أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - داود السلمان - حين كنتُ متطرفاً !














المزيد.....

حين كنتُ متطرفاً !


داود السلمان

الحوار المتمدن-العدد: 5608 - 2017 / 8 / 13 - 21:22
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


حين كنتُ متطرفاً !
ليس هناك إنساناً كاملاً، ولا يوجد أحد قد وصل أو يوصل درجة الكمال، وقد قيل: إن الكمال لله وحده، حتى العلماء وعظماء الفلاسفة أمثال فيثاغوس، هرقليطس افلاطون ارسطو، جاليلو اديسون أو انشتاين وغير هؤلاء جميعاً، قالوا عن انفسهم: إنهم عظماء، بل حتى الذين نراهم نحن انهم عظماء، نجدهم قمة في التواضع ونكران الذات وسمو النفس والخلق الرفيع، فمثلاً سألوا سقراط ما معناه، عن مدى علمه وقد شغفوا به، فقال لهم: إنني لا أعرف غير شيء واحد هو أنني لا أعرف شيء!، وهذه لا يقولها الا نبي.
أنا ولدتُ في العراق من أبوين عراقيين فطبيعي أن أكون عراقياً، أمي وأبي مسلمين فطبيعي أن أكون مسلماً، وكانت ولادتي في منطقة شيعية فلابد أن أكون شيعياً، (ولو كنت قد ولدت في الصين فلربما أنا الآن بوذياً) وكسبت كل هذا بالوراثة، فالإنسان يورث حتى الامراض من والديه وخصوصاً من الاب، وقد ورثت أيضاً من أبي مرض الكليتين، وامراض أخرى.
والمجتمع أيضاً له دور في التربية والسلوك، كذلك المدرسة والرفقاء والاصدقاء لهم نفس الدور، فأحياناً يورث الطفل الافعال السيئة واحياناً الافعال الحميدة، بحسب البيئة والمجتمع وسلوك الناس الذين يعايشهم ويسايرهم ويتربى بينهم.
وكل هذه السلوكيات التي فرضت نفسها عليّ قد أثرت في نفسيتي وتربيتي وسلوكي اليومي؛ فالمدينة التي عشت فيها وتربيت فيها حتى نضج عودي وأشتد ساعدي كانت مدينة شعبية، بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، وموغلة بالفقر والسذاجة والبساطة وتسودها أيضا الجهالة، أضافة الى طيبة ناسها البسطاء الاميون، والشريرون العدائيون معاً، يعني مدينة تناقض نفسها بنفسها، فهي مدينة عجيبة، لكن ميزتها أنها في وسط بغداد، وأعني ما أقول.
وقد نشأت على طبائع هذه المدينة وأخذت سلوكيات أنُاسها، لكنني لم أكن شريراً ولا عدائياً، وهذا ليس مدحاً لنفسي، وإنما غيري من قال هذا من الاصدقاء الذي عايشتهم من خارج مدينتي، هم من قال هذا بحقي.
في هذا المدينة قرأت الكتب الدينية المذهبية، وتأثرت بها أشد التأثر، وكنت لا أعتقد ثمة حقيقة تضاهي تلك المعلومة الثقافية الدينية التي تعلمتها من تلك الكتب، واصبحت متطرفاً، وانا لا أعلم ذلك، وإنما علمت ذلك فيما بعد، أي بعد ثلاثون عاماً أو تزيد، وكنت أمارس تطرفي من خلال الكلام والحديث، وربما كنت أشتم والعن واستهين برجالات تاريخية تفصل بيني وبينهم أربعة عشر قرناً، وأبكي على أنُاس تفصلني عنهم بعد تلك السنوات التي أشتم بها تلك الشخصيات.
واليوم، حينما أتذكر تلك الايام والسنوات أضحك من نفسي وأبكي على عقليتك تلك، وسذاجتي تلك، وسطحيتي تلك، وغبائي أيضاً، وأتذكر المقولة التي تقول: "العلم جهل والنور ظلام" ولا أعرف من أين جاءت هذه المقولة ومن هو قائلها، لكنها تنطبق عليّ جملة وتفصيلاً.
وأعتقد الآن أنْ لا غضاضة عليّ لأنني وقتها كنت جاهلاً، على بصري غشاوة من ضلال، وقد ازُيحت بفضل تحركي نحو التطلّع والبحث المتواصل الى هذه الساعة وراء الحقيقة، وعدم اطمئناني الى الثقافة التي تربيت عليها في مدينتي التي عشت فيها منذ نعومة اظفاري، وأشيد بفضل هذا التحوّل الى القراءة المتنوعة والمختلفة لمختلف العلوم، وأذكر منها: الفلسفة الادب العربي والعالمي الحديث، علم النفس، علم التربية، علم الاخلاق، السير الذاتية لكبار الشخصيات العربية والعالمية، علم التصوف والعرفان، التحليل النفسي، نقد الفكر الديني، كتب فلسفة الاديان، وغير ذلك ولمدة ثلاثون عاماً ونيف.
فليس نقصاً بالإنسان حينما يتعلم ويفكر ويبحث، ومن ثم يغير أفكاره القديمة البالية، إذ يصل الى الحقيقة الناصعة ويعرض عن الجاهلية المطبقة، إنما العيب والمثلبة على الذين يركنون الى ما تعلموه في سنوات عمرهم الاولى، وهم بعد لا يعون شيئاً من الثقافة وأمور الحياة الاخرى، ولم يبحوا، ولم ينقبوا، ولم يشاوروا الناس المتعلمين الذين سبقوهم في الفكر والمعرفة، وفهموا سر الحياة، وخصوصاً المعرفة العصرية والانسانية: وعلوم العصر، وظلوا في سجن تلك المعرفة سائرون في دهاليزها المظلمة لا يعون شيئاً، ويتصورون أن معرفتهم تلك هي الحقيقة وسواها الجهل والضلال. وأعتقد أنني في ثقافتي البالية كنت متطرفاً.



#داود_السلمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -الطمع فسّد الدين-
- ما هو العرفان؟
- سلمان الفارسي (المعلم الثاني)
- الاوائل في الفلسفة والعلوم(4)
- الاوائل في الفلسفة والعلوم (3)
- اللاأدرية (الفصل الثالث) والاخير
- اللاأدرية (الفصل الاول)
- اللاأدرية (الفصل الثاني)
- نيتشة يفتي بجهاد النكاح!
- الاوائل في الفلسفة والعلوم(2)
- الاوائل في الفلسفة والعلوم(1)
- هل لل -عقل- وجود حقيقي؟!
- فلسفة الشك لدى المعري (1)
- الله في فكر عمر الخيام 23/ 25
- الله في فكرعمر الخيام: المقدمة
- الله في فكر عمر الخيام21/ 25
- -الجبن والخور- في مفهوم مسكويه الحكيم
- محمد عبد الوهاب... واللاأدرية
- اللاأدرية وايليا ابو ماضي وعبد الوهاب
- ارسطو: الرق نظام طبيعي


المزيد.....




- هل يعارض ماسك الدستور بسبب حملة ميزانية الحكومة التي يقودها ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وأخرى تستهدف للمرة الأولى-..-حزب ...
- حافلة تسقط من ارتفاع 12 مترا في حادث مروع ومميت في فلاديفو ...
- بوتين يتوعد.. سنضرب داعمي أوكرانيا بالسلاح
- الكشف عن التاكسي الطائر الكهربائي في معرض أبوظبي للطيران
- مسيرات روسية اختبارية تدمر مركبات مدرعة أوكرانية في اتجاه كو ...
- مات غيتز يتخلى عن ترشحه لمنصب وزير العدل في إدارة ترامب المق ...
- أوكامبو: على العرب الضغط على واشنطن لعدم تعطيل عمل الجنائية ...
- حاكم تكساس يوجه وكالات الولاية لسحب الاستثمارات من الصين
- تونس.. عبير موسي تواجه تهما تصل عقوبتها للإعدام


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - داود السلمان - حين كنتُ متطرفاً !