أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عباس علي العلي - الموقف المعرفي من حقيقة وجود الفروع في الدين















المزيد.....

الموقف المعرفي من حقيقة وجود الفروع في الدين


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 5604 - 2017 / 8 / 9 - 23:15
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


لا بد أن نختم هذا المبحث في موضوع موقفنا المستخلص من معرفة الديانات والمذاهل للفروع وكيف يمكننا أن نميز بينها وبين واجبات المتدين التي يفرضها الإيمان اليقيني بالدين وأصوله، وهذا الأمر يتطلب شجاعة أدبية فيما يتم نفيه وإثباه وليس فقط نقد الفكرة المطروحة أو تعريتها من كامل وجودها، الشجاعة المطلوبة تتلخص في أن لا قيمة حقيقة في أن نعدد الفروع ونشغل وقتنا في الأستغراق بها وتكثيف البحث عنها، فالنتيجة تعود إلى حكمة قديمة تقول (خير الناس من نفع الناس).
هذه الخيرية والتي جعلت من مبادء الدين وأهدافه السامية البوابة الرئيسية التي يتطلع لها الإنسان المؤمن بدين وحتى الذي لا يعرفه مؤمنا بأن الوجود ذاته بحاجة للخير سواء أكان طبيعيا أو أختياريا، إن مفهوم الخير وحده عنوان مستقل في المعرفة الإنسانية إجمالا وقد نصل لها بدون الدين من خلال التجربة، ولكن من الضروري للإنسان أن يفهمها عن طريق مثالي محكم حتى تكون أشد في تأثيرها على الواقع لأن الدين له حضور محترم في العقل الإنساني أولا، وله صدقية تغنينا عن التجريب الذي قد يضر ولا ينفع.
الفلسفة عموما هي التي ركزت منذ نشأتها للتفريق بين الخير والشر ووضعت تعاريف ومعيارية نظرية وحسيه له، على أسس متنوعة حسب ما تذهب إليه هي أو ما تقرأه من الواقع، وعموما فهي ترة في الخير كما يقول البعض من المتفلسفين على أنه (بصفته المعيار الذي يحدّد قيمة السلوك الإنساني من حيث الإيجابية أو من حيث السلبية، ينشأ الخير في الأصل تلبيةً لتطلّع جوهري عند الإنسان إلى تجاوز ذاته، والعقل الإنساني يرى الخير على أنّه المثال الأسمى الذي يحكم وينير حياة الإنسان والخير في الحياة المعاصرة أصبح مرادفًا (للقيمة) كلّ خير قيمةٌ، وكلّ قيمةٍ خيرٌ، فالخير هكذا مبدأ تقييم يسمح بتحديد الغايات التي يُفترض بالأفعال الإنسانية أن تنشدها) .
تطور مفهوم الخير فلسفيا بتأثير الدين مرة ومرة بتأثير المدارس الفكرية التي عارضت الدين، هذا التطور لم يكن تدريجيا فقط بل كان في أحيان كثيرة متعاصر أو كونه رد على بعض المذاهب الفلسفية بعينها، وهذا لا يعني أنها أعطت وجهات نظر مختلفة فقط بل وسطرت على أن الفلسفة ستبقى هي المكان الأمثل والأرحب لتطور الفكر الديني خاصة والفكر المعرفي الإنساني عامة، وعلى عموم الدراسة نجد أن صور الخير ومفاهيمه تبدلت وفقا للتطور الإنساني المحكوم بجدلية العقل والزمان.
عموما يمكننا هنا أن نعدد بعضا من مفاهيم الخير تبعا لتعدد المدارس الفلسفية والفكرية لنتبين ما هو منطبق مع تصورنا عن الخير الذي يريده الدين وينشده الإيمان به:
• الخير هو (اللذه) بمعى أن الخيرٌ كلّ فعل تنتج عنه لذّة، وبالمقابل هو شرّ كلّ فعل ينتج عنه ألم، وقد قال بهذا المذهب أبيقور (Epicure) حيث اعتبر أنّ الخير الأسمى هو في اللّذة الحسيّة- الفكرية التي تنجينا من الخوف والألم بمعنى تجنبنا الشر، وقد سعى أبيقور إلى تحرير الإنسان من (خوفين) الخوف من الآلهة- الخوف من الموت.
• الخير هو السعادة: (مذهب الأوديمونية) التي ترى اللذة ليست مصدر الخير بل بما تتركه من سعادة في واقع الإنسان، وهي الفكرة الأفلاطونية عن معنى الخير وحقيقته التامة، وتابعه في ذلك الفارابي الذي يرى في السعادة كلها أنها غاية الإنسان القصوى التي لا غاية وراءها، ويبلغها الإنسان عندما يحقق كماله وجريا على هذا المنوال تابع أيضا ديكارت عندما جعل السعادة هي في أن نشبع حاجاتنا وفقًا للعقل، وفي أن نحسن استخدام حرّيتنا، ولحقه أيضا سبينوزا الذي عرفها كقيمة قصوى متمثلة في معرفة الله الذي هو الخير الأسمى.
• أما في المدرسة المنفعية فقد كانت تعنون الخير هو ما يجلب المنفعة وينميها ويثريها، فالإنسان العاقل بالنسبة إلى النفعية، هو الذي يسعى إلى سلوكٍ أخلاقي يخدم منفعته ولذته، ولا يكفي بحسب ستيوارت ميل أن نأخذ بالإعتبار العامل الكميّ للّذّات، بل يجب أن نرى كيفيتها.
• في المدرسة الأخلاقية التي تنادي بالأجتماعية يجب أن يتناول الخير ليس الشعور بالمنفعة الذاتية لتوصيف الخبر بل ما نتعامل به مع الأخر الغيري، فمثلا أعتبر اعتبر آدم سميث أنّ شعور التعاطف هو "الشرط الضروري والكافي في الوقت نفسه لبناء الأخلاق" حيث يُسرّ الإنسان لسرور الآخرين ويحزن لحزنهم.
• أما في المدرسة الغيرية الأجتماعية فتتلخص قضية الخيرعند أوغست كونت، أنّ الأفعال الخيّرة هي التي يكون دافعها شعورٌ غيري يحرّر الفرد من أنانيّته ومن فرديّته وينمّي إجتماعيته.
• أما نظرية الأنسجام مع الطبيعة التي تتفرع حسب مفاهيمها الخاصة بين سبنسر حيث وضع معطيات الأخلاق بالاستناد إلى مفهومين ظهرا مع التطوّر وهما الإصطفاء الطبيعي، وبقاء الأصلح، بينما تزعم غويو الذي رأى أنّ الأفعال الخيّرة هي التي تساعد في انتشار الحياة، لأنّ الحياة لا تستمرّ إلاّ بالإنتشار، فيما مال نيتشه إلى مفهوم أنّ الأفعال الخيّرة هي التي تهيئ لظهور الإنسان الأسمى، أمّا الشفقة، والحب، والمساواة، فهي أفخاخ ينصبها للإنسان الأسمى العبيد المنهزمون للموت .
لو دققنا جيدا في المفاهيم السالفة وعرضناها على ما تتضمنه الديانات من أهداف ونتائج ورؤى كونية عنها وفي علاقتها مع الإنسان، نجد أن ما يحققه الدين بشكل أو بأخر تعود لمجموع المضامين بتعددها وتنوعها، فمثلا (مقولة خير الناس من نفع الناس) نجدها في صلب المدرسة النفعية وفي روح المدرسة الأخلاقية وفي مضامين المدرسة الأجتماعية والأجتماعية الغيرية، وهي أيضا تحاول أن تتماهى مع هدفية الإنسان الإنسان الأسمى، فيما التمتع بوجود الخير يضيف للإنسان لذة التفوق على الذات الأنانية ويحقق السعادة له لأنه حقق مراد الله كما عند ديكارت.
هذه الفلسفات في حقيقتها لا تنقطع عن الدين ولا تتقاطع معه طالما أن موضوعها الإنسان الذي هو محور وظيفة الدين ومصدر القيم التي تجعله هبة الله للوجود، {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ}القصص77، فالفساد هو عين الشر الذي يناقض الخير ويخاصمه كما هو سلب الطبيعة تماهيها مع حاجات الإنسان ووجوده وحيث تتجلى إرادة الله (الخالق) وتعليله للخلق {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }الحجرات13.
فالسعي للخير هو عين إرادة الله وهي رسالة الدين كما هي تمام معرفة الإيمان بهما وممارسته في التعبد عبر الواجبات المفروضة أو القيم الأخلاقية التي تنشدها العبادات التي تسمى فروع الدين أو مقتضيات التعبد بالأصول، فلا دين بالوجود يمكنه أن ينادي بالشر أو يحض عليه، كما أن لا دين لم ينادي بالخير والمعرفة والإصلاح، إن التمادي في تقسيم الدين إلى أصول ومن ثم فروع هي محاولة أستقرائية لكليات الدين وأهدافه الغائية من قبل الإنسان وتجزئة للواحد الكلي، فهي إذا قراءة بشرية محضة لا علاقة لها بالنص الديني من حيث تقديمه للفكرة وتسطيره للمراد القصدي، وهذا ما جعل البعض يستنكر وجود هذا التقسيم أصلا من حيث الشكلية، كما يستنكر أن تكون الأخلاق مصدرها ديني خالص بمعزل عن حدود التجربة التأريخية.



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأختلاف الفكري والفلسفي في مفهوم الوعي الفردي وعلاقته بالوع ...
- هل لعب الفكر الديني دورا في التحولات الوجودية في عالم الإنسا ...
- مفهوم أولي الأمر وجدل الأشتقاق اللغوي
- المعيارية القياسية للتفريق بين منطق المحكم وشبهة المتشابه
- تفريع اصول الدين أم تأصيل المتفرعات الجزئية ج2
- تفريع اصول الدين أم تأصيل المتفرعات الجزئية ج1
- حقيقة الدين كفكرة وشكلية التدين كصورة وضل
- الدين بين المفهوم القدري والحقيقة الأجتماعية
- ما معنى أصول الدين هل هي توصيفات أساسية أم مواصفات أسية؟
- مهمة أستنطاق النص الديني وجدلية الذاتي والموضوعي
- مسائل ووسائل فكر التجديد الديني
- مشروعية التجديد الديني وضروراته
- مناهج الجديد الديني ومرتسمات النتائج
- ظاهرة الطلاق في المجتمع العراقي أسباب وحلول ج1
- مشروع لجنة العمل المدني والحوار الوطني في العراق
- ملامح مرحلة سياسية عراقية قادمة يغيب عنها طغيان الإسلام السي ...
- تجديد في الخطاب الدي أم تحديث في إدارة عمليات الوعي والإدراك ...
- تجديد في الخطاب الديني أم تحديث في إدارة عمليات الوعي والإدر ...
- حين نكتشف ما هو مكتشف.... قصة قصيرة
- تجديد في فهم الدين أم تجديد في الرؤية الدينية


المزيد.....




- مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية شرطة الاحتلال الإسرائي ...
- أجراس كاتدرائية نوتردام بباريس ستقرع من جديد بحضور نحو 60 زع ...
- الأوقاف الفلسطينية: الاحتلال الإسرائيلي اقتحم المسجد الأقصى ...
- الاحتلال اقتحم الأقصى 20 مرة ومنع رفع الأذان في -الإبراهيمي- ...
- استطلاع رأي إسرائيلي: 32% من الشباب اليهود في الخارج متعاطفو ...
- في أولى رحلاته الدولية.. ترامب في باريس السبت للمشاركة في حف ...
- ترامب يعلن حضوره حفل افتتاح كاتدرائية نوتردام -الرائعة والتا ...
- فرح اولادك مع طيور الجنة.. استقبل تردد قناة طيور الجنة بيبي ...
- استطلاع: ثلث شباب اليهود بالخارج يتعاطفون مع حماس
- ضبط تردد قناة طيور الجنة بيبي على النايل سات لمتابعة الأغاني ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عباس علي العلي - الموقف المعرفي من حقيقة وجود الفروع في الدين