|
هل تستطيع الهروب من الله ..؟؟
محمد حبش كنو
الحوار المتمدن-العدد: 5604 - 2017 / 8 / 9 - 23:16
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
نحن محكومون بالإله سواء آمنا به أم لم نؤمن .
يولد الشرقي مؤمنا بالإله غالبا في بيئة يرى فيها الله في كل شيئ .. في البيت .. في المدرسة .. في الشارع .. في معاملات السوق .. في القسم باسمه بين الأطفال و بين الكبار .. وفي كل شيئ من حوله .
هذا الشرقي ربما يبقى على إيمانه الكلاسيكي وربما يزداد عنده الوعي ويتأثر بايديولوجيات معينة فيلجأ إلى الإلحاد لكنه يبقى متأثرا بذلك الإله سواء في استخدام الألفاظ التي تربى عليها أو الحلف باسم الله دون أن يتقصد ذلك أو حتى اللجوء إليه في ضائقة ما .
الأمر الأصعب من ذلك كله هو الدخول في صراع معه عبر سبه و شتمه والغضب منه رغم أن الملحد يؤكد أنه لا يؤمن به أساسا وهذا يعني وجود خلل فمن العبثية أن تغضب من كيان وتكره شيئا غير موجود أساسا في عقيدتك وهو يدل على عدم نضوج فكرة الإلحاد وغالبا لن تنضج الفكرة مستقبلا ولكن ما السبب ..؟؟؟
السبب يكمن في الدماغ فالدماغ وعاء تختزن ذاكرته أفكارا ومصطلحات مع الطفولة تصبح جزءا أساسيا منه لا تنفك ليغدو كل ذلك كيانا مرتبطا به وليست أفكارا قابلة للشد والجذب وبالتالي عندما تأتي الأفكار المستحدثة فإنك تتقبلها كفكرة واعية ولكن ليس كجزء من تشكيلة الدماغ لأن هذه ترتبط بمرحلة الطفولة تحديدا .
العلم التجريبي الحديث لن يوصلك إلى الإلحاد ولا إلى الإيمان لأنه مختلف أساسا حول ذلك فبينما نجد علماء ينفون وجود الله نجد بالمقابل عالما مثل ألبرت آينشتين يقول أنه من المستحيل أن تكون كل هذه الدقة والتنظيم عبثيا في الكون ولا يقف وراءه أحد ولكن العلم لا يستطيع أن يقدم صورة لهذا الإله كما تفعل الأديان وعليه فإن قضية الإيمان والإلحاد كلاهما يرتبطان بالعاطفة لا العقل حسب حاجة كل فرد ورغباته وخوفه وحساسيته وعاطفته وما يختلج في دواخله من اهتزازات .
لن تستطيع الهروب من الله لأنه التصق بك وإن حاولت فستدخل في صراع معه وتصبح أشبه بدونكيشوت الذي كان يحارب طواحين الهواء مضيعا وقتك في محاربة الوهم وإذا بقيت على إيمانك فستغضب بنفس الوتيرة لأنك لا تريد البقاء في الوهم أيضا .
الوعي ربما يتطور فتخلق إلها على مزاجك لكي تتخلص من هذه العقدة التي تقترب من المرض النفسي فهناك إله في داخلك إما ان تؤمن به أو تحاربه وفي كلتا الحالتين لا تتخلص منه وبالتالي تخلق لنفسك إلها يوافق مخيلتك وهذا مشهور عند الكثيرين حيث يقولون نحن نؤمن بالله ولكن لا نؤمن بالأديان وكل واحد يرسم إلها خاصا به في مخيلته و قد ظهرت بوادر لهذه الفلسفة عند اليونانيين القدماء حيث قالو إن إلهك هو من صنع بنات أفكارك .
لدى البروفيسور الكندي دونالد كاميرون نظرية اسمها نظام الصدمة يبرهن عبرها أنه من الممكن تغيير البشر عبر صدمهم بصدمة عظيمة تجعل ذاكرتهم شبه ممحية وجاهزة لاستقبال أفكار جديدة أو حتى تغيير الشخصية بالكامل لكنني أعتقد أن هذه النظرية ستنجح في تغيير كل شيئ عدا الله الذي تشكل في دواخلنا والسبب أن الدماغ ربط كهرباءه منذ وعيه الأولي في الطفولة بطاقة غيبية كانت هي التفسير الذي ارتاح له وتشكل على أساسه وبالتالي فقد دخل في حالة استرخاء فيما يتعلق بالغيب و من السهل في الوعي البسيط أن يغير تلك الفكرة لكنه لن يغيرها في الوعي الأعمق أبدا حتى يجد له بديلا كالإله الذي نخلقه من بنات أفكارنا مثلا .
من حقنا أن نتساءل هنا ما الذي يجعل بعض الناس يعيشون هذه الحرب الداخلية أو هذا القلق ..؟؟؟
حقيقة فإن أهم سبب هو عدم اقتناعهم بالشكل الذي تقدمه الأديان للإله فهو أقرب إلى الملوك والسلاطين والجلادين والمستبدين ويقضي كل وقته في الصراع مع البشر إن مارسو بشريتهم ووقعو في الأخطاء وبالتالي يحمر وجهه غيظا في السماء من هذه الأفعال ويأمر جنوده أن يسجلو كل شيئ حتى يعاقب هؤلاء مستقبلا عبر حرقهم وسحلهم وتعذيبهم في نيران عظيمة أبد الآبدين أو هو مشغول بتأليب البشر على بعضهم وجعلهم يتصارعون ويتقاتلون وتجري الدماء كالأنهار إرضاء لذاته النرجسية .
المشكلة ليست مشكلة دين بعينه فالأديان كلها متشابهة و مثلما يقال أن الكفر ملة واحدة فإن الدين أيضا ملة واحدة وستبدو فكرة عبثية الإنتقال من دين إلى آخر للوصول إلى مفهوم عقلاني للألوهية وتبدو الفكرة كالمستجير من الرمضاء بالنار وليس هناك دين واحد قدم نموذجا مقبولا للإله وبما أن الأديان كلها قديمة فإن ذلك النموذج ربما يتوافق مع تلك العقليات القديمة ولكنها لا تتناسب مع عصر العلم والمعرفة والإكتشافات وعليه فإننا نحتاج إما إلى أديان جديدة وهذا مستحيل أو تشذيب الأديان القديمة لخلق إله جديد يتناسب مع المفاهيم العلمية الحديثة بما أن الإله نفسه لا يريد التواصل مع أحد لكشف كنهه وماهيته أو أن يعيش البشر كما هم .. البعض يقتل باسم الله والبعض يدخل في صراع نفسي مع الله والبعض يخلق إلها في مخيلته ليتخلص من ذلك النزاع الداخلي والبعض لا يكترث لكل تلك الغيبيات كما حال الكثيرين في البلاد الغربية لكنهم قلة قليلة تكاد تكون معدومة في هذا الشرق التعيس .
#محمد_حبش_كنو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إنتهت الأزمة و هذا ما يلوح بالأفق في سوريا
-
العرس في الرقة والطبل في عفرين .. ماذا تريد تركيا من عفرين .
...
-
شريف باشا باق ويتمدد ..!!!
-
ماذا يقصد فورد بقوله سيندم الأكراد على ثقتهم بأمريكا ..؟؟
-
الجذور الخفية لعلاقة بريطانيا بالجماعات الإسلامية المتطرفة
-
الإسلام في زمن الكوليرا
-
القاصر السوري مجرم أم ضحية المجرمين ؟
-
من المسؤول عن تفجير الكنائس في مصر .. الدولة أم الإسلاميون أ
...
-
أين كنتم يوم كانت باقية وتتمدد ..؟؟
-
مهاباد أول جمهورية وأول علم وأول نشيد
-
تصفية بشار الأسد
-
الإخوان المسلمون جذر الإرهاب
-
تأثير مفهوم الألوهية على شكل نظام الحكم
-
الشيعة والسنة من يمثل الإسلام ..؟
-
الإسلام الحقيقي بين الواقع والخيال
-
قصيدة أبنة الشمس
-
أبنة الشمس
-
أزمة العقل العربي
-
داعش داعرة الحي
-
تجديد الخطاب الديني .. الآليات والعوائق
المزيد.....
-
مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية شرطة الاحتلال الإسرائي
...
-
أجراس كاتدرائية نوتردام بباريس ستقرع من جديد بحضور نحو 60 زع
...
-
الأوقاف الفلسطينية: الاحتلال الإسرائيلي اقتحم المسجد الأقصى
...
-
الاحتلال اقتحم الأقصى 20 مرة ومنع رفع الأذان في -الإبراهيمي-
...
-
استطلاع رأي إسرائيلي: 32% من الشباب اليهود في الخارج متعاطفو
...
-
في أولى رحلاته الدولية.. ترامب في باريس السبت للمشاركة في حف
...
-
ترامب يعلن حضوره حفل افتتاح كاتدرائية نوتردام -الرائعة والتا
...
-
فرح اولادك مع طيور الجنة.. استقبل تردد قناة طيور الجنة بيبي
...
-
استطلاع: ثلث شباب اليهود بالخارج يتعاطفون مع حماس
-
ضبط تردد قناة طيور الجنة بيبي على النايل سات لمتابعة الأغاني
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|