أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - رفعت السعيد … ورقة من شجرة الوطن














المزيد.....

رفعت السعيد … ورقة من شجرة الوطن


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 5615 - 2017 / 8 / 20 - 15:37
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


حينما التقيتُ به للمرة الأخيرة في استاد الدفاع الجوي قبل شهور، نظر إليّ ضاحكًا، ثم أشهر سبّابتَه في وجهي وهو يمازحني: “قضيتك الجاية امتى يا بنت ناعوت؟ تعبتينا معاكي تضامن عشان متتسجنيش مننا.” فأجبته مبتسمة، معتمرة قناع العتب: “اتعلمنا منكم يا أستاذ أن الجهاد في سبيل الحق شرف... وفاتورته غالية.”
ولستُ وحدي تلميذةَ هذا الرجل هادئ الوجه، شرس الفكر. فأولاده وتلامذته ملء السمع والبصر على طول العالم وعرضه، كلٌّ يحتلُّ موقعَه الخاص، في جيله ومكانه ومكانته وحقله التنويري. نختلف في كثير الأمور، ونتفق في أننا ورثنا عنه قبسًا من المشعل الثقيل الذي حمله منذ صباه الأول، وحتى يوم طيرانه للسماء. يُشهر مشعله في وجه الإخوان المظلم، ليفضح سوءتَهم، ويكشف عوارهم، ويزلزل أبصارَهم، ويُصدّع بنيانهم.
العاري يكره فاضحَه. قاعدةٌ لا استثناءَ فيها. لهذا لم يمقتِ الإخوانُ أحدًا، مثلما مقتوا ذلك الرجل النبيل، لأنه فاضحُهم وفاضحُ عرّابهم الأول "حسن البنّا". ولم يفرحِ الإخوانُ في رحيل أحدٍ، مثلما رقصت قلوبُهم طربًا يوم رحيله إلى فردوس الله، بإذن الله، أمس الأول. لكن محدودية أذهانهم، لم تنبئهم بأن "الفكرة" تحيا، وإن مات العقلُ الذي أطلقها. لأن الأفكار لا تموت. فما بالنا بعقل نيّر، هو في ذاته ماكينة أفكار لا تبلى، ولم تتوقف عن العمل طوال سبعين عامًا، ظلّت تنثر الأفكار وتُضوي مشاعل التنوير في كل بقاع الأرض المظلمة! هل يموت هكذا عقلٌ؟! هل يموتُ عقل رجل، وُلِد زعيمًا وبدأ مسيرته الفكرية وهو بعدُ صبيٌّ؛ وذاق ظلام المعتقل في بداية الأربعينيات الماضية وهو في السادسة عشرة من عمره، لأن أفكاره كانت خارج الصندوق الذي يريده الحاكم، فنال بهذا لقب: “أصغر معتقل سياسي" في تاريخ مصر؟! ثم تلا ذلك الاعتقال اعتقالاتٌ عديدة لمواقفه الحاسمة ضد تغوّل الرأسمالية التي تدهس الفقراء والعمال، حتى أنه أخبرنا أن "حقيبة السجن" كانت جاهزة دائمًا جوار باب الشقة. كما أنه كان أكثر من رفض اسم "انتفاضة الحرامية" التي أطلقها الرئيس أنور السادات ، على انتفاضة 77، التي كان اسمها الحقيقي: “انتفاضة الخبز"، كما يعرفها كلُّ مثقف في مصر يكره الظلم ويناصر العدالة الاجتماعية.
الآن، في هذه الأيام من يقظة الوعي، بات كلُّ طفل صغير في مصر يقول "إن الإخوان جماعة إرهابية." بات القولُ صفةً وموصوفًا، يعرفه الصغير والكبير، المثقف وغير المثقف، القارئ والكسول عن العلم، عارفُ التاريخ، وجاهله. لكن الوضع لم يكن هكذا منذ خمس سنوات، أو عشر سنوات، أو عشرين سنة. بدليل أن قطاعًا كبيرًا من شعب مصر انتخب أولئك "الإرهابيين" ليحكموا مصر. وقتها لم يكن يعرف أنهم إرهابيون، إلا من قرأ تاريخهم الأسود منذ عام 1928. وأولئك هم الذين لم يشاركوا في "جريمة" انتخابهم". وأشكر اللهَ على نعمة كوني من بينهم. فأنا وكثيريون غيري لم نغفل يومًا عن إجرامهم في حق مصر والإنسانية والإسلام، منذ نشأتهم. لكنّ أولنا في تلك اليقظة هو أستاذنا المناضل التنويري د. رفعت السعيد"، رحمه الله رحمةً واسعة، بقدر ما أحب مصر، وبقدر ما حارب أعداءها، وفي مقدمتهم جماعة الإخوان العجوز. فكان هو أولَ من وسم ووصم جماعة الإخوان بأنها "إرهابية”. ليس حين قررت ذلك الدولُ التي طالها إرهاب الإخوان بالأمس القريب؛ بعد سقوطهم عن عرش مصر، بل قبل ذلك بسنوات وسنوات. بل أن الشاهد أنه رصد خبيئتهم الخبيثة وهو في مقتبل عمره، بعد سنوات من مولده عام 1932، وكان عمر تلك الجماعة الدموية لم يُكمل السنوات الأربع. في تقديري الخاص، أن وجعه المبكر على فقراء المزارعين من أبناء الطبقة الكادحة، المعروفة في الأدبيات الماركسية بطبقة البروليتاريا، اشتقاقا من الكلمة اللاتينية Proletarius ومعناها "مواطن الطبقة الفقيرة"، هو الذي رسم خارطة حياته وجعل منه ذلك الزعيم اليساري الأشهر، ودفعه لنيل شهادة دكتوراه في تاريخ الحركة الشيوعية من ألمانيا، وكذلك شكّل خصومته المبكرة مع فكر الإخوان وكافة تيارات الإسلام السياسي، التي كانت تسغل فقر الفقراء وجهل الجاهلين وتستقطبهم بالشعارات الكذوب لتجييشهم ضد الإنسان بشكل عام، وضد صالح الأوطان بشكل أخص، طمعًا في المغانم والسيادة والسلطان. لهذا كان هو أول من حلّل شخصية الإرهابي الأول في مصر "حسن البنا"، واصفًا إياه بـ"الإرهابي المتأسلم" في كتابه المهم: “حسن البنا .. متى وكيف ولماذا؟". ولم يتغير موقفه الحاسم والنهائي و"الواعي" من جماعة الإخوان، منذ نشأتها عام 1928، وحتى اقتناصهم عرش مصر، ثم سقوطهم المروع، وحتى آخر أيام حياته. كان وظل يراهم طوال الوقت عصابة من الإرهابيين أعداء الوطن وخصوم الإنسان. وهم كذلك. وسجّل أفكاره الواعية تلك في كتابه المهم "ضد التأسلم"، الذي فنّد فيه عوار الفكر الإخواني تفنيدًا سياسيًّا سيكولوجيًّا دينيا مبهرًا، عطفًا على عديد من المؤلفات المشرقة التي يضيق بذكرها مقالي هذا. لهذا كلّه لم يكن غريبًا على مرشد الإخوان "مهدي عاكف" أن ينطق اسم "رفعت السعيد"، حينما سُئل: “من ألد أعداء الإخوان؟”
بالأمس، سقطت ورقة مهمة ونبيلة عن شجرة مصر الوارفة. فيا أستاذي النبيل: نم ملء جفونك عن شواردها، فقد أتممت رسالتك غير منقوص تمامُها، وأشعلت شمعتَك لا يزوي ضوؤها.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رسالة غاضبة إلى أمينة ثروت أباظة
- أطهر صبايا العالمين … سيدة الحزن النبيل
- ماذا تعرف عن مدارس الأقباط يا شيخ عامر؟
- أبجد هوز … وخفة ظلّ العميد
- الشيخ عبد الله نصر بين التراث والموروث
- حطّموا الأصنامَ …. يرحمُكم الله
- سمير الإسكندراني … تعويذةُ الفراعنة
- جريمة -الشيخ عبد الله نصر-... بين التراث والموروث
- علا غبور .... فارسةٌ نورانية من بلادي
- أغنية حبّ من أجل مأمون المليجي
- غزوة المترو … والمطوّع على الطريق
- الحياة معًا …. كما أسراب الطيور
- داعش تغيّر وجه البشرية
- علا غبور … فارسةٌ من بلادي
- الكتيبة 103
- زي النهارده واليومين اللي فاتوا... كارت أحمر
- مسيحيون يغنّون للقرآن
- دستور ماعت … وقانون الأزهر
- وأد القليل من الحرية ... باسم الأزهر
- المصري اليوم … طيارة ورق


المزيد.....




- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
- إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - رفعت السعيد … ورقة من شجرة الوطن