|
الاعلام العربي .. إلى أين ؟؟
أنيس يحيى
الحوار المتمدن-العدد: 1457 - 2006 / 2 / 10 - 09:43
المحور:
الصحافة والاعلام
نتساءل في البدية إن كنا قادرين على مخاطبة الاعلام العربي بوصفه " وحدةً " أو " كلاً " ، رغم أن المطلوب هو أن لا يكون " كلاً " ؛ فال "وحدة " تكون قمعاً وقهراً وذوباناً إذا لم تمتلىء مساحاتها بالتنوّّع والاختلاف . وخير دليل على ما نتساءل حوله هو حالة الضياع الطاغية التي بتنا في دوامتها ، بحيث أصبح من الصعب علينا أن نعرف مَن نحن ، أو أن نتلمّس اتجاهاً آخر لا يوصل إلى الاضمحلال والانهيار . لا شك أن مفاهيم التنوّع ضمن الوحدة ، وحق الاختلاف طارئة على العقل العربي الذي رفع مداميكه على مشروعية هيمنة المفهوم السائد ، أو العقيدة السائدة على ما عداها من المفاهيم والعقائد ، بشتى السبل .لهذا لا نجد في تاريخنا الطويل ( إلا في السنوات القليلة الماضية ) وسيلة إعلام تتمايز عن الوسيلة الاعلامية التي اتخذت تمجيد العقيدة السائدة المتمثّلة بأفكارٍ وشخصيات ، هدفاً لها . العنوان : " الاعلام العربي .. إلى أين ؟ " يشي حكماً بتلازم الاعلام العربي مع القضايا العربية .. أو برغبة في تبنّي الاعلام العربي القضايا العربية .وهذا بحدّ ذاته جيد ، بالرغم من وجود تيارت فاعلة في كل المجتمعات تتبنّى قضية الأنسان أين ما كان . كيف يستطيع الاعلام العربي خدمة القضايا العربية ؟ وهل نجح فيما مضى في خدمة هذه القضايا ؟ بالنسبة للسؤال الثاني ، نجد الجواب واضحاً لدى الجميع ، كلا . فالحالة التي يتخبط فيها العرب اليوم هي أكثر من أزمة ، كما يحلو للبعض تسميتها ، هي اضمحلال وانهيار . ولا أجد في هاتين المفردتين مبالغة على الاطلاق ؛ فصدام حسين كتب إعلامه في العراق كما أراد ، واستفاد من ثروات العراق لشراء إعلام عربي في بلدان أخرى – وما زال بعض هذا الاعلام وفيّاً لمن أغدق عليه الأموال . ماذا كانت النتيجة أكثر من دفعنا بقوة باتجاه الاضمحلال والانهيار ؟ فمدرسة غوبلز Goebbels في الاعلام كشف أحرار الأرض بطلانها . أما بالنسبة إلى السؤال الثاني ، فالأمر يتطلّب في البداية تحديد القضايا التي تهمّ العرب اليوم ، وبالتالي دور الاعلام في خدمة هذه القضايا . أعتقد أن أهم القضايا المطروحة على العرب في وقتنا الحاضر هي ثقافتهم . تلك الثقافة المستمدة بمجملها من الدين ( الاسلام ) ، أو من فهم كرسته القرون الطويلة لهذا الدين . وطالما يحظى الدين عند المتديّن بالقداسة ، ترسّخت لدى العرب ، بغالبيتهم بأنهم يتكئون على تراث مقدّس ، فلا يكتفون بالمحافظة عليه كما وصلهم ، بل بامتشاق السيوف للدفاع عنه ، واتهام أصحاب الأراء والأفكار المتميّزة بالضلال وبالكفر ، والسعي إلى العبث بهويّة الأمة وضياعها . كيف يتعاطى الاعلام العربي مع الثقافة ال " عربية " ؟ لا شك أن الكثيرين من رجالات الاعلام العرب اليوم هم أبناء مخلصون لهذه الثقافة ؛ لهم مواقف قاطعة ونهائية من أميركا والغرب ، ومن كل ما هو غير عربي . هذه المواقف على غرابتها ( لجهة ثباتها على موقفها رغم التببدّلات السريعة التي يشهدها عالمنا المعاصر باستمرا ر) لا تكتفي بالوقوف على الجهة المعاكسة للمواقف الدولية ، بل تدبّج المقالات التي لا يُفهم منها سوى ازدراء الآخرين واحتقارهم ، وبالتالي إشاعة مناخ من الكراهية نحوهم . فالآخرون ليسوا ضالين ، وعلى هؤلاء الاعلاميين هدايتهم ، بل يؤكّدون على تطهير الأرض من كفرهم ونجاستهم ... وأحياناً يكون من بين هؤلاء الاعلاميين مَن اختار العيش في بلاد هؤلاء ال" كفرة " . جميعنا اليوم نقرأ مواقف هؤلاء من مسألة الرسوم الكاريكاتورية التي نُشرت في إحدى الصحف الدنماركية تمثيلاً للنبي محمد ، وكيف يتعاطون مع هذه المسألة التي نستنكرها . أقل ما يقولون فيها " هي تؤذي مشاعر المسلمين في كل أصقاع الأرض " ، وهذا لا خلاف عليه . لكن ألم يكن جديراً بهؤلاء الاعلاميين إستنكار ما يتفوّه به بعض خطباء المساجد في كثير من الأقطار من كلام يكفّر اليهود والنصارى ، وجواز اضطهادهم ، وربما قتلهم ؟ ألم يكن جديراً بهم أيضاً إستنكار ما فعلته جماعة الطالبان في أفغانستان عندما فجّرت تماثيل بوذا المقدّس لدى جماعات يزيد تعدادها في العالم على أعداد المسلمين ؟ بالتأكيد .. ليس كل الاعلاميين العرب من هذا الصنف . ويبقى العنوان " الاعلاميين العرب . إلى أين " سؤال موجّه إلى صنف آخر من الاعلاميين العرب . صنف دأبه الحقيقة ، ومراميه المصالحة مع الحياة ، والتأكيد أن العرب ليسوا عالة على هذا العالم ، أو نكدهُ . هؤلاء هم المؤتمنون على الاعلام العربي ، ومن حقهم استكشاف الدرب لمعرفة " إلى أين ؟ " . الاعلام العربي وكيفية تعاطيه مع الثقافة السائدة !! لا يستطيع الاعلام العربي أن يبقى محايداً إزاء هذه الثقافة .. وليس عليه اتخاذ المواقف منها ؛ سلباً أم إيجاباً قبل إخضاعها لعملية نقد تسبر أغوارها ، ولا تتخذ من الأدوات سوى عقل حر . فالعربي لا يستطيع دخول العصر بالانتقاء من ثقافات الآخرين في العالم .. على العرب بسط تراثهم مشرعاً أمامهم ، لعملية نقد واسعة تطرح الأسئلة دون خوف من محذورات ومحرمات ومقدس ، أما الاجابات فتستقى من أصحاب الاختصاص في مجالات المعرفة المتعددة . وعلى الاعلامي العربي أن يكفّ عن استخام البلاغات اللفظية التي يناور بواستطها لاخفاء التعدد والتباين ، ومواطن الخلل . فالبعض من الاعلاميين يبذل الجهد في اختيار مفردات محايدة لا تستثير السائد والمألوف ، لكأن دور الكلمات هو الطمس لا الكشف .كل هذا لأن العربي لم يعرف الحرية يوماً . ما زلنا نتخبط في متاهاتها ، كالذي إشترى آلة ويجهل استعمالها . فالبناء المعرفي الذي نشهده قائماً في الغرب ليس إلا القدر الذي تناول فيه الغربيون تراثهم وموروثاتهم بالنقد المتحرر من أي سلطة . فنابوليون بونابرت ، أحد الرموز الين شكّلوا تاريخ فرنسا ، كان موضع نقد لفترة طويلة من الفرنسيين ؛ إعلاميين ومتخصصين في مجالات أخرى ، وما زال . مَن من الاعلاميين العرب قادر على تناول شخصية ودور صلاح الدين مثلاً ، بالنقد . كلنا إكتفى باحاطته بهالة من البطولة والعظمة . لكن أخطاء صلاح الدين وزلاته ما زالت خفيّة . ليس القصد إظهار نواقص أبطالنا أو عيوبهم ، بل هو الحرص على عدم الوقوع فيما يشابهها إن وجد . " الاعلام العربي .. إلى أين ؟ " الاعلام العربي سائر إلى ما إختاره الاعلاميون العرب . والخيارات ليست بالمجان ، علينا أن نسدد دائماً أثمان خياراتنا . طالما الأمر كذلك .. والأثمان لا بد منها .. فلتكن مقابل تعلقنا بالحرية ، والدفاع عن كرامة الانسان العربي ، وبالتالي عن الانسان أينما كان .
#أنيس_يحيى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الزعامة الدرزية .. خيار جنبلاط أم قدره ؟؟
-
عبد الحليم خدام يقدّم ال- نقوط - قبل موعد العرس
-
هنالك أودعتُ أسلحةَ الضحيّة
-
ألوانٌ كلها حمراء
-
لبنان الوطن .. هل مازال مشروعاً قيد التجربة ؟؟
-
أنا لا يُوحى إلي
-
أيها الأمريكيون .. لماذا تركبون سيارات الهامر Hammerعند إثار
...
-
أيها الأمريكيون .. - تحريركم - لنا أصبح يخيفنا ..فالتدمير تا
...
-
نشأة اسرائيل تعبير عن معاناة الشعبين ؛ الفلسطيني واليهودي
-
المسيحيون وضيق الأمكنة في أرض العرب
-
العراق .. إذا غادره الجيش الأمريكي غداً !!
-
لا تستكمل فصول الحكاية .. عُد إلى بدايتها
-
كراهيتنا لأمريكا .. هل هي بمجملها مبررة ؟؟
-
حيث دفنا ملِكاً
-
أمريكا والشارع العربي .... - - كلام على مقربةٍ من مقالة الدك
...
-
تعليقٌ على مقالة الشاعر سعدي يوسف - المنتفجي .. رئيساً
المزيد.....
-
فيديو يكشف ما عُثر عليه بداخل صاروخ روسي جديد استهدف أوكراني
...
-
إلى ما يُشير اشتداد الصراع بين حزب الله وإسرائيل؟ شاهد ما كش
...
-
تركيا.. عاصفة قوية تضرب ولايات هاطاي وكهرمان مرعش ومرسين وأن
...
-
الجيش الاسرائيلي: الفرقة 36 داهمت أكثر من 150 هدفا في جنوب ل
...
-
تحطم طائرة شحن تابعة لشركة DHL في ليتوانيا (فيديو+صورة)
-
بـ99 دولارا.. ترامب يطرح للبيع رؤيته لإنقاذ أمريكا
-
تفاصيل اقتحام شاب سوري معسكرا اسرائيليا في -ليلة الطائرات ال
...
-
-التايمز-: مرسوم مرتقب من ترامب يتعلق بمصير الجنود المتحولين
...
-
مباشر - لبنان: تعليق الدراسة الحضورية في بيروت وضواحيها بسبب
...
-
كاتس.. -بوق- نتنياهو وأداته الحادة
المزيد.....
-
السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي
/ كرم نعمة
-
سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية
/ كرم نعمة
-
مجلة سماء الأمير
/ أسماء محمد مصطفى
-
إنتخابات الكنيست 25
/ محمد السهلي
-
المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع.
/ غادة محمود عبد الحميد
-
داخل الكليبتوقراطية العراقية
/ يونس الخشاب
-
تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية
/ حسني رفعت حسني
-
فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل
...
/ عصام بن الشيخ
-
/ زياد بوزيان
-
الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير
/ مريم الحسن
المزيد.....
|