أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - لماذا لايوجد مبدع مصرى مثل كزانتزاكيس؟















المزيد.....


لماذا لايوجد مبدع مصرى مثل كزانتزاكيس؟


طلعت رضوان

الحوار المتمدن-العدد: 5629 - 2017 / 9 / 3 - 14:10
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



كزانتزاكيس الروائى اليونانى الكبيرقرأ تاريخ وطنه، وقرأ سيرة حياة المسيح (من مصادرتاريخية مختلفة عن رواية الأناجيل) فامتلك شجاعة كتابة روايته البديعة (الإغواء الأخيرللمسيح) الصادرة عام1953وتحوّلتْ إلى فيلم بديع بلغة السينما وعـُـرض عام1988من إخراج (مارتن سكورسيزى) الذى حصد جائزة الأوسكار(أفضل مخرج) رغم أنّ مدة عرض لفيلم164دقيقة.
مع كثرة الأفلام والمسلسلات التافهة والمنحطة، هل فكــّـرمبدع واحد (واحد فقط) فى قصة مارية المصرية وتحويلها لعمل درامى؟ خاصة وأنّ الشعوب المتحضرة تهتم بتراثها وتاريخها، وجسـّـد المبدعون الكثيرمن أحداث التاريخ بشكل مغايرلما ورد فى الديانة العبرية، مثل المخرج الذى اعتمد على رواية (كزانتزاكيس) وهكذا فى الكثيرمن الأعمال الروائية التى اهتـمّ بها صناع السينما العالمية، الذين امتلكوا الموهبة والاخلاص لتاريخهم بدون تزوير، وبشجاعة أدبية. بينما صـُـناع السينما المصرية، لايهتمون بتاريخ مصرالحقيقى (ويـُـطنشون) بلغة الأميين المصريين، عن هذه الأحداث، مثل المأساة التى تعرّضتْ لها (ماريه القبطية) عندما انتقلتْ من موطنها (مجتمع النهروالخضرة) إلى مجتمع البداوة والنـُـدرة، فى صحراء العرب.
فى كتب تفسيرالقرآن وأسباب النزول مادة ثرية أمام أى باحث وأى مُبدع للتعرف على المجتمع الذى خاطبه القرآن وفى نفس الوقت اكتشاف مادة تاريخية تصلح لعمل درامى من طرازرفيع، ومن أمثلة ذلك ماحدث مع مارية القبطبية التى أهداها المقوقس للنبى محمد هى وأختها سيرين، ولم يكتف بذلك وإنما أرسل أيضًا أحد الشباب من المصريين اسمه (مابور) أو(هابو) فى رواية أخرى، هذا بخلاف الهدايا العينية من حميروبقول وحبوب وعسل إلخ.
أخذ محمد مارية لنفسه وعاشرها معاشرة (ملك اليمين) أى عبدة أوجارية، وفى يوم ذهبتْ للقاء محمد فأخذها ونام معها على فراش حفصة التى كانت فى زيارة والدها، فلما عادتْ ورأتْ المشهد الذى ترفضه أى زوجة، قالت لمحمد ((على فراشى يا رسول الله؟ ولماذا أنا دون زوجاتك؟)) فقال لها أنه سيُحرّم مارية على نفسه بشرط أنْ تكتم الخبرولاتنقله لأحد وخاصة إلى عائشة. ولكنها (بصفتها البشرية) أخبرتْ عائشة. وبسبب تلك الواقعة المادية الواقعية نزلتْ سورة التحريم. وعن الواحدى قال: دخل رسول الله بأم ولده مارية فى بيت حفصة فوجدته حفصة معها فقالت: لمَ تـُـدخلها بيتى؟ ما صنعتَ بى هذا من بين نسائك إلاّمن هوانى عليك. فقال لها لاتذكرى هذا لعائشة هى علىّ حرام (يقصد مارية بالطبع) إنْ قربتها. فقالت حفصة: وكيف تــُحرّم عليكَ وهى جاريتك؟ فحلف لها ألايقربها وقال لها لاتذكريه لأحد)) (أسباب النزول للواحدى– ص291) فكانت حفصة حكيمة فى قولهالأنّ (التحريم) قـُـصد به الزوجات (الحرائر) أما (ملك اليمين) العبيد والجوارى وأسيرات الحرب و(الهدايا) مثل ماريه فلا ينطبق عليهنّ (التحريم)
وعن نفس الواقعة كتب الشيخ عبد الحميد كشك ((روى النسائى بسنده عن أنس أنّ رسول الله كانت له أمة (عبدة) يطؤها فلم تزل به عائشة وحفصة حتى حرّمها فأنزل الله ((يا أيها النبى لمَ تـُحرّم ما أحلّ الله لك إلى آخرالآية)) (فى رحاب التفسيرللشيخ عبد الحميد كشك- الجزء 28- تفسيرسورة التحريم- ص7267- الناشرالمكتب المصرى الحديث– نقلا عن أ. خليل عبد الكريم – النص المؤسس ومجتمعه– السفرالأول- دارالمحروسة- عام 2002- ص107، 108) وأضاف أ.خليل عبد الكريم ((وبعد أنْ طلب محمد من حفصة ألاّتـُـخبرأحدًا بما حدث، فإنها بمجرد أنْ خرج محمد فإذا بها تنزع الجدارالذى بينها وبين عائشة وقالت: ألا أخبركِ؟ إنّ رسول الله قد حرّم أمته)) (وتقصد جاريته وعبدته مارية) أى أنّ حفصة لم تنتظرحتى تدخل على عائشة من الباب بل نزعتْ الجدار الفاصل بينهما)) وذكرالبخارى عن أنس ((كان النبى يدورعلى نسائه فى الليل والنهار، وهنّ إحدى عشرة.. فقلتُ لأنس (راوى الحديث) أوكان يطيقه؟ قال: كنا نتحدث أنه أعطى قوة ثلاثين)) (أخرجه البخارى عن طريق أنس)
لم يتوقف أحد من الباحثين (المصريين) ليُحلل مشاعرمارية، تلك الإنسانة المسكينة التى اعتبرها المقوقس مثل الجماد أوأى شىء مادى يصلح للهدايا، فى جريمة من جرائم المقوقس الذى لم يُدافع عن كرامته وكرامة الشعب الذى يحكمه، خاصة وأنّ رسالة محمد إليه كانت بصيغة التهديد ((اسلم تسلم)) (نص الرسالة التى أرسلها محمد إلى المقوقس فى كتاب " فتوح مصروأخبارها " الذى كتبه ابن عبد الحكم القرشى المولود عام 187هـ والمتوفى عام 257هـ مؤسسة دارالتعاون للطبع والنشربمصر- عام 1974- ص41) فلماذا كان هذا التخاذل من المقوقس الذى خاطبه محمد قائلا ((إلى المقوقس عظيم القبط))؟ وهذا المقوقس لم يكتف بالتخاذل وإنما أهداه وفق ما ذكره ابن عبد الحكم ((ثلاث جوارمنهن مارية)) أى أنه اعتبر البشرمثل المتاع المادى، ولم يُفكرفى مصيرهؤلاء البشروهم ينتقلون من مجتمع زرعى/ نهرى إلى مجتمع صحراوى/ رعوى. ووفق قراءاتى فى الثقافة المصرية، فإننى لم أقرأ تحليلا لمشاعر مارية– بعد انتقالها من مصرإلى صحراء العرب، إلاّفى كتاب المرحومة الباحثة الجادة سناء المصرى فى كتابها (هوامش الفتح العربى لمصر) وما كتبته سناء المصرى يصلح مادة لأى مُبدع يكون لديه الحد الأدنى من (الحس القومى بمصريته) ليُبدع عملا فنيًا رفيع المستوى عن شخصية مارية القبطية، خصوصًا المشهد الذى سمعتْ فيه الحواربين حفصة ومحمد الذى خشى من عائشة لوعرفتْ بما حدث، ووعد بتحريم مارية على نفسه مقابل كتمان الخبر. ثم تتوالى الأحداث: حفصة تــُـذيع الخبر، وكانت عائشة هى أول من علمتْ به، ثم رفضْ السماء للوعد الذى قطعه محمد بتحريم مارية على نفسه. فما مشاعرمارية وهى تـُـتابع تلك الأحداث؟ وما مشاعرها منذ أنْ تركتْ أهلها فى مصر، لتعيش حياة الغربة والإغتراب فى مجتمع هوالنقيض لمجتمعها الزراعى/ النهرى؟ ما مشاعرها والرسول يُضاجها على أنها عبدة وفق منظومة (ملك اليمين)؟ ما مشاعرها إزاء نظرة الازدراء التى لاحظتها فى تصرفات زوجات محمد، وغيرتهنّ منها بسبب نظافتها التى توارثتها عن مجتمعها، مجتمع النيل الذى أتاح لشعبنا المصرى (الماء) الذى أشاع ثقافة (الطهارة) والاستحمام وكل وسائل النظافة؟
وازاد بؤس مارية عندما انفصلتْ عن أختها (سيرين) وتضاعف البؤس عندما علمتْ بالصراع الذى داربين صحابة محمد حول من يستأثربأختها لتكون ملك يمينه. فكما ذكرابن عبد الحكم أنّ الرسول (وهب) أخت مارية ل (جهم بن قيس العبدرى) وفى رواية أخرى (وهبها) ل (حسان بن ثابت) وفى رواية ثالثة (وهبها) ل (محمد بن مسلمة الأنصارى) وفى رواية رابعة (وهبها) ل (دحية بن خليفة الكلبى) ووصل الصراع ذروته الدرامية عندما ((ضرب صفوان بن معطل حسان بن ثابت بالسيف)) فلما وصل خبرالصراع إلى الرسول قال لحسان ((هى لك وأعطاه سيرين أمة قبطية فولدتْ له عبد الرحمن بن حسان))
وما مشاعرمارية عندما علمتْ أنّ الشاب المصرى (قريبها) الذى أهداه المقوقس إلى محمد ضمن (هداياه البشرية) كاد يُـقتل على يد عمربن الخطاب؟ والواقعة كما ذكرها ابن عبد الحكم ((دخل رسول الله على أم إبراهيم أم ولده القبطية فوجد عندها نسيبًا كان لها قدم معها من مصر. وكان كثيرًا ما يدخل عليها، فوقع فى نفسه شىء، فرجع فلقيه عمربن الخطاب فعرف ذلك فى وجهه. فسأله فأخبره. فأخذ عمرالسيف ثم دخل على مارية وقريبها عندها فأهوى إليه بالسيف، فلما رأى ذلك كشف عن نفسه وكان مجبوبًا ليس بين رجليه شىء (المجبوب فى اللغة العربية المخصى بالكامل) فلما رآه عمررجع إلى رسول الله فأخبره. فقال الرسول: إنّ جبريل أتانى فأخبرنى أنّ الله برّأها وقريبها وأنّ فى بطنها غلامًا منى وأنه أشبه الخلق بى وأمرنى أنْ أسميه إبراهيم وكنانى بأبى إبراهيم)) (ابن عبد الحكم الصدرالسابق– ص42، 43)
ثم ترتفع الدراما إلى ذروة جديدة عندما تشتبك الميتافيزيقا مع الواقع، فبينما الميتافيزيقا أرسلتْ جبريل الذى قال لمحمد أنّ ((فى بطن مارية غلامًا منه وأنه أشبه الخلق به)) فإنّ عائشة كان لها رأى آخر، إذْ قالت لمحمد عندما حمل الطفل لترى ما فى الصغيرمن ملامح أبيه ((ما أرى بينك وبينه شبهًا)) (د.عائشة عبد الرحمن– بنت الشاطىء- فى كتابها عن نساء النبى- ضمن مجلد "تراجم سيدات بيت النبوة"- دارالريان للتراث- مطابع الشروق- عام 87- ص405) ولأنّ د.عائشة عبد الرحمن مؤمنة بالميتافيزيقا، ومُـدافعة عن الإسلام بحرارة ، كتبتْ فى بداية الفصل الذى خصّصته لمارية تحت عنوان (هدية من مصر) عن جريمة المقوقس الذى سمح ضميره أنْ يكون (البشر) مجالا(للهدايا) التى شملتْ ((ألف مثقال ذهبًا وعشرون ثوبًا لينـًا من نسيج مصروبغلة شهباء وجانب من عسل بنها وبعض العود والمسك)) وبعد أنْ وصلتْ مارية أرض الجزيرة العربية وأخذها محمد لنفسه ((تكلفتْ عائشة ما استطاعتْ من جهد لكى تـُعلل لنفسها بألاخطرعليها من هذه الشابة الجديدة، فما كانت سوى جارية قبطية غريبة، أهداها سيد إلى سيد، لكنها راحتْ ترقب فى كثيرمن القلق مظاهراهتمام الرسول بتلك المصرية الطارئة، وقد أثارجزعها أنْ تراه (أى محمد) يُكثرمن التردد عليها ويمكث لديها طويلا، فكان عامة الليل والنهارعندها فى ساعات فراغه)) (أخرجه ابن سعد فى الطبقات من حديث السيدة عائشة (زوجة محمد) وذكره ابن حجرفى الإصابة عن طريق ابن سعد)
ولأنّ د.عائشة عبد الرحمن مُـدافعة عن الإسلام، وبالتالى تجاهلتْ (كل) العلوم الإنسانية، وأنّ هذا التجاهل جعلها تتغافل عن تأمل موقف ومشاعرتلك الإنسانة التى تـمّ انتزاعها من بيئتها ومجتمعها ومن أهلها، لتعيش حالة مزدوجة من الغربة والاغتراب، فكان نتيجة هذا التغافل أنْ كتبتْ د. بنت الشاطىء ((ومضى عام أونحوعام ومارية سعيدة بحظوتها لدى السيد الرسول، وقد اطمأنّ بها المقام فى كنفه وأرضاها أنْ يـُـضرب عليها الحجاب شأن أمهات المؤمنين)) (المصدرالسابق– ص400) فهل يُمكن لأى عقل حرأنْ يتقبّـل مثل هذا الكلام؟ إنّ الإنسان الذى يُهاجروطنه– بمحض إرادته– من أجل لقمة العيش، يظل فى حالة حنين لوطنه الأصلى ولأهله ولمجتمعه بصفة دائمة، بينما مارية لم تـُهاجروطنها بمحض إرادتها وإنما تـمّ انتزاعها بالجبروالإكراه، نتيجة قرارالمقوقس الظالم، فكيف تكون (سعيدة) كما كتبتْ د.بنت الشاطىء؟ كما أنها (بنت الشاطىء) خالفتْ ضميرها العلمى عندما كتبتْ أنّ مارية ((رضيتْ أنْ يُـضرب عليها الحجاب شأن أمهات المؤمنين)) فهل الأمربهذه البسلطة؟ الفتاة المصرية التى كانت تخرج إلى الغيطان وتستمتع بدفء الشمس ونورها وتـُـملى عينيها بالخضرة وبماء النيل، ترضى بالسجن القسرى، فلايراها أحد ولاترى أحدًا من البشر، وهذا هومعنى (ضرب الحجاب) وهذا هوالمعنى الوارد فى تفسيرآية ((يا أيها الذين آمنوا لاتدخلوا بيوت النبى إلاّ أنْ يؤذن لكم)) (الأحزاب/53) وهى المعروفة بآية الحجاب (ليس الحجاب على الرأس بقطعة قماش كما هوسائد إنما بمعنى (الساتر) الذى يفصل بين مكان ومكان أوالبارفان فى لغتنا العصرية) وسبب نزولها كما ذكرالشيخان عن أنس قال: لما تزوج النبى زينب بنت جحش دعا القوم فطعموا ثم جلسوا يتحدثون فأخذ (النبى) كأنه يتهيّأ للقيام فلم يقوموا، فلما رأى ذلك قام وقام من القوم من قام وقعد ثلاثة ثم انطلقوا، فجئتُ (والكلام لأنس) فأخبرتُ النبى أنهم انطلقوا فجاء حتى دخل وذهبتُ أدخل فألقى الحجاب بينى وبينه (أى ساتربين محمد وأنس) فأنزل الله الآية. وأخرج الترمذى عن أنس قال: كنتُ مع الرسول فأتى باب عرس بها فإذا عندهم قوم فانطلقوا ثم رجع وقد خرجوا فدخل فأرخى بينى وبينه سترًا فذكرته أبى طلحة فقال: لئنْ كان كما تقول لينزلنّ فى هذا شىء فنزلتْ آية الحجاب. وأخرج الطبرانى بسند صحيح عن عائشة قالت: كنت آكل مع النبى فى قعب (مكتوبة هكذا) فمرّعمرفدعاه فأكل فأصاب إصبعه إصبعى فقال: أوه لوأطاع فيكنّ ما رأتكنّ عين فنزلتْ آية الحجاب. وأخرج ابن مردوية عن ابن عباس قال: دخل رجل على النبى فأطال الجلوس فخرج النبى ثلاث مرات ليخرج فلم يفعل فدخل عمرفرأى الكراهية فى وجه النبى فقال للرجل: لعلكَ آذيتَ النبى، فقال النبى: لقد قمتُ ثلاثــًا لكى يتبعنى فلم يفعل فقال له عمر: يا رسول الله لواتخذتَ حجابًا فإنّ نساءك لسنَ كسائرالنساء وذلك أطهرلقلوبهنّ فنزلتْ آية الحجاب، وقال الحافظ بن حجريُمكن الجمع بأنّ ذلك وقع قبل قصة زينب، فلقربه منها أطلق نزول آية الحجاب لهذا السبب ولامانع من تعدد الأسباب. وأخرج ابن سعد عن محمد بن كعب قال: كان رسول الله إذا نهض إلى بيته بادروه فأخذوا المجالس فلا يعرف ذلك فى وجه الرسول ولايبسط يده إلى الطعام استحياءً منهم فعوتبوا فى ذلك فأنزل الله (يا أيها الذين آمنوا لاتدخلوا بيوت النبى..إلخ) مع ملاحظة أنّ تلك الآية نزلتْ بناءً على طلب بعض الصحابة ومن بينهم أبى طلحة. وراوى الحديث هوأنس بن مالك خادم النبى وأورده السيوطى وكذلك الترمذى. إذن فإنّ آية الحجاب (الساترالذى يفصل بين مكان ومكان) نزلتْ فى بيئة معينة، بيئة لاتعرف (الثقة) فى البشر، وتخشى من الاعتداء على (حرمة السكن) ولم يكن لها (الآية) أنْ تنزل فى مجتمع عرف الانفتاح والثقة وحُـسن الجواركالمجتمع المصرى بثقافته القومية القائمة على احترام خصوصية الإنسان، لذلك خلتْ البرديات من نص مُشابه لنص آية الحجاب.
كما أنّ د.بنت الشاطىء (التى قرأتْ التراث العربى/ الإسلامى بعمق) خالفتْ ضميرها العلمى للمرة الثانية عندما وضعتْ مارية القبطية فى جملة واحدة مع (أمهات المؤمنين) وهذا تزويرفاضح، لأنّ (أمهات المؤمنين) المقصود بهنّ زوجات النبى من (الحرائر) مثل عائشة وحفصة إلخ، بينما مارية القبطية كانت أمة (عبدة) وفق منظومة (ملك اليمين) التى وردتْ فى أكثرمن آية وأكثرمن سورة من سورالقرآن. وفى بعض الروايات أنّ النبى أعتق مارية من الرق (= العبودية) بعد أنجبتْ له الطفل إبراهيم (السمط الثمين: 142والاستيعاب: 4/1913، وبنت الشاطىء نفسها ص404) كما أنّ عمربن الخطاب كان دقيقــًا فى كلامه ((إنّ نساءكَ لسنَ كسائرالنساء)) ومارية لم تكن من زوجات النبى وإنما عاملها على أنها (ملك يمين)
ومتى يأتى المُبدع (المصرى) الذى يقرأ ما جاء فى (الإصابة) عن طريق عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة (زوجة محمد) التى أدلتْ باعتراف يدخل فى باب (الصدق مع النفس) حيث قالت ((ما غِرتُ على امرأة إلاّدون ماغِرتُ على مارية (الأدق لغويًا من مارية) وذلك أنها كانت جميلة جعدة فأعجب بها رسول الله. وكان أنزلها أول ما قدم فى بيتٍ لحارثة بن النعمان الأنصارى فكان عامة الليل والنهارعندها... (مكان النقط كلام رفضتْ د.بنت الشاطىء أنْ تنقله عن المصدرالذى اعتمدتْ عليه..وهوما يعنى أنّ النبى عنين) فجزعتُ فحوّلها إلى العاليه (مكان بعيد مهجوربعيدًا عن بيوت زوجاته، نتيجة تدخل عائشة) وكان يختلف إليها هناك فكان ذلك أشد علينا.. مَنْ رزقها الله الولد وحرمناه منه)) (بنت الشاطىء- مصد سابق- ص405) فهل يتأثرالمُـبدع (المفترض) بهذا النص ويُطلق لعقله الخيال ويضع نفسه مكان مارية القبطية ويغوص داخل أعماقها ليُجسد مأساتها؟
أما الموقف التراجيدى الذى يصلح كمادة درامية من طرازرفيع، فهوالموقف الذى جاء بعد جملة عائشة لمحمد عن طفل مارية ((ما أرى بينك وبينه شبهًا)) ولنقرأ ماكتبته د.بنت الشاطىء ((على أنّ غيرة أمهات المؤمنين لم تنل مارية ما نالته شائعة سوءٍ أرجف بها مرجفون من أهل المدينة واتهموها إفكــًا وبهتانــًا بالعبد مابور(وفى رواية أخرى اسمه هابو. ولاحظ إصراربنت الشاطىء على كلمة "عبد") وأضافتْ ((الذى جاء معها من مصر(هدية المقوقس) وكان يأوى إليها لخدمتها ويأتيها بالحطب والماء فقال ناس لايتقون الله: عِلج يدخل على عِلجة)) (بنت الشاطىء- مصدرسابق- ص406) وعند هذا المشهد يجب على المبدع (المفترض) أنْ يفتح قواميس اللغة العربية ليعرف معنى كلمة عِلج إذْ معناها ((عِلج الواحد من كفارالعجم والجمع (علوج) فما معنى كلمة (عجم) معناها: العجم ضد العرب. والعجماء البهيمة وسُميتْ عجماء لأنها لاتتكلم والمرأة عجماء)) (مختارالصحاح- المطبعة الأميرية بمصر- عام 1911- ص440، 474) هذا هوموقف العرب من مارية (رغم أنها ملك يمين نبيهم) ومن قريبها (هابو) فوصفوهما بلغتهم ((عِلج يدخل على عِلجه)) وللعقل الحرأنْ يفترض أنّ مارية لم تكن تعرف معنى كلمة (علج) وفق معاناها فى اللغة العربية، ولكنها أدركتْ أنّ المعنى المقصود هواتهامها فى شرفها واتهام قريبها (هابو) فى شرفه. وقد تأكد لديها هذا الادراك بعد أنْ كاد قريبها (هابو) أنْ يُـقـتل لولاتدخل قانون المصادفة. والواقعة كما وردتْ فى كتب التراث العربى/ الإسلامى عن حديث أنس أنّ رجلا كان يتهم أم ولد الرسول (أى مارية) فقال الرسول لعلى بن أبى طالب ((اذهب فاضرب عنقه)) فإذا هوفى بئريبترد فيها (يستحم) فقال له على: اخرج فناوله يده وأخرجه عاريًا فإذا هومجبوب فكفّ على عنه ثم أتى النبى فقال يا رسول الله إنه لمجبوب (رواه ثابت البنانى عن أنس وأخرجه مسلم فى صحيحه عن طريق زهيربن حرب وأخرجه ابن عبد البر- نقلا عن بنت الشاطىء- ص406)
أى لولا قانون المصادفة كان مصيرهذا الإنسان القتل على يد على بن أبى طالب، وبالطبع فإنّ هابوبعد نجاته ذهب وحكى ماحدث لمارية. فما مشاعرها وهى تتلقى كل تلك المصائب؟ كما أنّ من حق العقل الحرأنْ يتوقف أمام كلمة (مجبوب) التى وردتْ فى واقعتيْن مرة مع عمربن الخطاب عندما قال للنبى أنّ قريب مارية يدخل ويخرج عليها إلخ فامتشق السيف ليقتله. ومرة مع على بن أبى طالب فى الواقعة الأخيرة، فمن الذى أخصى قريب مارية (هابو) يذهب ظنى (مع علمى بما ورد فى كتب التراث العربى/ الإسلامى أنه جاء مخصيًا من مصركما ذكرابن عبد الحكم) ومع ذلك فإنّ العلم بما هومعروف عن الثقافة القومية المصرية من أنها نبذتْ تلك العادة القبيحة التى كانت منتشرة فى غرب آسيا، والدليل الثانى ما ذكره ابن الأثيرمن أنّ حبيب بن سندر، ذكره عبدان فى الصحابة وهوالذى خصى عبده)) (أسد الغابة فى معرفة الصحابة- ابن الأثير- مطابع الشعب- عام 1970- ج1- 445) وذكربن عبد الحكم عن شخص آخراسمه سندركان عبدًا ل (زنباع بن سلامة الجذامى) خصاه وجدعه)) وكان سندرقد اشتكى للرسول فأوصى به خيرًا وفى عهد عمربن الخطاب قال له سندر: احفظ فىّ وصية النبى فقال عمر: إنْ رضيتَ أنْ تقيم عندى عليكَ ماكان يجرى عليك أبوبكروإلاّفانظرأى المواضع أكتب لك. فقال سندر: مصرفإنها أرض ريف فكتب له إلى عمروبن العاص احفظ فيه وصية الرسول فلما قدم إلى مصرأقطع له عمروأرضًا واسعة)) (فتوح مصروأخبارها- مصدرسابق- ص96 ، 97، 206) هذا بالرغم من أنّ سندرهذا ((كان كافرًا)) كما ذكرابن عبد الحكم. والاقطاعية التى أخذها سندرهذا المخصى ما زالتْ موجودة باسمه فى منطقة (منشية البكرى) والميدان باسمه (ميدان ابن سندر)
ثم تكتمل قمة التراجيديا فى حياة مارية القبطية بوفاة طفلها وعمره 18 شهرًا، خاصة وقد انتزعوا الطفل منها بحجة أنّ ((النساء تنافسنَ فيمنْ تـُـرضع طفل مريم)) (ابن الأثير- مصدرسابق- ص49) ورغم أنّ النبى كان ينتهزأى فرصة لترويج الميتافيزيقا، فإنّ ما قاله بعد وفاة الطفل إبراهيم كان بعيدًا تمامًا عن الميتافيزيقا، بل إنه لم يستسلم لما قاله البعض ((إنّ الشمس انكسفتْ لموت إبراهيم)) فقال محمد قولته الشهيرة ((إنّ الشمس والقمرآيتان من آيات الله، لاتخسفان لموت أحد ولا لحياته)) (أخرجه مسلم فى صحيحه عن كثيرين منهم جابربن عبد الله) فلماذا كان محمد شديد الواقعية ورفض استخدام الميتافيزيقا فى وفاة الطفل إبراهيم ابن مارية؟ وهل هذا يُـفسّرقول البعض أنّ الطفل مات مقتولا؟ كما ورد فى دراسة على الموقع الالكترونى (العقلانيون العرب)؟ فهل ممكن أنْ يتم إنتاج فيلم عن مأساة ماريه القبطية؟
***



#طلعت_رضوان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل تتم النهضة مع اللغة الدينية؟
- هل ينكرشيخ الأزهرتكريم القرآن لبنى إسرائيل؟
- فساد النظام المصرى والدائرة المغلقة
- وزارتا التعليم والأوقاف وشغل الحواة
- إلى متى يستمر الوهم العروبى؟
- رد على الأستاذ عبدالعزيز سيد
- مغزى عودة الوجه القبيح للخلافة الإسلامية
- كيف تحول رؤساء دولة إلى رؤساء عصابة؟
- أليس تعدد الزوجات ضد الطبيعة البشرية؟
- كيف تنصرالإرادة الإلهية الإرهابيين ضد المسالمين؟
- لماذا تهاون رئيس جامعة الأزهرفى حق مصر؟
- مصر وسوريا والسودان والأسئلة المسكوت عنها
- هل القرآن كتاب دين أم كتاب علم ؟
- كيف وصل تشويه مصر لدرجة الانحطاط ؟
- دور الأزهر فى تخريب عقول التلامبذ
- العقلانية وتحليل العهد القديم
- إلى من تٌوجه مقولة الخلل فى فهم الإسلام؟
- حرب النصوص الدينية
- قراءة فى مذكرات بنيامين نتنياهو
- لماذا يصمت النظام على جريمة مكتبات المساجد


المزيد.....




- 82 قتيلا خلال 3 أيام من أعمال العنف الطائفي في باكستان
- 1 من كل 5 شبان فرنسيين يودون لو يغادر اليهود فرنسا
- أول رد من الإمارات على اختفاء رجل دين يهودي على أراضيها
- غزة.. مستعمرون يقتحمون المقبرة الاسلامية والبلدة القديمة في ...
- بيان للخارجية الإماراتية بشأن الحاخام اليهودي المختفي
- بيان إماراتي بشأن اختفاء الحاخام اليهودي
- قائد الثورة الاسلامية آية الله‌خامنئي يصدر منشورا بالعبرية ع ...
- اختفاء حاخام يهودي في الإمارات.. وإسرائيل تتحرك بعد معلومة ع ...
- إعلام العدو: اختفاء رجل دين اسرائيلي في الامارات والموساد يش ...
- مستوطنون يقتحمون مقبرة إسلامية في الضفة الغربية


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - لماذا لايوجد مبدع مصرى مثل كزانتزاكيس؟