أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - جميل السلحوت - بدون مؤاخذة-الانسان وثقافة الحياة














المزيد.....

بدون مؤاخذة-الانسان وثقافة الحياة


جميل السلحوت
روائي

(Jamil Salhut)


الحوار المتمدن-العدد: 5629 - 2017 / 9 / 3 - 10:06
المحور: حقوق الانسان
    



بعد ما يقارب العام من دفن الشهيد بهاء عليان، يستذكر والده المحامي محمد عليان، تلك الليلة الطويلة التي استلم فيها جثمان فلذة كبده، ليواريه التراب مرغما في المقبرة اليوسفية، قبالة باب السّاهرة في القدس، بعيدا عن مقبرة عائلته وقريته الكائنة في جبل المكبر، ويستلم الجثمان الذي احتجزه المحتلون لأكثر من عشرة أشهر، يستذكر محمد عليان تلك الليلة العصيبة، وما صاحبها من تلاعب في أعصاب العائلة التي تمّ السّماح لخمسة وعشرين شخصا منها بالمشاركة في التّشييع، وعند منتصف الليل، فلم يكن التّسليم مؤكّدا، وقد سبق تلك الليلة وعود كاذبة، لكنّ الوالدين كانا على وعي تامّ للتّعامل مع الحدث كيفما تكون النتيجة.
ومحمد عليان الأب الثّاكل، عندما يعود بذاكرته لتلك الليلة الطويلة، ينكأ جراحا لم تندمل، ويفتح خزائن قلب أثقلته الأحزان، فليست كلّ الذّكريات جميلة، تماما مثلما هو الواقع في الفقد، فلا أحزان تضاهي أحزان الوالدين بفقدان فلذة كبديهما، فمن سنن الحياة ومع أن لا الموت لا يقتصر على عمر معيّن، إلا أنّ الغالب في الحياة الطّبيعيّة أن يدفن الأبناء آباءهم، لكنّ المأساة تتتعاظم إذا انعكست سنن الطّبيعة، فيدفن الآباء أبناءهم!
ومحمد عليّان الذي لم يغب البهاء لحظة عن وجدانه منذ ارتقى سلّم المجد شهيدا، وإن تظاهر بالقوّة وتحلّى بصبر أيّوب، وبقي يستذكر بهاءه، من خلال ومضات استمرّ في كتابتها بشكل يوميّ منذ ذلك اليوم المشؤوم حتّى يومنا هذا، عاد ليستذكر تلك الليلة الطّولة جدّا، تلك الليلة التي استلم فيها جثمان البهاء ليواريه التّراب، فاعتصر قلبه وعقله وفكره ليفرّغ ما احتملته الذّاكرة من أعباء أدمت قلبه، فأخذ يبوح بأحزانه، وبالموقف الذي فُرض عليه، ولم يترك له مجالا سوى التّحلي بالحكمة التي تظهر مواقف الرّجال في المحن والشّدائد، فإذا كان الانسان قضيّة كما قالها الشّهيد غسّان كنفاني، فإنّ محمد عليان أثبت للقاصي وللدّاني أنّه "قضيّة" وصاحب قضيّة، فسحب الخاصّ على العامّ، وعبّر عن مواقف الآلاف ممّن ودّعوا فلذات أكبادهم الذين ارتقوا سلالم المجد.
ووالد البهاء في ذكرياته عن تلك الليلة الطويلة يفرّغ بعاطفة الأب الثّاكل جبالا وبحورا من الأحزان أثقلت كاهله لمدّة سنتين إلا قليلا، ولم يجد بدّا من تفريغ أحزانه كإنسان يفهم معنى الحياة ويقدّسه، وبالتّأكيد فإنّ تفريغ أحزانه كتابة ليس بالأمر السّهل، فكتب ما كتب بدموعه باكيا، وأبكى بواكيا، مع أنّه لم يستدرّ العطف من أحد، ولم يفرض الأحزان على أحد، لكنّها الطّبيعة البشريّة، وهذه العاطفة الجيّاشة التي باح بها في كتابة رواية البهاء تأتي من منطلق إيمانه بقدسيّة الحياة، وبضرورة ترسيخ ثقافة الحياة التي نادى وينادي بها، وكأنّي به يصرخ بصوت عال بمقولة الرّاحل الكبير محمود درويش :" على هذه الأرض ما يستحق الحياة".
وإذا كانت جدليّة الموت والحياة من البدهيّات التي يعرفها البشر جميعهم، وإن اختلفوا في فهم معانيها، فإن أب البهاء يراها من منظار إنسانيّ ترسّخ لديه بعد فقدان فلذة كبده، ومن هذا الفهم فإنّه يرى أنّ من حقّ الانسان، أن يوارى التّراب عند رحيله من هذه الدّنيا، وأنّ احتجاز الجثامين هو اعتداء على كرامتة الأموات والأحياء وعلى حرّيّة المعتقد الدّينيّ، وعلى حقوق الانسان برمّتها، "فإكرام الميّت دفنه"، وتجربة محمد عليان في احتجاز جثمان ابنه وما يعانيه الوالدان تحديدا جرّاء ذلك، ومن منطلقات إنسانيّة محضة، فإنّه نشط ولا يزال في قضيّة المطالبة بالافراج عن الجثامين المحتجزة لتوارى التّراب.
وبالتّأكيد فإنّ محمد عليان بكتابة لرواية البهاء سيرسّخ مفهوم ثقافة الحياة.
3-9-2017



#جميل_السلحوت (هاشتاغ)       Jamil_Salhut#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القدس في قلوب وعقول عشاقها
- بدون مؤاخذة- الهرولة إلى مزابل التاريخ
- بدون مؤاخذة- الأقصى والفرص الضائعة
- بدون مؤاخذة- الفلسطينيون وجحا وحماره
- تقديم د. خضر محجز لثقافة الهبل
- صدور ثقافة الهبل وتقديس الجهل
- بدون مؤاخذة-ارحمونا من المناكفات
- بدون مؤاخذة- عنجهية القوة خاسرة دائما
- سرديّة اللفتاويّة في ندوة اليوم السابع
- دعسوقة طارق المهلوس في القدس
- بدون مؤاخذة- الأقصى ليس بحاجة لحماية الاسرائيليين
- بدون مؤاخذة- أزمة الأقصى سياسية وليست أمنية
- بدون مؤاخذة- حكومة نتنياهو تشعل الحرب الدينية
- طير بأربعة أجنحة في اليوم السابع
- ريتا عودة والحب المباغت
- بدون مؤاخذة- الصلاة بالعبرية الفصحى
- -زهرة في حوض الرّب- في اليوم السّابع
- زهرة سعاد المحتسب في حوض الرّب
- وداعا أبا سميح
- وسادة جمعة السمان عش دبابير في اليوم السّابع


المزيد.....




- الأمم المتحدة تحذر: توقف شبه كامل لتوصيل الغذاء في غزة
- أوامر اعتقال من الجنائية الدولية بحق نتانياهو
- معتقلا ببذلة السجن البرتقالية: كيف صور مستخدمون نتنياهو معد ...
- منظمة التعاون الإسلامي ترحب بإصدار المحكمة الجنائية الدولية ...
- البنتاجون: نرفض مذكرتي المحكمة الجنائية الدولية باعتقال نتني ...
- الأونروا: 91% من سكان غزة يواجهون احتماليات عالية من مستويات ...
- الإطار التنسيقي العراقي يرحب بقرار الجنائية الدولية اعتقال ن ...
- وزير الدفاع الإيطالي: سيتعين علينا اعتقال نتنياهو وغالانت لأ ...
- قرار الجنائية الدولية.. كيف سيؤثر أمر الاعتقال على نتانياهو؟ ...
- أول تعليق للبنتاغون على أمر الجنائية الدولية باعتقال نتانياه ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - جميل السلحوت - بدون مؤاخذة-الانسان وثقافة الحياة