كوسلا ابشن
الحوار المتمدن-العدد: 5623 - 2017 / 8 / 28 - 14:29
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
التهميش والاقصاء نتيجة حتمية لسياسة التمييز القومي
انتفاضة الريف هي نتيجة حتمية لسياسة التمييز العرقي, وليست لحظة عفوية ولا مؤامرة دولية لزعزعة اركان السلطة الكولونيالية, فالريف مثل كل المجال الترابي الامازيغي الغير المعرب تعرض للتمييز القومي بعد المؤامرة الاستعمارية ( ايكاس ليبان), الظهير العروبي الذي حدد مهامه في ابادة ايمازيغن بشكل من الاشكال, ومن بينها التهميش والاقصاء المعبر عنه بسياسة الابارتهايد, وكان الريف الضحية الابرز للسياسة العرقية ( جينوسيد الريف 58-59 و التهجير و التهميش والاقصاء والتجويع والاستبداد المنظم و ... ).
عقود من سياسة التمييز القومي ساهمت بشكل أو بآخر في نمو الوعي الذاتي لدى ايمازيغن (الريف), وادراكهم الواعي ان واقعهم الاجتماعي ليس مجرد نتاج الصراع الاجتماعي ولا غضبة فردية, و انما هو نتاج حتمي لسياسة التمييز القومي, باعتبار ايمازيغن شعب تحت الحكم الاستعماري.
انعدام البنية التحتية في منطقة الريف هو واقع مرير و مأساوي, فالمنطقة رغم شساعتها و كثافتها السكانية, تم اقصاءها و تهميشها لعقود بسبب التمييز القومي, انعدام المؤسسات الانتاجية ( قلة فرص العمل), انعدام طرق المواصلات و يكاد انعدام المؤسسات الصحية وانعدامها في القرى( تدهور في الصحة), قلة المؤسسات التعليمية وانعدامها في القرى( انتشار الامية), النفي والانعدام, هي الحالة الصريحة للتعبير عن الواقع الموضوعي للريف, ولولا تحويلات الايدي العاملة الريفية في الخارج, لكانت معظم الاسر في الريف تموت من الجوع.
النظام الكولونيالي أخرج منطقة الريف من برامجه التنموية, الا انه حرص كل الحرص على نشر قيمه من فساد اداري وفساد مالي وفساد أخلاقي, دون اغفال الطابع الاستبدادي للنظام.
الوضع المتدهور في الريف كما قلنا نتاج السياسة العرقية للسلطة الكولونيالية وليس حالة اجتماعية صرفة, وضع افرزه حالة التناقض بين سلطة احتلالية و بين شعب مستعمر, وهذه الحالة جزء لا يتجزء من واقع دولي عرف صراع بين الاستعمار وبين الشعوب المستعمرة وليس مجرد صراع جزئي بين البورجوازية و الطبقة العاملة ب(المنظور الماركسي), رغم العلاقة الجدلية بين العام والخاص (بين استغلال الامة واستغلال الطبقة), والاستعمار دائما هو ضامن للاستغلال الرأسمالي.
الانتفاضة في منطقة الريف هي تعبير جوهري عن صراع شعب ضد الكولونيالية, متجاوزة لأسس الاضطهاد الاجتماعي, فهي ليست انتفاضة عمالية - فلاحية بقدر ما هي انتفاضة شعبية بمشاركة مختلف الفئات الاجتماعية المكونة للشعب المضطهد والمقهور بسبب سياسة التمييز القومي الاستعماري والذي يلعب فيه عاملا انعدام التنمية الشامل وانعدام الحرية والاستقلالية, استراتيجية النظام الكولونيالي وأحدى اسس استعباد الشعب المقهور المستعمر.
تحاول الزوايا السياسية عزل الانتفاضة عن مسارها الوطني-القومي في التناقض الرئيسي بين الشعب المحلي والسلطة الكولونيالية واضفاء الطابع الاجتماعي الاحادي على الانتقاضة لتحريف جوهرها التحرري المضاد للبنية الكولونيالية, وشعارات الانتفاضة واعلامها المرفوعة تعكس في مدلولها التوجه التحرري للمنتفضين ردا عن أطروحات الزائفة للقوى المزيفة.
انتفاضات الريف جسدت دائما الصراع الدائم بين الغزات وبين اهالي منطقة الريف, كما عرت الشعارات الاستعمارية حول التنمية الجهوية والديمقراطية والمصير المشترك والتعدد الهوياتي, وفي نفس الوقت جسدت الانتفاضات نمو الوعي الذاتي لدى ايمازيغن وادراك مصالحهم وتناقضاتهم مع النظام الكولونيالي ومصالحه وسياسته العنصرية والنهبية والاستبدادية والاستطانية.
الطابع الاستطاني للنظام الهادف لتغيير التركبة السكانية للمنطقة ظهر جليا في شن حملة التطهير القومي والتهجير الجماعي واماتة الثقافة و اللغة الامازيغيتين وكذا في تهميش واقصاء المنطقة كخطوة اولية, تلتها مصادرة اراضي الجموع والخواص وتبعتها عملية تصدير المعربين الى منطقة الريف ( بدأ بالعاهرات والعصابات الاجرامية و المتسولين وصولا الى توطين الملاك الدائمين) وهكذا تتم عملية تعريب الشارع وفي المستقبل القريب سيتم تعريب المنطقة بكلها لتكون منطقة معربة لغة وأساطيرا, كما حصل في السابق مع المجال الترابي المعرب حاليا, وستنتهي حملة الابادة الجماعية بتصفية الحق الامازيغي في الوجود وتقرير مصيره بنفسه, هذه هي أساليب الاستعمار الاستطاني في تغيير البنية الاثنو- ثقافية للمنطقة.
الشباب الواعي مشعل ومحرك الانتفاضة يدرك جيدا الطابع العرقي للسياسة الكولونيالية ولذا فهو يدرك بان التنمية الاقتصادية والتحرر الاجتماعي ليستا بديل عن التسيير الذاتي فبدون هذا الاخير ستبقى كل المشاريع شكلية, لا تخدم الا مصالح المخزن اللقيط القائم على التمييز القومي والفصل العنصري, و الذي لا يختلف في ارادته و سلوكه وممارساته عن الانظمة الفاشستية مثل النازية والابارتهايد, بل يتجاوزهما في البطش والوحشية وانتهاك لقيم الانسانية, لنستذكر بقر بطون الحوامل و حرق المحاصل الزراعية و... (58-59). الادراك الواعي لجوهر الصراع والتناقض هو الحاسم الوحيد في استمرارية الانتفاضة ومسارها الصحيح دون التأثر بالتأثيرات الاستلابية للقوى المضادة ( اليمينية والمتمركسة).
أدرك المخزن اللقيط ان الانتفاضة الشعبية ليست حالة عابرة ( مثل 20 فبراير) وان استمراريتها ستكون كارثة على مدخرات خزينة المخزن وبهذا التجأ الى رسم خطط للاطاحة بالانتفاضة ( سياسة الجزرة والعصا), من جهة ايهام الشعب بالمشاريع (الورقية) التنموية, مع التوافد المارطوني لخدام القصر( من اتهم الريفيين بالخيانة والعمالة للاجنبي) على لحسيما لايهام الشعب في منطقة الريف ليس بجدية المشاريع فحسب بل كذلك بوهم وحدة الارض والمصير المشترك, معتبرا ان اغتصاب الارض والاستعمار الاستطاني حق مطلق الهي وان الاصلاحات الشكلية كفيلة لحل الصراع الاساسي والواقعي بين الشعب المحلي والسلطة الكولونيالية , من جهة اخرى خطط النظام مواجهة الانتفاضة بالقمع الوحشي, في حالة عدم الرضوخ لسياسة المخزن العروبي .
غيرت الانتفاضة بعض المفاهيم المقدسة (الجامدة) و خلقت وضعية سياسية متأزمة ومتناقضة في وكر الكولونيالية واربكت خططه ( الوعود بالمشاريع والزيارت المراطونية لاعوان السلطة, والتغييرات لممثل السلطة في المنطقة ), وأفشلت سياسة المساومات والترهيب والترغيب, كما أفشلت كذلك خطط النظام في خلق النخبة الورقية الريفية, واستطاعت الانتفاضة ايصال القضية الريفية للقوى الديموقراطية والتقدمية خارج جغرافية الشمال الافريقي.
النظام الكولونيالي لم يستوعب دروس نضالات حركات الشعوب المحتلة ومنها انتفاضات الشعبية لامازيغ منطقة الريف, ولم يستوعب ان سياسة التمييز القومي طيلة احتلال المنطقة واساليبه الاستبدادية والعنصرية لم تستطيع اسكات حناجر ايمازيغن المقهورين الى الابد, لم يتعلم النظام ان مجزرة الريف 58-59 لم تنهي النضال الامازيغي, بل كانت نقطة تحول في التعامل مع النظام الكولونيالي الفاشي والتي افرزت وضعية التحول في نمو الوعي الهوياتي الذي اشعل انتفاضات متعددة ( 1984. 1990 ...),أوصلت الصوت الامازيغي الريفي المقموع الى بقاع العالم, رغم التعتيم الرسمي الامبريالي المنحاز للنظام الكولونيالي العروبي, و هي نفس السياسة المنتهجة حاليا في السكوت وغض الطرف لما تقطرفه اجهزة الاستبداد المخزنية من قتل وقمع وارهاب واعتقال الاهالي و لم ينجوا من حملاتهم القمعية حتى الاطفال. في خضم الانتفاضة زار رئيس دولة الام (الحماية) ماكرون, لدعم ومؤازرة ابنه بالتبني (النظام الكولونيالي العروبي) وتأييد اساليبه الاستبدادية في اخماد الانتفاضة الشعبية, هذه الاساليب المنتهكة لحقوق الانسان و المخالفة للقانون الدولي, اللتان يتباهى بهما ماكرون ابن الرأسمال الامبريالي في بلده فرنسا.
الامبريالية الحليف الطبيعي للانظمة الكولونيالية والانظمة الاستبدادية, كانت ولازالت المتأمر على الحق الامازيغي في التحرر من الكولونيالية, بدءا بالاطاحة بجمهورية الريف, و مرورا بالدعم العسكري لاخماد انتفاضة (58-59), و ها هو ممثل الروحي الحالي للكولونيالية العروبية, ماكرون يعلن علانية مؤازرة الاستبداد المخزني العروبي لقمع الانتفاضة الشعبية الامازيغية في منطقة الريف بكل الوسائل, وعلى حركة النضال الامازيغ ادراك هذه الحقيقة ومعرفة اصدقاء قضيتها الحقيقيين على الساحة الدولية.
تجنبا للتأثيرات الزواياتية (الحزبية) العروبية على حركة النضال الشعبي الامازيغي المستقل, ان تدرك المحاولات البائسة لهذه الزوايا ( اليمينية واليسراوية) للركوب على نضالات ايمازيغن واستغلالها في صراعاتها المصلحية الانتهازية ومؤامراتها في تحريف المسار النضالي الامازيغي و اغتراب وعي الجماهير الشعبية الريفية في نفي هدفها الاستراتيجي الاساسي في التحرر من الكولونيالية, فالبنية الاستطانية لا يمكن ان تتوفر على عامل نفيها من الداخل, كما يستحيل ان تقدم هذه البنية ادواتها لتحرير نقيضها ( حفر قبرها بايديها).
الانتفاضة الامازيغية في منطقة الريف, انعكاس لواقع التمييز القومي( التهميش والاقصاء و ...) وليس لكون ايمازيغن طبقة اجتماعية مقهورة ( عمال او فلاحين) وانما لكونهم ينتمون لقومية محلية غير الانتماء القومي للسلطة الكولونيالية, و واقع الريف مرآة لسياسة التمييز القومي الممارس منذ احتلال المنطقة, وبالتالي فأساليب النضال الامازيغي يجب ان تهدف بالدرجة الاساسية الى التحرر السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي, تهدف الى اعادة الاعتبار لكرامة ايمازيغن بالاستقلالية فوق مجالهم الترابي التاريخي و الطبيعي.
كوسلا ابشن
#كوسلا_ابشن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟