علي عامر
الحوار المتمدن-العدد: 5618 - 2017 / 8 / 23 - 18:11
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
ج. د. برنال
إنجلس والعلم
تعريب: علب عامر
رابط المقال الأصلي: https://www.marxists.org/archive/bernal/works/1930s/engels.htm
Source: Labour Monthly Pamphlets, No. 6 (No date)
------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
ج. د. بيرنال, مؤلف هذا النص, مساعد مدير الأبحاث في علم البلّوريات في جامعة كامبريدج, تركزّت جهوده أساساً على استخدام تحليل الأشعة السينية في المسائل العلمية, ارتبط اسمه بأعماله في مجالات بنى المعادن, والهرمونات المائية, والفيتامينات والبروتينات.
اعتمد هذا الكرّاس على مقال أقصر, كُتب في إحياء الذكرى الأربعين لرحيل فريدريك إنجلس. يؤكد المؤلّف على أنّ إنجلس كان المعاون الأقرب لكارل ماركس, الذي طوّر في زمنه مناهجاً ضروريةً الآن من أجل فهمٍ وتوظيفٍ أفضلٍ للعلوم فيمَ فيه رفاه الإنسان. كما يقول, بالرغم من تعرّض هذه المناهج للإهمال في الماضي, إلّا أنّها تبدو في القرن العشرين أكثر طزاجةً وأوسع اكتنازاً بالفهم, وهذا ما لم تنله على أيدي فلاسفة العلم المحترفين الذين عاصروا إنجلس.
لربما يبدو هذا الكرّاس وللوهلة الأولى مهماً فقط لأولئك المنشغلين في المجالات العلمية المختلفة, إلّا أنّ مختلف القرّاء من مختلف المجالات سيجدوا اهتماماً حيوياً فائقاً للعادة في عرض السيّد برنال للكيفية التي سيلقي بها ديالكتيك إنجلس المادي بأضواءٍ جديدةٍ على قضايا هذا العصر
------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
(1)
إنجلس والعلم
لو غفل التاريخ عن إنجلس كرفيق السلاح الدائم لماركس في النضالات الثورية في القرن التاسع عشر, فإنّه حتماً سيذكره كأحد أهم العلماء الفلاسفة في القرن. من السخرية بمكان, أنْ يتم تقدير صواب نظراته بصدد العلاقة بين السياسة والإديولوجيا, فيما عانى من إهمال علماء العصر الفكتوري. إلّا أنّ إنجلس أخذ بثأره مؤخراً من ذلك الإهمال, حين تلقّف فلاسفة القرن العشرين اللاحقين آراءه بحيوية واستيعاب أكبر ممّا كان لأولئك الذين عاصروه, ففي حين خلّد التاريخ إنجلس وأعماله, دفن أولئك الذين عاصروه, أمّا الثلة التي لم تدفن, مثل لانج وهيربرت سبنسر, فلم يحفظهم التاريخ إلّا من خلال إيراد بعض اقتباساتهم, بصدد التدليل على محدودية العلم في ذلك العصر. من الخطأ أخذ إنجازات إنجلس العلمية بمعزل عن شراكته مع ماركس. فمن خلال أثر ماركس, والديالكتيك المادي, الذي طوّراه معاً من ديالكتيك هيجل المثالي, تمكّن إنجلس من نقد وتفسير العلم بطريقة لم تكن متاحة لمن سبقه.
(2)
إنجلس كعالم
يتكرر على لسان أعداء الماركسيّة الذين لم يؤلوا أنفسهم عناء قراءة الكتابات الأصلية لآباءها, أنّ المعرفة العلمية لماركس وإنجلس زائفة؛ وأنّ إنجلس مثلاً, سعى إلى إثبات صحّة القوانين الديالكتيكية الاقتصادية التي قدّمها ماركس من خلال تبرير وتأويل العلم. وتلك قراءة سيئة بالمطلق لحقيقة مساعي وإنجازات إنجلس. فاهتمامه ومعرفته العلميّان كانا عميقين ومبكرين, ما انعكس في مجمل دراساته الفلسفية والسياسية. في مقال مبكر عام 1843 (quoted in the Marx-Engels, Selected Correspondence, p. 33), أظهر إنجلس فهماً أصيلاً للرابط الأساسي بين العلم والإنتاجيّة, فهماً تكرر في معظم أعماله اللاحقة:
"... هناك عاملٌ ثالثٌ, تم إغفاله بالمطلق من قبل الاقتصاديين, إنّه العلم. فإنّ لامحدودية تقدم العلوم –أو على الأقل سرعتها- تضاهي لامحدودية وسرعة النمو السكاني. كم من التقدم الزراعي في هذا القرن يعزا للكيمياء وحدها, وبالتحديد لرجلين اثنين فقط, هما السير همفري دافي وجوستوس لابيغ؟ العلم يضاعف نفسه على الأقل بنفس نسبة تضاعف السكّان: يزداد عدد السكان بنسبة مقرونة بعدد الجيل الأخير؛ والعلم كذلك يتقدم بنسبة مقرونة بمقدار المعرفة الموروثة من الجيل السابق, هذا تحت أكثر الشروط اعتيادية للمتوالية الهندسية, إذن, فهل من مستحيل أمام العلم؟"
(quoted in the Marx-Engels, Selected Correspondence, p. 33)
إنجلس, وحتّى أيّامه الأخيرة, لم يقف عند ما اكتسبه من الجامعة, بل تابع بحرصٍ واستيعابٍ فائقين للعادة تلك الكشوف العلميّة في زمانه. لم يكن من رجال الأحكام المسبقة النابعة من نظريّاتٍ سالفةٍ, بل كان منفتحاً على الأفكار الجديدة, وفي الأغلب أكثر انفتاحاً من العلماء المتخصصين. في رسالته لماركس عام 1858, أظهر استعداداً مسبقاً للقبول بفكرة تحوّل الأنواع التي كان داروين على أبواب نشرها في العام التالي, وبفقرة واحدة, أشار لفكرة التطوّر, المشتقّة من الفكرة الهيجليّة عن تحوّل الكم إلى كيف:
"بكل تأكيد؛ فإنّ علم وظائف الأعضاء المقارن, يقدم ضربة قاضية للتمجيد المثالي للإنسان على الحيوانات الأخرى. في كل خطوة, يصطدم المرء بأكثر البنى تماثلاً, مثل باقي الثدييات, ذلك التماثل الذي تمتد ملامحه الأساسية إلى الفقاريات, وحتى إلى –ولو بشكل أقل وضوحاً- الحشرات, والقشريات, والديدان, إلخ. الفكرة الهيجلية عن القفزة النوعية من السلسلة الكميّة, تظهر بوضوح هنا أيضاً."
(Marx-Engels, Correspondence, p. ll4)
بعد عدة أشهر, بالتحديد حين ظهر "أصل الأنواع" لداروين, أشاد كلّاً من ماركس وإنجلس بدوره في وضع نهاية للغائية في العلوم الطبيعية. كتب إنجلس -في الثاني عشر من كانون الثاني, 1859, بعد أربعة أسابيع من نشر النسخة الأولى من الكتاب- رسالة إلى ماركس, جاء فيها: "داروين الذي أقرأه الآن, رائع." وفي ردّه قال ماركس: "صحيح أنّه بنيَ على الطريقة الإنجليزيّة الفجّة, إلّا أنّ هذا الكتاب هو الذي يحوي أسس تاريخ الطبيعة من وجهة نظرنا نحن." (1)
إذا ما قارنّا هذا التوجّه, مع توجّه "ويويل", الفيلسوف الرسمي للعلم والفيزياء, -وأحد أكبر الساخرين من هيجل, والذي دفع باتجاه رفض اعتماد كتاب داروين في مكتبة كليّة ترينيتي- سنتمكن من قياس سعة اطّلاع ونفاذ بصيرة ماركس وإنجلس الفلسفيتان. نفس الأمر يتكرر مع مجمل الأفكار العلمية المهمة التي كانت تتطوّر حينذاك. ماركس وإنجلس تابعا ودرسا باهتمام كشوف الفيزياء والكيمياء النوعية في ذلك القرن, وبالتحديد, مبدأ حفظ الطاقة, وتطوّر الكيمياء العضوية. لا يمكن اعتبار إنجلس هاوياً في منهجه العلمي. فقد اندمج بحريّةٍ في الحياة العلمية النشطة التي سادت مانشستر, تلك التي قضى فيها معظم حياته, وتعرّف فيها على صديقه الحميم كارل سكورليمير, أوّل زميل شيوعي في الجمعية الملكية, وأحد أبرز كيميائيي ذاك الزمان.
لا يمكن إعطاء معرفة إنجلس العلمية الواسعة حقّها, دون دراسة عمله العظيم غير المكتمل, "ديالكتيك الطبيعة", الذي عالج مختلف العلوم باستيعابٍ شاملٍ ونقديٍّ. من خلال الاطّلاع على مراجع الكتاب, يمكن بسهولة التحقق من مدى قرب إنجلس من تطوّرات العصر في الرياضيات, والفيزياء, والأحياء, ناهيك عن علم الاجتماع والاقتصاد. حتى أنّه ضمّن فصلاً قصيراً وممتعاً عن الفيزياء في كتابه.
(3)
إنجلس عن تاربخ العلم
استطاع إنجلس منذ البداية توحيد أفكاره عن العلم بطريقة مكنّته من استيعاب التطوّرات الجديدة بمجرّد ظهورها, متجرّداً من التحليق الجامح عند فلاسفة العلوم الآخرين مثل هايكل أو هربرت سبنسر, ملتزماً بالعقلانية والاتزان لأبعد مدى. سرّ هذه القدرة يكمن في الديالكتيك المادي الذي استخدمه في تحليله لنتائج العلوم. الإهتمام بالعمليّات لا الأشياء, ملكة تعلّمها إنجلس من هيجل, الذي لطالما نظر لموقع العلم في أيّة لحظة نسبةً لمقدماته التاريخيه. هذا ما يظهر بجلاء في مقاله عن فيورباخ, حيث يتتبع تاريخ الفلسفة الماديّة في علاقتها بتطوّر العلوم وطرائق الإنتاج. يقول:
"خلال هذه الفترة الطويلة من ديكارت حتّى هيجل, ومن هوبز حتّى فيورباخ, فإنّه على عكس ما كان يُعْتَقَد, ليس العقل الخالص وحده ما كان دافعهم للنشاط, وإنّما التطوّر المندفع والسريع والجبّار للعلوم الطبيعية والصناعة. كان هذا جليّاً بالنسبة للماديين, أمّا الفلسفات المثالية, فقد تمّ حشوها بالمزيد والمزيد من المحتوى الماديّ عِبر الزمن, وبذلت نفسها في سبيل توحيد التناقض بين العقل والمادة. لذا, وبالمطلق, فإنّ النسق الهيجلي يمثّل ماديّة مقلوبة مثالياً من حيث الطريقة والمحتوى...
ماديّة القرن الأخير كانت بغالبها آليّة, لأنّه في ذلك الوقت, ومن بين كل العلوم الطبيعية, علم الميكانيك وبالتحديد علم ميكانيك الأجسام –السماوية والأرضية- باختصار ميكانيك الجاذبية, وحده من كان مكتملاً بحق. الكيمياء لم تكن قد خرجت بعد من شكلها الطفوليّ المشاكس. البيولوجيا كانت ماتزال في قماطها؛ الكائنات النباتيّة والحيوانيّة دُرست باعتباطية, وتم تفسيرها كنتيجةٍ لأسبابٍ آليّةٍ خالصةٍ. كما نظر ديكارت إلى الحيوان, كذلك نظر ماديّو القرن الثامن عشر إلى الإنسان كآلة. هذا التطبيق الحصري لمعايير الميكانيك على عمليّات الطبيعة الكيميائية والعضوية –رغم أنّ قوانين الميكانيك كانت مناسبة لتلك العمليات, إلّا أنها تراجعت بدفعٍ من قوانينٍ أعلى- رسم حدود الماديّة الفرنسية, حدوداً صلبةً ولكنّها حتمية في ذلك الوقت.
الحد الثاني لتلك الماديّة, كان عجزها عن استيعاب الكون كعمليّة -أي استيعاب المادة في عملية تطوّرها التاريخية- هذا يعود إلى مستوى تطوّر العلوم الطبيعية في حينه, وإلى الطبيعة الميتافيزيقية واللاجدلية للتفلسف الذي رافقه. عُرفت الطبيعة في حركتها الثابتة. وبحسب أفكار ذلك الزمن, فإنّ تلك الحركة تدور في دوائر أبدية, وبالتالي لا تغادر موقعها, بل وتعيد إنتاج نفس النتائج في كل مرة."
(Feuerbach, pp.36 and 37)
تميّز إنجلس بشكلٍ خاصٍّ كمؤرخٍ للعلوم. كان أوّل من فهم مع ماركس العلاقة الوثيقة بين تطوّر النظرية العلميّة وطرائق الإنتاج. كما من الممكن العثور على كثيرٍ من التفسيرات الحديثة لتاريخ العلوم في ثنايا كتاب ديالكتيك الطبيعة (2). لاحظ إنجلس, أنّ نظرية الحرارة لم تتطوّر من التفكير الخالص, بل من دراسة محرّكات البخار المشغلّة في الصناعة, خارجاً بالاستنتاج التالي: "العلم يدين للإنتاج أكثر بما لا حدّ له-وعلى عكس ما يقرّ الجميع- مما يدين الإنتاج للعلم." (3) لقد أظهر بالتحديد كيف انهارت اتجاهات ماديي القرن الثامن عشر الميتافيزيقية والسكونيّة, على يد وجهات نظر تعكس, وإن دون وعي, العمليّة الجدلية: "بدأ العلم الثوريّ حين واجه الطبيعة المحافظة, التي ترى كل شيء اليوم, ومنذ الازل, وإلى الأبد, كما كان في البداية."(4) بحسب إنجلس فإنّ الإنجازات التي أحدثت صدعاً في تلك النظرة السكونيّة والميتافيزيقيّة, هي: أولاً: نظرية كانط ولابلاس عن السديم, ثانياً: تطوّر الجيولوجيا وعلم المتحجرات, ثالثاً: الكيمياء, التي تستطيع توليف المواد المنظمة, والتي تبقى قوانينها سليمة على كل عمليّات الحياة, رابعاً: اكتشاف مبدأ حفظ الطاقة, خامساً: نظرية التطوّر الداروينية, سادساً: تركيب أو توليفة كل العمليات التي تؤثر على الحياة, وعلم البيئة الحيوانية وتصنيفها. يصف إنجلس أهمية تلك الكشوف:
"الفلاسفة وليس العلماء, كان أوّل من أحدث خرقاً في هذه النظرة المتحجرة. في عام 1755 ظهر مؤلّف كانط "تاريخ الطبيعة العام ونظرية السماء." حيث نحيّت قضية الدفعة الأولى جانباً. الأرض والنظام الشمسي كلّه بدا كأنْ تكوّن في سياقٍ تاريخيٍّ. في حال –وقبل ظهور تلك الفكرة- لم تستشعر الغالبية الساحقة من العلماء الخوف الذي عبّر عنه نيوتن في تحذيره :"أيتها الفيزياء, إحذري الميتافيزياء!"(5) لكانوا خرجوا من الاكتشاف العبقري لكانط بمثل تلك النتائج التي كانت ستقيهم أخطاءاً غير محدودةٍ تدفعهم للدوران حول أنفسهم, ولوفّرت عليهم كميّةً هائلةً من الوقت والجهد المبذولين في الاتجاه الخاطئ. اكتشاف كانط, يحوي جرثومة كل التقدم اللاحق. إذا كانت الأرض قد ظهرت من خلال الصيرورة, فإنّ كل ظروفها الجيولوجيّة والجويّة والجغرافيّة خضعت للصيرورة أيضاً, وكذلك مملكتيّْ الحيوان والنبات, وبالتالي فللأرض تاريخٌ ليس في المكان فحسب, بل وفي الزمان أيضاً."
. (Quoted by V. L. Komarov in Marxism and Modern Thought, p. 205. See also M.E.A., Vol. 2, p. 244.)
يلخص إنجلس نتيجة تلك الحركات الفكرية:
"علم الغائية القديم ذهب إلى الجحيم, والآن نعرف أنّ المادة بحركتها المتكررة الدائمة المحكومة بالقوانين, ستنتج -بالضرورة وعند لحظة محددة- العقل المفكر في الوجود العضوي."
(M.E.A., Vol. 2, p. 175)
لطالما نظر إنجلس للطبيعة ككل وكعملية. حيث تخلّص من داء التخصص الذي حتى في هذه الأيام, يمنع الفيزيائي من فهم البيولوجيا, والعكس بالعكس, كما رسم الإطار العام للعمليّات في الطبيعة, إطاراً مازال يعتبر أساساً لتقدير نتائج البحث العلمي.
لم تسنح له الفرصة أبداً, لعرض نظرته عن هذه العملية الكليّة في عملٍ واحدٍ. الخطوط العامة الرئيسية لأافكاره موجودة في "ضد دوهرنغ", وبشكل أفضل في النسخة المختصرة من "الإشتراكية الطوباوية والإشتراكية العلمية." ولكن التقدير الكامل لإنجلس في هذه البلاد يجب أنْ ينتظر حتى يتم طباعة النسخة الإنجليزية من "جدل الطبيعة". إنّ الحرب الشعواء التي خاضها إنجلس ضد أنماط التفكير الميتافيزيقي في العلوم, بتصنيفاتها الثابتة, وفصلها الحادّ بين السبب والنتيجة, والبنية والسلوك, والهويّة والإختلاف, والكلّ والجزء, (6) لا تنفي حقيقة أنّ تلك الأنماط تحمل من الصواب أكثر من الخطأ ضمن شروطٍ محددةٍ: أي في المجالات الصغيرة والمحددة. نجاح المنهج العلمي يظهر بوضوح في مثل هذه المجالات :"تفقد الطريقة الميتافيزقية قيمتها العلمية (إلّا) في الاستخدام اليومي, وفي التعامل الجزئي مع العلوم." (7) على العكس من ذلك, تظهر قيمة الديالكتيك العلمية في شموله. الحركات التي اكتشفها هيجل بدايةً في العالم المثالي, هي بالنسبة لماركس وإنجلس, وببساطة: "ليست إلّا انعكاسات للعالم الموضوعي." كثيرٌ من دراسات إنجلس, كُرّست لتجسيد الطريقة الهيجلية في عالم العلوم, خاصة تلك المتعلقة بتحوّل الكم إلى كيف, وتداخل المتناقضات, ونفي النفي. في "ضد دوهرنغ" أنجز إنجلس ذلك بطريق مختصرة, إلّا أن "جدل الطبيعة" اغتنى بأمثلة أكثر بكثير.
(4)
تحوّل الكم إلى الكيف
مازال الفلاسفة يثيرون شتّى الاعتراضات التافهة على مقولة "تحوّل الكم إلى كيف", تنطلق اعتراضاتهم من القول بأنّ الكميّة لا تتحوّل إلى كيفيّة جديدة, لأنّ الكميّة تبقى هي هي في النهاية. الحقيقة أنّ تلك المقولة تمثّل تكثيفاً لفكرة هيجل عن تحوّل الكم الخالص إلى تغيّرات نوعية. وعلى هذا الشكل فهمها ماركس كما أعرب بوضوح في رسالته إلى إنجلس (الرسالة رقم 97). الأمثلة التي عرضها إنجلس -تحوّل الثلج إلى ماءٍ سائلٍ, والماء إلى بخارٍ, وتحوّل الخصائص الفيزيائية للمادة الكيميائية, تبعاً لتغيّر عدد الذرّات المتوالفة فيها- تُظهر بوضوحٍ كافٍ معنى ذلك المفهوم. ببصيرة بارزة يقول إنجلس:
"ما يسمّى ثوابت الفيزياء, ليست إلّا تسميّات للنقاط العقدية, التي يؤدي عندها أي زيادة أو نقصان في كم الحركة؛ إلى تغيّرٍ نوعيٍّ في حالة الجسم موضع البحث."
(M.E.A., Vol. 2, p. 288.)
فقط مؤخراً, بدأنا بتقدير الأهميّة الضروريّة لتلك الملاحظات وأهمية النقاط العقدية. فنظرية الكوانتا بكاملها, تعتمد –مثلها مثل نظرية الاهتزازات الصوتية التي تربطهما معاً علاقة أساسية- على توزيع النقاط العقدية التي تحدد حالتين مختلفتين كميّاً ونوعيّاً من الإهتزازات.
لطالما شكّلت قضيّة النوع أعظم الصعوبات أمام الفلاسفة, ولطالما قدمت, ومازالت تقدم, أسباباً لاستدعاء قوى خارجية (خارج عن الطبيعة). بغض النظر عن موقعك الذي تستند إليه في المنطق المادي, من الضروري أن تدرك النوع الجديد في النظام, لا كنوعٍ أضيف للنظام, بل كنوعٍ نتج ببساطة من تغيّرٍ مستمرٍّ في مكوّنات النظام الموجودة أصلاً. لإيضاح هذا المعنى بالكامل, يقتبس إنجلس من نابليون:
"في الخلاصة, لا بدّ من استدعاء شاهدٍ أخيرٍ على تحوّل الكم إلى كيف, هذا الشاهد بالتحديد هو نابليون. ففي وصفه للمعركة بين الفرسان الفرنسيين, الذين افتقروا للمهارة وامتازوا بالانضباط, والمماليك, الذين كانوا أفضل الخيّالة في المبارزات الفردية بدون منازع, وافتقروا للانضباط: "اثنين من المماليك سيهزما دون شك ثلاثة فرنسيين, ثلاثمئة فرنسي يستطيعوا على الأغلب هزيمة نفس العدد من المماليك, أمّا ألفٌ من الفرنسيين, سيهزم ألفاً من المماليك بكل تأكيد."
إنجلس اكتشف العديد من الأمثلة على هذا التحوّل. جدول مندلييف الدوري أحد تلك الأمثلة, والذي أثبتت الأيّام غناه بمزيدٍ من الأمثلة عن تحوّل الكم إلى كيف:
"في النهاية, فإنّ قانون هيجل صحيحٌ ليس بالنسبة للأجسام المركبة فقط, بل للعناصر الكيميائية نفسها أيضاً. نعرف الآن أنّ الخصائص الكيميائية للعناصر تقترن دوريّاً بوزنها الذريّ, وبالتالي يتحدد نوعها بكميّة وزنها الذريّ (أو بلغة اليوم بعددها الذريّ), وإثبات ذلك حدث بأكثر الطرق ابهاراً... بمساعدة من تطبيق القانون (غير المعروف) لهيجل بخصوص تحوّل الكم إلى نوع. اكتشاف مندلييف الفذّ, يقف بثباتٍ إلى جانب حسابات ليفيريير لمدار كوكب نبتون الذي لم يكن معروفاً حينه... لربما سيقوم الآن أولئك السادة الذين تعاملوا مع مبدأ تحوّل الكم إلى كيف, على أنّه مبدأ صوفيّ ومثاليّ غير مفهوم, بتبيان تفاهة وابتذال ذلك القانون, وكيف أنّه يثبت ذاته بذاته, وأنّه كان مألوفاً عندهم منذ زمن, وأننا ليس لدينا ما نعلّمه لهم. إلّا إنّ تقديم قانونٍ عامٍّ للطبيعة وللفكر على السواء وللمرة الأولى, بشكله الصحيح الأكثر عمومية, سيبقى دائماً منجزاً تاريخياً من الطراز الأوّل, وإذا كان أولئك السادة, درسوا الانتقال المتبادل بين الكم والكيف دون أنْ يدركوا حقيقة ما يفعلوه, فليضعوا أنفسهم إذن في مصاف مونسير جورداين (شخصية أبدعها موليير) الذي أمضى حياته يتكلّم النثر بغير قصد."
(Engels’ Dialectic and Nature, p. 289.)
فهمه بهذه الطريقة, يجعل من مبدأ تحوّل الكم إلى كيف, ذو قيمة عظيمة للفكر العلمي. نحن نتعلّم باستمرار أنّ الصفات النوعية للأجسام تعتمد على عدد مكوّنات محددة من مكوّناتها الداخلية. إذا ارتبطت ذرّةٌ بأخرى فقط, فإنّ الناتج غاز. إذا ارتبطت بذرتين أو ثلاث, سيكون الناتج صلب ذو طبيعة ليفيّة. وإذا ارتبطت بأربعة ذرّات, سينتج بلّورة قاسية صلبة مثل الألماس. أمّا إذا ارتبطت بأكثر من أربعة ذرات, سينتج معدن. ونفس المنطق يصلح بالنسبة لعملية التجميد, أو الغليان, أو التزجيج, إلخ. بناءاً على ما يسمّى اليوم بالظاهرة التعاونية. للحصول على مادة مائزة كسائل أو صلب, يجب توفّر مليون أو أكثر من الجزيئات: عدد أقل من الجزيئات سيعطي حالة مختلفةً نوعياً من المادة الغروانية.
(5)
تداخل المتناقضات
لم يحظَ مبدأ تداخل المتناقضات بمعالجة إنجلس الجوهرية التي حظي بها غيره. إلّا أنّ ظهوره يتكرر تقريباً في مجمل كتاباته العلمية. ظهر في شكلين, الأول, الفكرة الهيجلية عن أنّ لا شيء يعرّف بمعزل عن نقيضه, بكلماتٍ أخرى, كل شيء يدل على نقيضه (هنا اقترب إنجلس كثيراً من الأفكار الحديثة عن النسبية), أو بشكل أكثر موضوعية, لا يوجد خطوط فاصلة حادة وصلبة في الطبيعة.
"الخطوط الفاصلة الحادة والصلبة" تتعارض مع نظرية التطوّر. حتى أنّ الحد الفاصل بين الفقاريات واللافقاريات لم يعد بذلك الثبات. في كل يوم يزداد ميل الحدود الفاصلة بين الأسماك والبرمائيات, أو بين الطيور والزواحف نحو التلاشي. ليس بين الكومبسوقناثوس (ديناصور صغير) والأكيوبتركس (طائر مسنن يشترك بنفس الأصل مع الكومبسوقناثوس) إلّا بعض الأفراد الوسيطين, في حين تم العثور على مناقير الطيور المسننة في كلٍّ من نصفيّ الكرة الأرضية."
(Quoted by V. L. Komarov in Marxism and Modern Thought, p. 199. See also M.E.A., Vol. 2, p. 189).
جسّد إنجلس هذا المبدأ فيزيائياً من خلال مثال المغناطيس, في أنّ كلّ قطبٍ شماليٍّ يفترض قطباً جنوبياً, والعكس صحيح, وبصيغة أكثر عمومية, في التوازن بين التجاذب والتنافر. معالجة إنجلس تفاجئنا بجدّتها. فهو يفهم القوى ليس ككيانات غامضة, بل في إدراكها فقط من خلال الحركات الناتجة عنها. هذا الفهم أحد خصائص النزعة الحديثة في تحويل الميكانيك إلى كيناماتيكا (علم الحركة المجرّدة). بالنسبة لتحليل إنجلس, فإنّ التجاذب ببساطة انعكاس لاقتراب الأجسام من بعضها, والتنافر هو ابتعادها. لذا فالحرارة في النظرية الحركية (نظرية الكيناماتيكا) للغازات تعمل كقوّة تنافر مثلاً.
(6)
نفي النفي
إنّه نفس مبدأ نفي النفي الذي عرضه إنجلس من خلال الأمثلة المشهورة, كمثال البذرة التي تنفي ذاتها في نبتة التي تنفي ذاتها في بذورٍ كثيرةٍ, أو أمثلة الرياضيات عن ناتج ضرب القيم السالبة, او الرياضيات التفاضلية. هذه نماذجٌ من عباراتٍ جعلت من الديالكتيك الماديّ منهجاً غير مقبولٍ إلى حد ما, بل وغير مفهومٍ بالنسبة للعلماء الذي ترعرعوا في الاتجاهات الرسمية. دائماً ما اعتبر العلماء الرسميّون أنّ النفي لا ينطبق إلّا على العبارات الإنسانية, وأنّه مجرّد تشوّه في اللغة. إذا كان لا بدّ من كلمة -لوصف عملية إنتاج الشيء- في سياقه التطوريّ الداخليّ- لشيءٍ مختلفٍ تماماً عنه بل ومناقضٍ له, وأنّه مع الوقت سيحل الثاني محل الأوّل تماماً- فإنّ تلك الكلمة لن تكون إلّا "النفي". النفي هنا, ليس عملية متماثلة؛ نفي النفي لا يعيد إنتاج الأصل, بل ينتج شيئاً جديداً مختلفاً عن الاثنين. طالما يدور الكلام في عوالم اللغة المجرّدة, فإنّ هذه العبارة لن توضّح الكثير. فقط من خلال الأمثلة الملموسة يمكن استيعاب أهميّة نفي النفي فعليّاً. والحق أنّه لو تمّت معاملة أعمال هيجل وإنجلس على أسسٍ موضوعيةٍ, عوضاً عن محاولات الهجوم عليها بشتّى الوسائل الممكنة, لكان مبدأ "نفي النفي" واضحٌ بجلاء. ولكن هذا الوضوح من شأنه أن يعني أيضاً, إدراك ضرورة الثورة, وذلك ما ليس من السهل تقبله على الإطلاق.
كما بالنسبة لمبدأ "تحوّل الكم إلى كيف", كذلك يمكن أن تجد العديد من التطبيقات في العلم الحديث عن مبدأ "نفي النفي". بالنسبة لجميع العمليّات الفيزيائية في الطبيعة, تنحو العملية نفسها إلى انتاج نقيضها الذي يضع حداً لها, والذي بدوره ينتج عنه اختفاء العملية التناقضية وإعادة إنتاج الأصل. خذ مثلاً حالة تشكّل السلاسل الجبليّة بسبب الجهد-الضغط الذي ينتج عنه تشوّه القشرة الأرضية. ينتج عن ذلك زيادة في عمليّات التجوية التي تدمر السلسلة الجبلية وتراكم الرسوبيّات, ما يؤدي إلى مزيدٍ من الجهد-التوتر في القشرة الأرضية وتشوّهها, ما يؤدي إلى جبالٍ جديدة, إلخ. الفيزياء الحديثة, مليئة بالتناقضات الديالكتيكية من مثل هذا النوع, الموجات والجزيئات, المادة والطاقة, وحتّى بالنسبة لعلم النفس الفرويدي, فإنّ تحليل ميكانزمات الغريزة وكبتها كان ديالكتيكياً في شكله. كل العلم الحديث يقدم –بدون وعي- المزيد والمزيد من الأمثلة عن ظواهر لا يمكن استيعابها حقاً إلا من خلال الديالكتيك الماديّ.
(7)
جدل الطبيعة ككل
لم تقتصر جهود إنجلس على تقديم التوضيحات العلمية على سلامة موقفه الفلسفي. فمهمته الأساسية كانت بنّاءة, حيث قدّم في عدة مواقع, وفي كلٍّ من "ضد دوهرنغ", و"مقال حول فيورباخ", نظرته العامة عن العمليّة الجدليّة في الطبيعة مأخوذة بكلّها.
(See particularly Letter 232 and Chapters 5 to 8 of Anti-Dühring.)
"جدل الطبيعة" هدف إلى تقديم هذه النظرة الكاملة, إلّا أنّه لم يكتمل أبداً, كما احتوى على عددٍ من التخطيطات المحشوّة بين دفّتيه جسّدت تلك النظرات. (8) في الجزء المهمل من فيورباخ (p. 76 of the English edition) يلخص إنجلس النقاط الرئيسية التي تعبّر عن مساهمة العلم في حينه في وضع الأسس لنظرة ماديّة شاملة وواضحة عن تطوّر الكوْن. حيث أكّد على ثلاثة كشوف حاسمة بأهميتها:
"الاوّل, إثبات تحوّل الطاقة, المستخلص من اكتشاف المعادل الميكانيكي للحرارة (على يد روبرت ماير, جول وكولدينغ). جميع الأسباب العملية في الطبيعة, والتي قادت حينه إلى الاعتقاد بوجودٍ غامضٍ يتعذّر تفسيره لما يسمّى "القوى", القوّة الميكانيكية, الحرارة, الإشعاع (الضوء والإشعاع الحراري), الكهرباء, المغناطيس, قوى الترابط والتفكك الكيميائي, أثبتت الآن أنّ تلك القوى ليست إلّا أشكالاً خاصةً, أو أنماط وجود لنفس الطاقة: وهي الحركة... وحدة جميع قوى الطبيعة لم تعد بعد من التأكيدات الفلسفية, بل حقيقة من حقائق العلوم الطبيعية.
الاكتشاف الثاني بالأهميّة, والأوّل زمنياً, هو اكتشاف شوان وشلايدن للخليّة العضوية كوحدة أساسية تطوّر منها جميع الكائنات الحيّة بتنوعها وكثرتها, باستثناء بعض الكائنات الأدنى من حيث التطوّر والظهور. مع هذا الاكتشاف, ترسّخت الأسس الصلبة للمرة الأولى لدراسة منتجات الطبيعة العضوية والحيّة, وعلم التشريح ووظائف الأعضاء المقارن, وعلم الأجنّة. أزيل الغموض الذي أحاط بأصل ونموّ وبنية الكائنات الحيّة. هذه المعجزة غير المفهومة, كشفت نفسها عبر عمليّة -تنشط على أساسٍ من قانونٍ- على نفس المستوى من الضرورة بالنسبة لجميع الكائنات عديدة الخلية.
ولكن, ما زال هناك فجوة مهمة, فإذا كانت جميع الكائنات الحية, من نباتات وحيوانات وإنسان, نشأت من خلية مفردة, على أساس قانون الانقسام الخلوي, من أين إذن ظهر كل هذا التنوّع الحيوي؟
الاكتشاف العظيم الثالث, نظرية التطوّر, أجاب على ذلك السؤال, ظهرت نظرية التطوّر لأوّل مرة في شكلها المتسق والمثبت على يد داروين...
مع هذه الاكتشافات العلمية الثلاث, تمّ تفسير وتبرير العمليّات الأساسيّة في الطبيعة عِبر أسبابها الطبيعية. بقي علينا هنا مهمة واحدة فقط: تفسير نشوء الحياة من الطبيعة غير الحيّة. وبلغة العلم الحالية, ظهور الأجسام الألبومينيّة (تحوي البروتين الزلالي) من مواد غير عضوية. الكيمياء تقترب من تنفيذ هذه المهمة. إلّا أنّ الطريق مازال طويلاً. ولكن حين ندرك أنّه فقط عام 1828 تمّ تحضير أوّل جسمٍ عضويٍّ (يوريا) من مواد غير عضوية, على يد فولير (Wolhler), وأنّ عدداً غير محدودٍ من المركبات العضوية يتم تحضيرها الآن صناعياً, بدون استخدام أيّة مادة عضوية, لن نقبل حينها بالافتراض الذي يدّعي أنّ الكيمياء لم تكن موجودة قبل المادة (الألبومينية). حتى الآن, تستطيع الكيمياء تحضير أيّة مادة عضوية, بشرط معرفة تركيبها الصحيح. بمجرد معرفة التركيب الصحيح للأجسام (الألبومينية), سيتمكن الانسان من إنتاج الألبومين (البروتين الزلالي) الحيّ. ولكن الطلب من الكيمياء النجاح في ليلة واحدة, بما احتاجت الطبيعة ذاتها وتحت أفضل الظروف لملايين السنين لتنجح به على كواكب محدودة فقط, يعني أنْ تطلب من الكيمياء اجتراح المعجزات.
لذلك, يقف المفهوم الماديّ للطبيعة اليوم, على أسس مختلفة جداً وأكثر متانة ممّا كان عليه في القرن الماضي."
هذا الاقتباس يظهر بإفاضة, أنّ إنجلس لم يملك فهماً كاملاً للمراحل التطوّرية الضرورية من المادة غير العضوية إلى الانسان فقط, بل امتلك أيضاً رؤية واضحة جداً لثغرات التفسير. تلك الثغرات هي, أولاً أصل الكوْن الذي نعرفه الآن, بما فيه النظام الشمسي. والأرض, وأصل الحياة عليها, وأصل الإنسان, وأصل الحضارة. عالج إنجلس كلّاً من هذه الأسئلة, وفي كلٍّ من تلك المجالات كان له مساهماتٍ قيّمةٍ.
(8)
أصل الكون
بمجرّد فهم الديالكتيك المادي, تظهر بوضوح سخافة جميع النظريات الخَلْقِيَّة عن الكون. ليس أنّ الديالكتيك الماديّ يقدم نظرية بديلة, بل إنّه يثبت عدم إمكانية معالجة الكون كما يعالج أيٌّ من أجزاءه, أيْ كشيءٍ يعالج من الخارج. ما يحرّك الكون ليس إلّا الكون. الكون بتطوّره يخلق نفسه. بالتحديد, فإنّ الديالكتيك المادي, يفضح طفولة افتراض وجود خالقٍ شخصيٍّ, أكان إلهاً مجسماً بصدق كالذي صنعته القبائل القديمة, أو أكان إلهاً خلقته المثالية الرجعية كما فعلت الرياضيات الخالقة لله في العصر الحديث. يكتب إنجلس: "الله= لا أعرف, إلّا أنّ الجهل ليس حجّة (سبينوزا)."(9) أدرك إنجلس في نفس الوقت, الأسباب السياسية والاجتماعية التي تنتج عنها مثل تلك المعتقدات وتصونها, وتؤكد عجز الإنسان أمام حالة الطبيعة الموجودة, أو النظام الاجتماعي السياسي القائم.
لم يضع إنجلس نظرية جديدة بخصوص أصل الكون, إلّا أنّه ضمنياً حدد أنّ مفتاح اكتشاف أصل الكون يكمن في دراسة طبيعة المادة والحركة. النظرية السديميّة جذبت إنجلس منذ البداية, وبحماسٍ عالٍ أخذ بمشاهدات السديم الحلزوني, التي لا تمثل مجرتنا إلّا مثالاً واحداً فقط من الأمثلة عليه.
(9)
أصل الحياة
كما أظهر الاقتباس الأخير, اعتقد إنجلس –في الوقت الذي كان هذا الاعتقاد أقل معقولية من الآن- بالأصل الكيميائي للحياة, كمرحلة حتميّة من تاريخ تطوّر الأرض. بجانب نظرية الخلق الخاص للحياة, والتي أمست مشكوكاً بها منتصف في القرن التاسع عشر, تقف النظرية البديلة الوحيدة التي تعتقد أنّ الحياة موجودة منذ الأزل. أيّد كلّ من لايبيغ وهيلهولز تلك النظرية, (10) إنجلس كافح ضدّها بقوّة. تسائل لايبيغ, "لم لا تكنْ الحياة المنظّمة قديمة قدم الأزل, قدم المادة نفسها؟ لم لا يكن تخيّل هذا بسهولة تخيّل أزلية الكربون ومركباته؟"
يجيب إنجلس على هذا الادّعاء:
" أ- هل الكربون بسيط؟ إذا لم يكن كذلك, فهو ليس أزليّ. ب- مركبات الكربون أزلية فقط تحت هذه الظروف وتلك من الخليط, ودرجة الحرارة, والضغط, إلخ., حيث يتسنّى إعادة انتاجها. مع ذلك, فإنّ أبسط مركبات الكربون فقط, مثل ثاني أكسيد الكربون, ورابع هيدرات الكربون (الميثان), يمكن أن تكون أزلية من حيث تواجدها في جميع الأزمنة وإلى حد ما جميع الأمكنة, بحضور إمكانية أن تُنتج وتتفكك إلى عناصرها."
(M.E.A. Vol. 2, p. 180.)
يجادل إنجلس, أنّه مع هذه الاستثناءات, فإنّ شروط إنتاج المركبات الكربونية لن توجد إلّا على الأرض في الكائنات الحيّة وفي المختبرات, وبالتالي فإنّ وجودها الأزليّ مشكوكٌ به, هذا يظهر بوضوح أنّ ليس كل ما تم التفكير به بالضرورة موجود. وبقوّة أكبر جادل إنجلس ضد أزلية البروتينات الألبومينية, والتي لا توجد إلّا في حدود ضيّقة من الحرارة والرطوبة الأرضية.
"محيط الأجرام السماوية, وبالتحديد السديم, كان بالأصل أبيضاً حاراً, حيث لا مكان للألبومين, الفضاء كان مستودعاً كبيراً, مستودعاً يفتقر للهواء والتغذية, في درجة حرارة يستحيل عندها وجود أي ألبومين... ما يقوله هيلمنهولز عن عدم نجاح تجربة صنع الحياة؛ طفوليٌّ يفتقر للنضج. الحياة هي نمط وجود مواد الألبومين, زخمها الجوهري يأتي من التفاعل المستمر بين المادة ومحيطها, ومع توقف هذا التفاعل, تتوقف الحياة, ويتكسّر مركّب الألبومين."
(M.E.A., Vol, 2, p. 181.)
لم تتناقص أهميّة استنتاجات إنجلس مع الزمن. مازلنا بعيدين عن تحليل, وأكثر بعداً عن تركيب, مادة الألبومين (التي بالنسبة لإنجلس لا تعني البروتين بمفهومه الحديث كمادة كيميائية متبلورة, بل المركبات الكيميائية التي تشكّل أساس البروتوبلازم, من بروتينات, وسكريّات, وأملاح, إلخ., مع ذلك, ومن خلال مزيجٍ من المعرفة الكيميائية الحديثة, مع الأخذ برأي فيزياء الفضاء والجيولوجيا حول الغلاف الجوي القديم للكوكب, بإمكاننا تكوين صورة معقولة عن أصل الحياة بطرقٍ كيميائيةٍ محض, ولا يمكن لأي فرضية أخرى حول أصل الحياة, أن تصمد أمام أبسط اختبارات العقل لها.
(10)
أصل المجتمع الإنساني
الثغرة التالية التي حددها إنجلس, كانت تطوّر المجتمع الإنساني من المرحلة الحيوانية, إلّا أنّه لم يكنْ كافياً بالنسبة لهذه النقطة, رؤية وتقدير نتائج المشتغلين بالعلم حق قدرها: هنا إنجلس كان عالماً على حسابه الخاص. النظرة العامة المنتشرة في القرن التاسع عشر, كانت ماتزال أسيرة الاعتقاد بالخلق الخاص للإنسان. الماديّون, وفي مقدمتهم داروين, وهكسلي, وهايكل, اقتنعوا بأنّ الإنسان ليس إلّا قرداً أعلى يتميّز بدماغٍ أكبر. هذا الدماغ الذي منح الإنسان شخصيته الفريدة, لم ينتج إلّا من التطوّر, تماماً كما جناحيّ الخفاش, أو خرطوم الفيل. إنجلس وماركس لاحظوا أنّ هذا التفسير الفجّ بالكاد أفضل من التفسير اللاهوتي. سبقا الأنثروبولوجيين بكثير, في ملاحظة وجود اختلافٍ نوعيٍّ يميّز الإنسان عن باقي الحيوانات, وهذا ليس أبداً الروح الخالدة, وإنّما حقيقة أنّ الإنسان لا يوجد خارج المجتمع, بل أنّ الإنسان ناتجٌ عن ذلك المجتمع الذي قام هو نفسه بإنتاجه. البشر, وبدخولهم في علاقات إنتاجية مع بعضهم البعض, يختلفون نوعيّاً عن باقي الحيوانات. هذه المواضيع عالجها إنجلس في مقاله "دور العمل في تحوّل القرد إلى إنسان," كما عالجها في عمله العلميّ الفذّ "أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة."
فلاديمير ليونتييفيتش كوماروف, في مقاله "ماركس وإنجلس عن البيولوجيا" (11) ناقش مطوّلاً هذه النقطة بالتحديد. لا يمكن دراسة المراحل الأولى من تطوّر الإنسان كحيوانٍ يستخدم أدواتٍ, وكحيوانٍ يملك القدرة على التواصل مع أنداده, إلّا منْ وجهة نظر بيولوجيّة. إنّه وفي نفس الوقت الذي تطوّرت فيه الإمكانية التشريحية لقرد الشجرة, لأن يصبح قرد الأرض, أصبح استخدام الأداة ممكناً له, واستخدام الأداة طوّر يد الإنسان في شكلها الحالي, وبدون ذلك لكان طوّر حوافراً أو مخالباً:
"اليد ليست أداة العمل فحسب, بل هي نتاجه... إلّا أنّ اليد لم تكن كافية لوحدها: كانت واحدة من الأعضاء المعقدة المكتملة وغير الاعتيادية, وإنّ العمل الذي ساعد اليد على التطوّر, ساعد أيضاً الجسم كلّه الذي خدمته اليد, وبالتالي فقد كانت خدمة العمل للجسم مضاعفة."
(M.E.A., Vol. 2, p. 201.)
وفي نفس الوقت, تطوّر المهارات اليدوية تفاعل مع تشكّل المجتمع البدائي:
"تطوّر العمل ساهم بالضرورة في شد وثاق أعضاء المجتمع لبعض, حيث أنّه وبسببٍ من ارتفاع وتيرة الدعم المتبادل والعمل المشترك, أصبحت فوائد هذا النشاط المتبادل ظاهرةً لكل عضوٍ على حدا. باختصار, حين تشكّل البشر, وعند نقطة معينة, وصلوا للشعور بالحاجة للتحدث مع بعضهم. هذه الحاجة خلقت اللسان. اللسان غير المتطوّر للقرد كان يتغيّر ببطؤ ولكن بثبات عن طريق التحويرات المتزايدة تدريجياً, كما تعلّم الفم تدريجياً نطق الأصوات المميّزة عن بعضها."
(V. L. Komarov, Marxism and Modern Thought, p. 201).
(11)
أصل العائلة
في "أصل العائلة والملكيّة الخاصة والدولة" نقل إنجلس القضية إلى مستواً جديدٍ تماماً. هنا تظهر القيمة الكاملة لإنجلس كعالم. قبل أن يتعرّف عليها الأنثروبولوجيون الرسميون بوقتٍ طويلٍ, أدرك إنجلس أهميّة جماعة أو عشيرة العائلة الأميّة (نسبة للأم), التي ثبت وجود رحّاليها ومبشريها عند جميع البشر البدائيين. من خلال دراساته التاريخية الموسعة, ربط إنجلس هذه الحقائق مع التاريخ المبكر للإغريق والرومان, وأظهر قبل كل شيء, أيّة وحدةٍ اقتصاديةٍ معتبرةٍ كانتها العائلة الأميّة في مرحلةٍ بدائيةٍ محددةٍ من الإنتاج, وثانياً, كيف تحللت بدايةً إلى العائلة البطريركية, وفي النهاية إلى الأسرة الحديثة الصغيرة, تحت تأثير نمو الملكية, التي نمت بسببٍ من تطوّر وسائل الانتاج. جميع أعمال الأنثربولوجيين والمؤرخين الأخيرة, جاءت فقط لتؤكد أفكار إنجلس الأصيلة. التحوّل من شكل العائلة الأميّة إلى شكلها الحالي, كان المسار التاريخي في الصين أيضاً, ويمكن رؤيته في السياق الواقعي للعمليّات التطورية في جميع المجتمعات البدائية المتصلة بالحضارة الأوروبية, كما أظهر مالينوفسكي بمستواً عالٍ من التفصيل. دراسات إنجلس الأنثروبولوجيّة لم تكن مجرّد تمارين أكاديمية: بل كانت على ارتباطٍ عالٍ بالمهمة التي اشترك بها مع ماركس: تحويل الرأسمالية إلى مجتمعٍ اشتراكيٍّ. بالاعتراف بالسعادة, واللطافة, والاستقامة النسبيّات في حياة الوحشيين مقارنةً بأحفادهم المتحضرين, تصوّر إنجلس مهمة الإشتراكية بالعودة من جديد, عِبر نفي النفي, إلى نبل الوحشيّة, ولكن بدون التضحيّة بالقدرات الماديّة التي قدمها تطوّر الرأسمالية للبشرية. دراساته التاريخية, وخاصة دراسته لكتاب "تاريخ المارك," كلّها ساهمت في هذا التحوّل إلى الاشتراكيّة, إنجلس أدرك صعوبة هذا التحوّل, عن ذلك يقول(Letter 227):
"ربّة التاريخ هي الأكثر وحشيةً بين كل الربّات, تقود جحافل نصرها المؤزّر, فوق أكوامٍ من الجثث, ليس فقط في فترات الحرب, بل أيضاً في فترات التطوّر (السلميّ) للاقتصاد. نحن معشر الرجال والنساء لسوء الحظّ, من البغاء لدرجة أنّ شجاعتنا لا تتفجّر نحو التقدّم الحقيقي, إلّا بعد أن تُستَفَّز بمعاناةٍ غير متكافئة على الأغلب."
(12)
أعمال إنجلس وتطوّر العلوم
ما هي العلاقة بين أعمال إنجلس وتطوّر العلوم الضخم الذي حصل منذ أيّامه؟ ما قد قيل أعلاه, من المفروض أنْ يكون كافياً لإظهار حدوده في أنّه جاء ليثبت قيمة منهج إنجلس فقط, مطالباً بالمزيد من التطبيقات. كجزءٍ من الفترة المتوسطة, فإنّ تلك المهمة (تقديم المزيد من التطبيقات) ساهم بها لينين في "الماديّة والمذهب النقدي التجريبي", كما ساهم بها بليخانوف وبوخارين في ذلك. في هذه الأثناء, أخذ العلماء السوفييت الشباب على عاتقهم استكمال هذه المهمة. (12)
لا شك أنّ إنجلس كان سيرحب ويهتم بالكشوف العلمية التي حصلت من بعده. كان سيلاحظ أنّ البشرية خطت أربع خطواتٍ مهمةٍ في العلوم. النظرية النسبية أطاحت أخيراً بماديّة المدرسة النيوتونيّة الآلية, أسقطتها من ناحية آليّتها (ميكانيكيتها) وليس من ناحية ماديّتها.
إنجلس الذي رحّب بمبدأ تحوّل الطاقة من شكلٍ إلى آخر, سيرحب بنفس المستوى بمبدأ تحوّل المادة إلى طاقة الذي يقدّم الدليل النهائي على سلامة مقولة الحركة كجوهرٍ للمادة. التقدم العظيم الثاني: كلّ النظرية الحديثة عن الذرة والكم, التي ستظهر في عيون إنجلس كدليلٍ على الديالكتيك المادي. تعدد أنواع العناصر الطبيعية, يجد تفسيره الآن ببساطة في عدد الإلكترونات التي تشكل كل عنصر. بشكلٍ أكثر وضوح من الكيمياء العضوية, يتجسّد مبدأ تحوّل الكم إلى كيف في الكيمياء. التقدم العظيم في الكيمياء العضوية -الذي أظهر أنّ ظاهرة الحيوانات والنباتات مقرونة بالخصائص الكيميائية للجزيئات المكوّنة لها- ليس إلّا تجسيداً مباشراً لما كتبه إنجلس عن الأساس الكيميائي للحياة. أخيراً, اكتشاف آليّات الوراثة عبر نظرية الكروموسوم, (التي وضعها بالأصل مندل, والآن أُثبتت من خلال الملاحظة المايكروسكوبيّة) قدّم النموذج الماديّ عن التحوّل الذي من خلاله تتطوّر الكائنات الحيّة وتعيد الإنتاج. هذه الكشوف تترك الثغرة الأساسية في معرفتنا مفتوحة, ولكننا نرى بوضوحٍ, أكثر من إنجلس, كيف على الأغلب سيتم سد تلك الثغرات. مع ذلك, لا تنحصر أهميّة أعمال إنجلس في عصره فحسب, بل هي مهمة لنا الآن. فمن خلال السعي للمحافظة على نفس الشمول والتاريخية المنهجيان اللذان تحّلا بهما إنجلس في تعامله مع العلم, وباستخدام المنهج الذي طوّره, نتمكن من إيجاد حلول للمزيد من القضايا.
بعد أكثر من نصف قرنٍ من الإهمال, طريقة إنجلس وماركس أخيراً دخلت من تلقاء نفسها مجال العلوم. بدايةً, في الإتحاد السوفييتي, وأيضاً في إنجلترا وفرنسا: يتم دراسة كلاسيكيات الديالكتيك الماديّ لما لها من نورٍ تلقيه على القضايا المعاصرة. في فرنسا بالتحديد, ظهر هناك مساهمتين معتبرتين: (في ضوء الماركسية) لثلة من العلماء والمؤرخين, و(البيولوجيا والماركسية) لبرينانت. أزمة العلم الحديث, ظهرت بدايةً كصعوبات فكرية تبرز من تعارض الكشوف الجديدة مع بعضها. حل تلك الأزمة يكون في وضع تلك الكشوف في انسجامٍ مع الحركة العامة لفكر وفعل الإنسان, وهذه مهمة العلماء الماركسيين اليوم وغداً, وهي مهمة لا تنتهي حتّى بإحراز تقدمٍ حقيقيٍّ هنا وهناك. ملّكنا الديالكتيك المادي, فهماً أعظم للعملية ككل, في حين كان ينظر لها من قبل من خلال أجزائها فقط.
لم ينحصر عمل إنجلس العلمي, في هذه المجالات العامة ذات الطابع الفلسفي فقط. في العمل اليومي, فإنّ أولئك الذين أخذوا على عاتقهم مشقة تتبع إشارات إنجلس, وجدوا أنفسهم أكثر قدرةً على فهم الروابط المفصلّة للبحوث الخاصة. وظيفة الماديّة الجدلية, ليس في أنْ تحل محل المنهج العلميّ, بل في تغذيته, بتزويده بإشاراتٍ عن الاتجاهات التي يجب اتباعها أملاً في الحصول على حلول. كما قال أورانوفسكي في "الماركسية والفكر الحديث":
"ديالكتيك الطبيعة منهجٌ لدراسة وفهم الطبيعة. هذا التصوّر عن الطبيعة انوجد عبر تطبيق الديالكتيك الماديّ على المعلومات العلمية كما تظهر في كل مرحلة تاريخية معيّنة. ديالكتيك الطبيعة لا يصطنع الروابط في الطبيعة, ولا يحل المشاكل من خلال إحلال نفسه مكان العلوم الطبيعية. إنّه يساعد في الفهم النقدي وربط الحقائق المستنبطة فعلياً, إنّه يرسم المسارات لمزيدٍ من الدراسات, كما ويعرض متحرراً من كل خوف المشاكل التي لم تدرس بعد." (p.153.)
إنّه دور المنهج العلمي؛ الحكم على تلك الحلول بالصواب أو الخطأ.
بإظهار كيف أنّ العلوم نمت دون أن تعي طبيعة علاقتها بقوى الإنتاج هذه, يظهر في نفس الوقت, كيف أنّ هذا الهدف غير الواعي (نمو العلوم), بمجرد أنْ يتم إدراكه, يمكن توجيهه بوعي. هذا ما يحصل في الإتحاد السوفييتي الآن, الذي بمجرّد أنْ ينخرط كلّه في العمل والنشاط, سنجد أنّ العلم قد وصل لمستواً جديدٍ من تطوّره.
إلّا أنّ تلك المرحلة لن تأتي من تلقاء ذاتها؛ بل تحتاج لتضافر ذكيٍّ من العلماء أنفسهم. الذين باتباعهم نهج إنجلس سيصنعون تذكاراً يخلّد روحه. إنجلس لم يكن عالماً وفيلسوفاً فقط, بل كان أيضاً ثورياًّ. به ومن خلاله اكتسب العلم معناً جديداً وإيجابياً. وكما ورد في الأطروحة الأخيرة عن فيورباخ:
"فسّر الفلاسفة العالم بطرق مختلفة. إلّا أنّ المهم هو تغييره."
------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
{Footnotes}
[1] Quoted by V. L. Komarov in Marxism and Modern Thought, p. 193. See also Marx Engels, Correspondence, Letter 49.
[2] Marx and Engels Archives (German edition) Vol. 2, pp. 173, 194, et seq.
[3] M.E.A., Vol. 2, p. 195.
[4] M.E.A., Vol. 2, p. 175.
[5] اسخدام كلمة ميتافيزيقي في الأدب الماركسي, معرّض لأن يثير الحيرة للوهلة الأولى. الاستخدام المعتمد المشهور للكلمة, جاء في معنى: وضع افتراضات لا يمكن التحقق منها بالتجربة الملموسة, افتراضات غامضة وصوفيّة. بهذا المعنى استخدمت الكلمة هنا, وبهذا المعنى أيضاً وجّهت الدعاوي الخاطئة ضد الماركسية بأنها ميتافيزيقية. استخدام الماركسية للكلمة أكثر تحديداً. كما يتضح من الاقتباسات الواردة في هذا الكرّاس, فإنّ الكلمة تستخدم فقط لصنف من الافتراضات والتصنيفات المجرّدة, والثابتة, وأزلية, وحاملة لتناقضات مطلقة, مثل تقسيمات المنطق الأرسطي, أو الفيزياء ما قبل النسبية. على نقيض ذلك, تاتي التقسيمات الجدلية السائلة.
[6] M.E.A., Vol. 2, pp. 150 et seq.
[7] M.E.A., Vol. 2, p. 189.
[8] M.E.A., Vol, 2, pp. 134, 153, 216.
[9] M.E.A., Vol. 2, p. 169. “God = I don’t know, but ignorance is no argument.”
[10] M.E.A., Vol. 2, pp. 176 et seq.
[11] Marxism and Modern Thought.
[12] See for instance Science at the Cross-roads (Kniga 1931) and Science and Education in Soviet Russia, by A. Pinkevitch (Gollancz) and Marxism and Modern Thought,
already quoted.
#علي_عامر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟