حمود حواري
الحوار المتمدن-العدد: 5624 - 2017 / 8 / 29 - 17:55
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الفرات......والحرب السوريّة!
كلّ الحروب التي جرت عبر التاريخ وإن تسمّت بأسماء تحريضية برّاقة ومقدّسة (تحرير, فتوحات....الخ), ستظل تظمّن عنواناً واحداً, أنّها تُخاض من أجل السيطرة على الموارد الطبيعية.
وتبقى الحرب ذيلاً للسياسة التي لم تكن يوماً إلا "اقتصاد مكثف". الحرب ما كانت إلا ممارسة لسياسة اقتصاديّة بأسلوب عنيف قسري. والسؤال الذي ما زال يطرح نفسه بقوّة ما هي تلك السياسة الاقتصاديّة وراء الحرب السوريّة؟. ما هي الدوافع الحقيقيّة والنوايا الخفيّة للقوى المتحكّمة بالحرب السوريّة؟.
تبدو الأمور للوهلة الأولى في الحرب السوريّة بسيطة ومفهومة, ونادراً ما تجد أحدهم يقرّ أو يعترف بعجزه عن توصيف الحدث السوري. وتبدو الأمور وكأنّ كلّ الأجوبة صحيحة. أو كلّ منها يصح ولو في بقعة معينة في سوريا. فهي حرب طائفية بين السنة والشيعة واستخدمت رموز الطائفتين من أسماء أو رايات أو لباس وغير ذلك بكثافة في مناطق معينة. وهي حرب قوميّة سلّطت الضوء أو رفعت ورقة التين عن كذبة أسمها "الشعب السوري", وارتفعت عالية هادرة شعارات حريّة الشعوب وحقوقها ولا سيما عند الكرد, وبات الصراع في بعض الأماكن قوميّاً بحتاً كإخراج الكرد بقرارات عنصريّة من تل أبيض ثمّ الرقة. وفي نواح كان الصراع ذي منحى غريب, الصراع بين الريف والمدينة. هذا ما كان في حلب. لقد ظهر ذلك التوتر بين الريف الحلبي الفقير وطبقة التجار والصناعيين والمقاولين إلى العلن وخرج بقسوة إلى السطح. فحدثت حالات نهب فظيعة قامت بها مجموعات ريفيّة رفعت أسماء جهاديّة. فتمّت سرقة للمعامل والمنشئات الصناعيّة ونقلها للخارج وخاصة لتركيا أو تدميرها.
إذن؛ كانت للحرب السوريّة أكثر من سبب وأكثر من تجلّي, ولكنّي هنا أسوق رأياً: أنّ المياه سبب رئيس للحرب السوريّة!.
لن يخالفني الرأي أيّ مطّلع أنّ الماء أكثر أهمية من كلّ الثروات الطبيعية وأجلّ, حتّى من البترول, ببساطة هو سر الوجود ومداد الحياة. ولكلّ ثروة بديل ولكن في المدى المنظور ولطبيعة تكوين الخلية الحيّة فلا بديل للماء أبداً. وواضح أنّ زيادة التصحّر باضطراد وزيادة نسبة السكان بهذا الشكل الكبير عداك عن الهدر وسوء استخدام المياه, يدعو للاهتمام بمسألة المياه والتنبّه لهذا الموضوع الحيوي، ومن جهة أخرى يفسّر سبب الحروب التي تُخاض من أجله.
مشكلة المياه في سوريا ليست جديدة, بل تكاد الدولة السورية تعاني الخلافات مع جميع الدول المحيطة بسبب المياه، ففضلاً عن الخلافات اللبنانية الإسرائيلية حول نهر الليطاني وكذا الخلافات الأردنية الإسرائيلية حول نهر الأردن والتي سوريا ليست ببعيدة عنها. تبقى مشاكل سوريا والأردن حول نهر اليرموك. المشاكل السورية العراقية التركية حول الفرات ودجلة. وخلافات سوريا ولبنان حول نهر العاصي, وغير ذلك ماثلة للعين وقابلة في أية لحظة للانفجار.
ونهر حيوي كنهر الفرات(الذي ينبع من تركيا ويمر بسوريا ليصب في العراق) سيبقى هدفاً استرتيجياً لكلّ من يريد أن يكون له باع في هذه المنطقة, بمعنى آخر من يسيطر على نهر الفرات في سوريا هو من سيسيطر على مناطق شمال سوريا والجزيرة السورية. لربّما هذا ما يفسّر إصرار جميع القوى للاستحواذ على الفرات. الأمريكان واضحين تماماً في إصرارهم الوصول إلى الفرات. كلّ المؤشرات وكلّ الباحثين بلّ وحتّى الأمريكان, يقرّون أن الولايات المتّحدة ليست بجمعيّة خيرية ولا تفعل شيئاّ إلا لمصلحتها. وكل المؤشرات تدلّ أنّ الولايات المتّحدة تريد أولاً الوصول لنهر الفرات.
وبشكل ما يبدو أنّها فرضت على الكرد الوصول إلى الفرات في منبج ثمّ الرقة. وأصبح في مرحلة ما(في كوباني) أمام الكرد خيارين إمّا داعش وإمّا التعاون مع أمريكا, وفيما بعد أصبح خيار الكرد إمّا مواجهة الجيش التركي على طول الحدود المشتركة أو زيادة التعاون مع أمريكا, وما كانت الضربة التركية في كراجوك والصمت الأمريكي إلا في هذا السياق.
التردد الكردي في الوصول للفرات له أسبابه, ليس لأنّ الكرد لا يريدون الوصول للفرات. فهم على نحو ما يجدون ذلك من حقهم وهذا النهر ينبع من أراضيهم التاريخية ويمر فيها لمسافة ليست بالقصيرة. ولكنّهم دائماً متحسبون لتلك القوة المتربصة بهم تركيا. يبدو هنا أنّ التعاون مع الأمريكان يعطيهم شيء من الحماية من هذا العدو المتربص بهم والذي لا يفتأ يمر يوم إلا ويجدّد لهم التهديد بالاجتياح ومنعهم من تحقيق طموحهم. ولكنّ الأمريكي لم يجد أفضل منهم لتحقيق أهدافه في الوصول للفرات. فكان تلاقي مصالح سهلت للكرد الوصول للفرات.
والسؤال إلى متى ستستمر هذه المعادلة؟ ماذا تريد أمريكا من الفرات؟ ماذا تريد إسرائيل من الفرات؟ كيف ستستخدم تركيا ورقة الفرات فيما بعد؟ وهل سينتقل "صراع الفرات" إلى داخل تركيا؟. ما يلفت النظر هنا سعي كلا القوتين الفاعلتين في الساحة السوريّة روسيا وأمريكا للوصول بشكل ما إلى توافق حول الفرات, بل بات الفرات في أحيان هو الحد الفاصل بين نفوذ القوتين المؤثرتين- أمريكا وروسيا- لتكون كلّ ضفة لطرف.
من المؤكد أنّ الاهتمام الأمريكي بالفرات سيكون متأثراً بأسرائيل. ولكن يستشف من تقارير مراكز الأبحاث والاستخبارات الأمريكية أنّ هذا الاهتمام قديم وجلي. فتقرير للمخابرات الأمريكية يتوقع استفحال مشكلة المياه في منطقة الشرق الأوسط بحلول عام 2040 ويتوقع التقرير أن تلعب الولايات المتحدة في ذلك دوراً قيادياً. ومؤسسة الاستشارات الدولية حدّدت 11 منطقة مؤهلة لأن تتحول لمنطقة نزاع عسكري أولها منطقة (تركيا- سوريا- العراق) بسبب السدود التي تقيمها تركيا وتتحكّم بنهري الفرات ودجلة.
الدولة التركيّة لم تحترم يوماً مفردات وثيقة هلنسكي 1966 التي تنظّم العمل بين الدول التي تستخدم مورداً مائياً مشتركاً. أقامت عشرات السدود على نهر الفرات لتستخدمه سلاحاً لفرض سياستها في سوريا والعراق. ومنعت ضخ المياه إلى الشمال السوري بشكل متكرر ولا قانوني ومقصود, وخاصة في أوقات ذروة الربيع وبداية الصيف حيث الماء ضروري ومصدر أساسي للريّ والزراعة وإنتاج الكهرباء, حتّى باتت تؤثر في يوميات المواطن في الشمال السوري ومناطق الجزيرة. استخدام هذا السلاح الحيوي المؤثر بهذا الشكل البعيد عن الإنسانيّة يستدعي التفكير جديّاً في فرض حل معقول على الدولة التركيّة ومنعها من الاستهتار بحياة الناس بهذه الطريقة العنجهيّة. وربّما كلّ هذا يفسّر الممانعة التركية لسيطرة الكرد على سد الفرات والرقة. هل سيكون الفرات الشعرة التي تقسم ظهر البعير, ويحدث الطلاق بين تركيا وأمريكا؟.
ويبقى السؤال الأهم وببساطة هل يمكن لدراسة ولو معمّقة أن تفهم وأن تفسّر أي شيطان أولع هذه الحرب؟ أو أي مصلحة كانت وراءها؟. فرغم بساطة المعادلة تبدو معقّدة جدّاً, وكأنّه تفسير للماء لِما هو بلا لون؟. لكنّ الواضح وضوح الشمس أن نهر الفرات الخالد هو الحياة وكلّ الحياة لمناطق الفرات والجزيرة السوريّة.
#حمود_حواري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟