|
لقاء مع العدالة
فوزي نصر
الحوار المتمدن-العدد: 1456 - 2006 / 2 / 9 - 10:34
المحور:
حقوق الانسان
في أحد الأيام ، بطريق الصدفة التقيت العدالة فسلمت عليها وسألتها عن حالها بعد أن وجدتها متعبة تسند همومها على خاصرة الزمن وتتأوه من شدة الألم وتسرح على خديها حبات من الدموع الحائرة فقلت لها : لم أعد أرك كثيرا 00 ولقد افتقدتك وقد طال غيابك فأين نجدك الآن ، البعض يقولون بأنك قد رحلت عن العالم ، وآخرون يقولون إنك هاجرت منطقة الشرق ؛ والبعض الآخر يقول : بأنك قد توفيت ورحلت إلى العالم الآخر 0 لكننا لم نسمع بنعيك ولم نسمع بأنهم اقاموا جنازتك أو تم دفنك 0 نظرت الي وضحكت وقالت : ليتني مت ورحلت عن هذا العالم قبل أن أشاهد ما يدور في جنباته 00 ألا ترى بأنهم يطفئون ينابيع الضوء في نفوس المظلومين ؟؟ ويخنقون النور الذي ينبعث من صدري ، إنهم يحرمون أصحاب الحقوق حقهم 0 إنهم يا صديقي يذبحونني كل يوم ، ويشعلون النار في جسدي كل ساعة 0 لقد كان الناس يقفون معي ، يقفون مع العدالة ، لكن الأقوياء يشهرون سلاحهم ضدي ، فقلت : ما هو سلاحهم طالما أنت لك حماية سماوية فقالت : سلاحهم الفساد ، الخراب ـ خراب النفوس ـ الإبتزاز ، الرشاوى ، السرقات ، شراء النفوس الضعيفة ، الإجرام ، محاربة كل من ينطق بالحقيقة ، محاربة الكلمة الحرة الصادقة 00 محاربة الإنسان المحب للخير 00إطفاء الأنوار المضيئة التي قد تبعث الأمل 00 جميعها أسلحة مدمرة قاتلة 00 كانت تتكلم ثم تتنفس وتتنهد بملء رئتيها ووجهها يحتقن ألما وغضبا ثم قالت : لا تنسى أن العالم قسمين : الأشرار والأخيار 0 الأشرار يدعمون الشر والأخيار يدعمون الخير لكن 00 لكن 00 ثم تابعت لابد للخير من أن ينتصر وثقتي كبيرة جدا بأن يزول الفساد ويقضي الخير على الشر إنها أمنية وكثيرا ما تتحقق الأماني ؛ إني أدعو أن تصبح حقيقة ، لكن لا بد من وقوف الشرفاء في وجه الفساد ، والأخيار في وجه الأشرار 0 لا بد من محاربة الظلم ، وقهر الفساد والمفسدين 0 أين أجدك أيتها العدالة ؟؟!! سوف تجدني في ضحكات الزمن ، وفي ابتسامات الفجر ، وفي نفوس البائسين والمظلومين ، سوف تجدني في ظلام الليل ، أراقب كل الذين يعملون في الخفاء وسوف أبقى باعثة للحياة عبر أضواء الأيام ، ومشيرة الى الفساد في ظلمات الليل وسوف أبقى أشير بيدي ، وبأصابعي الى كل الذين يقبضون على طيور العدالة 000 وسوف أقف بوجه كل المتسلطين ، الذين يصادرون العدالة ، ويطمسون حقوق الناس وآمالهم فأنا لن يستطيع أحد أن يسجنني لمدة طويلة ، والعدالة لن يهمها السجن ولن تكترث بالسجان 0 وقد تخترق أشعتها ثقوب السجن وجدرانه السميكة 0 مهما ضيقوا عليها لكنهم لا يستطيعون خنقها 00 أنا مع الكلمة الصادقة ، ومع العدالة الحقة ، مع كل الضعفاء ، صحيح أنهم يجففون كل منابع الخير ، ويحاصرون الإنسان الذي يدفع بعجلة الزمن الى الأمام ويطعنون كل الذين يتكلمون عن الأشرار والمفسدين 0 إنها مرحلة 00 محطة 00 والزمان مراحل ومحطات وقد يتوقف في المحطة ولكن سوف يتابع سيره لإكمال المراحل التالية 0 وهم لا يعلمون أن العدالة عطاء ووفاء وجذور ، عطاء للقيم والمثل لترسيخ المفاهيم الصحيحة العادلة ، ووفاء للإنسان الذي يسعى جاهدا من أجل أن يراني في سجلات هذا الزمن ، وجذور للحاضر لكي يرتكز عليه المستقبل 0 فقلت لها : إنهم يبنون مؤسسات عالية وقصور عدل فسيحة يستدعون لها القضاة ويعمرونها بالموظفين والعاملين ويسهرون على تأمين كل ما يلزمها من كوادر 0 قالت : صحيح ما تقول لكن العدالة لا تحتاج إلى قصور بل إلى ضمائر ، لا تحتاج إلى إستدعاء أو تعيين للقضاة ، فالتعيين والتوظيف لا يحل أي مشكلة ، بل تتطلب دعوة جادة إلى كل الذين يتقدمون لخدمة البلد على الطريق الصحيح وعلى قاعدة كلنا للبناء وجميعنا للوطن فأنا لست فئوية ولن أكون مع أحـد 0 إنهم يوظفون كل شيء لخدمتهم حتى العدالة إذا لم تتمايل أمامهم يرفضونها ، هل تذكر ياصديقي كلمة تشرشل ؟؟ تجاهلت وقلت ما هي: قالت عندما سأل وقال أخبروني عن العدالة في بلدي فقالوا : إنها بخير فقال الحمد لله فبلدي بخير 0 إن العدالة لا تنحني لأحد وإن فعلت فقدت مصداقيتها وهنا أذكر لك عندما كان سعد زغلول يود زيارة ملك المغرب : فعندما وصل الى القصر تلقاه مكتب المراسم وأبلغه عند الدخول الى الملك يجب عليك الإنحناء ومن بعدها تأخذ يد الملك وتقبلها وعندما يأمرك بالجلوس تجلس 0 ولما دخل على الملك لم ينحن ولم يتقدم إلى الملك لتقبيل يده 0 وعندما أتم المقابلة قال له الملك لماذا لم تتبع المراسم الملكية المقررة لدى القصر فقال سعد : يا جلالة الملك عندما شرعت بمحاولة الإنحناء وجدت مائة مليون عربي يشدون بي إلى الخلف فقال الملك : اذهب فسوف يكون لك شأن خطير في بلدك 0 أقول رغم كثافة الأخطاء وتراكم قضايا الفساد بقيت المحاسبة تقف بعيدا تنظر أمامها دون أية إشارة 0 لسنا فوق الواقع ولا خارجه بل نحن ضمن تياراته ، تجرفنا شمالا وجنوبا وليس بقربنا عامودا نتمسك به لنقف بثبات وسط تناوب التيارات 0 المشكلة أن الجريمة موجودة في قلب المجتمع والمحاكم ما زالت تبحث عن اللصوص فهل تستطيع أن تقبض على أحد منهم ، أم تصبح المحاكم ذاتها في خانة الإتهام ؟؟ 0 فالإنسانية في بلدي موشحة بالأحزان ، والكثير منا يبحث عن الخروج من مأزق الحياة ومآسيها لكن طريق السعادة والعدالة مظلم ومرصوف بأشواك التساؤلات المختلفة 0 فالمستقبل الذي يرتكز على جذور فاسدة ، يبقى عرضة للتفسخ طيلة وجوده أنهم يا صديقي يسعون لأن يكون الحاضر متسخا ، بعيدا عن محطات العدالة من أجل الوصول لمستقبل ملوث يسعون لتلطيخ شرائح واسعة من أجل أن يضيعوا بينها وبالتالي يصعب الإصلاح 0
#فوزي_نصر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الثقافة بين الحركة والجمود
-
هل الشفافية ضرورة للقضاء على الفساد
-
لماذا لا نرفع راية الإصلاح
-
في الوطن العربي الفساد هل يتقلص أم يزداد
-
الديموقراطية الأمل المفقود لدى الأنظمة العربية
-
القطب الواحد ( عالم اليوم ) إلى أين يسير
المزيد.....
-
الأمم المتحدة: السودان يواجه أكبر أزمة نزوح في العالم
-
هآرتس: ربع الأسرى الفلسطينيين في سجون -اسرائيل- اصيبوا بمرض
...
-
اللاجئون السودانيون في تشاد ـ إرادة البقاء في ظل البؤس
-
الأونروا: أكثر من مليوني نازح في غزة يحاصرهم الجوع والعطش
-
الأونروا: إمدادات الغذاء التي تدخل غزة لا تلبي 6% من حاجة ال
...
-
الاونروا: الحصول على وجبات طعام أصبح مهمة مستحيلة للعائلات ف
...
-
الأمم المتحدة: السودان يواجه أكبر أزمة نزوح في العالم
-
منظمة حقوقية يمنية بريطانيا تحمل سلطات التحالف السعودي الإما
...
-
غرق خيام النازحين على شاطئ دير البلح وخان يونس (فيديو)
-
الأمطار تُغرق خيام آلاف النازحين في قطاع غزة
المزيد.....
-
مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي
/ عبد الحسين شعبان
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة
/ زهير الخويلدي
-
المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا
...
/ يسار محمد سلمان حسن
-
الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نطاق الشامل لحقوق الانسان
/ أشرف المجدول
-
تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية
/ نزيهة التركى
-
الكمائن الرمادية
/ مركز اريج لحقوق الانسان
-
على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
المزيد.....
|