنظر إلى أن حجم تعاملاته غير جذاب بالمرة بالنسبة لهذه البنوك من الأساس ومن ثم فهى قد ترفضه كعميل أصلاً لأنه سيمثل عليها عبء هى فى غنى عنه ولا يجلب لها أيضاً ما تنشده من أرباح.
كما كانت هذه البنوك دائماً عنصر هام جداً لجذب أموال صغار المدخرين, سواء بالجنيه المصرى أو بالعملات الأجنبية المختلفة القادمة للبلاد من عمالة الخليج أو ليبيا والذين لم يكن حجم تحويلاتهم مبرر كافٍ لفتح حساب ببنك تجارى بحت حتى ولو كان حكومى، فتنوعت الإيداعات لديها ما بين الجسابات الجارية وحسابات التوفير بالإضافة إلى الشهادات الإدخارية والإستثمارية رغم إنخفاض العائد عليها فى أحيان كثيرة إذا ما قورن بما تتيحه البنوك التجارية.
ولا ننسى فى نهاية هذا القسم الدور الحيوى الذى قامت به هذه البنوك فى إعادة إستثمار ودائعها فى الشركات الرابحة بالقطاع العام أو تحويل الخاسرة منها إلى رابحة ثم توجيه العائد من هذه العملية, مهما كان بسيطاً، لتمويل ولو جزء من عجز الموازنة لتفادى تحميل ذلك على الدين المحلى. ومما لا شك فيه أن إختفاء هذا التأثير فى الآونة الأخيرة بسبب سياسات الحكومة الإقتصادية ساهم على الأقل بدرجة ما فى رفع الدين المحلى إلى 3 تريليون و79 مليار جنيه بنهاية مارس 2017 وبزيادة قدرها 583 مليار جنيه عن فترة المقارنة لعام 2016 .

الوضع الحالى للبنوك النوعية:
ربما يكون التحليل الأصوب هو القول أن بداية تدهور الحال بالبنوك النوعية جاء عام 1985 على يد رئيس الوزراء الأسبق الدكتور / على لطفى, الأب الروحى الحقيقى والأول لفكرة الإصلاح الإقتصادى فى مصر عبر الخصخصة والتحول من الدعم العينى إلى الدعم النقدى وما شابه مما نراه مجدداً فى أيامنا هذه. وذلك بعكس تصورات الكثيرون ممن يؤرخون لإقتحام السياسات الليبرالية الحياة الإقتصادية المصرية مع بدء حقبة رئيس الوزراء الدكتور / عاطف عبيد عام 1999 وهو خطأ شائع.
ومن هنا بدأ تهميش البنوك النوعية والتضييق على مجال عملها وتحويل الكثير من أنشطتها إلى بنوك الحكومة التجارية ليجعلها هذا تبدو على المدى البعيد وكأنها عبء على كاهل الدولة يأكل من ميزانيتها بلا داعٍ حتى يمكن التخلص منها فيما بعد. ومن بعد على لطفى, الذى أقيل على خلفية أحداث بعيدة تماماً عن الإقتصاد ولا مجال للدخول فى تفاصيلها هنا, أتى الدكتور / عاطف صدقى نهاية عام 1986 وإستمر لمدة تقارب السنوات العشرة وإن صار إقتصادياً على نفس خطى على لطفى والذى كان برنامجه من المفترض تحقيقه فى أوائل التسعينيات. ثم كانت حقبة الدكتور / كمال الجنزورى منصب رئيس الوزراء وهو كان صاحب فكر مختلف تماماً لم ينظر إلى البنوك النوعية بعين العطف ولكن لم يعاديها أيضاً مثل سابقيه.
ولا أريد هنا فى الحقيقة ترديد الإتهامات المُرسلة التى توجه من البعض للدكتور / عاطف عبيد بأنه باع مصر ودمر القطاع العام وما يتصل به وكان وحش الخصخصة الأول وغيرها من الأقاويل التى لا تدعمها أدلة ولا أرقام. ليس هذا بدفاع عن عاطف عبيد بقدر ما هو إقرار بواقع أن الرجل ربما قد يكون أعد البنية التشريعية لذلك ولكن ما باعه أو تمت خصخصته فعلياً فى السنوات الخمسة لوجوده على كرسى رئيس الوزارة (من 1999 إلى 2004) كان أقل بكثير مما بيع تحت إشراف الدكتور / أحمد نظيف فى السنوات السبعة التى تقلد فيهم المنصب حتى عصفت به ثورة 25 يناير. لا أعنى أن عاطف عبيد برئ مما إقترفه أحمد نظيف ولكن أقول بوضوح أنه يصعب تحميله مسئولية ذلك على وجه اليقين.
وقد أدت سنوات على لطفى وعاطف صدقى ثم عاطف عبيد وأخيرا ً أحمد نظيف إلى تفريغ البنوك النوعية من معناها حيث أصبحت الأنشطة الأساسية فى "بنك التنمية الصناعية والعمال المصرى" شبه متوقفة منذ تاريخ الدمج المشار إليه سابقا ً فى 2008 وإنعدمت مساهماته فى تشكيل البنية الصناعية التحتية وتحولت محفظته الإئتمانية من المشروعات الصغيرة أو الصغيرة جدا ً والمتناهية الصغر إلى المتوسطة ذات قيمة مبيعات فى حدود 25 مليون جنيه سنوياً أو ما هو أكثر. وقد كان من نتيجة ذلك أيضاً دخول مجموعات من رجال الأعمال ومصانع القطاع الخاص ليستفيدوا من شروط ميسرة لقروض هم من المفترض لا يستحقونها مما تسبب فى خسائر فلكية منى بها "بنك التنمية الصناعية والعمال المصرى" بسبب إرهاق قدراته الإئتمانية بأحجام تعاملات لا تكون الفوائد المنخفضة معها مجدية بالمرة نظراً لطول فترات السداد التى ترتبط فى العادة بمثل هذه القروض.
كما تحول "البنك الرئيسى للتنمية والإئتمان الزراعى" منذ 2003 إلى سيف مُسلط على رقاب الفلاحين بدلاً من أن يكون عوناً لهم فى مواجهة أعباء الحياة من ناحية والحفاظ على نشاطهم الزراعى من ناحية أخرى لكونه ليس فقط ذو أهمية تجارية ولكنه فى الواقع مسالة تتصل بالأمن القومى فى الكثير من الأحيان وخاصة فيما يتعلق بزراعة القمح كمحصول إستراتيجى يجب أن يكون هناك منه شبه إكتفاء ذاتى على الأقل والقطن بإعتباره كان فى يوم من الأيام محصول تصدير يتمتع بسمعة طيبة للغاية فى كافة أنحاء العالم ويجلب مبالغ لا بأس بها من العملة الصعبة سواء من خلال تصديره كخام أو المنتجات الجاهزة المُصنعة منه.
ولكن على عكس كل الأغراض التى أنشئ من أجلها يقوم البنك منذ سنوات عدة بمقاضاة الفلاحين المديونين له ويهددهم بالدفع أو الحبس ويمتنع عن تمويل المشروعات ذات الأهمية الكبرى للزراعة وعلى رأسها مشروعات الرى بحجة غاية فى البلادة ألا وهى أن البنك يتبع وزارة الزراعة وإستصلاح الأراضى وليس وزارة الرى والموارد المائية وهى بالطبع حجة بليدة للغاية لأن هذه التبعية مسألة إدارية لا علاقة لها بنوعية الأنشطة وإلا لكان على الدولة أن تؤسس بنكا ً لكل وزارة. وتدهور على هذه الخلفية حال الزراعة المصرية على مدار السنوات العشرة الماضية وقل التنوع المحصولى بشكل مخيف لما إضطر الفلاح إلى الإكتفاء بزراعة المحاصيل النقدية Cash Crops فقط حتى يتمكن من الوفاء بإلتزاماته المهنية والشخصية على حد سواء.
ويأتى أخيراً وليس أخراً "بنك ناصر الإجتماعى" الذى أصبح اليوم عبارة عن مركز إجراءات يقوم بتخليصها وبالتعامل مع المواطنين لحساب الغير، هذا بابطبع إن توافرت الأموال أصلا ً حيث لم يعد به ما يكفى من التمويل الذاتى لقلة ما يتلقى من ودائع بسبب إرتفاع نسب الفائدة فى البنوك التجارية وهى التى لا يمكن لبنك ناصر مجاراتهم فيها وهو أيضاً لا يتلقى أى نوع من أنواع الدعم الحكومى ولم تعد لديه إمكانية الإستثمار فى مشروعات خارجية وبالتالى صار مصرف غير قادر على الصرف. وربما كان أخر نشاط حقيقى واسع النطاق أعلن عنه البنك هو مشروع القروض متناهية الصِغر للشباب فى نهاية سنة 2014 وهى المبادرة التى لم يتضح حتى يومنا هذا بعد مرور قرابة عام ونصف العام ما الذى آلت إليه.
ويؤدى هذا إجمالاً إلى أن البنوك النوعية قد تم بالفعل الإجهاز عليها بدرجة كبيرة وأصبحت بالفعل كالجثث الهامدة, لا تزال تتنفس ولكن تفتقد فى الوقت نفسه إلى الحد الأدنى من الحيوية والقدرة على التأثير، غير عابئة بالمشاركة الفعالة فى العمليات الإقتصادية المختلفة وكأنها لم تعد سوى مكان يوفر بضعة آلاف من فرص العمل ستصفى نفسها بنفسها بعد فترة وعندئذ يمكننا غلق المكان برمته.
بمعنى آخر: ما تم مع العديد من شركات القطاع العام بهدف التخلص منها فى أقرب فرصة ممكنة هو نفسه ما يحدث مع البنوك النوعية الآن وهى من القليل المتبقى فى الجهاز المصرفى المصرى الذى لا يزال ملكاً للشعب بشكل فعلى بعدما بيع "بنك الأسكندرية" إلى مجموعة "سان باولو إنتيزا" الإيطالية عام 2006 وتحويل كل "بنك القاهرة" (الذى أعلن محافظ البنك المركزى عن طرح 20% منه فى البورصة لمستثمرى القطاع الخاص) و"البنك الأهلى المصرى" و"بنك مصر" إلى أذرع تجارية تستخدمها الحكومة وقت الحاجة لإجراء بعض المعاملات التى قد لا يمكنها القيام بها مباشراً لإعتبارات قانونية مختلفة. وتم تحويل هذه البنوك الثلاثة على المستوى الرسمى إلى شركات مساهمة وصارت بالتالى كيانات قائمة بذاتها حتى ولو كانت الدولة هى المالك الأوحد، بما يقيها من الوقوع تحت رقابة الجهاز المركزى للمحاسبات بشكل مباشر.
وهذا كله بعيداً عن "بنك الإستثمار القومى" الذى يتلخص سبب وجوده الأوحد حالياً فى تمويل مشروعات الدولة الفاشلة وتوجد أيضا ً خطط لنزع الصفة الملكية العامة عنه ولكنه ليس ببنك نوعى وبالتالى يخرج عن النطاق الأصلى لموضوعنا هذا.

الخطط المستقبلية:
وأنا لا أملك بالطبع كرة بللورية تُطلعنى على المستقبل أو ماذا تنتوى الدولة فعله، خاصة فى ظل ما نعانية جميعا ً فى مصر من إقصاء تام لمنظمات المجتمع المدنى وعدم إجراء أى شكل من أشكال الحوارات المجتمعية (إلا على هيئة صورية لا تخدم غرضاً حقيقياً) وإنعدام شبه كامل للشفافية بما يصل إلى الحجب العمدى للمعلومات ويشير إلى سوء نية مبيتة فى بعض الأحيان، خاصة عندما نجد أنفسنا فى يوم من ذات الأيام بشكل مفاجئ أمام أمر واقع يضطرنا فى معظم الأحيان إلى الإرتضاء به أو التعامل معه لأننا لا نملك تغييره بأى حال.
إلا أن هذا لا يمنع أنه توجد فى الكثير من الأحيان مؤشرات يصُعب تجاهلها ويمكن من خلال تحليلها تحليلاً دقيقاً إستخلاص معلومات حقيقية بقدر ما. وفى حالة البنوك النوعية ننوه إلى ما يلى:
-------- أعلن رئيسيين متتاليين لمجلس إدارة "البنك الرئيسى للتنمية والإئتمان الزراعى" (عطية سالم ثم محمد القصير) بدون أى مواربة أن هناك خطة لنقل تبعية البنك للجهاز المصرفى المصرى, أى إخضاعه لإشراف البنك المركزى . هذا مع العلم أن البنك كان قد بدأ فعليا ً فى تحقيق أرباح بنهاية العام المالى 2015 / 2014 أى أنه ليس هناك من الناحية العملية ما يستدعى إجراء تغييرات جذرية فى إدارة البنك أو تبعيته، بل قد يؤدى ذلك الأمر إلى حدوث حالة من الإرتباك بداخل البنك لا يمكن لعواقبها منطقياً سوى أن تكون سلبية.
ولا يوجد أدنى شك فى أن هذا لابد وأن يؤدى على المدى المتوسط إما إلى تصفية البنك بشكل نهائى أو إلى تفريغه تماماً من معناه الأساسى حيث إن قدرته على تحقيق الأرباح موجودة صحيح كما هو مذكور بأعلى ولكنها لن ترقى أبداً إلى المستويات التى غالباً ما يتوقعها أو يطالب بها البنك المركزى حتى يعتبره بنكاً ناجحاً بمقياس البنوك التجارية الأخرى التى تتبعه وهو أمر يستحيل تطبيقه تماماً فى ظل نوعية النشاط الأصلى للبنك الذى يستهدف رفع مستوى معيشة الفلاح والارتقاء بالمنظومة الزراعية المصرية حتى لو كانت عوائد الإقراض فى مجملها منخفضة لدرجة أنها تكاد أن تغطى المصروفات القائمة وبما يضمن إستمرار البنك فى أداء رسالته وبصرف النظر عن أرباح رأسمالية قد أو قد لا يحققها.
وتقديرى الشخصى هو أن الفريق المائل إلى التصفية ستكون له الغلبة فى النهاية لما كانوا القائمين الحاليين على النظام الإقتصادى للدولة لا يختلفون كثيراً عن الذئاب الذين لا هم لهم سوى النهش فى لحم المواطن الحى ومص دمائه من أجل تعظيم أرباحهم هم أنفسهم أو من يعملون لصالحهم.
وبالطبع يعتبر "البنك الرئيسى للتنمية والإئتمان الزراعى" لقمة سائغة فى هذا السياق حيث يمتلك ما يقرب من 200 فرع, موزعين على 26 محافظة (كافة محافظات الجمهورية بإستثناء جنوب سيناء) بالإضافة إلى ما للبنك الرئيسى فى ثلاثة شركات تابعة مملوكة له بالكامل من حصص نقدية وعينية تصل إجمالى قيمتها إلى حوالى 950 مليون جنيه وغالبا ً أكثر بكثير لأن الحصة العينية وحدها تبلغ 890 مليون جنيه وفى معظم الأحوال تكون هذه هى القيمة الدفترية وليست القيمة السوقية للأصول.
وبالتالى يكون المكسب الفعلى بالنسبة لحيتان الأعمال هو الاستيلاء على أصول البنك وفى مقدمتها الممتلكات العقارية وخاصة الأراضى التى يقع بعضها فى مناطق حيوية مرتفعة الأسعار مثل فروع فى القاهرة وسط المدينة (شارع جواد حسنى), المهندسين / الدقى (شارع ميشيل باخوم) و الجيزة (شارع ربيع الجيزى) والأسكندرية (طريق الحرية بالقرب من إستاد الأسكنرية) وغيرها.
-------- ولا يختلف الأمر كثيرا ً بالنسبة لبنك ناصر الإجتماعى الذى تزيد مقراته حتى عن تلك المملوكة للبنك الرئيسى للتنمية والإئتمان الزراعى بمواقع متميزة فى كافة محافظات الجمهورية بلا إستثناء. وهو انتقلت تبعيته للبنك المركزى المصرى بالفعل فى منتصف عام 2016 وتوقفت الدولة عن دعمه تماماً – حتى لو كانت على شكل رقابة مزدوجة مع وزارة التضامن الإجتماعى – بحيث يكون تابعاً له بحجة أنه شرع فى تلقى الودائع وإعادة توظيفها فى الإقراض بفوائد وهى فى الواقع حجة ضعيفة يصعب التمسك بها لأن إخضاع البنك للشروط المُنظمة لتلقى الودائع والإقراض المعمول بها من جانب البنك المركزى المصرى لا يستوجب بالضرورة نقل تبعيته وإعتبار البنك المركزى هو جهة الإدارة العليا التى تملك حق القرار فيما يتعلق بنوعية الأنشطة التى يمارسها البنك وهو ما سيعود بنا مجددا ً إلى نفس الدائرة المُفرغة التى ندور فيها منذ تعيين حكومة رجال الأعمال برئاسة الدكتور / أحمد نظيف عام 2004 والتى إتخذت من السلب والنهب والسطو على أموال الشعب منهجاً لها إلى أن أسقطتها الثورة الأم فى الخامس والعشرون من يناير 2011 قبل أن تتمكن من إستكمال مشروعها الرأسمالى المستبد والذى تريد المضى قدماً فيه اليوم ولو بوجوه أخرى وتحت مسميات جديدة حيث أصبح المُناخ مواتياً الآن فى ظل حالة الانهيار شبه الكامل التى يشهدها الإقتصاد المصرى بسبب مجموعة القرارات الإقتصادية الكارثية التى إتخذت منذ يناير 2014 على وجه التقريب والمستمرة حتى الآن – ولم أتمكن من أن أجد مبرر موضوعى فى الحقيقة لحالة التعنت الغريبة هذه – والتى هى خلاصة سياسات نيوليبرالية فجة لا تتفق أهدافها مع أهداف بنك مثل "بنك ناصر الإجتماعى" غير الهادف إلى الربح ولكن فقط تغطية النفقات حيث تعتبر هذه السياسات أن كل ما لا يهدف إلى الربح هو بالضرورة مُحققاً للخسارة ويجب بالتالى التخلص منه فى أسرع وقت ممكن وإلا صار مهدداً لنسبة أرباح المؤسسات المصرفية التجارية البحتة التى تطمع بطبيعة الحال فى الإستيلاء على قطاع القروض الشخصية الصغيرة والذى قد لا يبدو مُغرياً للوهلة الأولى ولكن يكفى أن نعرف أن أخر محفظة فقط من محافظ التمويل العقارى لدى البنك تبلغ قيمتها 150 مليون جنيه وهو مبلغ ليس بالهين أبداً نظراً لكونه يختص فقط بمحدودى الدخل التى تعتبر قيمة مشترياتهم العقارية منخفضة أصلاً وقيمة إستثماراتهم العقارية معدومة من الأساس.
-------- وربما سيكون "بنك التنمية الصناعية والعمال المصرى" هو البنك الوحيد من البنوك النوعية الذى سيتمكن من النجاة من مقصلة الخصخصة. وهذا ليس لأنها مقصلة ترحم أى كان ولكن لأن أنشطته الحالية وتوجهاته فى الأعوام السابقة توحى بأنه الأقدر على التحول إلى نظام السوق الحر حيث وصلت محفظته الإئتمانية إلى مبلغ ثلاثة مليارات وأربعة وخمسون مليون جنيه فى نهاية عام 2014 وهو مبلغ ضخم جداً إذا ما وضعنا فى الإعتبار أن هذا البنك على وجه التحديد لا يعطى قروض شخصية وإنما يركز فقط على قروض الأنشطة التجارية والصناعية ولبنوك تجارية عملاقة مثل "الكويت الوطنى – مصر –" محافظ إئتمانية خاصة بالشركات لا تتعدى مبلغ 12 مليار جنيه ، أى أربعة أضعاف فقط.

بعض التصورات والمقترحات العملية:
ماذا يعنى كل ما سبق إذن بالنسبة لجموع الشعب وللقطاعات الأوسع من الجماهير، أى الطبقات الكادحة التى تقاتل كل يوم من أجل أقل القليل أو حتى الحد الأدنى من الحياة الكريمة؟ ماذا يعنى ما سبق بالنسبة لبسطاء المواطنين من عمال وفلاحين وصغار الموظفين الذين يخشون دخول حتى البنوك الحكومية والبنوك النوعية، فما بالنا لو طلب منهم ولو الإقتراب من مداخل الرخام الفخمة للبنوك التجارية والتحدث مع العاملين بالبنك الذين يرتدون ملابس يفوق سعر القطعة الواحدة منها إجمالى دخلهم لشهر أو شهور ويتعاملون حتى مع العميل متوسط الدخل بمنتهى التعالى والعجرفة؟
هل هناك إمكانية حقيقية على المدى المتوسط أو حتى البعيد أن تكون بنوك القطاع الخاص ذات فائدة للشخص العادى وفى متناول يده ؟ الشخص الذى ربما لا يريد أكثر من تزويج بناته وأولاده أو ربما شراء سيارة مستعملة صغيرة متواضعة بفائدة يمكنه سدادها دون أن يؤدى ذلك بالضرورة إلى "خراب بيته" كما يقولون فى الفم الشعبى أو تتحول حياته إلى جحيم وربما ينتهى به الأمر فى السجن حين يعجز عن السداد لأى سبب من الأسباب.
دعونى أحاول الإجابة على هذه الأسئلة المحورية على عجالة فى بعض النقاط الرئيسية أملاً أن يكون فى ذلك إختصارا ً لا يخل بالمعنى.
1.) لا أتصور فى الحقيقة أن تتمكن البنوك النوعية من الصمود بالسوق الحر لأكثر من بضعة أعوام حتى لو افترضنا أن الحكومة حسنة النية ولا تريد تصفيتها لأنها لا تملك الموازنات المطلوبة لتوظيف كفاءات لديها القدرة والخبرة التى تؤهلها لإدارة محافظ مالية ضخمة ترتبط بالأسواق العالمية على مستويات عدة وهو واقع لن يمكننا الإنفصال عنه ويجب بالتالى التعامل معه بشكل إيجابى مهما كانت توجهاتنا السياسية والأيديولوجية. ولو كان بعضنا يحلم بالعالم الاشتراكى أو الشيوعى النموذجى المثالى، فيجب عليه إدراك أن ذلك لن يحدث على المدى القصير ولا المتوسط حتى حال تمسكنا به كهدف نهائى قد نصل إليه فى يوم من الأيام أو قد لا نصل وبالتالى من غير المنطقى أن نعول عليه الآن ولربما يكون من الأفضل أن نحجم تطلعاتنا وطموحاتنا بعض الشئ حتى تكون قابلة للتطبيق بدلاً من أن تظل حبيسة الأدراج إلى أبد الأبدين.
ومن ثم نقول أن البنوك النوعية يجب أن تظل خارجة عن سياق السوق المصرفى التجارى البحت وتستمر على تبعيتها للوزارات المعنية بدلاً من البنك المركزى الذى قد يجوز له الإشراف عليها فنياً دون التدخل فى قراراتها الإستراتيجية والتى هى من المفترض أن تكون إمتداد للسياسات الإقتصادية التى تتبناها الحكومة وبالتالى تخضع أيضاً لسياسات الدولة العامة بما لها من رؤية ذات منظور أوسع وأكثر شمولية.

2.) العمليات التنموية ليست بأسرار عسكرية ولا تتعلق تفاصيلها الفنية والمالية أيضاً بالأمن القومى ومن ثم يجب أن تتعامل الحكومة معها بشفافية كاملة ووضوح لا يترك أى مجال للتشكيك. فالقوى السياسية المعارضة تريد بالفعل أن تأخذ موقفاً سياسياً يتسم بالموضوعية والحياد وليست لها مصلحة فى أن تعارض من أجل المعارضة ولكن الإصرار العجيب لأجهزة الدولة المعنية على عدم المكاشفة وإخفاء البيانات والغموض المعلوماتى يجعل من مسالة إتخاذ موقف كالمذكور بأعلى مهمة صعبة للغاية إن لم تكن مستحيلة تماماً وبالتالى تخسر الدولة من كان يمكن أن يكون شريكاً هاماً وفاعلا ً لها فى دفع العملية التنموية المنشودة من الجميع بل وتستعديه فى معظم الأحوال وتخلق حالة إستقطابية وصراع وهمى دون داعٍ وهو ما نعزيه إلى قلة خبرتها بسليم العملية الديمقراطية التى تُشرك قوى المعارضة وتستفيد منها بدلاً من إستنفاذ طاقات ومجهودات كليهما فى عراك سياسى يخسرانه الطرفان على خلفية شكليات مُبهمة كان يمكن تفاديها بسهولة بالغة بالبعض من حسن النية.
3.) لم تطرح الحكومة أو مؤسسة الرئاسة أية آليات تنفيذية أو أشكال إدارية يمكن مناقشتها نقاش مجتمعى شامل وتعاملت مع الأمر وكأنه أمر واقع وقرار من قرارات السيادة لا يحتاج إلى أى شكل من أشكال التشاور. وهذه الطريقة الشمولية لا يمكن فى الحقيقة أن يكون لها سوى مردود غاية فى السلبية لأنها تغفل الطابع القومى للمشروع وتعتبر أن الشعب ما هو إلا خادم مطيع عليه تنفيذ أوامر الدولة الأبوية دون طرح أية تساؤلات. والحقيقة هى أن نهج التعامل هذا لم يعد مقبولاً من الغالبية العظمى للمصريين بعد ثورة الخامس والعشرون من يناير وحلقاتها المتتالية والتى حققت – بالرغم من كل الإنتكاسات – مكاسب لم يعد أحد يريد الإستغناء عنها وفى مقدمتها حق المواطنين فى تقرير مصيرهم. أما لغة الفرض الجبرى التى إختارها الرئيس السيسى , فهى مثبطة للهمم وستأتى بنتائج عكسية لأن تمرد الشعب عليها أمر محتوم وهى بالتالى لن تخدم الهدف منها.
الإحتياج هنا إذن ليس فقط إلى إشراك القوى السياسية التى ذكرناها بالنقطة السابقة ولكنه فى الواقع إحتياج إلى إشراك كافة فئات الشعب المصرى من أحزاب وحركات وتيارات وإئتلافات ونقابات حتى يتحول المشروع من مجرد خطة موضوعة فى أدراج بعض الوزارات أو الهيئات إلى عمل قومى يشمل كافة الأطياف دون إستثناء وإلا سيلقى مصير مشروعات أخرى شبيهة مثل توشكى و شرق التفريعة وغيره وهو ما لا يريده أحد فى الواقع بما فى ذلك من يعارضونه إجرائياً.
4.) كما يجب أخيراً أن تكف أجهزة الدولة المعنية وأجهزة الإعلام الموالية لها عن التضخيم والتهليل والطنطنة والتمجيد وإشاعة المعلومات والأخبار غير الصحيحة فى محاولاتها البائسة لنفاق الحاكم وخلق حالة مساندة شعبوية ليس لها أساس. فما سيتحقق من إنجاز سيتحقق وما لن يتحقق لن يتحقق والشعب فى النهاية سيرى النتائج وسيحكم عليها بنفسه. أما ما يجرى حالياً من إستباق للأحداث وتصوير مشروع به العديد من المتغيرات الممكنة وعناصر المجازفة على أنه عمل تاريخى ومضمون النجاح – ويحدث هذا أحياناً بأرقام وبيانات مزيفة – فهذا أمر شديد الخطورة لأنه يخلق حالة من التوقعات لدى مواطنين لا نعرف ماذا سيكون عليه رد فعلهم فى حالة عدم تحقيق تلك الوعود المبالغ فيها. رهان الدولة يجب أن يكون على كسب ثقة الناس على المدى الطويل وليس القصير لمجرد نيل ظهير شعبى أو جماهيرى عائم دون أساس ثابت.







#محمد_شيرين_الهوارى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فتح عينك، تاكل ملبن - أفكار ومقترحات لإصلاح المنظومة الضريبي ...
- كوكى كاك - صناعة الدواجن نموذجاً على إشكالية الصناعات الغذائ ...
- استراتيجيات تقليص الدعم - قراءة فى التجربة المصرية من منظور ...


المزيد.....




- الشعب السويسري يرفض توسيع الطرق السريعة وزيادة حقوق أصحاب ال ...
- العراق: توقف إمدادات الغاز الإيراني وفقدان 5.5 غيغاوات من ال ...
- تبون يصدّق على أكبر موازنة في تاريخ الجزائر
- لماذا تحقق التجارة بين تركيا والدول العربية أرقاما قياسية؟
- أردوغان: نرغب في زيادة حجم التبادل التجاري مع روسيا
- قطر للطاقة تستحوذ على حصتي استكشاف جديدتين قبالة سواحل ناميب ...
- انتعاش صناعة الفخار في غزة لتعويض نقص الأواني جراء حرب إسرائ ...
- مصر.. ارتفاع أرصدة الذهب بالبنك المركزي
- مصر.. توجيهات من السيسي بشأن محطة الضبعة النووية
- الموازنة المالية تخضع لتعديلات سياسية واقتصادية في جلسة البر ...


المزيد.....

- الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي ... / مجدى عبد الهادى
- الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق / مجدى عبد الهادى
- الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت ... / مجدى عبد الهادى
- ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري / مجدى عبد الهادى
- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان
- إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية ... / مجدى عبد الهادى
- التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي / مجدى عبد الهادى
- نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م ... / مجدى عبد الهادى
- دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في ... / سمية سعيد صديق جبارة
- الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا / مجدى عبد الهادى


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - محمد شيرين الهوارى - الضربة القاضية للشعب - الإجهاز على القليل المتبقى من الأدوات الاقتصادية المُتاحة لقضاء حوائج عامة الناس