مازن كم الماز
الحوار المتمدن-العدد: 5614 - 2017 / 8 / 19 - 12:27
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
منذ وقت ليس بالقصير عندما دار النقاش عن ترجمة كلمة أناركيزم إلى العربية اقترح أحد الأصدقاء الأردنيين ترجمة الأناركية باللاحاكمية .. تستفزني تلك الكلمة حتى اليوم و أتذكرها كلما سمعت الجدل الذي تثيره كلمة الحاكمية .. الغريب هنا أن فكرة اللاحاكمية نفسها لا تتعارض مع الدين , الإسلامي أو غيره , رغم كل ما قيل في القرن الماضي عن مركزية فكرة الحاكمية في الإسلام .. الحقيقة أن لفكرة الحاكمية تفسيرين , الأول ثوري ينفي حاكمية البشر على البشر , و هذا هو جوهر الأناركية بالفعل , أما التفسير الثاني فهو نقيض بل نفي التفسير الأول , تفسير سلطوي أو شمولي , يصور سلطة ما بعينها على أنها تجسيد الإله على الأرض , في نكوص إلى تأليه الفراعنة و الملوك و الأباطرة في التاريخ القديم .. هذا هو ما يجعل شعار الحاكمية ثوريا بالفعل ضد الأنظمة القائمة و في نفس الوقت سلطويا بل سوبر سلطوي أو سوبر شمولي .. حتى إذا فسرنا الحاكمية بضرورة تحكيم شرع الله فإن هذا لا يعني بالضرورة أن يحتكر فرد أو جماعة تمثيل الله و ممارسة حاكميته على الأرض .. إن هذا في الحقيقة افتراض غريب لا يمت بصلة لا للشرع و لا الشريعة و لا المقدس نفسه .. أن يقول فرد أو مجموعة أفراد أنهم وحدهم دون بقية البشر يفهمون كلام الله و يستطيعون تفسيره و أنهم وحدهم المخولون بفرض شريعته , تصورهم عنها , على الناس , بالقوة و العنف إذا اضطر الأمر , فإن هذا يعني أنهم يحلون أنفسهم مكان الله , هذا أسوأ بكثير من فكرة الحلول و الاتحاد التي قال بها الصوفيون و غلاة المسلمين .. من الواضح أن الحجج التي يسوقها هؤلاء لإثبات مزاعمهم تلك لا تقنع سواهم , أما طريقتهم في إقناع الآخرين بأحقيتهم في احتكار الحاكمية فهي أساسا تعتمد على العنف , من لا يرضخ لمزاعمهم أو ينتقدها يعاقب بالقتل .. بالمقابل قال آخرون بتفسير مختلف جذريا عن هذا .. ظهر بين الخوارج و المعتزلة , أول من قال بفكرة الحاكمية تاريخيا , من أسقط ضرورة الإمامة أصلا إذا احتكم الناس بإرادتهم لشرع الله .. بل إنهم استخدموا فكرة الحاكمية لنفي إمكان وجود أية آلهة فوق البشر على هذه الأرض , أن البشر هم سادة مصيرهم على هذه الأرض , أن تفسير كلام الله و تطبيق شريعته هو أمر متاح للجميع و أنهم إذا قاموا بذلك باختيارهم تنتفي الحاجة لأية قوة سلطوية أو قاهرة تجبرهم على ذلك .. هذه الازدواجية تفسر كيف أن الكثير من أبناء المجتمعات المهمشة , المحافظة دينيا , استخدموا الحاكمية هم أيضا لمعارضة السلطة القائمة و "الخروج" عليها , أحيانا ليحلوا هم مكانها و أحيانا ليتحرروا , هم و الجميع , من أي قيد يمكن أن يكبلهم , أن يحاولوا الصعود إلى مصاف الفراعنة و الأباطرة و حتى الآلهة , مرة على ظهر الملايين من أمثالهم , و مرة أخرى بأن يكونوا سادة حقيقيين لحياتهم دون أن يستعبدوا أحدا بالضرورة
#مازن_كم_الماز (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟