|
كي لا يتحول لبنان رهينة للتطرف
قاسم محمد عثمان
الحوار المتمدن-العدد: 1459 - 2006 / 2 / 12 - 03:26
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
ما حدث اول امس في الاشرفية من اعمال شغب واعتداء على ارزاق الناس وممتلكاتهم، وضع البلد على حافة السقوط مرة ثانية في حرب اهلية، كنا قد اعتقدنا ان استشهاد الرئيس الحريري قد افتداها ووضعها من خلال تظاهرة 14 آذار على مشارف مرحلة جديدة تجسد آمال وتطلعات اللبنانيين لبناء دولة الاستقلال والسيادة. دعوة للاعتصام والاحتجاج ردا على اساءة صحيفة دانمركية للنبي محمد وللمسلمين كادت ان تعيد البلد الى جحيم الحرب الاهلية، لو لم تنتصر الحكمة على الغباء والعقل على الجنون والاعتدال والتروي والانضباط على التطرف والفلتان والفوضى. ولنقل ان العقلانية التي تصرف بها المسيحيون في الاشرفية قد فوتت على المتآمرين والغوغائيين فرصة دفع بيروت الى فتنة جديدة، اين منها الفتنة التي اشعلت الحرب الاهلية عام 1975 والتي قسمت العاصمة الى شطرين ودمرت قلبها، الذي لم ننته بعد من اعادة اعماره. تصور لو حدث السيناريو الاسوأ، والذي يبدو ان المتآمرين قد خططوا لوقوعه من خلال تعميم الشغب ليشمل شوارع ومناطق ومراكز دينية بعيدة عن القنصلية الدانمركية، وذلك بهدف استدراج المسيحيين من سكان الاشرفية للتصدي للمتظاهرين وبالتالي اشعال نار الفتنة الطائفية بين المسلمين والمسيحيين. هل يمكن تصور امكانية استيعاب الوضع واحتواء التداعيات التي كان يمكن ان يتسبب بها القاء قنبلة يدوية من احد الابنية على جموع المتظاهرين؟ هل غاب عن اذهان الهيئات والجمعيات الاسلامية التي دعت للتظاهر في قلب الاشرفية، متناسية الحساسيات والمخاطر التي يمكن ان تواجهها التظاهرة؟ وهل اصيب المسؤولون في الحكومة والقوى الامنية بقصر النظر وفقدان البصيرة للسماح بالمظاهرة اولا، ولعدم اتخاذ ما يكفي من التدابير والاحتياطات الامنية اللازمة لمنع الفلتان والشغب والانفلاش التخريبي والذي وصل الى مبنى وزارة الخارجية في قلب الاشرفية وعلى تخوم الجميزة؟ كان المشهد بوقائعه الميدانية غوغائيا ومسيئا لكل القيم الاسلامية والقيم الوطنية والانسانية. شبان يتبارون في الاعتداء على املاك وكرامات الناس، فيما تقف القوى الامنية موقف العاجز حتى عن الدفاع عن مواقعها وآلياتها. كان من المفترض ان تبادر القوى الامنية الى احتواء الفلتان عن طريق اقامة عدة سدود على المسلك الاساسي باتجاه القنصلية، وان تحتفظ بما يكفي من قوى الاحتياط في الشوارع الجانبية للتدخل كقوة صدم جانبية تخفف من اندفاع المتظاهرين لتجاوز السدود الامامية. الاهم من كل ذلك، نقول ان الامن هو قرار سياسي ورؤية استباقية للحدث قبل وقوعه. وان مراجعة المشهد الميداني والنتائج التي حصلت يؤكدان على غياب القرار السياسي في استدراك المخاطر والتهديدات من خلال العمل على منع المظاهرة بالاقناع او بقوة القانون اي بعدم الترخيص لها او من خلال احتواء المظاهرة وتحويلها الى عدة تجمعات، او من خلال احد من تدفق المشاركين فيها من جميع المناطق اللبنانية. وغابت الرؤية الاستباقية للحدث حيث كان من المفترض ان تقوم الاجهزة الامنية والاستعلامية، بالتقصي عن هوية وسلوكية مختلف الفئات والهيئات المشاركة، وتحذير المسؤولين عنها وتحميلهم مسؤولية ما يمكن ان يحدث، واعتلام المسؤولين عنها وتحميلهم مسؤولية ما يمكن ان يحدث، واعتلام المتآمرين والمأجورين من اجل شل حركتهم والحؤول دون وصولهم الى غاياتهم. هذا في الامن، اما في السياسة فان استقالة وزير الداخلية هي غير كافية لافتداء الحكومة، ولا بدّ في سياق ما حدث ان تجتمع الحكومة في خلوة مصارحة لبحث مسألة التماسك الحكومي بحيث لا تبقى منقسمة على ذاتها، وبحيث لا ينشغل رئيسها، معظم الوقت، في لملمة الخلافات، واسترضاء المعتكفين من اعضائها لم يعد من المقبول ان تحكم الحكومة من خلال الشعارات والوعود التي يطلقها الرئيس السنيورة كسبا للوقت، وبانتظار حدوث معجزة ما. من المفترض ان تبادر الحكومة الى حزم امرها، فاذا قررت ان تحكم فعليها ان تحسم قراراتها لفرض سيطرتها الفعلية والكاملة على جميع الاراضي اللبنانية، بحيث لا يبقى هناك امن بالتراضي، ولا يبقى رديف للسلاح الشرعي، ولا تبقى هناك بؤر امنية خارجة على سلطة القانون، ولا يبقى هناك مقيمون اغراب لا وظيفة لهم سوى التآمر على الامن والاستقرار ونشر سموم الفتنة. يتطلب حكم البلد ان تتوحد ارادة اللبنانيين، وان الحكومة، وحدها مسؤولة عن رعاية الحوار الوطني، والمطلوب في النتيجة التوصل الى توافق على رؤية وطنية جامعة، يمكن على اساسها ان تستبدل الحكومة الحالية بحكومة وفاق وطني، قادرة على اتخاذ القرارات الصعبة في مجال الامن، والاقتصاد، وضبط العلاقات مع سوريا، بالاقناع، واذا لم ينفع ذلك فبالمساومة على تبادل الغنم اوتقاسم الغبن، واذا لم يتحقق ذلك فبالمواجهة السياسية على المستويين العربي والدولي. على الصعيد الاسلامي لا بد من كلمة سواء، صحيح ان الانتخابات قد انتجت اكثرية نيابية سنية معقوداً لواؤها لتيار المستقبل، وبان الاكثرية السنية الشعبية تؤمن بلبنان كوطن نهائي، وتدعم قيام دولة المؤسسات والقانون، ولكن لم يمنع ذلك من حصول اختراقات خطيرة لصفوفها، حيث نمت جماعات هامشية تستغل بين الحين والاخر بعض الاحداث او التناقضات السياسية او الاجتماعية لتنفث بسموم الحقد والكراهية والتطرف. لا يمكن معالجة هذا الامر بتجاهله خوفا او مكابرة، تبرز الحاجة الملحة لمعالجة هذا الامر الخطير، اخذين العبرة من التجربة التي تواجهها المملكة العربية السعودية في محاولاتها الدؤوبة لاقتلاع هذه الاقلية المتطرفة. تترتب مسؤولية مشتركة على الحكومة ودار الفتوى وتيار المستقبل، ومختلف قوى الاعتدال لمواجهة موجة التطرف الراهنة. في السياق نفسه ان من واجب الحكومة ان تبادر الى فتح حوار مع الفلسطينيين، وخصوصا مع قيادة حماس من اجل انهاء حالة الفلتان والتطرف داخل المخيمات وخصوصا مخيم عين الحلوة. لا يكفي ان يتخذ المجلس الشرعي الاسلامي قرارا بالادعاء بصورة شخصية ضد مفتعلي الفتنة والمخربين ممن شاركوا في تظاهرة الاشرفية، بل الاهم والانجح للسنة وللوطن ان تكلف دار الافتاء لجنة من الخبراء في علم الاجتماع، وان تدرس هذه اللجنة بعمق كل الاختراقات الاصولية للجماعات الاسلامية، واقتراح برنامج لاحتواء النزعة التطرفية الراهنة، ووقف موجة التكفير التي يقودها اغراب دخلاء على الاسلام والوطن.
editor of : www.kassemclub.tk
#قاسم_محمد_عثمان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|