مازن كم الماز
الحوار المتمدن-العدد: 5602 - 2017 / 8 / 5 - 14:19
المحور:
في نقد الشيوعية واليسار واحزابها
رسالة إلى محرري جريدة ليبرتي – ميخائيل باكونين
ترجمة مازن كم الماز
1872
بما أنكم قد نشرتم قرار طردي من "الكنيسة" الذي اتخذه للتو المؤتمر الماركسي في هاغ فمن المؤكد أنكم سترون من العدل أن تنشروا ردي. و هذا هو ردي . لقد كان انتصار السيد ماركس و جماعته كاملا . واثقين من حصولهم على أكثرية عملوا طويلا على تحقيقها و ترتيبها بكل مهارة و حرص , حتى لو كان ذلك دون أي اعتبار لمبادئ الأخلاق و الحقيقة و العدالة التي تتردد كثيرا في خطاباتهم و نادرا جدا في أفعالهم , خلع الماركسيون أقنعتهم . و , كما يليق بكل عشاق السلطة , أعلنوا بكل جرأة عن تأسيس ديكتاتوريتهم على أعضاء الأممية , و كما كان الحال دائما : باسم سيادة الشعب الذي يصبح من الآن فصاعدا حجر الأساس لجميع الطامحين لحكم الجماهير . لو أن الأممية لم تكن قوية و عميقة الجذور , لو أنها كانت قد تأسست , كما يتخيلون , فقط حول قيادة مركزية رسمية لا على أساس التضامن الحقيقي بين المصالح الفعلية و آمال بروليتاريا كل البلدان في العالم المتحضر , و على أساس الاتحاد العفوي و الحر لمنظمات و فيدراليات العمال بشكل مستقل عن أي سيطرة حكومية , لكانت مراسيم مؤتمر هاغ , التي تشكل تجسيدا مخلصا و مذهلا لكل النظريات و الممارسات الماركسية , كانت كافية لتقتلها . كانت كافية لتحويل هذه المنظمة الرائعة إلى مجرد هراء و تفاهة , التي يسعدني أن أسجل هنا أن السيد ماركس لعب دورا ذكيا و نشيطا في تأسيسها . دولة , حكومة , ديكتاتورية شاملة ! حلم غريغوري السابع ( بابا الفاتيكان غريغوري السابع 1015 – 1085 ) , بونفيس السابع , تشارلز الخامس ( يوجد أكثر من تشارلز هنا , هناك تشارلز امبراطور الامبراطورية الجرمانية المقدسة 1500 - 1558 و تشارلز الخامس ملك فرنسا 1338 – 1380 ) , نابليون , الذين يظهرون مرة تلو الأخرى لكن بمبررات و حجج جديدة في كل مرة , هذه المرة في معسكر الاشتراكية الديمقراطية ! هل يمكن للمرء أن يتصور شيئا هزليا أكثر من هذا , لكن أيضا أكثر إثارة للغضب ؟ الزعم بأن مجموعة من البشر , حتى لو كانوا الأكثر ذكاءا و أصحاب أفضل النوايا , ان يمتلكوا سلطة التصرف كدماغ , روح , الإرادة المسيطرة و الموحدة للحركة الثورية و المنظمة الاقتصادية للبروليتاريا العالمية , إن هذا الزعم هو مجرد هرطقة بالنسبة للمنطق السليم و التجربة التاريخية , بحيث أن المرء يستغرب بدهشة من أن شخصا ذكيا كماركس يمكنه أن يقول بمثل هذا . يمكن للبابا على الأقل أن يزعم أنه يمتلك الحقيقة المطلقة بفضل مباركة الروح القدس التي يفترض بنا أن نؤمن بها دون نقاش . لكن السيد ماركس لا يمكنه الزعم بمثل ذلك و لن أسيء إليه بالقول بأنه يتخيل أنه قد اخترع علميا ما يقترب من الحقيقة المطلقة . لكن ما أن نستبعد أي حديث عن الحقيقة المطلقة , حتى تنتفي عندها أية دوغما مطلقة الصحة فيما يتعلق بالأممية , و بالتالي , لا نظرية سياسية أو اقتصادية سائدة أو رسمية , و لا يجب على مؤتمراتنا أن تصبح مجمعات كنسية أو مسكونية تملي المبادئ التي يجب على الجميع الإيمان بها . لا يوجد سوى قانون واحد فقط إلزامي فعلا لكل الأفراد و الفروع و الفيدراليات في الأممية , التي يشكل ذلك القانون أساسها الحقيقي و الوحيد . إنه التضامن الأممي بين عمال كل المهن و البلدان في أكمل أشكاله و كل نتائجه و تطبيقاته في نضال العمال الاقتصادي ضد مستغليهم . توجد الوحدة الحية للأممية فقط في التنظيم الفعلي لهذا التضامن من خلال الفعل العفوي للجماهير الكادحة و الاتحاد الحر تماما لجماهير العمال من كل اللغات و القوميات , القوية بالتحديد لأنها حرة . في الحقيقة لا يمكن توحيد الأممية بالأوامر المتخذة في القمة و تحت سوط أية حكومة أيا تكن . من يشك أنه خارج هذا التنظيم الأوسع فالأوسع للتضامن الكفاحي للبروليتاريا في مواجهة استغلال البرجوازية يمكن للبروليتاريا أن تخوض نضالها السياسي ضد البرجوازية ؟ نحن و الماركسيون متفقون على هذه النقطة . لكن تظهر هنا على الفور المسألة التي تفرقنا نحن و الماركسيين . إن موقفنا هو أن سياسة البروليتاريا , الثورية بالضرورة , يجب أن يكون موضوعها الوحيد و المباشر القضاء على الدولة . لا يمكننا أن نفهم كيف يمكن لأحد أن يتحدث عن التضامن الأممي عندما توجد الرغبة في الحفاظ على الدولة , عندما يدور الحديث عن دولة عالمية , أي عن عبودية عالمية , كما حلم بها كل الأباطرة و الباباوات العظام . لأن الدولة بطبيعتها هي نفي ذلك التضامن و بالتالي : السبب الدائم لاندلاع الحروب . و لا يمكننا أن نفهم كل ذلك الحديث عن حرية البروليتاريا أو الانعتاق الحقيقي للجماهير داخل الدولة و بواسطة الدولة . الدولة تعني الهيمنة , و كل هيمنة تعني خضوع الجماهير , و بالتالي , استغلال هذه الجماهير لصالح الأقلية الحاكمة . إننا لا نقبل , و لا حتى لأغراض الانتقال الثوري , بإقامة الجمعيات الوطنية , و لا الجميعات التأسيسية أو الحكومات المؤقتة , و لا ما تسمى بالديكتاتوريات الثورية : لأننا مقتنعين بأن الثورة تكون حقيقية و دائمة فقط عندما تكون بين الجماهير , و أنه في كل مرة تتركز فيها في أيدي قلة من الأفراد الحاكمين ستتحول فورا و حتما إلى ردة رجعية . هذا هو ما نعتقده , و ليس هذا هو الوقت المناسب لنتوسع في عرض أفكارنا . بينما يقول الماركسيون بأفكار محتلفة تماما . و كما هو متوقع من ألمان جيدين , فإنهم يعبدون سلطة الدولة , و هم بالضرورة أيضا أنبياء الانضباط السياسي و الاجتماعي , و دعاة النظام من الأعلى إلى الأسفل , دائما باسم الاقتراع العام و سيادة الجماهير , التي تعني عندهم "امتياز" و "شرف" الخضوع للقادة , السادة المنتخبين . يرى الماركسيون أنه لا يوجد انعتاق سوى الذي يتوقعونه من خلال ما يسمونه دولة الشعب . هناك مسافة ( حاجز ) كبيرة بيننا و بين الماركسيين , هم سلطويون ( ساعون إلى السلطة ) و نحن أناركيون , على الرغم من كل شيء . هذان هما التياران الرئيسيان اللذان قسما الأممية اليوم إلى معسكرين ( متناقضين ) . من جهة هناك ألمانيا فقط , و على الطرف الآخر نجد و بدرجات مختلفة : إيطاليا , إسبانيا , جورا السويسرية , معظم فرنسا , بلجيكا , هولندا , و في المستقبل القريب , الشعوب السلافية . اصطدم هذان التيارين في مؤتمر هاغ , و بفضل مهارات السيد ماركس التكتيكية الهائلة , و بفضل التنظيم المصطنع لمؤتمره الأخير , انتصر التيار الألماني . هل هذا يعني أن هذه المسألة الشائكة قد حسمت ؟ ( على العكس ) . الحقيقة أن النقاش بصددها لم يبدأ بعد : الأغلبية , التي صوتت كفرقة عسكرية مدربة جيدا , منعت أي نقاش ممكن بأصواتها . هكذا ما يزال التناقض قائما , أكثر حدة و إثارة للجدل من ذي من قبل , و حتى السيد ماركس نفسه , رغم سكرة نجاحه , لا يمكنه أن يخدع نفسه بأنه قد تخلص منه بهذه الثمن البخس . و حتى إذا راوده مثل هذا الأمل الغبي للحظة , يجب أن يتوقف فورا عن خداع نفسه بسبب الموقف الموحد لمندوبي جورا و و إسبانيا و بلجيكا و هولندة ( دون أن نذكر إيطاليا التي رفضت حتى أن ترسل مندوبيها إلى المؤتمر المزور بشكل فاضح ) , و هو اعتراض قد يبدو معتدل اللهجة لكنه أكثر قوة و أبعد عمقا ( في الواقع ) . لكن ما الذي يمكننا فعله اليوم ؟ ما دام الحل و التوفيق مستحيلا في المجال السياسي اليوم , علينا إذن أن نبدي ( نظهر ) تقبلا متبادلا تجاه بعضنا البعض و أن نترك لكل بلد الحق غير القابل للجدل في أن يختار أي اتجاه أو تيار سياسي يفضله أو يرى أنه الأفضل في ظروفه الخاصة . هكذا , باستبعاد كل القضايا السياسية من البرنامج الإلزامي للأممية , علينا أن نسعى لتعزيز وحدة هذه المنظمة العظيمة فقط في مجال التضامن الاقتصادي . هذا التضامن هو الذي يجمعنا بينما تفرقنا القضايا السياسية . هنا بالذات تكمن الوحدة الحقيقية للأممية : في الآمال الاقتصادية المشتركة و الحركة العفوية للجماهير الشعبية في كل بلد , لا في أية حكومة مهما كانت , و لا في نظرية سياسية موحدة يفرضها مؤتمر ما على هذه الجماهير . هذا واضح جدا لدرجة أنه يجب أن تعميك شهوة السلطة كيلا تستطيع رؤية ذلك . يمكنني أن أفهم أن الطغاة المتوجين أو غير المتوجين قد حلموا بالفعل بحكم العالم بأسره , لكن ماذا يمكنني أن أقول عن صديق للبروليتاريا , عن ثوري يزعم أنه يسعى نحو انعتاق الجماهير , عمن يدعي أنه قائد و حاكم أعلى لمجمل الحركة الثورية التي قد تنفجر في مختلف البلدان و الذي يجرؤ على أن يحلم بأن يخضع البروليتاريا بأسرها لفكرة واحدة من بنات أفكاره ؟ إني أعتقد أن السيد ماركس ثوري جدي , و لو أنه ليس ثوريا صادقا على الدوام , و أعتقد أنه يسعى فعلا إلى ثورة الجماهير , و أتساءل كيف يعجز عن رؤية أن إقامة مثل هذه الديكتاتورية الشاملة ( العالمية ) , سواء كانت جماعية أو فردية , ديكتاتورية يزعم أنها ستلعب دور المحرك الرئيسي للثورة العالمية , لتنظم و توجه انتفاضات الجماهير في كل مكان بنفس الطريقة التي يدير فيها أحدنا آلة ما – أن إقامة مثل هذه الديكتاتورية سيكون كافيا لقتل الثورة و شل و تشويه كل الحركات الشعبية . أين هو ذلك الشخص , أو مجموعة الأشخاص , الذين مهما كانت عبقريتهم , سيجرؤون على تملق أنفسهم بأنهم قادرون على الإحاطة و فهم التنوع اللانهائي للمصالح و الاتجاهات و الأفعال المختلفة في كل بلد , كل مقاطعة , كل مكان , كل مهنة , التي يمكن توحيد معظمها , دون أن تصبح متطابقة بالضرورة من خلال مبادئ رئيسية معينة و آمال مشتركة عظمى , نفس الأمل ( المساواة الاقتصادية من دون خسارة الاستقلال الذاتي ) التي تغلغلت في وعي الجماهير , لتشكل الثورة الاجتماعية القادمة ؟ و ماذا يمكن للمرء أن يقول عن مؤتمر أممي يفرض على كل بروليتاريا العالم المتحضر , باسم مصلحة الثورة نفسها , حكومة ذات سلطات ديكتاتورية تتمتع بصلاحيات محاكم التفتيش و سلطات البابا لتطرد فيدراليات محلية للأممية و شعوبا بأكملها باسم ما يسمونه المبدأ الرسمي الذي ليس في الواقع إلا أفكار السيد ماركس , و قد تحولت بعد تصويت أغلبية وهمية إلى حقيقة مطلقة ؟ ماذا يمكننا أن نقول عن مؤتمر يقوم , لكي يكشف أكثر عن غبائه , بنقل هذه الحكومة الديكتاتورية ( المجلس العام للأممية ) إلى أمريكا , التي تتألف من أشخاص مخلصين ربما لكن جاهلين و غير معروفين حتى للمؤتمر نفسه ؟ سيكون أعداؤنا البرجوازيون على حق إذن عندما يسخرون من مؤتمراتنا و عندما يقولون أن جمعية العمال العالمية ( الأممية الأولى ) تناضل ضد الطغاة الحاليين فقط لكي تؤسس طغيانا جديدا , أنها تعمل على القضاء على التفاهات القائمة , فقط كي تخلق تفاهة جديدة !
نقلا عن
https://www.marxists.org/reference/archive/bakunin/works/1872/la-liberte.htm
#مازن_كم_الماز (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟