أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد الوهاب الأفندي - قراءة في حرية الرأي والتعبير.. الحاجة إلى الفهم أولا















المزيد.....

قراءة في حرية الرأي والتعبير.. الحاجة إلى الفهم أولا


عبد الوهاب الأفندي

الحوار المتمدن-العدد: 1456 - 2006 / 2 / 9 - 10:43
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


عبدالوهاب الافندي: عن أزمة الرسومات الدنماركية: الحاجة الي الفهم أولا
عقب اندلاع الأزمة الاخيرة حول رسوم الكاريكاتور المهينة لرموز الاسلام في الصحيفة الدنماركية يولند بوستن وما اعقبه من احتجاجات كان من بينها حرق العلم الدنماركي والمطالبة بمقاطعة المنتجات الدنماركية، طالب رئيس الوزراء الدنماركي الدول العربية بادانة حرق العلم الدنماركي، بينما هدد المفوض التجاري في السوق الاوروبية بيتر ماندلسون برفع شكوي الي منظمة التجارة العالمية ضد الدول التي تحرض علي مقاطعة البضائع الدنماركية.
وعندما دفع متظاهرون مسلمون في لندن يوم الجمعة الماضي لافتات تحرض علي قتل من يسبون نبي الاسلام عليه الصلاة والسلام طالب الكثيرون، بمن فيهم بعض زعماء الجالية الاسلامية في بريطانيا، بتقديم هؤلاء الي المحاكمة.
وفي نفس الوقت رفض رئيس الوزراء الدنماركي ادانة الرسومات المسيئة، واصفا نشرها بأنه يدخل في حرية التعبير التي يعتبرها الاوروبيون مقدسة. وهذا بدوره يطرح تساؤلات هو في صلب أزمة سوء الفهم المتبادل التي تحيط بهذه المسألة، وتشكل جوهر الأزمة. او ليس حرق العلم، والتحريض علي مقاطعة البضائع، (بل والتحريض علي القتل ايضا) من باب حرية الرأي والتعبير؟ بل او ليست مقاطعة البضائع من صلب حرية الاختيار التي يقوم عليها النظام الرأسمالي ومنظمة التجارة العالمية التي ترعاه؟
في الشهر الماضي تقدم شخص لم يكشف عن اسمه بشكوي للشرطة البريطانية ضد امين عام المجلس الاسلامي البريطاني اقبال سكراني لانه ادان في مقابلة اذاعية القرار البريطاني القاضي بتشريع جواز الشواذ جنسيا، حيث قال ان الشذوذ الجنسي سلوك مرفوض اخلاقيا علاوة علي انه يسبب الامراض. وقد اعلنت الشرطة انها تنوي استجواب سكراني تمهيداً لتقديمه للمحاكمة بتهمة الحض علي الكراهية، سكراني كان محظوظا لان الشرطة تراجعت عن تقديم التهم له وهذه المرة علي الاقل ولم يلحق بأبي حمزة المصري الذي يحاكم هذه الايام في لندن بتهمة القاء خطب تحض علي الارهاب.
من كل هذا يتضح ان حرية الرأي والتعبير ليست مقدسة، بل تفتقر الي الحماية القانونية، بحيث ان القاء خطبة في مسجد او التفوه بجملة في مقابلة اذاعية قد تورد صاحبها مورد التهلكة. وهذا بدوره يعني ان التذرع بحرية التعبير لم يكن هو السبب الحقيقي في رفض رئيس الوزراء الدنماركي ادانة الرسوم او الاعتذار عنها. فادانة الاساءات العنصرية وما يدخل في بابها لا يتناقض مع حرية التعبير، بل هو جزء لا يتجزأ من هذه الحرية، لان الادانة هي رأي آخر لا غير. وقد ادانت كل من بريطانيا والولايات المتحدة نشر الرسوم دون ان يعتبر احد ان هذا كان تغولا علي حرية الرأي. وبنفس القدر فان فرنسا الرسمية دافعت عن حرية الرأي في صحفها ولكن نأت بنفسها عما نشرته هذه الصحف. فالدفاع عن حرية الآخر في التعبير لا تعني تأييد كل ما يقول ويفعل.
من جهة اخري نجد ان وزير الخارجية البريطاني جاك سترو، تعرض لهجوم كاسح في الاعلام البريطاني لأنه ادان الرسوم الكاريكاتورية، ووصف سلوكه بالجبان والمستخذي. ولم يقل احد ان الوزير كان يعبر عن رأيه ورأي حكومته، وان حرية الرأي مكفولة حتي للحكومات ووزرائها. وبنفس القدر تعرض الرئيس الايراني احمدي نجاد لعاصفة من الادانات حين عبر عن رأي شخصي مفاده ان دولة اسرائيل لا تستحق الوجود. ولم يقل الزعماء والوزراء الذين سارعوا الي ادانته وبعضهم خلال دقائق من نشر تصريحاته ان الامر يتعلق بحرية الرأي. بل اننا لم نسمع احدا يقول كما تتطلب الحكمة دعونا نتريث حتي نحصل علي النص الكامل لتصريحات الرجل واصدار الحكم عليها بناء علي تحليل الاطار الذي قبلت فيه. الادانات تطايرت يمينا وشمالا، والتصريحات حرفت ليصبح التصريح بالقول بأن اسرائيل لا تستحق ان تكون موجودة، بأنه تحريض علي تدمير اسرائيل، بل تهديد بذلك. وحاولت الدعاية تصوير الاعتراض علي وجود اسرائيل كدولة عنصرية دينية بأنه دعوة الي ابادة سكانها من اليهود في تذكير بفرية الدعوة العربية الي القاء اليهود في البحر. ولم يكلف احد نفسه عناء المقارنة بالدعوة الي تصفية النظام العنصري في جنوب افريقيا بدون ان تكون تلك دعوة لابادة السكان البيض في ذلك البلد.
من هنا يمكن القول بأن الجدل الدائر حول حرية التعبير يخفي وراءه امرا آخر، وبعدا اعمق من ابعاد عدم التفاهم بين المسلمين وجيرانهم في الغرب. وقبل البحث في كنه هذا الامر لا بد ايضا من ازالة سوء فهم آخر، وهو ان هذه الأزمة تتعلق بحرية انتقاد الدين الاسلامي، او حتي بانتقاد رسول الاسلام. فهناك العشرات، بل الآلاف من الكتب والمقالات التي تهاجم الاسلام وتصفه بأنه دين متخلف او عنيف، بل هناك من وصف الاسلام بأنه دين شرير، ووصف العرب بأنهم افاع. وكل تناول للرسول الكريم في الادبيات الغربية يتهم الرسول اما صراحة او ضمنا بأنه كاذب مختلق، او علي افضل الفروض ضحية اوهام وتخيلات. ولم يحدث ان اثارت اي من هذه المقولات ما اثارته هذه الرسومات من سخط شعبي عارم.
فما هي اذن الخاصية التي اختصت بها هذه الرسوم مما جعلها نسيجا وحدها؟
للاجابة لا بد من العودة الي آخر مرة ثارت فيها ضجة من هذا النوع، وهي مناسبة نشر رواية سلمان رشدي سيئة الصيت آيات شيطانية عام 1989. وقد كان منطلق الكتاب، كما يظهر من عنوانه، مزاعم تناقلها المستشرقون طويلا بناء علي روايات واهية مفادها ان الرسول صلي الله عليه وسلم تلا علي الناس بعض الآيات التي تمجد الاصنام ثم تراجع عنها بعد ذلك بدعوي ان الشياطين تنزلت بها، في مخالفة لآية اخري صريحة تقول: وما تنزلت به الشياطين، وما ينبغي لهم وما يستطيعون (وقد حاول رشدي ان يبني علي هذه الفرية صورة كاريكاتورية للرسول باعتباره شخصية شريرة تدمن الكذب والتدليس، وزاد في الاستفزاز فاختار اسماء مثل الكعبة والحجاب لمواخير تقيم فيها نساء يحملن اسماء واوصاف زوجات النبي عليه وآله الصلاة والسلام).
مثل هذا الاسلوب في التعبير ليس نقدا للاسلام او محاولة لتبيان اباطيله، وهو حق مشروع لمن شاء، بل ان القرآن تحدي كل من شاء ان يتصدي لاثبات اصله البشري ان كان يعتقد ذلك، وما زال الباب مفتوحا لمن يأنس في نفسه القدرة والكفاءة. ولكن نوع الاساءات والبذاءات التي حفل بها كتاب آيات شيطانية هي شيء من مقام آخر، ينضح بالحقد والرغبة في الاهانة والتحقير والاساءة المقصودة. ومن يطلق مثل هذه القذائف المسمومة لا يطلب حوارا، لان الحوار هو تبادل آراء لا تبادل شتائم.
ولان الامة الاسلامية لا تزال امة حية، ولان حبها للرسول جزء لا يتجزأ من هويتها كأمة، فان هناك كثيرين يرون في هذا القذف والسب سهاما موجهة لكل منهم شخصيا. وقد يتسامح البعض حين يكون الفرد او اسرته او قبيلته هي موضوع هذه الاهانات المتعمدة، ولكنه يعتبر ما يمس شخص الرسول امرا لا يمكن السكوت عليه.
وهذا بدوره ادي الي قلب المعادلة، بحيث ان مقدسات المسلمين اصبحت هي التي تدافع عنهم، وليس بالعكس. فالعدوان علي المسجد الاقصي في عام 1968 هو الذي ادي الي قيام منظمة المؤتمر الاسلامي كأول خطوة عملية لتوحيد المسلمين، والعدوان الثاني علي الاقصي عام 2000 كان هو الذي فجر الانتفاضة التي لا تزال ثمارها تتري، بينما كان نشر كتاب آيات شيطانية بداية لتبلور الهوية الاسلامية للمهاجرين في اوروبا، واصرارهم علي اسماع صوتهم، وبالمثل فان اقتراب القوات الامريكية من محيط الحرمين في حربها علي صدام حسين فجر الأزمة المحلية التي لا تزال الولايات المتحدة تعاني ويلاتها. وكل الدلائل تشير الي ان انتفاضة الرسول الكريم التي تفجرت اليوم من اقصي العالم الاسلامي الي اقصاه سيكون لها ما وراؤها.
ولكن بقدر ما تكون الانتفاضات العفوية تعبيرا عن حيوية الامة واصرار الجماهير علي الفعل والحركة، فانها تكون كذلك دلالة علي موت الزعامات السياسية والفكرية والاخلاقية. فالجماهير لا تنتفض ولا تتحرك عفويا الا بعد ان يكون السيل قد بلغ الزبي، وتكون حركتها في الغالب بدون اتجاه محدد، وتحركها يكون غالبا عالي التكلفة قليل المردود.
واذا كانت الانتفاضات حتي الآن هي الوسيلة الوحيدة الناجعة للدفاع عن حرمات المسلمين، فان هذا يعود لعدم وجود البدائل الفاعلة، والكسوف الاخلاقي للنخب القيادية، ولكن هذا الاسلوب لم يعد المناسب في هذا العصر، خاصة وان الآخرين هم الذين يملون زمان المعركة ومكانها. المعركة الاخيرة قد تم التخطيط لها كما اتضح بعناية، وان لم يكن المخططون توقعوا ان تكون ردة الفعل بهذا الحجم والشراسة. فحسب المعلومات التي رشحت فان الفكرة جاءت من كاتب دنماركي كان يعد كتاب اطفال عن حياة الرسول فلم يجد رساما يرسم رسومات توضيحية للكتاب لأن معظم الرسامين تخوفوا من اثارة حفيظة المسلمين. عندها قام الكاتب بالاشتراك مع الصحيفة بعمل مسابقة لاكتشاف رسامين لديهم الجرأة لتحدي مشاعر المسلمين. ويبدو ان الرسامين الذين استجابوا كانوا يجمعون بين الجهل بالاسلام والحقد علي اهله.
وقد كان يمكن طي صفحة هذه القصة بسهولة لو ان الحكومة نأت بنفسها عن هذا الفعل المشين، ولو ان الدنمارك كانت اقل عنصرية وعنجهية، ولو ان جهات اخري في النرويج وغيرها لم تتلقف الرسوم وتروج لها.
ومثلما كانت ردة الفعل العفوية عند المسلمين تعبيرا عن مشاعر التدين العميقة عندهم، فان ردة الفعل الاوروبية عبرت بنفس القدر عن طبيعة واخلاق هذه التجمعات، فالتذرع بحرية التعبير للسكوت عن الاساءات لمشاعر المسلمين، مقابل المسارعة لادانة من ينتقد الشذوذ الجنسي مثلا، هي تعبير عن التوجه العام الذي يعتبر الاساءة الي المشاعر الدينية امرا مقبولا، بينما تنفر من الوعظ الاخلاقي، ولا يجدي هنا الحديث عن ازدواجية المعايير، لأن هناك معيارا واحدا يطبق علي المسلمين فقط.
هناك اذن صراع حضاري حقيقي يحتاج لأن يدار علي مستوي حضاري، وليس في الشوارع وبأسلوب رد الفعل.



#عبد_الوهاب_الأفندي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عن أية ديمقراطية تتحدثون؟


المزيد.....




- لوباريزيان: سجن 3 طلاب أرادوا إنشاء دولة إسلامية بفرنسا
- “هالصيصان شو حلوين”.. اضبط تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 ...
- “شاور شاور”.. استقبل تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 على ال ...
- قصة الاختراق الكبير.. 30 جاسوسا معظمهم يهود لخدمة إيران
- بالفيديو: خطاب قائد الثورة الإسلامية وضع النقاط على الحروف
- السفير الديلمي: كل بلدان العالم الاسلامي مستهدفة
- مقتل وزير اللاجئين في حركة طالبان الأفغانية بانفجار في كابول ...
- المرشد الأعلى الإيراني: الولايات المتحدة والنظام الإسرائيلي ...
- المرشد الأعلى في إيران يعلق على ما حدث في سوريا
- بابا الفاتيكان يوجه رسالة للقيادة الجديدة في سوريا


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد الوهاب الأفندي - قراءة في حرية الرأي والتعبير.. الحاجة إلى الفهم أولا