تلميذ ابن رشد في السجن .. نداء الى الحكومة المصرية

حسنين السراج

الحوار المتمدن-العدد: 5611 - 2017 / 8 / 16 - 15:06
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

يقول ابو الوليد بن رشد : ان الشرع دعا الى اعتبار الموجودات بالعقل , وتطلب معرفتها به , فذلك بين في غير ما اية من كتاب الله تبارك وتعالى , مثل قوله تعالى (فاعتبروا يا اولي الابصار)...واذا تقرر ان الشرع قد اوجب النظر بالعقل في الموجودات , واعتبارها , وكان الاعتبار ليس شيئا اكثر من: استنباط المجهول من المعلوم , واستخراجه منه (انتهى).(1)

ما سبق كلام نظري لكن تطبيقه الاجرائي العملي (لو اصطدم ظاهر النص بالعقل) هو (التأويل) لكن ما هو التأويل؟؟؟

يقول ابوالوليد : ومعنى التأويل هو اخراج دلالة اللفظ من الدلالة الحقيقية الى الدلالة المجازية , من غير ان يخل ذلك بعادة لسان العرب في التجوز , من تسمية الشيء بشبيهه او سببه او لاحقه او مقارنه او غير ذلك من الاشياء التي عُددت في تعريف اصناف الكلام المجازي...واذا كان الفقيه يفعل هذا في كثير من الاحكام الشرعية فكم بالحرى ان يفعل هذا صاحب علم البرهان ... ونحن نقطع قطعا ان كل ما ادى اليه البرهان , وخالفه ظاهر الشرع , ان ذلك الظاهر يقبل التأويل على قانون التأويل العربي (انتهى) .( 2)

محمد عبد الله نصر .. التلميذ النجيب لابن رشد .. الشيخ الذي لا يعرف معنى العجرفة والتعالي .. الثائر على كل ما في هذا العالم من خنوع .. الثائر الذي يريد تحرير عقل الانسان من سلطان الفكر الديني القمعي .. الثائر الذي يريد بثورته فك الارتباط القسري بين (الله) و(رجال الدين) .. يقول نصر :

من قال لك إتبعني لأدلك علي الله فلا تصدقه لأنه سيضلك عن الله ..فالطريق إلي الله ليس فيه وسطاء ،.فقط روحك وفطرتك هي التي تقودك إلي الله ..لا تبحث عن الله بعيدا فإن لم تجده بداخلك فلن تجده أبدا فهو أقرب إليك من حبل الوريد وإلتزم ملة إبراهيم فهي المنهج الفكري للوصول إلي الله .(3)

نعم الله يعرف ذاتيا .. بل لا يعرف الا ذاتيا .. لا علم حديث يدحضه ولا فكر ديني يثبته .. هو في قلب الانسان .. تجربة ذاتية صرفة ..

ان تلك السيدة القروية المسنة البسيطة التي لا تقرأ ولا تكتب .. تلك التي تحدث الله بلهجتها المحكية تعرف الله معرفة اصيلة .. تلك التي يسميها المتدينين الاصوليين (عامية) ترى الجمال الذي يعجز هؤلاء المتعجرفين عن رؤيته .. ان هؤلاء المتعجرفين لم يروا الله يوما .. نعم شاهدوا انعكاس صورة الله في عقول (رجال الدين) هذا الانعكاس يعيق الانسان عن رؤية نور الله .. المشكلة العظمى هي انهم يتصورون العكس ويعتقدون انهم يجب عليهم ان يساعدوا الناس على معرفة الله لكنهم في واقعهم يعيقون الناس عن رؤية نور الله الحقيقي الذي لا يمكن رؤيته الا بالتجربة الذاتية .

محمد عبد الله نصر اعطى عمامته حقها .. لا يدعو الناس لاتباعه بل يدعوهم لاتباع عقولهم وقلوبهم .. محمد عبد الله نصر يتبع منهج بن رشد العقلاني في التعامل مع النص .. محمد عبد الله نصر ليس رجل دين تقليدي .. بل رجل انسانية ثائر على الخنوع للعمامة ..

محمد عبد الله نصر .. لقد رفعت رؤوسنا نحن المسلمين الاحرار .. يحق لك ان تفتخر بما صنعت فقد اثلجت صدورنا ..

سجن نصر لانه قال بالقطع المعنوى لِيَد السارق .. بمعنى انه بدلا من ان نبتر يد السارق ونقطعها نقطع عنه طريق السرقه بأن نوفر له مصدرا شريفا للرزق فبذلك نكون قطعنا يده عن السرقه(4)

هذا هو منهج ابن رشد بعينه .. وهذا هو تلميذه النجيب يدفع ثمن عقلانيته سجينا في الوقت الذي يسرح ويمرح شيوخ الفتنة في مصر الحبيبة بلا رادع وهم يصرخون بدعاوى الفتن والموت الى ان انشقت حلوقهم ..

انا انسان قبل ان اكون مسلم وقبل ان اكون شيعي .. لذلك اتقبل الطريقة التي انتقد فيها الشيخ نصر (العقيدة المهدوية ) بكل روح رياضية .. اذا لم اتمكن من تقبل الرأي الاخر والانصات له فأنسانيتي في خطر .. الثابت الذي ينبغي ان اعض عليه بالنواجذ هو (عقيدتي الانسانية التي تحتم علي الاستماع للرأي المناقض برحابة صدر)

حين نستمع لراي مؤيد لنا نشعر بالراحة والغبطة لكن الاختبار الحقيقي هو ان نتمكن من الاستماع للرأي الاخر وونتقبل وجوده ونعترف به وتحترمه .

العتب كل العتب على الطبقة المثقفة (في مصر خصوصا) والتي اتخذت موقف اشبه بالصامت تجاه تعرض هذا الرجل للظلم ما خلا بعض المؤيدين و بعض الاصوات الخجولة..

اقول للطبقة المثقفة في مصر .. وا اسفاه عليكم .. لم هذا الخذلان لهذا الرجل؟؟ لم هذه البلادة في الوقوف معه ؟؟ وهل يستحق رجل حر كهذا ان يترك وحده ؟؟ وا اسفاه .. ادعوكم دعوة محب ان تصالحوا انفسكم وتؤيدوا هذا الرجل ولو بالكلمة ولا تستهينوا بفعل الكلمة ..

واقول للشيخ محمد عبد الله نصر .. اعتذر منك لاني لا استطيع ان اقدم لك شيء اكثر من الكلمة .. واقف امام شجاعتك بأحترام منقطع النظير ..

لقد رفعت رؤوسنا نحن المسلمين الاحرار وجعلتنا نشعر بالفخر لاننا ننتمي لنفس الفكر الذي ينتمي له محمد عبد الله نصر .. هذا الفكر الذي يتجسد بتحرير العقل وتحرير الانسان .

اذا كان السجن مصير من يأول قطع اليد من قطع اليد الفعلي المادي الى قطع اليد المعنوي الذي يتجسد (بتوفير سبل العيش) فالسجن حرية مطلقة .

المسجون الحقيقي هو من يقيد نفسه بأغلال الماضي واغلال رجال الدين اما الحر فهو من يحرر عقله من قيود الاذلال واي ذل اكبر من اذلال العقل ؟؟

انت حر يا نصر وان كان جسدك سجينا وهم سجناء وان كانت اجسادهم طليقة .. ما اقوله ليس تعبير مجازي بل واقع فعلي .

الحرية الحقيقية هي حرية العقل وليس حرية الجسد ..

اقول للحكومة المصرية صادقا
لا يمكن لمصر ان تتقدم خطوة واحدة وهي تسجن من يريد تحرير الانسان من الجهل .. اذا اردتم لمصر ان تأخذ مكانها الطبيعي وان تتقدم فهذا سيحصل حين يتحرر الانسان المصري من قيود الجهل المقدس ..
المكانة الطبيعية للشيخ محمد عبد الله نصر هي ان يكون شيخ الازهر لينقله نقله نوعية من قيود التراث المظلمة الى حرية العقل النورانية وليس ان يلقى به في السجن ؟؟ وا اسفاه

بدل ان يكافأ هذا الرجل ويكرم لانه رفع رأس مصر بفكره المتنور يلقى به في السجن ؟؟

اجمل ما في محمد عبد الله نصر هو الوطنية ولا نقول هنا كلام رومانسي بل نتحدث عن توصيف دقيق .. نعم رجال الدين التقليديين وطنهم هو (الفكر الديني المؤدلج) ولا يؤمنون بفكرة الاوطان التي لها حدود من الاساس اما هذا الرجل فيرسخ بفكره مبدأ المواطنة والولاء للوطن اما الدين فهو شخصي .. هذه ثقافة تعاكس ثقافة الاصوليين وتحتاجها مصر بشدة هل يكون مكان من يؤصل لها السجن ؟؟

ادعو الحكومة المصرية صادقا ليس فقط ان تطلق سراح الشيخ محمد عبد الله نصر بل ان تكرمه وتعطيه مكانته الطبيعية ليمارس دوره في تفعيل العقل ونبذ الجهل .

لوالده الشيخ نصر اقول .. والدتنا العزيزة ارفعي رأسك فقد انجبت رجل ليس ككل الرجال .. من حقك ان تفخري بولدك البار فقد رفع رأسك في كل مكان .

المصادر
1- فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من اتصال – ابو الوليد بن رشد – 22 و24
3- المصدر السابق – صفحة 33 وصفحة 34
3- الصفحة الرسمية للشيخ محمد عبد الله نصر
4- المصدر السابق

#حسنين_السراج (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات