|
رسالة الى المواطن مقتدى الصدر
حسنين السراج
الحوار المتمدن-العدد: 5615 - 2017 / 8 / 20 - 20:03
المحور:
المجتمع المدني
البطاقة الوطنية التعريفية التي تصدرها الدولة تجعلني انا والسيد مقتدى الصدر في نفس المنزلة (نظريا على الورق بأقل تقدير) فمهما كانت مكانة السيد مقتدى الصدر لن يكتب قبل اسمه (سماحة السيد) او (السيد القائد) وهذا هو جمال المواطنة.
على الاغلب .. استطيع ايصال رسالتي للسيد مقتدى الصدر باليد عن طريق اصدقائنا في التيار الصدري لكني لا احبذ هذه الفكرة والافضل منها (بما انه شخصية عامة) ان انشر رؤيتي للناس واترك عواصف القدر تطير بأوراقي الى حيث تشاء وقد تصل اليه وقد لا تصل .. من يدري ؟؟
سماحة السيد مقتدى الصدر ..
انا انسان عادي يعيش حياته اليومية بشكل روتيني .. انا وانت من نفس الجيل .. كان من الممكن ان نجتمع في رحلة واحدة في المدرسة لو شاءت الصدف ان نولد في نفس المدينة ولا ادري هل كنا سنصبح اصدقاء حينها ام لا ؟؟
لست صحفي ولست ناشط ولا اميل لاي جهة سياسية سواء كانت اسلامية او علمانية .. لست متأثر بك ولست من اتباعك بل لا اؤيد الكثير من مواقفك بعد 2003 .. لكني اعتقد انك شخص مهم يمارس دور تاريخي .. واعتقد ان التجربة اكسبتك الكثير من الخبرة فلا يوجد قياس بين مقتدى الصدر قبل اكثر من عشر اعوام وبين مقتدى الصدر الان .
سماحة السيد .. ما تحتاجونه فعلا هو الاستماع للاراء الغير متأثرة بكم لا سلبا ولا ايجابا .. (فهالات القداسة) التي يراها اتباعكم تحجب رؤية ما هو سلبي وفي الجانب الاخر (الكراهية) التي يكنها لكم خصومكم تحجب رؤية ما هو ايجابي .
الرأي الاقرب للحياد تجده عند من يراك (انسان طبيعي) ولا تجده عند من يغالي (في حبك او بغضك)
هناك الكثير من العوامل التي جعلت الناس (خصوصا الطبقة الفقيرة) تلتف حول السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر لكن اهمها بتقديري هو انه اشعرهم بوجودهم .. روى عطشهم للشعور بالذات .. كان لسان حاله يقول (انتم موجودين .. انا اراكم .. انتم لكم قيمة ) .. فحصل التكامل والانسجام بين الطبقة المسحوقة والمهمشة وبين (الاب الروحي) الذي اطلق عنان الكينونة بداخلهم .
مصدر زعامتك في البداية هو السيد الوالد وما زرعه في كيان هذه الطبقة من حب .. لكن بمرور الزمن اصبح بينك وبين الجماهير عشرة وتجارب مشتركة فأصبح لك زعامة مستقلة .. بمعنى لم يعد السبب الاول للاتفاف حولك (النسب والعائلة) هو الوحيد الذي يجعلهم يلتفون حولك الان .. فأنت الان لك كاريزما خاصة بك وبينك وبين جماهيرك اكثر من عشر سنوات من الزاد والملح .
لا يوجد اسهل من الانتقاد والاشارة للسلبيات والحديث عن بدائل .. لكن الصعوبة تكمن في الحراك على ارض الواقع .
اهم مايميز جماهير التيار الصدري هو (الحيوية) و (الطاقة)
واكثر ما يعيب من ينتقدوهم (سواء نقد بناء او هدام) هو القدرة على تشخيص السلبيات دون القدرة على الحراك لايجاد تيار اخر يطبق تصوراتهم للواقع .. فكر بلا حيوية بلا طاقة .. اي انه هدم صامت لا قيمة له .. مع ان نسبة لا يستهان بها من هذا النقد (واقعي) لكنه بلا قيمة . فقد ولد ميتا . المشكلة في العراق ليست سياسية فقط لذلك الاصلاح السياسي وحده لم ولن يجدي نفعا .. المشكلة السياسية تعد من اعراض المشكلة الاصلية ..
المشكلة في انسانية الانسان .. ازدواجية الانسان .. هذا الذي يمارس الفساد وهو لا يعلم (او يعلم) من الممكن ان يكون اعلى المتظاهرين صوتا (ضد الفساد) لان فساده الشخصي عادة اجتماعية يمارسها الاغلبية لذلك ليس معيب .. اغلب الموظفين (في افضل الاحوال) يسهلون معاملات اقاربهم ومعارفهم قبل غيرهم وهذا ادنى درجات الفساد الشعبي المقبول من الجميع فحتى من تضرر من هذا الفساد (هذه المرة) قد يستفيد منه في المرة القادمة حين يصدف ان الموظف اقاربه .
يستطيع الزعيم الجماهيري ان يخرج ملايين البشر للتظاهر لكن ليس هذا هو التأثير الحقيقي .. التأثير الحقيقي ليس في تحريكهم بل في تغييرهم وتحرير عقولهم من التعصب الاعمى خصوصا اذا كان هذا التعصب لشخصه ..
اعترف ان هناك تطور ملحوظ في نشاطات التيار الصدري الشعبية والشبابية والاجتماعية لكن لا زال هناك تعصب اعمى لشخصكم من قبل نسبة لا يستهان بها من الناس .
اذا كنت انا اعلم هل يعقل انك لا تعلم ان هناك حالات تعرض فيها اشخاص للأذى بسبب انتقادهم لك؟؟ ( في سنوات الاحتلال الاولى على الاقل)
لنطوي صفحات الماضي بخيره وشره ونتحدث عن الحاضر فهو اهم لكن يجدر بنا ان ننظر للماضي بعين النقد الذاتي .. ان كاتب السطور ليس سياسي وليس رجل دين وليس شخصية عامة لينظر لكلامه بعين (الرد عليه ودحضه) بل هو انسان طبيعي عادي يعيش في قلب الحدث لذلك يفترض ان ينظر لكلامه بعين (التأمل)
لستم اول زعامة يحبها الناس لدرجة الجنون فهذه الحالة تكررت في التاريخ في اكثر من حقيبة واكثر من مكان في العالم ومنهم قادة عسكريين ومنهم رجال دين ومنهم زعماء سياسيين .. نسبة كبيرة من هؤلاء استغلوا هذا (الانغماس في حبهم) لتحقيق غاياتهم السياسية لانهم قادة زائفين .. اما القادة الحقيقيين فيحررون اتباعهم من الخطوط الوهمية من القداسة التي تدفعهم للتعصب الاعمى . وهذا هو الدور الجوهري للقائد الحقيقي الغير زائف .. فتغيير اتباعه (من الداخل) اكثر صعوبة من تحريكهم .. تفعيل العقل النقدي مهمة صعبة لكنها جوهرية ..
تحريك الجماهير من لوازم الزعامة لكن تغييرهم وتحرير عقولهم من واجبات الزعامة الاساسية .
اتباعكم ملح العراق .. الكادحين هم العصب الرئيسي في اي بلد .. هؤلاء ارواحهم عطشى لثقافة قبول الاخر (المناقض) ليس وهو صامت بل وهو ينتقد .. وهو يتحدث .. ليس فقط اتباعكم بل جميع العراقيين عطشانين لتقبل الاخر المناقض من حيث لا يشعرون وان كانوا ظاهريا يرفضون الاخر .. لانهم لم يجربوا ذلك الطعم الرائع الذي ينتاب الانسان وهو يتقبل من يناقضه .. اذا تمكنتم من غرس تلك الذائقة الجميلة ستنعكس على جميع العراقيين لان اتباعكم هم الاكثر حيوية ونشاط في الوطن .
من الجميل ان نرى التيار الصدري يجتمع مع التيار المدني في ساحات التظاهر تحت وحدة هدف لكن الاجمل هو ان نتقبل الاخر الذي لا يجمعنا به وحدة هدف في لحظات تناقضه معنا .. ليس على الصعيد الجماعي فقط بل على الصعيد الشخصي لكل فرد من الجماعة .. سايكولوجية الافراد تختلف عن سايكولوجية الجماعات .. فانا منفردا لست انا حين اكون مجتمعا مع مجموعة كبيرة من البشر لتحقيق هدف واحد (مهما كان هذا الهدف حتى لو كان ترفيهي) ولا نريد ان نطيل في الحديث عن سايكولوجية الجماهير والافراد فهذا الموضوع عام جدا بسلبياته وايجابيته وقد يبعدنا عن صلب الموضوع .
لا انكر انكم بذلتم جهد في هذا المجال (قبول الاخر) ولا انكر ان هناك نتائج نسبية طيبة .. لكنها لم تتحول الى ثقافة عامة ..
حين يتحول الخط الاحمر الذي يصطبغ بصبغة النار الى لو اخضر يصطبغ بصبغة الحدائق الغناء .. سيتحول العراق الى جنة للرأي والرأي الاخر .
اؤمن ان لديكم القدرة على اشاعة ثقافة قبول الاخر لو وضعتموها كهدف رئيسي .. وهي لا تأتي بأوامر مباشرة ولا تأتي ببيان ولا تأتي بالطاعة .. قد يكون لكل ما سبق اثر لكنه نسبي .. ما يشيع هذه الثقافة حقا هو الممارسة المستمرة على ارض الواقع وبصور مختلفة .. هي ليست ثقافة تلقينية بالدرجة الاساس .. هي ليست ثقافة معرفية توضح بكلمات بل هي ثقافة عملية تسقى بماء الممارسة المستمرة .
ارجح انكم لا تعتمدون على دائرة معرفية واحدة (اسلامية) وتطلعون على مصادر معرفية من شتى التوجهات وهذا شيء ايجابي جدا .. النظر للعالم بجميع الاعين يجعل الافق تمتد الى ما لا نهاية .. اما النظر للعالم من منظور واحد (مهما كان هذا المنظور اسلامي او مذهبي او علماني ) يجعل العالم بالاسود والابيض دائما .. لا لون له ولا طعم ولا رائحة . للحقيقة اوجه متعددة ولا يوجد من يملك الحقيقة المطلقة .. فكلنا ندعي ذلك . كل البشر يملكون وجه من وجوه الحقيقة . فقط حقيقة واحدة يجب ان يوقف من يدعي امتلاكها عند حده وهي الحقيقة التي تدعو لالغاء الاخر .
اقترح عليك ان تخفف على نفسك ضغط الحياة بقراءة روايات عالمية .. نعم تجربة قراءة الروايات العالمية تجربة ثرية فهي ترفيه عن النفس من جهة وتنشيط للخيال البشري من جهة اخرى .. يحتاج المرء ان يعيش خيال مؤلفين من اوطان اخرى ليعيش جزء من تجربتهم .
لا استطيع تخيل ما هي الضغوط التي تمر بها وانت تملك هذه القدرة على التأثير .. وانت محاط بهذا الموج الشعبي العارم.. لكني قطعا لا احسدك على ما انت فيه .. ففي اقل تقدير انا استطيع ان امشي قرب نهر دجلة واتمتع بمنظره بحرية كاملة دون ان يخترق خصوصيتي احد .. واخيرا اقول ان ما قلته هو كلام من مواطن الى مواطن من انسان الى انسان .. كلاهما ينتميان لنفس الجيل .. من انسان طبيعي عادي يعيش حياة روتينية الى انسان طبيعي غير عادي يتزعم اكبر تيار حيوي في العراق .. وللحديث بقية لو كان في العمر بقية .. مع خالص الحب والتقدير والتمنيات بالتوفيق .
#حسنين_السراج (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فلسطين تحتاج هذا المجاهد البشتوني
-
تلميذ ابن رشد في السجن .. نداء الى الحكومة المصرية
-
الانقلاب بين ضياء الشكرجي وعبد الله القصيمي
-
رجال الدين خط احمر .. لا تتجاوزوا عليهم
-
الدجل اللاديني
-
نظرية التطور ونظرية التصميم الذكي واثرهما على الواقع
-
انا كافر .. احرقني ايها الاله
-
الرب الاقطاعي .. رب عدنان ابراهيم نموذجا
-
احذر المؤمنين من قراءة هذا المقال
-
ابناء الزنا لا يدخلون الجنة لانهم رسبوا في امتحان الله
-
لماذا خلق الله طعام الانسان يعاني ويتألم ؟
-
التبشيريون والنظر بعين واحدة . بقلم مسلم كيوت
-
عنفوان الكلمة .. يقتل الموت
-
كتاب فلاسفة الاغريق واثرهم على الفلسفة والفكر الديني
-
كتاب صولجان الالحاد وسيف الايمان
-
المثلية الجنسية .. الجنس الثالث .. الايمو
-
من يعذب الحيوانات في صغره قد يقتل الانسان في كبره
-
بعد ان تفحم سبعة من اقاربي لم يعد للكتابة معنى
-
يهود العراق بين الفرهود العراقي ومبيد الحشرات الاسرائيلي
-
لماذا لا ينام الملحدين مع محارمهم؟؟؟
المزيد.....
-
رايتس ووتش: الدعم العسكري لإسرائيل يعتبر انتهاكا للقانون الد
...
-
الأمم المتحدة تحذر جنوب السودان من -شلل سياسي-
-
لافروف ووزير خارجية إثيوبيا يبحثان تعزيز التنسيق بينهما في ا
...
-
هيومن رايتس ووتش تدعو الغرب لوقف بيع الأسلحة لإسرائيل
-
الأمم المتحدة: غزة أصبحت كوم دمار
-
بيروت.. RT ترصد معاناة النازحين
-
الأمم المتحدة: 70% من ضحايا العدوان الإسرائيلي على غزة من ال
...
-
يين المحاكمات والاعتداءات.. أيّ مستقبل لحرية الصحافة في تونس
...
-
الأمم المتحدة تؤكد ضرورة محاسبة إسرائيل على انتهاك القانون ا
...
-
إسرائيل.. منظمة حقوقية تعلق على قانون ترحيل أفراد عائلات -من
...
المزيد.....
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
-
فراعنة فى الدنمارك
/ محيى الدين غريب
المزيد.....
|