|
هناك اباطرة فساد آخرون!
عادل سمارة
الحوار المتمدن-العدد: 1457 - 2006 / 2 / 10 - 10:08
المحور:
القضية الفلسطينية
يبدو أن إحتفاء الشارع في الارض المحتلة بكشف أوراق الفساد أعلى وأوسع من احتفاله بنتائج الانتخابات الاخيرة. وإذا ما تم دفع هذه المسألة إلى مداها الاوسع، فإنها ستكون مسألة عالمية بحجم القضية الفلسطينية نفسها. بعبارة أخرى، سنكتشف جميعاً أن الفساد مرتبط بالسياسة، وأن هذا الفساد العظيم هو قمة جبل الجليد لمشروع التسوية الذي هدفه في التحليل النهائي تقويض حق العودة. لا نقول هذا تحويلاً للنقاش والعمل عن رموز الفساد وتوابعهم من الفلسطينيين، ولكن لأن الأمر اكبر من هؤلاء وحدهم بالفعل. لن نتحدث هنا عن تفاصيل الفساد في فترة سلطة الحكم الذاتي، فهذه لها ملفاتها وأرقامها وشخوصها وضحاياها بالطبع. وما نأمله أن لا يتم باي حال من الأحوال طيّ هذا الملف، وهو ملف معظم رموزه من رجال السلطة الفلسطينية. لكن التحالف في السياسة يعكس نفسه ويتجلى كتحالف في الفساد. فالشراكة هنا شراكة هناك. وبتحديد أكثر، قد يكون معظم من طالهم التحقيق والضبط وإلقاء القبض من حركة سياسية معينة، هي الحزب الحاكم، ولكن هذا لا يعني أن من شاركوا في هذه السلطة، ولو بأعداد صغيرة، لو يلمسوا الفساد أو لم تلحقهم كما يقول المثال "مصِّة إصبع". ولو كانوا ضد وخارج عملية الفساد لكانوا فضحوها وتركوا مناصبهم أو تلك الشراكة. ومع ذلك، يستطيع البريء إثبات نظافته. لم ينحصر الفساد في السلطة، ولكن كان كل فساد بحجم الطرف وحجم إمكانياته. ومن يعرف بنية البلد كان يسمع من هذا التنظيم أو ذاك أن قيادياً او كادراً سرق أموال التنظيم واقام مشروعا أو بنى فيللة، لكن التنظيم حفاظاً على سمعته "بلعها". وحتى الاشخاص من التشريعي الأول أو من خارجه الذين تحدثوا عن الفساد وفتحوا بعض ملفاته، نسألهم : لماذا سكتوا عن طي الملفات وعن ذريعة "نقص الأدلة". مع ان الأدلّة متوفرة تماماً!! لقد قرأت الكثير من الأدلة، وكتبت للأخ حسن خريشة تحليلي الاقتصادي لحالتي بنك فلسطين الدولي والإسمنت بناء على الأدلة. وبعيداً عن أوساط السلطة وحلفائها، هناك فرقاء أخرى شركاء في الفساد:
الفريق الأول: أنظمة عربية وإفساد م.ت.ف
ليست التسوية ومشروع أوسلو هما مصدر فساد السلطة الفلسطينية. لقد كان تركيب وعلاقات منظمة التحرير الفلسطينية مدرسة في الفساد المالي. ولكن المقاومة نفسها كانت غطاء لهذا المستور، اي ان شرف المقاومة وقدسيتها ساهمت في إخفاء تلك المسلكيات وجوهرها الفضائحي. ويكون من قبيل التسطيح والشكلانية نسبُ الفساد إلى الحكام العرب، فلولا القابلية الفلسطينية لما استشرى الفساد هكذا. وهذا يفضي إلى سؤال: لماذا كانت الانظمة العربية معنية بإفساد م ت ف ؟ يجد هذا السؤال إجابته في طبيعة الانظمة العربية وارتباطها بالمشروع الامبريالي الصهيوني وعدائها لمشروع المقاومة وقرارها الداخلي الذاتي الاعتراف بالكيان الصهيوني الاشكنازي وفي النهاية شطب حق العودة، واجتثاث البعد القومي العربي للصراع. هذه الاسباب لا شك كافية لتقف الانظمة العربية في خندق تقويض المقاومة بطرق شتى، إحداها احتواء المقاومة بالمال بما يفضي إلى ثراء هذه المقاومة وفسادها وهو على اية حال ما إنتهى إلى تحول المنظمة إلى دولة (وليس فقط حكومة ) منفى ليكون مصيرها اتفاق أوسلو. وبهذا المعنى، يكون أحد أطراف الفساد هي انظمة عربية. ولا نقول هذا لمطالبة النائب العام في غزة باستدعاء الحكام العرب، من ماتوا ومن ظلوا، ولكن على الأقل لوضع الاصبع على مجمل مسببات الداء.
الفريق الثاني: المانحون
وحدهم المانحون هم الذين يعرفون كم حولوا للسلطة الفلسطينية من أموال. وهم بالطبع أوّل من لاحظ الفساد وهدر الأموال وسرقتها. ووحدهم الذين أتوا متأخرين للحديث عن الفساد. يقول البعض ان الاوروبيين تحدثوا عن فساد السلطة بعد إقامتها بعامين. لا بأس، ولكنه كان حديثاَ شكلياَ لم يتخذوا على ضوئه اي قرار فعلي أو اي نقد حقيقي. وحينما كان يتحدث بعض الاوروبيين عن الفساد، كان يقوم آخر بامتداح آليات الانفاق المالي للسلطة ليمسح ما قاله سابقه. ليس من السهل التصور بأن المانحين لم يسجلوا مقادير تحويلاتهم إلى سلطة الحكم الذاتي، وليس من السهل القول إنهم كانوا عاجزين عن متابعة هذه الأموال. والحقيقة أن هدف التحويلات كان سياسياً استراتيجيا بالتحديد. فما يريده الغرب الراسمالي بمجموعه هو تقديم ريع مالي مقابل موقف سياسي اتخذته قيادة الحكم الذاتي وهو الاعتراف بالكيان الصهيوني. لذلك أطلقو يد هذه السلطة، وأطلقت هي يدها في نهب الأموال التي قُدمت "شكلياً" لمساعدة الشعب الفلسطيني وهي عملياً منحة لمن وقعوا اتفاق أوسلو، وتشجيعا لهم على الاستمرار وتثبيتا لهذا الاتفاق. فموقف الغرب الرأسمالي من القضية الفلسطينية ملخصه ما يلي: "خُلقت اسرائيل لتبقى وطُرد الفلسطينيون كي يُوطنوا بعيداً عن حدود فلسطين". وعليه، فلا باس من بعثرة بضعة مليارات من الدولارات طالما تقود إلى تحقيق هذا الهدف. فبوسع دولة نفطية عربية دفع هذا المبلغ، وبوسع ثري صهيوني في أمريكا دفعه ايضاً.
الفريق الثالث: فريق الأنجزة
تعج المناطق المحتلة بالمنظمات غير الحكومية الممولة من الغرب الرأسمالي نفسه. وتزعم هذه المنظمات أنها تقوم بأعمال تنموية في هذه المناطق، وانها "تبني" المجتمع المدني والديمقراطية وتحرير المرأة....الخ ويتم تمويل هذه المنظمات بتحويلات هائلة من الغرب الراسمالي نفسه. ولأن الغرب هو مصدر تمويل السلطة من جهة، ولأن السلطة نفسها فاسدة من جهة ثانية، لم يكن بوسع السلطة مسائلة هذه المنظمات عن أسباب ومصادر وآليات تمويلها. وعليه، فإن فتح ملف فساد السلطة، يجب أن لا يعني التغاضي عن ملف هذه المنظمات. فهي جميعاً حصلت على ما حصلت عليه باعتباره مساعدات للشعب الفلسطيني. وبالطبع كان بوسع المانحين مسائلة هذه المنظمات، وبوسعهم كذلك توجيه المساعدات إلى مؤسسات مجتمعية وليس إلى مكاتب فردية او شخصية. فبدل تمويل مكتب لسيدة يمكن التوجه إلى اتحاد المرأة، وبدل تمويل مؤسسة لطبيب يمكن التوجه إلى نقابة الأطباء...الخ. وبالاجمال، ليست هذه المنطقة وحدها التي واجهت ظاهرة الفساد وكشف هذه الظاهرة تحت دولة "رخوة" حسب تعبير الاقتصادي السويدي جونار ميردال. فلا شك أن من قاموا بالسرقات قد اكتسبوا مهارات الإخفاء وتزوير الملكية ونقلها إلى زوجاتهم واقاربهم وأصهارهم وربما اسماء أخرى لا تمت بصلة قرابة تثير الشبهات. وهذا يعني وجوب التنبه إلى أمور من هذا القبيل والاستماع إلى من يعرفون علاقات هؤلاء وارتباطاتهم.
الفريق الرابع: إقتصاد بلا رصيد
قد تكون هذه الفئة هي الأوسع من بين فرقاء الفساد. وقد تكون هي الأوضح والتي لا تحتاج إدانتها إلى شواهد. لقد عاث الفساد بالارض المحتلة إلى درجة اصبح فيها كل مواطن بانتظار الواسطة التي ستجلب له سيولة مالية وهو في البيت. اصبح الناس بين فاسدين ومفسدين وبين من يتمنى لو يلحق به شيئاً ما. وتضائل عدد الذين رفضوا "عَرَضَ الدنيا" لدرجة تهيأ للمرء أن الكل متورط. والحقيقة ان التورط كان واسعاً. كان هدف الفاسدين إفساد كل الناس كي لا يبقى من يعترض أو يلمس في نفسه الثقة بالذات ليقوم بالتغيير. فانتشرت الواسطة والمحسوبية، واستخدام مختلف الاساليب للوصول إلى الغايات المالية. ولعل أحد أوضح المظاهر إشكالية الديون بين مختلف أفراد المجتمع. ففي حين كان عدد فروع البنوك محدوداً قبيل مجيء السلطة وكانت البنوك بنوكاً تجارية صهيونية، تضاعف عدد البنوك وفروعها لتقوم في معظمها بضخ المدخرات المحلية إلى الخارج بحيث لا يتم توفير سيولة للاقراض إلا بشروط تعجيزية. الأهم من هذا انه اصبح بوسع كل مواطن فتح حساب وكتابة شيكات للمواطن الآخر. وجرياً على كون الفساد هو جوهر الاقتصاد السياسي للضفة والقطاع، لم يقم معظم الناس بتغطية شيكاتهم جرياً على القول: " كله فاسد فلماذا ادفع"؟ وهكذا قلبنا معادلة "كل مواطن دائن ومدين" إلى معادلة كل مواطن مكشوف لكل مواطن وكأن كل ما في البلد مجرد قطعة عملة واحدة اصدر كل مواطن شيكاً للآخر لتحصيلها وفي النهاية اصبحت حالة "صنمية-فيتيشية" بالنسبة لكل صاحب حق! أما السلطة، فابتعدت كليا عن محاولات التحصيل طمعاً منها بأن يشتبك وينشغل كل مواطن ضد الآخر. هناك الكثير مما يمكن أن تقوم به السلطة الجديدة. فعشرات الآلاف من الاجهزة الشرطية والأمنية يمكنها ضبط لصوص الشيكات وهم بعشرات الآلاف (صغارا وكبارا) وخاصة كبارهم الذين سرقوا اموال العباد ولا زالوا يرتعون تحت حماية فاسدين في السلطة. لقد توجه كثير من المواطنين إلى مكاتب "البلطجية" لتحصيل شيكاتهم التي لم يكن لها رصيداً، أما البلطجية فخصموا عمولات وصلت خمسين بالمئة مما حول البلطجية من "فئة رثة" إلى قطط سمان. أما القانون فهو في غفوة أهل الكهف! لا شك أن ما على حماس القيام به هو اثقل من تنظيف "إسطبلات أوجياس" ولكن من يتنطح لمهمة عليه القيام بها، وإذا ما سارت السلطة الجديدة في هذا المسار، فإن الالتفاف الشعبي ورائها سيكون واسعاً لا ريب. فكل المطلوب قرارات وتنفيذ.
#عادل_سمارة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إنتخابات: أعلى من البلديات قليلاً، وأقل من الاستقلال كثيراً
-
فوكوياما...المثقف العضوي لبربرية الراسمالية الاميركية
-
مصر في خدمة نتنياهو -أُخوَّة- القطاع الخاص والعولمة
-
ليس أول ولا آخر جدار للدولة الامنية
-
قراءة في مبادرة الجبهة الشعبية
-
نسوية عربية تبارك عودة الاستعمار - ملاحظات على مقالة فاطمة ح
...
-
لهذا لمْ، وربما لنْ، يطردوا عرفات!
-
اقتصاد -اسرائيل-: بين ضغط الانتفاضة، انفلات حكومته ومنافع ال
...
-
خريطة الطريق: قراءة عربية لإملاءات استعمارية وصهيونية
-
تديين الصراع مجرد إيديولوجيا راسمالية: سابقة على الاقطاع ومت
...
-
المرأة والانتخابات بين -الكوتا- العالمية والمناصفة في مجلس ا
...
-
خطة الهدف ( الحملة الشعبية لأنهاء الاحتلال) أم حملة مع الاحت
...
-
إشكالية الناصرية
-
الآن-: نحن أقوى من بوش فلنبتزه
-
سياسة فك الارتباط لن تكون حكومية
-
قمتا بوش في شرم الشيخ والعقبة
-
انقسام آخر للمثقفين العرب
-
خطاب العرش الامريكي لاستعمار الوطن العربي
-
استقالة عريقات تعيد عرفات الى الواجهة
-
أنثراكس:هدى عماش أم... بريطانيا العظمى
المزيد.....
-
تفجير جسم مشبوه بالقرب من السفارة الأمريكية في لندن.. ماذا ي
...
-
الرئيس الصيني يزور المغرب: خطوة جديدة لتعميق العلاقات الثنائ
...
-
بين الالتزام والرفض والتردد.. كيف تفاعلت أوروبا مع مذكرة توق
...
-
مأساة في لاوس: وفاة 6 سياح بعد تناول مشروبات ملوثة بالميثانو
...
-
ألمانيا: ندرس قرار -الجنائية الدولية- ولا تغير في موقف تسليم
...
-
إعلام إسرائيلي: دوي انفجارات في حيفا ونهاريا وانطلاق صفارات
...
-
هل تنهي مذكرة توقيف الجنائية الدولية مسيرة نتنياهو السياسية
...
-
مواجهة متصاعدة ومفتوحة بين إسرائيل وحزب الله.. ما مصير مفاوض
...
-
ألمانيا ضد إيطاليا وفرنسا تواجه كرواتيا... مواجهات من العيار
...
-
العنف ضد المرأة: -ابتزها رقميا فحاولت الانتحار-
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|