|
الأديان بين ألعالمية والنخبوية
ثائر ابو رغيف
كاتب وشاعر
الحوار المتمدن-العدد: 5613 - 2017 / 8 / 18 - 19:51
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الأديان بين ألعالمية والنخبوية ثائر ابو رغيف -1- الأنسان كحيوان اجتماعي كائنٍ منتمٍ بحاجة للانتماء لمجموعة, لدينٍ او نادٍ وماشابه, هذه النزعة الاجتماعية رافقت الانسان منذ كهفه الاول وليومنا هذا. ولقاعدة الأنتماء هذه شواذ تناولها كتاب عدة مثل سارتر ,دستويفسكي ,لورنس ,كافكا وغيرهم ويحضرني هنا (كولن ولسُن) الذي كتب: (أن اللامنتمي منفصل عن الآخرين بذكائه الذي يحطم قيم الآخرين بلا رحمة، ويمنعه عن التعبير الذاتي (فرض نفسه) لعدم استطاعته استبدال تلك القيم بقيم جديدة.) شخصياً اعتقدت دائماً ان الدين نشأ بصورته الطوطمية الاولى في كهف ما بمكان ما مسكون بقبيلة بدائية يحكمها الذكر الاقوى Alpha Male والذي رغم سطوته ترتعد فرائصه من الظواهر الطبيعية كالرعد والبرق وماشابهها حاله حال اي فردٍ آخر في القبيلة ممن اختبأوا بركن قصي في الكهف خوفاً الى ان حدثت (الصدفة) التي جعلت فرداً مغموراً من سكنة هذا الكهف يتمتع (بالحيلةِ( خارج الكهف حين حصول تلك الظاهرة وعرف هذا الفرد بالتجربة ان هذه الظاهرة لم تؤذيه وبذكائه البدائي استنتج انها ظاهرة عرضية (غير مقصودة) فأستغلها مطوباً نفسه كاهناً لآلهة الرعد او البرق او غيرهما عن عمدٍ وبدهاءً فطري فتقاسم السلطة مع الذكر الاقوى وهكذا بات الدين / الأيديولوجيا والسلطة صنوان لايفترقان. لست بصدد الخوض في علم الأديان المقارن في كتابتي هذه رغم تركيزي بها على المقارنة بين الاديان العالمية (التي يفترض انها جاءت بالدعوة لكل "الأغيار" والتي تم نشرها بالسيف بمرحلةٍ او باخرى) والأديان النخبوية التي إقتصرت على شعوب وثقافات وأعراق معينة وألتي أغلقت باب الأنتماء والعضوية على الغيربمرحلةٍ او بأخرى. إختياري للمسيحية وألأسلام كمثال للأديان ألعالمية لم يأت إعتباطاً إذ يُشكل المسيحيون بمختلف طوائفهم نسبة 31.5% من سكان الارض بينما يشكل المسلمون نسبة 23.2% ومن الجدير بالذكر هنا ان نسبة الافراد ممن يصفون انفسهم لادينيين او ملاحدة بلغت 16.3% إي اعلى من نسبة الهندوس والبوذيين حسب احصاء تم عام 2012. إبتدأت بألأديان العالمية وبالمسيحية لقدمها على الاسلام ولنشوئها في البداية كحركة إصلاحية يهودية، تركزت حول النبوءات العبرية للمسيح اليهودي المنتظر وبما ان مفهوم اليهودية كان مبنياً في المقام الأول على أنها دين لأسباط يعقوب/ اسرائيل فقط ، فُهِمت المسيحية في بدايتها الأسرائيلية على أنها دين ل "شعب الله المختار" (كما يرى الإسرائيليون أنفسهم). وينعكس هذا المفهوم في مقاطع مختلفة من العهد الجديد الذي ينسب إلى تعليمات يسوع والتي تحظر اتباعه من اليهود من إدخال الكتاب المقدس/ الإنجيل بين "الأغيار" (أي غير اليهود) فيقول يسوع : «إِلَى طَرِيقِ أُمَمٍ لاَ تَمْضُوا، وَإِلَى مَدِينَةٍ لِلسَّامِرِيِّينَ لاَ تَدْخُلُوا بَلِ اذْهَبُوا بِالْحَرِيِّ إِلَى خِرَافِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ الضَّالَّةِ» متي 10 وقال ايضاً: «لَمْ أُرْسَلْ إِلاَّ إِلَى خِرَافِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ الضَّالَّةِ» متي 15: 24 . إذاً وفقا لكتابات العهد الجديد، فَهَمَ الرسول بطرس أن الإنجيل جاء نخبوياً مقتصراً على اليهود. إلا أن دخول بولص الطرسوسي (بولص الرسول) للمشهد، وتحديه ألناجح لهذا المفهوم شكّل نقطة انتقالية هامة للمسيحية من الشكل النخبوي الى الشكل العالمي الحالي. فوفقا للوقائع التأريخية، تناقش بولص وبطرس (سنين بعد صلب يسوع) حول ما إذا كان ممكناً أن يتم تبشير رسالة يسوع بين الأغيار.كان أعتقاد بطرس رئيس الحركة المسيحية آنذاك وأتباعه أنه لكي يصبح غير اليهود مسيحيين يجب أن يتحولوا أولا إلى اليهودية. ثم يجب على اليهود والمتهودين الاستمرار بالتمسك بالتوراة وبجميع القوانين والطقوس التي تتبعها اليهودية. جادل بولص أنه ماعاد واجباً مراعاة قوانين وطقوس اليهودية للسماح للمرء الراغب بإعتناق المسيحية ان يكون مسيحياً. فتوصل بولص وبطرس إلى حل توفيقي وهو ان يستمر المهتدين من اليهود في ممارسة شريعة موسى، في حين ما عاد مطلوباً من المهتدين من غير اليهود ممارسة هذه الشريعة , مجرد النظرة المجردة والمنطقية يصل القارئ او المتلقِ الى حقيقة ان قرارعولمة المسيحية وشمول الاغيار لم يقرره يسوع الذي جاء من اجل خراف بيت اسرائيل بل أحد تلاميذه. خلال مجلس القدس عام 50 ميلادي تم تقرير وجوب قبولِ (الأغيار) من قبل جميع اليهود ممن اهتدوا للديانة المسيحية، وتم إقرار أن بعض الممارسات اليهودية المعتاد عليها مثل الختان لن تكون ضرورية لإدراجهم كمسيحيين وتم ذلك بالفعل.الا ان هذا النموذج من المسيحية/ اليهودية انتهى بذبح وترحيل يهود القدس، بين 70-130 م، كرد فعل على الثورات اليهودية ضد الإمبراطورية الرومانية. وكان المسيحيون من أصول يهودية موجودين في القدس وضواحيها فتم قتل أو ترحيل اغلبيتهم ، مما أدى إلى اقتلاع المسيحية من جذورها اليهودية من بين المستوطنات اليهودية في المنطقة الفلسطينية. بحلول القرن الثاني انقرضت المسيحية/ اليهودية وكان الأغيار هُم من رفعوا راية المسيحية، ومواصلة الكفاح ضد الاضطهاد الروماني من أجل إبقاء الدين. فكان ينظر إلى المسيحيين على أنهم طائفة يهودية مستاءة من حكم الإمبراطورية الرومانية و تتعارض مع عبادة الآلهة اليونانية الرومانية ,علاوة على ذلك أعتقد الكثيرون في الإمبراطورية الرومانية أن المسيحية أساءت للآلهة اليونانية والرومانية وربما وبل بشكلً شبه مؤكد تم إلقاء اللوم على ألرسولين بولص وبطرس في حريق روما الكبير في 64 م مما أدى إلى استشهادهما. بزوغ المسيحية ألحقيقي من النخبوية إلى العالمية ابتدأ بسببٍ مركزي واحد وهو كسب الإمبراطور الروماني قسطنطين الأول الى الدين المسيحي. تروي الحكاية ان قسطنطين كان محاصراً في حرب أهلية مريرة للحفاظ على عرشه. وقبل المعركة الحاسمة عام 312 ضد شقيق زوجته و منافسه الرئيسي ، قيل انه ادعى رؤية المسيح حيث ظهر له في المنام، وأمره بوضع علامة المسيح على لافتات تحملها قواته. فعل ذلك، ونجح جيشه بهزم منافسه، وتأمن عرشه كأمبراطور. أعتقاده بفضل للرب المسيحي بهذا الانتصارجعل قسطنطين يعطي المسيحية ألأفضلية على جميع الديانات الأخرى في إمبراطوريته الشاسعة. على الرغم من ذلك إلا أن قسطنطين لم يحرّم الأديان الأخرى في وقته بل تم ذلك في وقت لاحق من القرن الرابع (380)، عندما أصبحت المسيحية الدين الرسمي للدولة في روما، وتم تجريم جميع نماذج العبادات الأخرى ادى ذلك الى إجبار جميع الامم والافراد تحت السيطرة الرومانية في أوروبا وغرب آسيا وشمال أفريقيا على المسيحية. وتمت مجابهة رفض التحول الى المسيحية بعمليات تهجير قسري او عمليات إعدام. التصاعد المُطّرد لسيطرة الكنيسة في روما اوصل البابوات الى مركز صنّاع ملوك فقد ساعدت الكنيسة على خلق قوانين خلال العصور المظلمة في جميع أنحاء أوروبا ، بما في ذلك العبادة القسرية والتحويل الاجباري لغير المسيحيين للمسيحية، وزيادة الضرائب، وقمع التأثيرات المعادية للكنيسة. كتعقيب على ذكري للبابوات كصناع ملوك تحضرني الواقعة التي حدثت في القرن 11 ميلادي عندما تجرأت "الإمبراطورية الرومانية المقدسة" الألمانية تحت قيادة فريدريك الثاني بتحدي الكنيسة ، أثبت البابا غريغوري التاسع والبابا انُسنت الرابع (من بابوات الحروب) قدرتهما على رفع جيوش لهزيمة الملوك والأباطرة الخارجين على طاعته. مثلما وصف ألأمام علي بن ابي طالب كتاب المسلمين بإنه حمال أوجه إي ان آياته قد تقبل اكثر من تفسير وبعض هذه التفاسير قد يناقض بعضها الاخر, يمكن ايضاً وصف كتاب المسيحين بعهديه بنفس الوصف فقراءة سريعة لقول يسوع الناصري: "ما جئت لألقي سلاماً بل سيفاً"(متى 10: 34), فَإِنِّي جِئْتُ لأُفَرِّقَ الإِنْسَانَ ضِدَّ أَبِيهِ، وَالابْنَةَ ضِدَّ أُمِّهَا، وَالْكَنَّةَ ضِدَّ حَمَاتِهَا وَأَعْدَاءُ الإِنْسَانِ أَهْلُ بَيْتِهِ (متى 10 : 36), "جئت لألقى نارًا على الأرض فماذا أريد لو اضطرمت" (لوقا 12: 49) توحي هذه القراءات الى الروح العسكرية وطبول الحرب والتفرقة ولكن مثل هذه الاقوال تم تفسيرها بصور مختلفة وفي بعض الاحيان متناقضة فعندما تخدم هذه الاقوال حملات صليبية او محاكم تفتيش (مجازر تأريخية في غنى عن التعريف) كانت تُفسر كما هي: دعوة للحرب ولقتل المخالفين اما في وقت السلم فيتم تفسيرها بصورة طوباوية مثل إن النار ليست في ذاتها شرًا. وإلا ما كان الله قد خلقها. او ان السيف الذي ينوي يسوع القاؤه هو سيفاً رمزياً وأن تفريقه بين أبناء العائلة يرمز لأيمان بعضهم وجحود الاخرين. ألتفاسير المختلفة ايضاً انتجت عدداً كبيراً من الكنائس المختلفة كالارثوذكسية والكاثوليكية القديمتين بفروعهما المختلفة ,المتعددة والمتناقضة في بعض الاحيان مروراً بالبروتستانت وصولاً الى وقتٍ قريب شهد بزوغ المورمون عام 1823 وجماعة شهود يهوه التي تأسست عام 1870. من ضمن الاشياء الكثيرة التي تم تفسير نصوص انجيلية وفقها والتي لا يتسع لها مقال واحد هو موضوع العبودية وفق المفهوم المسيحي وترجمة اراء الاباء بهذا الصدد فكان المسيحيون الأوائل يعتبرون العبيد الذين اعتنقوا المسيحية كرجال أحرار روحياً (فقط)، إخوة في المسيح، يتلقون نفس الجزء من ميراث مملكة المسيح. ومع ذلك، ليس لهذه الترجمة اي سلطة قانونية فقد طُلبَ من هؤلاء العبيد طاعة أسيادهم "بخوف ورجفة و قلب صدوق كما لو انهم يقدمون هذه الطاعة للمسيح نفسه". (أفسس 6: 5) وتم استخدام هذه النص خاصة من قبل المدافعين عن العبودية في الحرب الأهلية الأمريكية في الجزء القادم سأتناول الاسلام كدين عالمي تشعّبَ كالمسيحية وأثر السيف والفتوحات بإنتشاره وفرضه على اصقاع واسعة من العالم.
#ثائر_ابو_رغيف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تعريب لوحة امفاتيح مع سبق الأصرار
-
الأرض انثى
-
داعش ,فشل القوانين وديمومة النظرية
-
وتريات سومرية 1
-
جدلية القومية العربية
المزيد.....
-
مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية شرطة الاحتلال الإسرائي
...
-
أجراس كاتدرائية نوتردام بباريس ستقرع من جديد بحضور نحو 60 زع
...
-
الأوقاف الفلسطينية: الاحتلال الإسرائيلي اقتحم المسجد الأقصى
...
-
الاحتلال اقتحم الأقصى 20 مرة ومنع رفع الأذان في -الإبراهيمي-
...
-
استطلاع رأي إسرائيلي: 32% من الشباب اليهود في الخارج متعاطفو
...
-
في أولى رحلاته الدولية.. ترامب في باريس السبت للمشاركة في حف
...
-
ترامب يعلن حضوره حفل افتتاح كاتدرائية نوتردام -الرائعة والتا
...
-
فرح اولادك مع طيور الجنة.. استقبل تردد قناة طيور الجنة بيبي
...
-
استطلاع: ثلث شباب اليهود بالخارج يتعاطفون مع حماس
-
ضبط تردد قناة طيور الجنة بيبي على النايل سات لمتابعة الأغاني
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|