أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - شوكت خزندار - بحث في حلقات متسلسلة الباحث الدكتور مكرم الطالباني- الحلقة 18 والأخيرة















المزيد.....


بحث في حلقات متسلسلة الباحث الدكتور مكرم الطالباني- الحلقة 18 والأخيرة


شوكت خزندار

الحوار المتمدن-العدد: 1459 - 2006 / 2 / 12 - 03:20
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


ما أشبه اليوم بالبارحة .!
في هذا الظرف التأريخي الهام والحاسم ، بالنسبة لشعبنا العراقي عامة ولشعبنا الكردي خاصة . أقدم إلى القراء عرباً وأكراداً كتاب الدكتور مكرم الطالباني تحت عنوان ( حزب هيوا ) على شكل حلقات متسلسلة بصورة يومية قدر المستطاع . ان البحث القيم الذي قدمه مكرم الطالباني ودراسته التحليليه للحركة القومية الكردية ولتاريخها النضالي المرتبط بنضال شعبنا العراقي من اجل التحرر والانعتاق ومن أجل نيل شعبنا الكردي لحقوقه القومية ، يعطينا درساً بليغاً لتجارب حركتنا القومية الكردية المليئة بالمآسي والمعاناة والتراجعات والانكسارات ، والتي كان لليمين السياسي والعشائرية المتعصبة ، كان عاملاً حاسماً لضياع الحقوق القومية بمختلف منابعه داخل حركتنا القومية الكردية وامتداداته الاقطاعية المشروعة والتسبب بماسي شعبنا لعقود طويلة .

وبما ان هذا البحث يمتد بنظرته لعقود خلت ، فهو يستحضر ذهن ووعي القوميين والوطنيين من ابناء شعبنا بتجارب حركتنا القومية الكردية وعلاقتها التاريخية المغيبة حاليا بالحركة الوطنية العراقية عموما ، والدور الذي يقوم به ورثة القيادات العشائرية والاقطاعية في عراق ما بعد الاحتلال، باقامة كياناتهم الخاصة وقد نسوا بفعل نشوة ما يحققون انه لايمكن ان يستمر من يعضدهم الان ويستخدمهم لمصالحه ، بالاستمرار والوجود ، مع جملة المتغيرات الحاصلة والقادمة ، والتي سيدفع فيها شعبنا ثمنا باهظآ.
( شوكت )

**************************

الحلقة 18 والأخيرة

... والبلدان التي تتقاسم كردستان ، حركات وطنية ديمقراطية ( حزب نزورة في إيران والحزب الشيوعي في تركيا والاحزاب الشيوعية العمالية والأحزاب القومية التقدمية في البلدان العربية ) وعلى الصعيد العالمي ، صمدت الدولة الاشتراكية الاتحاد السوفياتي أمام أشرس هجوم رأسمالي متمثل في المانيا وايطاليا الفاشية وتمكنت هذه الدول من الحاق الهزيمة السياسية والعسكرية بهما .
في مثل هذه الظروف الداخلية والعربية والاقليمية والدولية ، حاولت القيادة اليمينية في حزب هيوا ، حبس الحزب والحركة القومية الكردية في قوقعة قومية ضيقة والابتعاد عن الحركة الوطنية والديمقراطية في العراق وفي البلاد العربية والعالم والابقاء على حسن الظن بالدول الامبريالية في نيل الحقوق القومية للشعب الكردي، الأمر الذي أدى الى تعمق الخلافات الداخلية ، الفكرية والسياسية والتنظيمات داخل الحزب ، مما أدى ، في آخر المطاف الى ظهور تكتلات ذات آيديولوجية متباينة وانشقاقات تنظيمية ، وبالتالي خروج حزب هيوا من ميدان الكفاح السياسي ، بعد ان ظهر عجزه عن قيادة الشعب الكردي في النضال من أجل نيل حقوقه القومية المشروعة خلال الثورة التي اندلعت في كردستان للفترة من 1945 ـ 1963 فلم يتمكن هذا الحزب من تطوير نفسه فكرياً وسياسياً وتنظيمياً ليكون أكثر انسجاماً مع روح العصر ، روح الثورات الديمقراطية ضد الاستعمار والحكومات الرجعية التي كانت تعم الملايين من شعوب آسيا وافريقيا وامريكيا اللاتينية ، ابان وبعد الحرب العالمية الثانية ، ترك حزب هيوا الميدان السياسي ليفسح المجال لظهور احزاب كردية ديمقراطية أكثر ادراكاً لروح العصر وأوثق ارتباطاً بالجماهير الكردية.

جوهر الخلافات الفكرية والسياسية داخل الحزب

حزب هيوا ، كأي حزب ، برجوازي كان يجمع في صفوفه ، بالاضافة الى ممثلين من الاقطاعيين والفلاحين ، فئات عديدة من المثقفين الذين نشأوا من أوساط متباينة . وقد تأثر هؤلاء بالآراء الفكرية ( الآيديولوجية ) والسياسية التي كانت تتصارع على الصعيد الداخلي في العراق وعلى الصعيد العالمي ، فانتقل هذا الصراع الى داخل الحزب أدى الى ظهور كتل متباينة فيه . وخلال سنوات الكفاح المسلح ( 1943 ـ 1945 ) تمثلت هذه الصراعات في ظهور مركزين قيادين متباينين في مسارهما الفكري والسياسي ، واخذت هاتان القيادتان تتباعدان الى ان أدى الى انقسام الحزب وتفككه في النهاية .
ففي المجال الآيديولوجي ، بينما كانت القيادة اليمينية في الحزب المتمثلة في رئيس الحزب الاستاذ رفيق حلمي وعدد من المثقفين من أبناء رؤساء العشائر الاقطاعيين وكبار الموظفين وكبار الضباط والتجار ورؤساء القبائل من كبار ملاك الاراضي ، تحمل آيديولوجية برجوازية ـ اقطاعية يمينية ، تحاول صد الآيديولوجيات الاخرى عن الحزب ، وتطرد وجبة بعد أخرى من المثقفين الذين تأثروا بالآيديولوجية الماركسية والافكار الديمقراطية ، انتشرت هذه الآيديولوجية بسرعة بين تلك الفئات التقدمية وهي تعارض بدورها الأفكار اليمينية في الحزب .
وقد ملأت الكتب والمطبوعات المعبرة عن الافكار التقدمية الاشتراكية ، المكتبات وأرصفة الشوارع يستعين الشباب فيها بتلك الأفكار المعاصرة ، فلم يعد بامكان القيادة اليمينية ابعاد الشباب الكرد عن تلك الآيديولوجية التي تعادي بالاساس الآيديولوجية البرجوازية اليمينية والآيديولوجية الاقطاعية الرجعية ، وتطالب بتصفيتها فكرياً وسياسياً واجتماعياً .
وفي المجال السياسي ، بينما كانت القيادة اليمينية تعقد آمالاً على الدول الامبريالية التي كانت مهيمنة على الحكومات الرجعية في العراق ، في حصول الاكراد على حقوقهم القومية ، كانت الفئات التقدمية في صفوف المثقفين ، ترى ان رأس الحربة يجب ان يوجه الى الدول الامبريالية التي استعمرت مساحات شاسعة في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية ، وان أساس التحرر القومي للاكراد هو في الانفصال عن النظام الاستعماري وبالقضاء على الحكم الرجعي العميل في العراق ، واقامة نظام ديمقراطي حر ، يتمكن فيه الشعب الكردي عن الافصاح الحر عن رأيه في تقرير مصيره بنفسه . ولم تكن هذه الافكار السياسية بجديدة على المثقفين الكرد في تلك الفترة ، فقد سبقهم الى ذلك مثقفون أوائل ، من أمثال الاساتذة حمزة عبدالله وابراهيم أحمد وعبدوالواحد نوري وعشرات غيرهم .
وفي المجال التنظيمي ، بينما كانت القيادة اليمينية في الحزب تعتمد بالاساس على رؤساء العشائر وكبار ملاك الاراضي من الاقطاعيين في احتواء الجمهرة الاساسية في الريف ، لتكون القوة المسلحة للثورة ، كان المثقفون يرون ضرورة الاعتماد على جمهرة الفلاحين مباشرة وتوثق الصلة بها لتكون الجيش الاساس للثورة القومية التي ستكون حتماً ديمقراطية في الجوهر ، ولا تكون ديمقراطية إلا إذا مست مصالح الفلاحين في التحرر من النظام الاقطاعي . وكان هؤلاء يرون في ضرورة الاعتماد على الجنود وضباط الصف وصغار الضباط لأسناد الثورة والالتحاق بصفوفها في الظرف المناسب .
وقد ضغط المثقفون على قيادة الحزب للاسهام الفعال في الثورة الكردية التي اندلعت بقيادة الضباط التقدميين في لجنة الحرية ، وحاولوا توسيع رقعتها وتعميق محتواها . ولكن رؤساء العشائر الذين كانوا قد قطعوا العهد للحزب على مساندة الثورة ، سرعان ما أداروا ظهرهم لها بإحياء وضغوط من الحكومة والضباط البريطانيين، بل وتحولوا ضدها وحملوا السلاح بوجهها عندما علموا انها تتوجه ضد الاستعمار البريطاني والحكم الرجعي العميل . وبقي كبار الضباط في مناصبهم بتجديد الولاء للحكومة والتنديد بالثورة ، ولم تمس الحكومة المركز الوظيفي لرئيس الحزب ، في حين انها زجت بعشرات من الضباط الصغار والمثقفين في السجون والمعتقلات ، ونصبت فيما بعد المشانق لهم .
وقد عقد المؤتمر الذي عقده الحزب في قرية ( كلار ) بهدف توسيع رقعة الثورة وفتح جبهة ثانية في لوائي كركوك وديالى ، الخلافات داخل الحزب . فقد علق رؤساء العشائر في هذا المؤتمر الابقاء بعهدهم تجاه الشعب والحزب على موافقة الانكليز للاسهام في الثورة . ان هذا الموقف من الثورة القومية الكردية قد عرى تماماً القيادة اليمينية للحزب ، وكشف عجزه التام عن قيادة أي ثورة قومية كردية ، وفضحت مساوماتها الرخيصة لاصطياد المناصب الحكومية ودفع ثمنها من دماء الشعب الكردي . فاذا كان المثقفون من طلاب الكليات يمارسون حقهم في النقد باسلوب ديمقراطي ، فان المثقفين من الضباط اضطروا الى اللجوء الى القوة لوضع حد لمهزلة ترك الثورة لتلقي مصيرها والوقوف متفرجاً على حرق وتدمير القرى الكردية وقتل المئات من النساء والاطفال . فاجبروا رئيس الحزب الاستاذ رفيق حلمي على التخلي عن الحزب لفشله في قيادة الحزب والشعب فقدم استقالة تحريرية وتخلى عن الحزب .

محاولات لاعادة الوحدة الى صفوف حزب هيوا

ان احداث الثورة التي اندلعت في كردستان للفترة من 1943 ـ 1945 قد تركت آثارها السلبية والايجابية على الحركة التحررية الكردية فيما بعد . فعندما نكشف عجز القيادة اليمينية في توسيع واسناد الثورة بشكل فعال ، اجبر رئيس الحزب على التخلص عن قيادته ، ولم يحاول العودة الى ميدان الكفاح السياسي القومي في الحزب ثانية .
اما حزب هيوا نفسه ، فقد دبّ الانقسام في صفوفه بسبب تلك الخلافات الآيديولوجية والسياسية والتنظيمية التي شرحناها سابقاً . فقد احتفظت الكتلة اليمينية ، وهي شبه مجمّدة ، بأسم الحزب لبعض الوقت دون ان تقوم بأي نشاط سياسي يذكر ، ولكن سرعان ما اضمحل دورها وهجرت الميدان السياسي كتنظيم قومي ، انضم بعضهم الى الاحزاب الكردية التي ظهرت فيما بعد وترك الآخرون العمل الحزبي . وانضم اليساريون الذين سبق ان فصلوا منه والذين كانوا لازالوا فيه الى الاحزاب والمنظمات الماركسية التي كانت لها عدة كتل ، ثم استقرت في انظمامها الى الحزب الشيوعي العراقي . وبقيت اعداد كبيرة من الاعضاء محتفظين بعلاقاتهم الحزبية تحت أسم " هيواي آزاد ـ هيوا الحر " ولكنهم لا يألون على شيئ .
جرت أول محاولة لاعادة الوحدة الى ما تبقى من التنظيمات ، وذلك بمبادرة من اليساريين لعقد اجتماع حضره عدد كبير من مختلف الاتجاهات في دار السيدين رشيد عبدالقادر وجليل هوشيار في محلة الصليخ ببغداد ، إلا ان الخلافات الفكرية والسياسية كانت من العمق بدرجة يستحيل فيها التوفيق بين تلك الكتل ، فانتهى الاجتماع دون الوصول الى نتيجة .
أما المحاولة الثانية ، فقد قام بها عدد من الماركسيين الذين كانوا يعملون في بعض المنظمات الماركسية ( شورش ويكيتي تيكوشين ـ الثورة ووحدة النضال ) . وكان أنشطهم السيد صالح الحيدري ( 51 ) فتم تأسيس حزب ( رزكاري ـ الخلاص ) .
كانت فكرة العناصر الماركسية هي ، ان الحركة الكردية بحاجة الى حزب قومي ديمقراطي واسع يضم في صفوفه الفئات الديمقراطية التقدمية من الاكراد ، يدخل فيه الشيوعيون كمنظمة تحتفظ بتنظيماتها ( فراكسيون ) ويوجهون الحزب فكرياً وسياسياً من خلال هذا الائتلاف التنظيمي . وكانت هذه الفكرة شبيهة بفكرة تأسيس حزب التحرر الوطني الذي تأسس بجهود العناصر القيادية في الحزب الشيوعي العراقي ( حسين محمد الشبيبي وسالم عبيد النعمان وغيرهما ) ليكون حزباً جماهيرياً يستوعب فئات واسعة من الديمقراطيين والتقدميين من المثقفين والعمال والفلاحين والكسبة .. الخ .
ان انحلال حزب ( رزكاري ) خلال فترة قصيرة لم يكن بسبب التناقضات الفكرية والسياسية في هذه المجموعة غير المتجانسة من شتات حزب هيوا فحسب ، بل وان العناصر القيادية لهذا الحزب من أعضاء منظمتي ( شورش ويكيتي تيكوشين ) انفسهم لم يكونوا مستقرين فكرياً وسياسياً . ففي الوقت الذي تم تأسيس الحزب الشيوعي العراقي عام 1934 وأسس له فرعاً في كردستان ، كان ( شورش ) يعتبر نفسه الفرع الكردي لحزب شيوعي عراقي لم يتأسس بعد ، لأنه يرفض الاعتراف بالحزب الشيوعي القائم وبفروعه في كردستان ، بينما كان ( يكيتي تيكوشين ) فرعاً للمنظمة الشيوعية المنشقة ( وحدة النضال ) التي لا تعترف بدورها بالحزب الشيوعي . ان هاتين المنظمتين الشيوعيتين بقيتا معلقيتين في الهواء ، لا أرضية فكرية أو سياسية لبقائهما . وسرعان ما دخلتا في حوار مع الحزب الشيوعي العراقي انظم العناصر التي تحمل الآيديولوجية الماركسية ـ اللينينية الى الحزب الشيوعي ( فرع كردستان ) وبينهم السيد صالح الحيدري نفسه .
وقد ورد الاساس الفكري لتأسيس حزب رزكاري كورد في البيان الذي أصدرته منظمة ( شورش ) تحت شعار (( اتحدوا لتأسيس حزب رزكاري كورد ـ ناضلوا لسحق خطط الاستعمار والرجعية )) . جاء فيه :
" الأمة الكردية مقسمة حسب خطط واطماع الاستعمار ، عليها ان تناضل في سبيل تقرير المصير وتحرير كردستان ، وذلك بازالة وقطع دابر الاستعمار الانكليزي وخدامه مستخدمة قوة منظمة مدبرة في جميع المناطق الكردية متحدة تام الاتحاد فيما بينها . وفي هذه الايام يكوّن حزب للجميع بأسم ( رزكاري كورد ) من كثير من الجمعيات الكردية العراقية الصغيرة نتيجة لمساعي الحزب الشيوعي لكردستان العراقية والوطنيين الآخرين . ومع محافظة الحزب الشيوعي على كيانه ، فانه يتعاون كلياً للوصول الى الغيايات الحاضرة " .
وجاء فيه :
" نحن الحزب الشيوعي ننادي جماهير الشعب الكردي العزيز في العراق للعمل على تقدم حزب رزكاري كورد ومعاونته ونخاطب بأعلى صوتنا جميع الوطنيين في كافة انحاء العالم بأن لا يألوا جهداً لتقوية حزب رزكاري كورد . "
وعلى الرغم من الهدف لتأسيس هذا الحزب كان تأسيس حزب قومي ديمقراطي تقدمي في كردستان ، إلا ان التذبذب الآيديولوجي لمؤسسي هذا الحزب من أعضاء ( شورش ويكيتي تيكوشين ) كان أحد الأسباب الرئيسية لعدم بقاءه ، ولكن كان اللبنة الأولى لميلاد أحزاب كردستانية تقدمية بصورة أكثر طبيعية من حزب رزكاري كورد . ان الضرورات التأريخية هي التي تولد الاحزاب السياسية وهي التي تؤدي الى انحلال الاحزاب القديمة التي لم تبق ضرورة لبقائها .
وكانت منظمة ( هيواي ئازاد ـ الأمل الحر ) آخر منظمة باقية من حزب هيوا وهي تصدر نشرة دورية بأسم ( شيلان ) (52) وكان أبرز أعضائها الشيخ حسين خانقاه والشيخ عبدالقادر سيا منسور الطالباني وعطا جمال الطالباني وعبدالكريم أسعد الطالباني . وفي اجتماع عام ( كونفرانس ) لهذه المنظمة عام 1946 عقد في دار بمحلة بكلر ـ قورية بكركوك ، تقرر حل المنظمة . فأنظم بعضهم الى الحزب الشيوعي وانظم الآخرون الى الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي أسسه الاعضاء القياديون في لجنة الحرية ، وذلك في مدينة مهاباد بكردستان إيران ، وترك الآخرون العمل الحزبي . وهكذا هو هيوا في ميدان النضال القومي لتظهر أحزاب كردستانية أكثر استجابة لروح العصر وأوثق صلة بمصالح الجماهير الكردية المطالبة بالديمقراطية وحق تقرير المصير .

عبر وتجارب

ظهر في سياق أزمة النظام الاستعماري التي بدأت في الثلاثينيات ووصلت الى أوجها في الحرب العالمية الثانية ، تنوع كبير جداً في وسائل وطرائق وأشكال الحركات القومية التحررية في مختلف بلدان آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية ، لأن القوى القومية ناضلت في ظروف سياسية واجتماعية واقتصادية في غاية التنوع ، يالاضافة الى الخصائص القومية والتاريخية والتقاليد المميزة لكل شعب ولكل بلد .
ان خبرة حركة التحرر الوطني في كل بلد هي قسط معين في نضال شعوب العالم ضد الامبريالية ، فاختار هذه الخبر ودراستها دراسة عميقة ، والاقتباس منها دون استنساخها بصورة آلية والامتناع كلياً عن فرض خبرة النشاط الثوري لبلد على البلدان الآخرى ، ولحزب ما على الاحزاب الأخرى ، ان هذه الأمور قد غدت قاعدة في العلاقات بين القوى الثورية في مختلف البلدان .
لقد أثبتت الحياة ، بما لا يقبل الشك ، ان الانتصارات العظيمة لحركات التحرر الوطني في مختلف البلدان ولمختلف فصائلها ، وعبر مسيرتها النضالية الطويلة الشاقة ، كانت مقترنة ، على الدوام ، بوعيها لدورها المشترك والتعاون بين مختلف فصائلها . كما ان أبرز أسباب نكساتها وهزائمها هو نزوع فصائلها الى الصراع فيما بينها . ومن العبث ان يفتش المرء في ثنايا التاريخ لعموم الحركات الثورية، عن وقائع كان فيها انقسام القوى الثورية لنجاح مساعيها . وتحاول الامبريالية ان تبق حسن الظن بها وترسخ لدى بعض فصائل الحركة القومية الاعتقاد بعدم الجدوى في مقاومتها ، وبالتالي الرضوخ لمشيئتها والاتكال عليها ، الأمر الذي أدى بتلك الفصائل الى التخلف عن الركب العالمي لنهوض القوميات في نضالها ضد الامبريالية ومن أجل تحررها السياسي والاجتماعي ، بينما واصل الآخرون النضال ضدها ومن خلال انتصاراتها ونكساتها تمكنوا من تحقيق العديد من المكاسب لشعبهم .
ان هذه الحركات الثورية حلقات مترابطة تمارس تأثيرها المتبادل فيما بينها ، سلباً أو ايجاباً ، فمن العبث المحاولة في عزل الحركة القومية للشعوب الأخرى .
ان القوى السياسية التي بقت على حسن ظنها بالامبرياليين ووعودهم الكاذبة ، تخلفت عن الركب العالمي الذي ساهم في دفع النظام الاستعماري الى مزبلة التاريخ ، فلم تتمكن من تحقيق أي هدف من أهداف شعبها فسرعان ما هجرت ميدان الكفاح الوطني نادبة حظها العاثر لتترك المجال للقوى الأكثر استجابة لمطامح شعبها وأكثر انسجاماً مع روح العصر ، عصر انهيار النظام الاستعماري وتحرر شعوب المستعمرات والبلدان التابعة ، لتأخذ مكانها في ميدان الكفاح الوطني التحرري .
كان حزب هيوا ، بمنطلقاته السياسية ، حزباً قومياً يمينياً . لم يدرك الجوهر الديمقراطي للحركات القومية المعاصرة المعادية للاستعمار والرجعية ، فلم يتمكن من الاستفادة من الوضع العالمي أبان وبعد الحرب العالمية الثانية ، ليتحالف مع حركات التحرر الوطني داخل العراق وخارجه ضد العدو المشترك ، الاستعمار والرجعية ، فبقى يحسن الظن بالأول ويتحالف مع الثانية ، فلم يتمكن من الاسهام الفعال لا في انتفاضة 1943 واستثمار نتائجها ولا في الثورة التي اندلعت ضد الحكم الملكي الرجعي والاستعمار البريطاني عام 1945، فكان ذلك محكاً له في قدرته على قيادة الثورة الوطنية الكردية ، الأمر الذي أدى الى تفككه وانحلاله ومن ثم هجره ميدان الكفاح القومي .
أما الفئات التقدمية التي ظهرت داخل الحزب وعلى هامشه ، المتمثلة بالفئات التقدمية من المثقفين الذين تأثروا بالايديولوجيات المعاصرة ، الذين كانوا على صلة بالحركة الوطنية في سائر ارجاء العراق ، وكذلك ( لجنة الحرية ) التي تشكلت من عدد من الضباط التقدميين برئاسة الملا مصطفى البارزاني عام 1945 ، فقد قادت الثورة في الاجزاء الشمالية من كردستان العراق عام 1945 ضد الاستعمار البريطاني والحكم الملكي العميل ، وبالتعاون مع المنظمات الثورية لحزب هيوا . وعلى الرغم من اخفاق الثورة للاسباب التي بيَنتها في هذا الكتاب ، انها واصلت النضال ضد الامبريالية والقوى الرجعية المتمثلة في الحكم الشاهنشاهي في إيران ، فقد ساهمت في تأسيس جمهورية كردستان الشعبية في مهابات ، والتي اغتالتها الرجعية الايرانية بالتعاون مع الامبريالية الامريكان والانكليز .
لقد ادركت هذه الفئات التقدمية في الحركة القومية الكردية ، الجوهر المعادي للامبريالية والرجعية للحركات القومية المعاصرة ، فبدلاً من مغازلة الاستعماريين أو التعاون معهم ، وجهت سهامها ضدهم ، فوضعت الحركة القومية الكردية على طريق الكفاح الصحيح لتواصل هذا الكفاح حتى النهاية .
ان تجربة حزب هيوا والاسباب التي أدت الى عدم استثمار نتائج الانتفاضة 1943 واخفاق ثورة 1945 في كردستان تثبت بما لا يقبل الشك ، ان أي حسن ظن بالامبريالية والاعتماد عليها سوف لا تكون نتائجه أحسن من النتائج التي وصل اليها حزب هيوا . ان طريق الاعتماد على الامبريالية طريق مسدود ، بينما طريق الكفاح ضدها طريق مطروق رغم عظم التضحيات التي يتطلب ذلك . فعلى القوى القومية الكردية ان تتجنب السير في الطريق الذي سار حزب هيوا ، والذي أدى الى الاضرار بمصالح الشعب وتفككه وانحلاله . :
" من جرّب المجرّب حلت به الندامة " .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هامش
( 51 ) صالح الحيدري ينسب الى العائلة الحيدرية في أربيل . تخرج من كلية الحقوق ببغداد وعمل في العديد من المنظمات الماركسية ، ثم انظم الى الحزب الشيوعي العراقي ، وقد لعب دوراً كبيراً في توحيد شتات حزب هيوا تحت قيادة تقدمية بأسم ( حزب رزكاري ) ولكنه لم يدم طويلاً بسبب نفس الخلافات التي كانت موجودة في حزب هيوا . وكان مؤلف هذا الكتاب مدعواً لحضور المؤتمر التأسيسي لهذا الحزب ولكن وجوده في السجن أبان الثورة الكردية حال دون مشاركته .
( 52 ) شيلان ـ أسم لاطلال مدينة أثرية قديمة تقع بالقرب من قرية زرداو التابعة لقضاء كفري بلواء كركوك ( محافظة ديالى حالياً ) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المؤلف
الدكتور مكرم الطالباني
يقع البحث في كتاب صغير الحجم ، عدد الصفحات 184 صفحة .
صادر عن ( مركز خاك للنشر والاعلام ) في السليمانية عام 2002 .



#شوكت_خزندار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بحث في حلقات متسلسلة الباحث الدكتور مكرم الطالباني - الحلقة ...
- Jyllands Postenحول كاريكاتيرلصحيفة
- بحث في حلقات متسلسلة الباحث الدكتور مكرم الطالباني - الحلقة ...
- بحث في حلقات متسلسلة الباحث الدكتور مكرم الطالباني - الحلقة ...
- بحث في حلقات متسلسلة الباحث الدكتور مكرم الطالباني الحلقة 13
- بحث في حلقات متسلسلة الباحث الدكتور مكرم الطالباني - الحلقة ...
- بحث في حلقات متسلسلة الباحث الدكتور مكرم الطالباني - الحلقة ...
- بحث في حلقات متسلسلة الباحث الدكتور مكرم الطالباني - الحلقة ...
- بحث في حلقات متسلسلة الباحث الدكتور مكرم الطالباني - ما أشبه ...
- بحث في حلقات متسلسلة الباحث الدكتور مكرم الطالباني
- بحث عن حزب - هيوا - الباحث الدكتور مكرم الطالباني-4
- بحث عن حزب - هيوا - الباحث الدكتور مكرم الطالباني-3
- بحث عن حزب - هيوا - الباحث الدكتور مكرم الطالباني
- بحث في حلقات متسلسلة الباحث الدكتور مكرم الطالباني
- جلال الطالباني يفكر بالرئاسة مجدداً
- ! هل للعصفور لبن شجب وإستنكار لقرار حكومة ( المشيخة الاقطاعي ...
- لتترتفع الأصوات الحرة من أجل انقاذ كمال سيد قادر !


المزيد.....




- محاكمة مؤسس ويكيليكس: أسانج ينهي الأزمة مع أمريكا بعد الإقرا ...
- عيد الغدير.. منشور نوري المالكي وتعليق مقتدى الصدر وتهنئة مح ...
- مصر.. تقرير رسمي يكشف ملابسات قتل طفل وقطع كفيه بأسيوط
- السعودية تقبض على سوري دخل بتأشيرة زيارة لانتحال صفة غير صحي ...
- القضاء الأمريكي يخلي سبيل أسانج -رجلا حرا-
- القضاء الأمريكي يعلن أسانج -رجلا حرا- بعد اتفاق الإقرار بالذ ...
- رئيس ناسا: الأمريكيون سيهبطون على القمر قبل الصينيين
- في حالة غريبة.. نمو شعر في حلق مدخّن شره!
- مادة غذائية تعزز صحة الدماغ والعين
- نصائح لمرضى القلب في الطقس الحار


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - شوكت خزندار - بحث في حلقات متسلسلة الباحث الدكتور مكرم الطالباني- الحلقة 18 والأخيرة