آرام كربيت
الحوار المتمدن-العدد: 5622 - 2017 / 8 / 27 - 17:32
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
عن علاقة الدين والدولة
يقول الدكتور عزيز العظمة في نص منشور له على النت تحت عنوان: العلمانية من منظور مختلف ـ الدين والدنيا في منظار التاريخ:
" ولم يكن الاهتمام بالمعاملات والسياسات إضافة إلى العبادات هو وحده ما يجعل من الفكر المسيحي الفقهي والسياسي شبيهًا بالفكر الإسلامي، بل إن الآليات الذهنية المنطقية والشبه منطقية التي استخدمت في الفقه المسيحي الغربي كانت شبيهة بآليات الفقه الإسلامي وأصوله كالنسخ والقياس وإيلاء سلطة التفسير إلى الشارع، ثم إلى العقيدة، والأعراف. كل ذلك يشير حكمًا إلى أصول مشتركة رومانية شرقية، إضافة إلى اجتماع الدينين في إطار الديانة التوحيدية النبوية، وما تستجلبه من مفاهيم إلى السلطة والمرجعية والنص"
من خلال هذه القراءة التي أمامنا، يمكننا أن نتناول علاقة الدين بالدولة في القرون الوسطى ودراسة درجة التشابه في ما يسمى بالدين الإبراهيمي أو التوحيدي: اليهودية والمسيحية والإسلام.
في الحقيقة، لهذا الدين قدرة هائلة على اقتحام المجال العام، وتناوله المجتمع كمادة أولية، والاشتغال عليه، ومحاولة ربطه بسياج مفهومي واحد أو مشترك، وإحكام تماسكه على اساس عقيدي، كشرط لتكريس التجانس في البنية الدينية ذاتها.
إنه يتدخل بشكل المباشر في أدق تفاصيل حياة الناس، ليس في مجال العبادات وفي قوننة العلاقات، وأنما في النظرة الشاملة للكون، وفي كل شؤون المجتمع، وفق رؤيته ورؤية تنظيماته الاجتماعية.
ويتدخل في الحياة الشخصية للفرد: وجوده وسلوكه وممارساته، وفي علاقة الرجل بالمرأة. وفي تنظيم علاقات الزواج والطلاق، وفي طريقة المأكل والمشرب والملبس.
باختصار إن الدين يتعامل مع الناس على أنهم أدوات، شيء، أداة يمكن تشكيلهم وصياغتهم. أي أنه يتعامل معهم على أنهم قصر بحاجة إلى إعادة إنتاج وعي، خارج، يخلصهم من محنة القصور الذاتي. بمعنى أنهم ناقصي التكوين العقلي والنفسي، ويجب إعادة تشكيلهم وفق رؤيته، ليخرجوا على مقاسه ووفق تصورات نصوصه. ليس هذا فحسب وأنما يفتح لهم خط سير مباشر مع السماء لتأمين راحتهم الأبدية في مكان مملوءة بالأسرار والطقوس، تتعلق في الحياة ما بعد الموت وصولًا إلى الخلود.
ويصادر المجال العام، وخصوصية الفرد وحريته، ويضعها في إطار علاقات عامة ترتبط بنهج بالدين وتصوراته، مما يخلق لدينا كتل بشرية نمطية، متجانسة، مستلبة، منفصلة، منغلقة عن شروط زمانها ومكانها، يتعذر على الأفكار الآخرى من اختراقه أو تفكيك نصوصه التاريخية المعبأة بكتل كبيرة من المصالح والغايات والأهداف.
فالتعبئة المفهومية القائمة على الأوامر والنواهي تبدأ ولا تنتهي، ليصبح الإنسان مجرد شيء، قطعة مشغول عليه، كصياغة آلة معدنية.
لقد انفرد الدين السماوي باحتلال المجال العام في القرون الوسطى بعد أن قضى على عصر الآلهة المتعددة، الغني بالقيم الإنسانية الغير مأدلجة والأفكار وفي حقل الفلسفة والبحث العلمي، وفي النظرة النقدية إلى الطبيعة والكون.
يمكننا طرح السؤال بصدر رحب:
لماذا نشأ الدين التوحيدي، ما الغاية منه؟ هل هو أزمة دولة؟ هل هو أزمة مجتمع؟ هل وصل الأمر إلى حد التفارق والقطيعة بين الدولة والمجتمع إلى درجة أن هذا الأخير أراد أن يكون كامل الشراكة في القرارات السياسية السيادية ويتعذر على الدولة القبول بها؟
في السياسة لا يوجد شيء بريء كما يتصور الكثير، أنما هناك غاية.
ما هي غاية الدولة في التمسك بالايديولوجية الآحادية؟
إن الايديولوجية واحدة من الأقانيم الثلاثة المشكلة لجوهر الدولة ووجودها، فهي أقنوم جوهري مثلها مثل السياسة والاقتصاد، يتناغموا معًا من أجل استمرار تأمين مصالح النخبة الممثلة للدولة.
فدور الدين لم يقتصر على العلاقة مع الدولة فقط، أو روحاني كما يدعي الكثير. إنه قوة منظمة، مركبة، لديه نزوع نحو الهيمنة والسيطرة.
لقد كرس نمط من الفكر على مدى عشرات القرون، شكل نظرة أحادي للرؤية وألغى كل ما سبقه. وحرم الفلسفة والعلم من البحث والتطور تحت حجج واهية، ورجم الفن والموسيقا وكل الأعمال الإبداعية، مما ادى إلى تصحر الحياة والدولة والمجتمع، وخلق إنسان ضعيف، معزول، لا يقوى على التفكير الحر. ودمر في داخله حب المعرفة. وخلق مجتمعات نمطية، استنقاعية، تقوم على قراءة أحادية للتاريخ والمجتمع والدولة. وتعطلت فضيلة العقل والمدارك، والتفكير والإبداع.
أي، أن داخله، يفتقر إلى التوازن والتلاقح والتفاعل، ويقتل الإبداع. فالمبدع، لا يأتي من فراغ، ولا يصنعه التاريخ كوحدة مستقلة أو ذاتية صرفة، أنما يحتاج إلى شروط موضوعية، يبني عليها رؤيته. إنه يقطف من هذه الشروط التاريخية مشروعه، ويزيد عليه.
لم نسمع بالمبدعين في فترة موت الآلهة المتعددة. ولم نشهد تطور في الفكر أو في قراءة الفكر الفلسفي السابق على الدين التوحيدي إلا في بعض الهنات أو الفترات القصيرة، كما هو الحال في العصر العباسي الأول أو من خلال بعض المبدعين المسلمين المتنطحين لحمل شعلة العلم والمعرفة كحالة شاذة او تمرد على شروط الواقع.
وأغلب الأفكار كانت تتمحور حول الإله الواحد أو في تفاسير النصوص.
إن الدين التوحيدي أنتج شكل مسخ للدولة، هي الدولة الشمولية التي غيبت الإنسان وجعلته كائن نكرة، تجري عليه أغلب العمليات السياسية، الخارج عنه، وعليه:
" كان الفكر المسيحي في القرون الوسطى يتمحور حول القانون الأخلاقي الإلهي الكلي أو الأبدي.
وإن يتم إخضاع الدولة والمجتمع لخطة الله"
أي أن جميع المؤسسات، التنظيم السياسي للمجتمع، يجب أن يرتكز على هذا النهج. بمعنى، على المجتمع أن يكون جزءًا من ترتبية تخضع للدين.
لقد طوب هذا الفكر، المجتمع والدولة، لإرادة من خارجهما، وسهر على بقاءهما منفصلين، يعملان في فضاء مقيد تابع له.
إن هذا القيد التاريخي، عزل التاريخ الأوروبي والشرقي عن تاريخهما، وقيدهما. لإن تاريخهما واحد، ومتداخل، ومصالحهما متقاربة جدًا. وهناك مشتركات كثيرة بينهما، ثقافية ونفسية وروحية ووجودية. وتقارب في مجالات الفن والإبداع وفي التطلع إلى المستقبل. والترابط في المصائر .
إن الدين الإبراهيمي، خلق أديان ومذاهب وطوائف. وعزل الشعوب عن بعضها وعمق سوء الفهم بينهم، وجرى قراءة مغلوطة للتاريخ. وأدخل منطقتنا وأوروبا في حمم الحروب الدينية الطويلة، وعمق الانقسام الاجتماعي والإنساني والنفسي بينهما وعزلهما عن بعضهما. وما زالت الحساسية الاجتماعية والسياسية والنفسية عميقة إلى اليوم، بعد أن حشرهما في ذات ليست ذاتهما، إلى أن جاء ذلك اليوم الذي تحررت أوروبا من عبء المسيحية، وانفتحت على نفسها وثقافتها القديمة، وشقت طريقها نحو المستقبل. مستقبلها.
وأمل أن تتجه منطقتنا وأوروبا إلى التصالح التاريخي وأن تتجاوز العقبات وبناء تلك الخصوصية القائمة على التفاعل الخلاق بينهما كما كان في ذلك التاريخ السابق على تاريخ الأديان والعودة إلى التداخل الحضاري بينهما.
#آرام_كربيت (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟