عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 5627 - 2017 / 9 / 1 - 01:57
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
مشاكل الواقع العراقي وشروط مرحلة التغيير والإصلاح
ما هو المطلوب عراقيا على مستوى التخطيط والتنفيذ ورسم الأهداف والاستراتيجيات بوضوح بعيدا عن الإنفعالات والشحن الطائفي والعنصري كي يعود بلدامحوريا في المنطقة والعالم، ويستعيد أستقلاليته وحضوره المتناسب مع حقيقة ما يملك من عناصر قوة وتأثير في مستوى القرار الأقليمي والدولي، الهدف الأساس الذي يجب أن يكون عنوانه في المرحلة القادمة داخليا بأمتياز لبناء جوهرية الدولة والمجتمع وتصحيح مؤسساتي وقيمي يرتكز على تغيير شامل مدني وسلمي وتحت سقف الدستور والقانون، وصولا إلى مرحلة لاحقة تتضمن إنجاز التغيير الأكبر بعد بناء أسس المجتمع المدني الحضاري، وهي مرحلة إعادة بناء النظم الحاكمة والمسيطرة بدأ من الدستور وأنتهاء بكل القوانين والتشريعات التي صدرت قبل مرحلة التغيير المنشودة، من خلال ربطها بمنظومة قيمية تعتمد فكرة الحق المتساوي والواجب المتكافئ ورعاية مرتكزات حق الإنسان في الوجود والحركة والانتماء أولها المساواة في تطبيق قاعدة (المواطنة)، هذه المرحلة وما قبلها هي ما يطلق عليها إصلاح الأسس وترميم ما لا يمكننا تغيره حتى نكون على شفا عملية إعادة البناء بجهود الكل ولأجل الكل.
والمفترض على القوى المدنية والمؤمنة بالتغيير الديمقراطي السلمي الحضاري أن تنتزع المبادرة الأجتماعية وتعتمد المنهجية العلمية والعملية في قيادة المرحلة مشاركة وتنظير، دون التفريط بالحماسة الشعبية وتسخيرها وتوجيهها نحو المصلحة الوطنية العابرة للفئوية والطائفية تحت شعار (العراق أولا)، أيضا عليها أن تعمل تحت مفهوم العقل المدني الذي يلتزم بسقف القانون ويحاول من خلال مؤسسة الحكم وبالأسلوب الديمقراطي السلمي أن يؤسس لرؤية وطنية قادرة على التعامل مع الاستحقاقات والواجبات والتحديات المصيرية والمستقبلية، وتقديم الأفكار الناضجة المدروسة التي لا تعود بنا إلى أن نجرب وننتظر النتائج على المديات المتاحة، وتتشاور وتتشارك بوضع أفضل وأنجع الحلول بروح الفريق الواحد المسئول لا يهمنا ولا يفرقنا أنتماء أو هوية فرعية، فكلنا أبناء وطن واحد مستصرخنا بعد أن أوغلوا المجرمون به فسادا وعبثوا بكل مقدراته وقوته.
هذه الأستراتيجية الوطنية الكبرى ومع الأسف نجد أن الواقع المتاح اليوم وبكل تجرد وحيادية لا يمثل شيئا جوهريا من المطلوب والمفترض ولا حتى أقل من ذلك لغياب عنصري المشاركة الفاعلة أولا والتعامل بروح الحزبية والأنقسام السياسي ثانيا، برغم القيل والقال وما ظهر وما خفي من تحرك في الشارع الجماهيري والكثير من الضوضاء المرافقة له لم يطرح المجتمع المدني بديلا حقيقيا يقنع الجماهير العراقية برؤيته ولم يستقطب إلا الناقمين من السلطة ومؤسساتها وأحزابها، وهذا لا يمثل في الواقع عنصر قوة بقدر ما يجب أن يطرحه من فكر حقيقي له أبعاده التأريخية ويمتلك القدرة على تحريك الجمهور وقيادتها، والسبب يعود بالتأكيد لوجود فئة من الناس (مدنيين وصوليين) لا تريد التغيير الفعلي والأكيد ولا تتمنى الإصلاح أصلا لأنها أيضا مرتبطة بتأثير خارجي أو داخلي مغلف، ولأنها تهوى التنظير الفارغ والكلام الذي لا يستند إلى واقع فهي تنسج أحلامها على قدر ما يتسع خيالها من حدود، فما زال البعض يظن أنه صاحب المعاجز وأنه وحده من يملك الحقيقية ولا يجب أن يتحدث أحد بوجوده، وهو جالس في مكانه ينتظر أن يأت دوره في القطع المبرمج من الكهرباء أو أن يسمح له الشرطي أن يمر من عبر نقطة تفتيش وهو ذليل، مع ابتسامة يدلل بها على أنه لا يمكنه حتى أن يغير حاوية الأزبال في بيته.
الأساس الأول الذي أراه في التوجه الحقيقي لمدنية الدولة فعليا يتم عبر تبني خيارات وأطروحات تمس ضروريات التغيير وتلامس الواقع من منظومة قانونية ورؤية أقتصادية شفافة تتيح للجماهير أن تعمل على ترجمتها والمساعدة على فرضها في الواقع السياسي، فغياب قانون المواطنة وتخلي القانون عن دوره الضابط في تصويب حركة الناس، وتهميش دور القضاء المستقل وتسخيره للنزاعات السياسية أو لجم حركة التمرد على الواقع عنصر فعال في عرقلة البناء المدني، ثم غياب دور الوطنية في النظام الأقتصادي وتعطيله لصالح مافيات السوق والمال السائب عزز من دور المافيات المالية والأقتصادية في تجريد العراق من أحد أهم أسباب الأمن الوطني بمنظوره الشامل الذي ساهمت في ضرب القوى الأساسية في المجتمع والتي بوجودها الفاعل ستساهم في ترسيخ المنهج الوطني، العنصرأن الأساسيان هو غياب طبقة عاملة ووطنية تدافع عن مصالحها ومصالح المجتمع من جهة وتساهم في تعزيز الأستقلال الوطني، والعنصر الأخر هو غياب شبه تام لبرجوازية وطنية حقيقية تستثمر المقدرات لأجل النهوض بالصناعة والتجارة على أسس علمية وغائية ترسخ مبدأ الكفأة والتنافس الأقتصادي السليم.
إن أصحاب المشروع السياسي في العراق يمارسون اليوم منهج تخريبي يضرب القطاع الأنتاجي ويعرقل من جهة أخرى القدرة على النهوض الأقتصادي المتوازن والتنمية بمفهومها العملي لمصلحة جهات وقوى تريد من العراق أن يكون سوقا مفتوحة وبلا حدود ولا تشريعات، هذا الحال يجر إلى فوضى أقتصادية وأجتماعية وسياسية تتعدى حدود الأقتصاد لتضرب أيضا قطاعات مهمة وأساسية لسلامة المجتمع وبناءه الحضاري وأقصد قطاعات الصحة والتعليم والتربية والخدمات وصولا إلى تشويه المنظومة الأجتماعية الوطنية ذاتها، وهذا ما يسبب فشلا دائما وأحادية في حتمية التوازن بين الأستهلاك والأنتاج وحفظ مشروع بناء عراق مستقل ومالك للقوة في أدراج الأهمال وصولا إلى مرحلة الفشل واليأس الذي يدفع بالجماهير نحو التخلي عن أملها بعراق أمن وضامن ومتاح في أن يستشعر كل مواطن أنه جزء من أنتماء وهوية واحدة.
بين المطلوب شعبيا والموجود راهنا والمفترض أن يكون هوة تتسع يوميا لصالح مشاريعالتخريب والفئوية والفساد المستشري كثقافة جديدة فرضها النظام السياسي بعد عام 2003، وحرص أيضا على حمايته ورعايته بكافة السبل والوسائل لأنه الضامن الأكيد لبقاء السلطة الحالية ومحاولة كسب الوقت لأستنزاف العراق وإفراغه من كل مقومات القوة لصالح قوى وتيارات وتأثيرات خارجية، علينا أن نقر أن هذا هو واقعنا بكل مافيه ولا بد أن نتعامل بقوة الأمل على التغيير والبناء للأفضل ولكن من خلال أستراتيجيات وتكتيكات مسئولة وجادة عملية وعلمية، دون أن نحلم بالمستحيل واللا ممكن على أن مسألة التغيير أصبحت فكرة ميته أو أن شروط حدوثها لم تتوفر بعد لغياب الوعي الوطني أو رضوخا لمشترطات العملية السياسية الراهنة، وهو حق يراد به باطل ولكن الواقع يشير إلى أن الرحلة القادمة بحاجة إلى جهد جماعي ومخلص ومستمر ومتنامي ومضاعف وصبر وقدرة على القيادة الديناميكية التي لا تهادن ولا ترضخ للواقع الزائف.
الوضع العراقي اليوم وبتراكماته التأريخية التي خلفتها مناهج سياسية لم تدرك قيمة العراق ولم تراع مصالح شعبه وما نتج منه كخراب ممنهج وطويل وبالتدخلات الإقليمية والدولية التي لا يهمها ما تفرضه من ألتزامات وواقع هش ساهم بجانب كبير منه في حالة الفشل هذه بغياب وعي وطني موحد تقوده قوى وطنية مدنية لديها بديلا جامع وتمتلك من النضج والمسئولية التأريخية مما يعزز دورها الوطني لبناء عراق حر ومتجدد ويمتلك إرادته الحرة، هذا المنهج والرؤية والأمل محكوم بالتوافق التدريجي والبناء على المشتركات الأساسية بين كل القوى الوطنية العراقية الي تؤمن بالديمقراطية والتغيير السلمي، وقبل أن يتحول العراق إلى مجتمع منتظم قادر على أن يرسم حدوده وإمكانيته باستقلال تام علينا أن نرسخ مبدأ المواطنة المتساومية ونرفع المعصومية والتمييز والمفاضلة التي يتمتع به البعض على حساب الوطن والمجتمع، ما ينقصنا الآن الكثير من الضبط القانوني وتفعيل دور الدستور ومؤسساته بحيادية وتجرد وتحويله إلى أداة جامعة بدل أن يكون سيفا مسلولا بوجه المجتمع لصالح الكتل والأحزاب والمافيات الفئوية والطائفية والعنصرية، وبالأخص التأكيد على مستوى العام بأن الإحساس بالهوية الوطنية الجامعة هي عماد نجاح أي مشروع وطني حقيقي وصيانته.
#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)
Abbas_Ali_Al_Ali#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟