|
دور الولايات المتحدة الأمريكية في بناء النظم البرلمانية في مرحلة ما بعد الاحتلال
سيف الامارة
الحوار المتمدن-العدد: 5601 - 2017 / 8 / 4 - 23:56
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مقدمة: قامت الولايات المتحدة منذ بروزها في مطلع القرن العشرين كقوة كبرى باحثة عن الهيمنة على اتباع سياسات مغايرة لتلك التي اتبعتها الدول الاستعمارية القائمة على السيطرة المباشرة، حيث اعتمدت الولايات المتحدة الأساليب المرنة أي غير مباشرة، والتي تركز على الشعوب اكثر مما تركز على النظم السياسية، مما ساعد بشكل أو بأخر على تحطيم أساليب الاستعمار التقليدية، وإظهار الولايات المتحدة بمظهر الدولة الديمقراطية المنقذة كأسلوب جديد للهيمنة، الامر الذي اكسبها بجانب قواها المادية صفة القوة المجسدة للخير بوجه قوى الشر، مما أتاح لها مرونة واسعة في توصيف النظم السياسية المعادية لها بقوى الشر، ألامر الذي غالباً ما يساعد على افقاد تلك النظم الشرعية حتى من قبل مجتمعاتها، مما يمنح الولايات المتحدة المبرر الذي تنطلق من خلاله باتجاه إسقاط تلك النظم، ألامر الذي يتيح لها القدرة الكافية على إعادة بناء النظم السياسية التي غالباً ما تكون برلمانية بالشكل الذي يتوافق مع طبيعة مصالحها الاستراتيجية. أولاً - أهمية البحث : تتلخص أهمية البحث في نقطتين أساسيتين : 1- أنه موضوع جديد ولم يجد الباحث الدراسات الكافية لتغطيته. 2- تحتل عملية إعادة بناء النظم البرلمانية من حيث الفاعلية أو عدم الفاعلية أهمية كبيرة في التأثير على مدى تطور الدولة. ثأنياً – هدف البحث : يتجلى هدف البحث في بيان ازدواجية المعايير التي تعتمدها الولايات المتحدة في بناء النظم البرلمانية. ثالثاً – إشكالية البحث : أن دور الولايات المتحدة في بناء النظم السياسية يتسم بطابع الازدواجية المتوافق مع طبيعة المصالح الامريكية الدافعة باتجاه بناء نظم برلمانية فاعلة أو غير فاعلة. رابعاً – فرضية البحث : تعد الثقافة السياسية أحد أهم العوامل التي تعتمدها الولايات المتحدة في بناء النظم البرلمانية. خامساً – منهجية البحث : يستعين البحث بالمنهجين المؤسسي والنظمي، نظراً لطبيعة الموضوع المبحوث فيه والذي يتطلب دراسة الاطار المؤسسي للنظام السياسي، فضلاً عن مدخلات الأخير ومخرجاته التي تشكل عامل جوهري في تقرير مدى فاعليته. سادساً – هيكلية البحث : أنتظم البحث الموسوم بـ(دور الولايات المتحدة الامريكية في بناء النظم البرلمانية ما بعد الاحتلال) في ثلاثة مباحث أساسية فضلاً عن مقدمة وخاتمة، جاء المبحث الأول تحت عنوان (دور الولايات المتحدة الامريكية في بناء النظم البرلمانية ما بعد الاحتلال) وعالج الثاني (دور الولايات المتحدة الامريكية في بناء النظام البرلماني في المانيا الغربية)، أما المبحث الثالث فقد تنأول (دور الولايات المتحدة الامريكية في بناء النظام البرلماني في العراق). المبحث الأول : آليات الولايات المتحدة الامريكية في بناء النظم البرلمانية في مرحلة ما بعد الاحتلال الاحتلال : تلجاً الولايات المتحدة بعد احتلال دولة ما الى إسقاط النظام السياسي الذي كأن سائداً فيها بعد إسباغه بصفة الدكتاتورية كمبرر للاحتلال، ألامر الذي يحتم على الولايات المتحدة إعادة بناء نظام سياسي جديد ليحل محل النظام القديم، والملاحظ أن الولايات المتحدة تولي أهمية كبيرة لمرحلة البناء، ويمكن ارجاع ذلك الى أن مرحلة اسقاط النظام السياسي ما هي الا مرحلة تمهيدية وصولاً لمرحلة البناء التي تجسد المحطة التي سيتم خلالها رسم الاسس العامة لمسيرة الدولة المستقبلية بالشكل الذي يتوافق مع مصالح الولايات المتحدة الاستراتيجية، أي أن مرحلة البناء ستعكس طبيعة النوايا الامريكية تجاه تلك الدولة أما باتجاه نظام سياسي فاعل أو غير فاعل. عند دراسة دور الولايات المتحدة في بناء النظم البرلمانية في اغلب الدول التي احتلتها يلاحظ أن ذلك الدور قد جاء بشكل مباشر أو غير مباشر كما سنرى : أولاً – الدور المباشر : يتجلى بدور الولايات المتحدة في كتابة دستور جديد للدولة، والذي قد يأتي بشكل مباشر عبر قيامها بكتابة الدستور بذاتها كما فعلت مع الدستور الياباني( )، أو بشكل غير مباشر عبر منح مهمة كتابته لقيادات وطنية من الناحية الشكلية ويكون لها الدور المحوري من الناحية العملية، وفي كلا الحالتين تهدف الولايات المتحدة من كتابة الدستور رسم اطار مؤسسي يذهب أما باتجاه بناء نظام برلماني فاعل أو غير فاعل. يلاحظ من خلال دراسة الاطار المؤسسي لأغلب الدول التي احتلتها الولايات المتحدة وساقت لها النظام البرلماني بأن هناك تركيز على مؤسسة الحكومة في ذلك النظام، حيث أن التعاطي مع الأخيرة بات معياراً لمعرفة طبيعة التوجهات الامريكية، ويمكن أن نعزو سبب ذلك الاهتمام الى الدور المركزي الذي تحتله الحكومة في النظام البرلماني( )، والذي اعطاها دوراً محورياً في التحكم بمدى نجاحه، أي أن الحكومة القوية تساعد على تشغيل النظام بشكل سليم مما يجعله ذو اداء فاعل، بينما تساعد الحكومة الضعيفة على اصابة النظام بالشلل مما يفضي الى تعطيله. وعليه سيتم التركيز في دراسة الاطار المؤسسي على مؤسسة الحكومة من حيث القوة والضعف، وعند البحث عن العوامل التي تدفع الحكومة بأحد هذين الاتجاهين سيبرز أمامنا دوراً محورياً لعاملين اساسيين هما : 1- اختصاصات الحكومة : يبرز اثر الاختصاصات التي تتمتع بها الحكومة في دفع الاخيرة باتجاه القوة أو الضعف من حيث مدى اتساعها، أي ما اذا كأنت واسعة ام محدودة، وكذلك مدى مشاركة المؤسسات الاخرى الحكومة في ممارسة تلك الاختصاصات، أي قد تتمتع الحكومة باختصاصات واسعة لكنها ملزمة دستورياً بممارسة تلك الاختصاصات بالاشتراك مع المؤسسات الاخرى وليس بمفردها، ويعتمد اثر ذلك على الحكومة بحسب طبيعة علاقاتها بتلك المؤسسات أي ما اذا كأنت علاقة تعأون ام صراع، فاذا كأنت علاقة تعاونية ستتمكن الحكومة من ممارسة تلك الاختصاصات بفاعلية مما يسهم بتقويتها، أما اذا كأنت صراع ستتقلص قدرة الحكومة على ممارسة تلك الاختصاصات، نتيجة لعدم تعاون تلك المؤسسات معها، مما يفضي الى اضعافها. 2- علاقة الحكومة بالبرلمان : تبرز أهمية علاقة الحكومة بالبرلمان في كون الاخير يشكل القوة الموازنة للحكومة وفق اسس النظام البرلماني. ويمكن دراسة اثر الاطار المؤسسي في صياغة تلك العلاقة من حيث دفع الحكومة باتجاه القوة أو الضعف في جأنبين اساسيين : أ- مدى التوازن بين البرلمان والحكومة : على الرغم أن القاعدة العامة للنظام البرلماني تذهب باتجاه التوازن بين البرلمان والحكومة( )، الا أن الملاحظ من خلال دراسة النظم التي أنشئتها الولايات المتحدة بأن هناك ترجيح لكفه مؤسسة على اخرى، ويبرز اثر ذلك على الحكومة من حيث طبيعة ذلك الترجيح، أي أن ترجيح تلك الكفة لصالح البرلمان يقود الى تقوية الاخير واضعاف الحكومة، مما يشجع البرلمان على اسقاط الحكومة بشكل مستمر يفضي الى اضعافها، ويجعلها تابعة للبرلمأن، أما اذا ارجحت الكفة لصالح الحكومة سيقود ذلك الى تقويتها واضعاف البرلمان ازاءها. ب- بنية البرلمان : يمكن التمييز بين نوعين من البرلمانات في هذا الاطار، النوع الأول يتمثل بالبرلمانات ذات المجلس الواحد، أما النوع الاخر فيتمثل بالبرلمانات ذات المجلسين. الملاحظ أن النوع الثأني عادة ما يساعد على تقوية الحكومة مقارنة بالنوع الأول الذي يعمل على اضعافها، ويمكن ارجاع ذلك الى أن البرلمان ذو المجلسين يعوق بحكم التفأوت بين مجلسيه من حيث التكوين والاختصاصات( )، من امكأنية خلق موقف موحد بينهما ازاء الحكومة، أي أن صراع احد المجلسين مع الحكومة لا يقود عادة الى خلق موقف مماثل من قبل المجلس الثاني، ألامر الذي يعطي الحكومة نوع من المرونة في استمالة المجلس الثاني لصالحها، وذلك لتكوين قوة قادرة على الوقوف بوجه المجلس الاخر، مما يعوق مسعى الاخير في اضعاف الحكومة سواء عبر رفض مشروعات القوانين أو سحب الثقة منها. أما البرلمانات ذات المجلس الواحد فغالباً ما تضعف الحكومة من خلال تقليص قدرة الاخيرة في اضعاف موقف البرلمان ازاءها، ألامر الذي يمنح البرلمان القدرة على الزامها بموقفه من خلال ما يملكه من وسائل ضاغطة تتمثل اهمها بحل الحكومة، مما يجعل الاخيرة تابعة للبرلمأن الى حد ما. ثأنياً – الدور غير المباشر : يتجسد دور الولايات المتحدة في هذا الاطار عبر الاحزاب السياسية التي تمارس اثر محوري على النظام البرلماني يفوق اثر الاطر الدستورية، كون الاخيرة تحدد الاسس العامة للنظام السياسي، بينما تعد الاحزاب السياسية بمثابة القلب أو المحرك الاساس لذلك النظام، ألامر الذي يعطي الاحزاب بحكم ذلك المركز دور اساسي في رسم مدى فاعلية النظام. عند البحث عن اهم العوامل التي تؤثر على كنة الاحزاب السياسية سيبرز أمامنا دوراً محورياً للثقافة السياسية التي توليها الولايات المتحدة أهمية كبرى نظراً لأثرها المباشر على الاحزاب السياسية، فضلاً عن نقطتين اساسيتين هما : 1- أن اثر الثقافة السياسية يتسم بالديمومة النسبية مقارنة باثر الاطر الدستورية، كون اثر تلك الثقافة نابع من طبيعة مضمونها الذي أنتجته تراكمات تاريخية طويلة يصعب تغييرها اذ ما قورنت بالاطر الدستورية. 2- اتسمت ثقافات جميع مجتمعات الدول التي تم احتلالها من قبل الولايات المتحدة بالطابع الخضوعي( ) لذا برز اثر تلك الثقافة في كيفية التعاطي مع النظام البرلماني الذي تم الاخذ به بعد الاحتلال، أي أن النظام البرلماني نتاج مجتمعات ذات ثقافات متطورة كالمجتمع البريطاني، لذا أن نقله الى مجتمعات ذات ثقافات خضوعية يتطلب اجراء تغيير ثقافي يتوائم معه، ألامر الذي يتيح للولأيات المتحدة المفتاح الاساسي في التحكم بمدى نجاح ذلك النظام من خلال طبيعة منهج التغيير الثقافي الذي تعتمده في تلك المجتمعات، ويبدو أن ذلك احد اهم الاسباب الذي جعل الولايات المتحدة تلجأ الى تطبيق النظام البرلماني في اغلب الدول التي احتلتها. وعليه ينبغي أن نميز بين نوعين من الثقافة السياسية التي تقيمها الولايات المتحدة ما بعد الاحتلال : 1- الثقافة السلبية : هي الثقافة التي يكون فيها الفرد ذو وعي اجتماعي وسياسي منخفض، مما يقوده عادة الى تغليب ثقافته الفرعية على ثقافته الشاملة( )، فينعكس اثر تلك الثقافة على سلوكه الانتخابي باتجاه البحث عن الاحزاب التي تمثل ثقافته الفرعية، مما يؤدي الى أنتاج تركيبة حزبية تتسم بسمتين اساسيتين : أ- كثرة عدد الاحزاب السياسية : ينجم هذا الوضع عن تمثيل تلك الاحزاب الواقع الثقافي المتناقض في المجتمع، أي أن كل ثقافة فرعية يمثلها حزب أو احزاب معينة من دون الركون الى حزب أو احزاب محددة تمثل جميع ثقافات المجتمع. ب- اتسام العلاقة ما بين الاحزاب بطابع الصراع : يمكن ارجاع سبب ذلك الى سمة التناقض ما بين الثقافات الفرعية التي تدفع على المستوى السياسي باتجاه بناء أيدولوجيات حزبية متبأينة، مما يقود الى خلق احزاب متنافرة تندفع بشكل سريع نحو الصراع. وعليه ستدفع التركيبة الحزبية ذات الاحزاب الكثيرة والمتصارعة النظام البرلماني نحو الشلل الذي يفضي الى تعطيله . 2- الثقافة الأيجابية : هي الثقافة التي يكون فيها الفرد ذو مستوى عال من الوعي الاجتماعي والسياسي مما يقوده الى تغليب ثقافته الشاملة على ثقافته الفرعية، ألامر الذي يجعل سلوكه الانتخابي يتسم بالعقلانية التي تدفعه الى البحث عن الاحزاب التي تقدم له اكبر قدر من المنافع بغض النظر عن أيدولوجياتها أو تمثيلها لثقافته الفرعية، مما يؤدي الى افراز تركيبة حزبية تتكون من احزاب كبيرة ومعتدلة، كونها تمثل كل المجتمع، أي من دون التركيز على ثقافة معينة، ألامر الذي يمنحها وزن سياسي كبير يتيح لها القدرة على نيل الأغلبية البرلمانية التي تمكنها من تكوين برلمان وحكومة قوية، أي نظام برلماني فاعل يمتلك القدرة على الإيفاء بمتطلبات السلوك العقلاني الباحث عن اكبر قدر من المنافع بعيداً عن الأيدولوجيات المتصارعة. المبحث الثاني : دور الولايات المتحدة الامريكية في بناء النظام البرلماني في المانيا الغربية: بعد هزيمة المانيا النازية في الحرب العالمية الثانية عام (1945) لجأت الدول المنتصرة (الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا، والاتحاد السوفيتي) الى تقسيم المانيا فيما بينها الى اربعة اجزاء، وبعد فترة قصيرة من أنتهاء تلك الحرب بدأت حرب جديدة تدعى (الحرب الباردة) التي جعلت الارض الالمانية احد اهم ميادينها، نتيجة لبروز روئ متناقضة بين الدول المنتصرة حول آلية التعامل مع المانيا، حيث لجأت الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة الى اقامة نظام فدرالي، برلماني، رأسمالي في الجزء الغربي الذي تسيطر عليه، مما دفع الاتحاد السوفيتي الى اقامة نظام مركزي، اشتراكي ذو حزب واحد في الجزء الشرقي الذي يسيطر عليه، ألامر الذي افضى الى اقامة دولتين مستقلتين عام (1948) احداها تدعى جمهورية المانيا الغربية، والاخرى جمهورية المانيا الشرقية( )، وطالما أن الأولى قد خضعت لسيطرة الولايات المتحدة من الناحية العملية اسهمت الاخيرة بدور مهم في بناء النظام السياسي فيها كما سنرى : أولاً – الدور المباشر : تمثل بالدور المحوري للولايات المتحدة في صياغة دستور عام (1949) الذي سمي بالقانون الأساسي (Basic Law)( )، والذي ذهب باتجاه تقوية الحكومة بشكل كبير مما جعلها من اقوى الحكومات مقارنة بالنظم البرلمانية المعاصرة، الى درجة أن بعض الكتاب اطلق على الديمقراطية السائدة في تلك الجمهورية بـ(ديمقراطية المستشار)، نظراً للدور المحوري الذي يمارسه المستشار في النظام البرلماني الالماني( )، ويمكن أن نلمس مصادر قوة الحكومة الالمانية في مصدرين اساسيين : 1- اختصاصات الحكومة : سنحاول دراسة اختصاصات الحكومة بنوع من التخصيص، وذلك ببيان الاختصاصات المباشرة التي تمارسها الحكومة بمفردها دون مشاركة أي مؤسسة اخرى في الدولة، والاختصاصات غير المباشرة التي لا تمارسها الحكومة بمفردها وإنما بمشاركة المؤسسات الاخرى. أ- اختصاصات مباشرة : - يتولى المستشار رئاسة مجلس الوزراء وترؤس جلساته، والتوفيق بين وجهات النظر بغية تنسيق اعمال ذلك المجلس( ). - وضع برنامج السياسية العامة للدولة وتنفيذها( ). - القيادة العامة للقوات المسلحة( ). - إعداد الميزانية العامة، وعرضها على البرلمان ليتم اقرارها( ). - تنفيذ القوانين التي يصدرها البرلمان( ). - دعوة مجلس النواب لعقد جلسة استثنائية( ). - ادارة الدولة اثناء حالة الطوارئ أو الحرب( ). - التفأوض بشأن الاتفاقيات والمعاهدات الدولية( ). ب- اختصاصات غير مباشرة : رئيس الجمهورية : -الطلب الى رئيس الجمهورية بحل مجلس النواب( ). - التوصية الى رئيس الجمهورية بتعيين كبار موظفي الدولة( ). - التوصية الى رئيس الجمهورية بإعلان حالة الحرب أو الطوارئ( ). - يتولى رئيس الجمهورية المصادقة على النظام الداخلي للحكومة( ). - تقوم الحكومة بالمصادقة على المراسيم التي يصدرها رئيس الجمهورية( ). - التوصية الى رئيس الجمهورية بإصدار حق العفو نيابة عن الاتحاد( ). البرلمان : - يتولى المستشار تقديم اسماء وزراءه والمنهاج الوزاري الى مجلس النواب لنيل الثقة( ). - اقتراح قوأنين على البرلمان( ). - للحكومة سلطة الموافقة والاعتراض على القوانين التي يصدرها مجلس النواب فيما يتعلق برفع النفقات وتخفيض الإيرادات( ) - للحكومة الحق بناء على موافقة مجلس الولايات بمباشرة سلطة الارغام الفدرالية( ). الولايات : تمارس الحكومة الفدرالية مع الولايات العديد من الاختصاصات المشتركة ومنها، بناء مؤسسات التعليم العالي، تحسين البنية الاقتصادية والزراعية، وحماية المناطق الساحلية( ). مما تقدم يستنتج أن الدستور الالماني قد منح الحكومة الالمانية اختصاصات واسعة، لاسيما تلك التي تمارسها مع البرلمان والمتمثلة بالموافقة أو الاعتراض على اهم القوانين التي تعد من الاختصاصات الحصرية للبرلمان في اغلب النظم البرلمانية، كذلك سلطة الارغام، ألامر الذي يجعل تلك الاختصاصات عامل مهم للدفع باتجاه تقوية الحكومة، وتمكينها من تقديم اداء فاعل. ب-علاقة الحكومة بالبرلمان: - مدى التوازن بين مجلس النواب والحكومة : يلاحظ في هذا الإطار أن الكفة ترجح لصالح الحكومة، وهذا ما يمكن أن نلمسه في آليات الحل المتبادل بشكل اساسي : - حل الحكومة من قبل مجلس النواب : لقد اجازت المادة (67) من الدستور لمجلس النواب الحق في سحب الثقة من الحكومة في حالة تمكن ذلك المجلس من اختيار مستشار بديل للمستشار الذي سيتم سحب الثقة عنه بالأغلبية المطلقة. يفهم من المادة اعلاه بأن سحب الثقة من الحكومة لا يتم بشكل مباشر على غرار النظم البرلمانية، وأنما ينبغي على مجلس النواب اختيار مستشار بديل ليتاح له بعد ذلك حل الحكومة، لاشك أن هذا الاسلوب يعكس سمة خاصة بالنظام البرلماني الالماني تساعد على تعويق حل الحكومة، وذلك لأن احزاب المعارضة لا تمتلك الأغلبية التي تمكنها من اختيار مستشار بديل، كون تلك الأغلبية يحوز عليها التحالف الحكومي المكون عادة من الحزبان المشكلان للحكومة، وغالباً ما تتسم تلك الأغلبية بالقوة التي يصعب تفكيكها، ألامر الذي يجعل من إضعاف اغلبية الحكومة امر صعب المنال، وهذا هو احد اهم العوامل التي تفسر لنا عدم تمكن مجلس النواب من حل الحكومة إلا مرة واحدة. - حل مجلس النواب من قبل الحكومة : يمكن أن تأخذ هذه الالية احدى الصيغتين الاتيتين: - الصيغة الأولى : عند رفض مجلس النواب منح الثقة للحكومة وفشله في اختيار مستشار بديل، من الممكن أن يؤدي هذا ألامر الى حل هذا المجلس كما اسلفنا. الصيغة الثانية : اذا قدم المستشار طلباً بالثقة على حكومته، ولم يحز هذا الطلب على موافقة أغلبية أعضاء مجلس النواب، عندئذ يستطيع المستشار تقديم طلب الى رئيس الجمهورية بحل ذلك المجلس الذي سيحل وفق هذه الصيغة اذ ما تدارك قرار الحكومة باختيار مستشار بديل خلال مدة أقصاها (21) يوماً بدءً من تاريخ اتخاذ المستشار قراره بهذا الشأن( ). يستنتج مما تقدم أن حل مجلس النواب في جمهورية المانيا لا يتم وفق صيغة واحدة كما هو سائد في اغلب النظم البرلمانية، وإنما هناك صيغتين لهذا الحل، وتبرز أهمية الصيغة الثانية في افراز احدى النتيجتين، فيما لو فشل مجلس النواب في اختيار مستشار بديل وهو امر في غاية الصعوبة كما اسلفنا : النتيجة الأولى : حل مجلس النواب وذلك بعد إضفاء الصفة القانونية على قرار المستشار بحل ذلك المجلس، أي بعد تجاوز المدة المقررة لاختيار مستشار بديل. النتيجة الثانية : بقاء مجلس النواب، أن بقاء هذا المجلس هو نتيجة لمنحه الثقة للحكومة، لاشك أن هذا السلوك هو نتاج عجز ذلك المجلس عن اختيار مستشار بديل، ألامر الذي يعطي للحكومة ميزة اساسية تتمثل بقدرتها على تمرير القوانين المهمة التي تخدم استقرارها عبر اجبار مجلس النواب بالموافقة على تلك القوانين، وذلك باستعمال سلاح طرح الثقة الذي تملكه الحكومة، وهذا هو احد اهم العوامل التي تفسر لنا بلوغ نسبة القوانين المقترحة من قبل الحكومة (90%) من اجمالي القوانين المشرعة من قبل البرلمان في المدة الممتدة بين عامين (1994-1998)( ). - بنية البرلمان : يتكون البرلمان الالماني من مجلسين هما مجلس النواب (Bundestag)، ومجلس الولايات (Bundesrats)( ). أما من حيث أي المجلسين اكثر ميلاً للتعاون مع الحكومة، فيلاحظ على الرغم من أن مجلس النواب يضم الحزبين الحائزين على الأغلبية التي تمكنهما من تكوين الحكومة، لكن درجة تعاون ذلك المجلس تختلف عادة باختلاف مكونات التحالف الحكومي، فاذا كان الاخير يتكون من الحزبين الكبيرين(الحزب الديمقراطي المسيحي، والحزب الاشتراكي الديمقراطي) ستتوفر للحكومة الأغلبية الساحقة التي تمكنها من جعل مجلس النواب اكثر تعاوناً مع الحكومة، أما في حالة تكوين ذلك التحالف من حزب كبير واخر صغير ستقل نسبة ذلك التعاون، لاسيما فيما يتعلق بالقوانين التي تتطلب تصويت يفوق الأغلبية المطلقة، كاغلبية الثلثين على سبيل المثال، لذا يبرز هنا الدور الأيجابي لمجلس الولايات الذي يبدو اكثر استقرارا في اطار التعاون مع الحكومة مقارنة بمجلس النواب وفق صيغتي التحالف الحكومي. وعند البحث عن سبب الميل الى التعاون بين الحكومة ومجلس الولايات سيبرز أمامنا عاملين اساسيين : 1- الية تكوين مجلس الولايات : يتكون هذا المجلس كما اسلفنا من اعضاء حكومات الولايات، اذ يساعد هذا الاسلوب في الغالب على جعل اكثر اعضاء هذا المجلس هم ممن ينتمون الى الحزبين المكونين للتحالف الحكومي على المستوى الفدرالي، لأن حكومات الولايات تتألف بطبيعة ألامر من الاحزاب التي نالت الأغلبية في برلمانات الولايات، وهي عادة الاحزاب ذاتها التي نالت الأغلبية في مجلس النواب الفدرالي وشكلت الحكومة الفدرالية،نتيجة لقصر فارق المدة بين موعد الأنتخابات الفدرالية والمحلية والتي تترأوح عادة ما بين عام أو عامين( ). 2- إلية العمل التشريعي في مجلس الولايات : تقوم هذه الإلية وفق أسلوب خاص يتمثل بتقديم مشروعات القوانين التي يقترحها مجلس الولايات الى الحكومة للموافقة عليها، ومن ثم تقوم الاخيرة بتقديمها الى مجلس النواب للتصويت عليها، وكذلك الحال بالنسبة لمشروعات القوانين الحكومية التي لابد من تقديمها الى مجلس الولايات، وبعد موافقة الاخير عليها يعيدها الى الحكومة لتقوم بتقديمها الى مجلس النواب( ). يستنتج مما تقدم أن الهدف من الآليتين السالفتين هو خلق التعاون بين الحكومة ومجلس الولايات سواء عبر جعل اغلب اعضاء الاخير من المؤيدين للحكومة، أو عبر الدور الذي تلعبه الإلية التشريعية في اشعار الحكومة ومجلس الولايات بحاجة كل منهما للأخر في تحقيق اهدافها، مما يجسد عامل اساسي في الدفع باتجاه التعاون بينهما لتشكيل موقف موحد قادر على الضغط على مجلس النواب لتحقيق تلك الاهداف. وترتيباً على ذلك يساعد التعاون بين الحكومة ومجلس الولايات على تقوية الحكومة عبر جأنبين اساسيين : 1- ضمأن سير العملية التشريعية بالشكل الذي يتوافق مع مصلحة الحكومة، سواء عبر تمرير مشروعات القوانين الحكومية الى مجلس النواب والضغط عليه للموافقة عليها، أو عبر أيعاز الحكومة لمجلس الولايات بتعويق مشروعات القوانين التي يقترحها مجلس النواب والتي تتعارض مع مصلحة الحكومة، وذلك عبر استعمال حق الفيتو( )، ومن النادر أن يرفض مجلس الولايات قرارات الحكومة بهذا الصدد( )، ألامر الذي يمنح الاخيرة الدور الأساسي في تسيير العملية التشريعية لصالحها. 2- دور مجلس الولايات في لعب دور الوسيط في حالة الصراع بين مجلس النواب والحكومة تارة، والوقوف الى جانب الحكومة بالشكل الذي يرجح كفتها ويقلص من فرص مجلس النواب في إسقاطها تارة أخرى( ). ثانيا – الدور غير المباشر : أما الاحزاب السياسية فقد أولتها الولايات المتحدة أهمية فائقة عبر الثقافة السياسية، كون الاخيرة تشكل المحور الاساسي الذي سارت على ضوئه اغلب الحقب التاريخية للامة الالمانية بما تضمنته من قيام وانهيار نظم سياسية، أي نتيجة لما استمت به تلك الثقافة من طابع عنصري قائم على فكرة تفوق (العرق الجرماني)( )، ألامر الذي ادى الى قيام نوعين من النظم السياسية : 1- النظم السلطوية : هي النظم التي كأن الهدف من أنشائها اقامة الرايخ الالماني( )، نتيجة لقيام تلك النظم على اساس فكرة العنصرية الالمانية، ألامر الذي اكسبها الشرعية من وجهة نظر الشعب الالماني( )، مما دفع الاخير الى مساندتها بشكل كبير، ألامر الذي ادى الى قيام امبراطوريات عظيمة. 2- النظام الديمقراطي : تمثل بنظام فيمار البرلماني (1919-1933) الذي اقامه الحلفاء بعد هزيمة المانيا في الحرب العالمية الأولى( )، يلاحظ أن هذا النظام لم ينل تأييد المجتمع الالماني مقارنة بالنظم السلطوية، ويمكن ارجاع ذلك الى عدم توافق ذلك النظام مع النزعة العنصرية الالمانية الدافعة باتجاه قيام نظم سلطوية تعتمد الحروب كوسيلة لتحقيق اهدافها، مما ادى الى قيام نوع من الانفصال بين نظام فيمار والمجتمع الالماني تجسدت اهم ملامحه في دعم الاخير الاحزاب المتطرفة القائمة على فكرة العنصرية، والداعية الى الغاء جمهوري فيمار، وهذا ما تجسد بصعود الحزب القومي الاشتراكي بقيادة (ادولف هتلر) للسلطة عام (1933) وإلغاءه لتلك الجمهورية( ). وعليه بذلت الولايات المتحدة جهود كبيرة من اجل تغيير الثقافة السياسية الالمانية، نظراً لربطها نجاح النظام البرلماني الذي اقامته بعد الحرب العالمية الثانية بالقدرة على تغيير تلك الثقافة بشكل يتوائم مع ذلك النظام لتلافي الإشكالية التي وقع فيها الحلفاء أبأن الحرب العالمية الأولى عندما قاموا بتغيير النظام السياسي من دون تغيير الثقافة السياسية، مما ولد تعارض بين النظام السياسي وقاعدته الثقافية ادى الى افشال ذلك النظام، لذلك قامت الولايات المتحدة باجراء عملية تغيير كبيرة للثقافة السياسية عبر التركيز على التنشئة الاجتماعية السياسية بشكل اساسي، والتي توفرت لها عدد من العوامل ساعدت على أنجاحها وهي : - الحروب والدمار الكبير الذي تعرض له الالمان على مر التاريخ، نتيجة لافراطهم في النزعة العنصرية، والملاحظ أن الولايات المتحدة قامت بدور مهم في توسيع حجم ذلك الدمار ابان الحرب العالمية الثانية، وكذلك اسهمت بتقسيم الامة الالمانية عبر اقامة دولتين مستقلتين( )، وقد كأن احد اهداف ذلك هو اشعار المجتمع الالماني بنوع من الاذلال الذي اخذ يولد اضطراب نفسي يتصارع مع النزعة العنصرية، ويدفع باتجاه تقليصها أو التخلي عنها عبر اكتساب ثقافة سلمية، والعيش كسائر الامم الاخرى، ألامر الذي ولد أستعداداً نفسياً نحو التغيير الثقافي الذي شكل عاملاً جوهرياً في أنجاح التنشئة الاجتماعية السياسية، طالما أن الاخيرة تهدف الى اجراء تغيير ثقافي يعمل على ارساء ثقافة سلمية تحل محل النزعة العنصرية بشكل تدريجي. - الدعم الاقتصادي الكبير الذي قدمته الولايات المتحدة لجمهورية المانيا الغربية والذي تجسد بمشروع مارشال بشكل اساسي الذي شكل نقطة انطلاق نحو الازدهار الاقتصادي الذي عرف فيما بعد بالمعجزة الاقتصادية في الخمسينيات من القرن الماضي، ألامر الذي أنعكس أيجاباً على التنشئة الاجتماعية السياسية من خلال رفع معدل دخل الفرد( )، الذي ولد لديه قناعة بأهمية النظام الديمقراطي، والمزايا الناجمة عنه، مما شجعه على قبول التغيير الثقافي وفق معطيات ذلك النظام ألامر الذي اسهم في أنجاح تلك التنشئة. - اتفاق الادوات الرسمية وغير الرسمية للتنشئة الاجتماعية السياسية في السير وفق منهج موحد في اطار عملية التغيير الثقافي، مما دفع نحو أنعاش الثقافة الشاملة( ). وعليه اخذت الثقافة السياسية للمجتمع الالماني تتغير بشكل سريع نحو الثقافة الإيجابية، نتيجة لقوة محركات التغيير التي استندت عليها التنشئة الاجتماعية السياسية، ألامر الذي دفع السلوك الانتخابي للالمان شيئاً فشيئاً نحو السلوك العقلاني الذي اخذ يبحث عن الاحزاب الكبيرة والمعتدلة، وهذا ما بينته نتائج أول انتخابات برلمانية اجريت في عام (1949) عبر نيل الحزبان الكبيران (الحزب الديمقراطي المسيحي، والحزب الاشتراكي الديمقراطي) وهما الاكثر اعتدالاً مقارنة بالاحزاب الاخرى القدر الاكبر من الاصوات أي (60%)، ثم اخذ وزنهما يتزايد مع بروز اجيال جديدة تتميز بقدرة اكبر على استيعاب الواقع الثقافي الجديد مما دفعها بسرعة نحو السلوك العقلاني الذي جعل الحزبان الكبيران ينالان (74%) عام (1953)، ثم (88%) عام (1969)، ثم (91%) عام (1976)( ). بناء على ذلك تمكن الحزبان الكبيران سواء عبر وزنهما السياسي الكبير، أو التحالف فيما بينهما من نيل اغلبيات برلمانية كبيرة مكنتها من تكوين برلمانات وحكومات ذات اداء إيجابي جعل النظام البرلماني الالماني يتسم بقدر كبير من الفاعلية. بناء على ما تقدم ساعدت الولايات المتحدة على بناء نظام برلماني فاعل اسهم بدور مهم في نقل جمهورية المانيا الغربية من دولة شبه مدمرة كلياً ابدأن الحرب العالمية الثانية الى دولة كبرى استطاعت عام (1990) من تحقيق الوحدة مع جمهورية المانيا الشرقية، مما ادى الى بروز دولة ذات وزن كبير دولياً تدعى جمهورية المانيا الموحدة( ). عند البحث عن سبب المسعى الامريكي في أنجاح النظام البرلماني الالماني فيمكن أن نجده بشكل اساسي في الصراع الذي كأن دائراً ابان الحرب الباردة ما بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، والذي اتخذ ادوات جديدة في ظل تلك الحرب مقارنة بالحروب السابقة، أي تم في تلك الحرب الركون الى الوسائل السلمية بشكل اساسي القائمة على تحقيق النصر عبر القدرة على اثبات نجاح الفكرة التي ينادي بها احد الاطراف، والتي ستعمل عبر نجاحها على تحطيم فكرة العدو بشكل غير مباشر، وذلك لأن الانتصار المسلح مهما كان كبيراً لأحد الاطراف على الاخر لا يفرز عادة نتائج حاسمة، أي ما هو الا نتيجة مؤقتة، طالما أن الفكرة التي حارب من اجلها الطرف المهزوم بقيت سائدة، بل الملاحظ أن الهزيمة غالباً ما تعزز تلك الفكرة عبر توليد رد فعل صارم يتجسد بالانتقام من الطرف المنتصر، أما الانتصار السلمي القائم على افشال فكرة العدو عبر نجاح فكرة الطرف المنتصر ستؤدي الى انهيار الاساس أو المبرر الذي قام على اساسه الطرف المهزوم بمحاربة الطرف المنتصر، ستزول عندئذ أهمية القوة المادية التي يمتلكها الطرف المهزوم مهما كأنت كبيرة ومتطورة قياساً بالطرف المنتصر. وترتيباً على ذلك بذلت الولايات المتحدة مساعي حثيثة من اجل أنجاح النظام البرلماني في المانيا الغربية لما في ذلك من اثر هام في تطوير تلك الدولة بشكل عام، ويبرز اثر ذلك في كون الاخيرة تجسد الفكر الراسمالي الذي تقوده الولايات المتحدة في مواجهة الفكر الاشتراكي القائم في المانيا الشرقية الذي يقوده الاتحاد السوفيتي، ألامر الذي يجعل نجاح دولة المانيا الغربية وفق ذلك الصراع برهان مادي على افضليه الفكر الرأسمالي الذي سيعمل على افشال المشروع الاشتراكي في المانيا الشرقية، وهذا ما تم تجسيده في قيام دولتين متباينتين من حيث التطور المادي الذي يرجح الكفة بشكل كبير لصالح المانيا الغربية مقابل تخلف المانيا الشرقية، ألامر الذي جعل ذلك التخلف يولد نوع من الشك لدى الالمان الشرقيين حول مصداقية النظام الاشتراكي في القدرة على مقارعة النظام الرأسمالي في تحقيق الرفاهية التي تنشدها الاشتراكية، ألامر الذي جعل النظام الاشتراكي يفقد شرعيته بشكل تدريجي من وجهة نظر الالمان الشرقيين، وهذا ما تجسد بقيام هجرات جماعية واسعة من قبل الالمان الشرقيين نحو المانيا الغربية، فضلاً عن التظاهرات الواسعة التي اخذ تزايدها يعبر عن بروز نوع من الانفصال التدريجي بين المجتمع والنظام السياسي، ألامر الذي بلغ ذروته في نهاية عقد الثمانينيات من القرن الماضي بقيام الالمان الشرقيين بالهجرة الجماعية نحو المانيا الغربية مع عجز النظام الاشتراكي عن ايقافهم، ألامر الذي جعل المانيا الشرقية بلد بلا نظام سياسي من الناحية العملية، مما قاد الى سقوط الاخير بشكل سلمي( ). أن انهيار النظام الاشتراكي في المانيا الشرقية لم ينته عند حدود تلك الدولة، وذلك لأن الصراع ما بين الالمانيتين لم يقم على اسباب ذاتية تتعلق بتلك الدول بقدر ما جسد صراع ايدولوجي شمل اغلب دول العالم، وخاضته دولتان تقفان في قمة التطور المادي المبني على الاسس الأيدولوجية المتعارضة التي يقوم عليها كل منهما، مما عكس تباين واضح في مخرجات تلك الاسس، وذلك بترجيح الكفة لصالح النظام الرأسمالي، ألامر الذي جعل تلك النتيجة تشكل نقطة انطلاق نحو إعادة ترتيب النظام الدولي وفق مضمونها، وذلك بانهيار النظم الاشتراكية بشكل سريع ابتداء من دول أوروبا الشرقية وانتهاءً بسقوط الاتحاد السوفيتي ذاته في عام(1991)، مما قاد الى سيادة النظام الرأسمالي الذي جسد محور الهيمنة الامريكية بعد انتهاء الحرب الباردة، وقيام نظام احادي القطبية. المبحث الثالث : دور الولايات المتحدة الامريكية في بناء النظام البرلماني في العراق : لجأت الولايات المتحدة بعد احتلالها للعراق عام (2003) الى اسقاط النظام الذي كأن قائماً فيه، والذي شكل تعاونه مع الارهاب، فضلاً عن امتلاكه لاسلحة الدمار الشامل حسب ادعاءات الولايات المتحدة السبب الاساسي لإسقاطه( )، مما حتم على الاخيرة إعادة بناء نظام سياسي جديد، لذا اخذت بالنظام البرلماني الذي اتسم بالضعف الشديد وعدم الفاعلية. ويمكن أن نلمس دور الولايات المتحدة في بناء ذلك النظام بشكلين مباشر وغير مباشر : أولاً – الدور المباشر : تجسد هذا الدور عبر الاثر الكبير الذي مارسته الولايات المتحدة في صياغة دستور عام (2005)( ) ، الذي ذهب باتجاه اضعاف الحكومة بشكل كبير. ويمكن أن نلمس مصادر ضعف الحكومة في نقطتين اساسيتين : 1- اختصاصات الحكومة : أ- اختصاصات مباشرة : - يتولى رئيس الوزراء رئاسة مجلس الوزراء، وتوقيع قراراته وتبليغها، ومتابعة تنفيذها، ومتابعة اداء الوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة( ). - وضع النظام الداخلي لمجلس الوزراء( ). - تخطيط وتنفيذ السياسة العامة للدولة، والخطط العامة، والاشراف على عمل الوزرات، والجهات غير المرتبطة بوزارة( ). - يعد رئيس الوزراء القائد العام للقوات المسلحة( ). - اعداد مشروع الموازنة العامة والحساب الختامي وخطط التنمية( ). - اصدار الأنظمة والتعليمات، والقرارات التي ترمي الى تسهيل تنفيذ القوانين التي يصدرها مجلس النواب على أن لا تتعارض مع احكام تلك القوانين( ). - دعوة مجلس النواب لعقد جلسة استثنائية تقتصر على المواضيع التي أوجبت الدعوة اليها( ). - ادارة الدولة اثناء حالة الحرب أو الطوارئ وفق صلاحيات خاصة تنظم بقأنون( ). - التفأوض بشأن المعاهدات والاتفاقيات الدولية والتوقيع عليها أو من يخوله( ). ب- اختصاصات غير مباشرة : رئيس الجمهورية : - تقديم طلب الى رئيس الجمهورية بحل مجلس النواب على أن يقترن ذلك بموافقة الاخير( ). - التوصية الى رئيس الجمهورية بإقالة الوزراء على أن يقترن ذلك بموافقة مجلس النواب أيضاً( ). - تقديم طلب مشترك مع رئيس الجمهورية الى مجلس النواب لتعديل الدستور( ). - التوصية الى رئيس الجمهورية بمنح الأوسمة والنياشين( ). - التوصية الى رئيس الجمهورية بإصدار العفو الخاص( ). مجلس النواب : - عرض الوزراء والمنهاج الوزاري على مجلس النواب لمنحهم الثقة( ). - التوصية الى مجلس النواب بالموافقة على تعيين وكلاء الوزارات، والسفراء، واصحاب الدرجات الخاصة، ورئيس اركأن الجيش، ومن هم بمنصب قائد فرقة فما فوق، ورئيس جهاز المخابرات الوطني، ورؤساء الاجهزة الامنية( ). - اقتراح مشروعات القوانين على البرلمان( ). الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم: - ادارة النفط والغاز المستخرج من الحقول الحالية مع حكومات الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم...( ).
- تقوم الحكومة المركزية مع حكومات الاقاليم والمحافظات المنتجة للنفط برسم السياسيات الاستراتيجية اللازمة لتطوير ثروة النفط والغاز...( ) يلاحظ من خلال دراسة اختصاصات الحكومة العراقية أن هناك ثلاثة اختصاصات اساسية افتقدت اليها الاخيرة مقارنة بما تتمتع به اغلب حكومات النظم البرلمانية وهي : - عدم منح الحكومة الحق في حل مجلس النواب من الناحية العملية نتيجة لاقترأن ذلك بموافقة مجلس النواب ذاته كما سنرى. - عدم اعطاء رئيس الوزراء الحق في اقالة الوزراء بشكل مباشر وإنما تم ربط ممارسة ذلك الحق بموافقة كل من رئيس الجمهورية ومجلس النواب. - على الرغم أن رئيس الوزراء هو القائد العام للقوات المسلحة إلا أنه لا يستطيع تعيين رئيس اركان الجيش، ومن هم بمنصب قائد فرقة... الخ إلا بموافقة مجلس النواب. 2- علاقة الحكومة بالبرلمان : أ- مدى التوازن بين البرلمان والحكومة : لقد منح الدستور مجلس النواب الحق في حل الحكومة وفق المادة (61)، أما فيما يتعلق بحق الحكومة في حل مجلس النواب فقد نصت المادة (64) (يحل مجلس النواب بالأغلبية المطلقة لعدد اعضاءه، بناء على طلب من ثلث أعضاءه، أو طلب من رئيس مجلس الوزراء وبموافقة رئيس الجمهورية. يفهم من المادة (64) عدم إمكانية حل مجلس النواب من قبل الحكومة من الناحية العملية، طالما أن القرار الحاسم في هذا الاطار يعود الى مجلس النواب ذاته، مما يترتب على ذلك فقدان التوازن وترجيح الكفة لصالح مجلس النواب. ب- بنية البرلمان : على الرغم أن البرلمان العراقي يتكون من مجلسين هما (النواب، والاتحاد)( )، الا أن مجلس الاتحاد لم يشكل حتى الأن نتيجة لإناطة مهمة تشكيله، وتحديد اختصاصاته، وكل ما يتعلق به بقانون يسن باغلبية ثلثي اعضاء مجلس النواب( ). يفهم من المادة اعلاه بأن الولايات المتحدة ارادت تعويق تشكل مجلس الاتحاد، أي أن كانت هناك نية حقيقية في أيجاده لتم تشكيله على غرار مجلس النواب، وما يؤكد صحة ذلك هو إناطة مهمة تشكيل ذلك المجلس بمجلس النواب الذي يصعب عليه القيام بذلك نتيجة لما يشهده من صراع حزبي شديد كما سنرى، لكن حتى لو افترضنا جدلاً بإمكان مجلس النواب تشكيل مجلس الاتحاد سيصبح الاخير نتيجة لألية تشكيله عديم الفاعلية لسببين اساسيين : 1- على الرغم أن مجلس الاتحاد يشكل احد فرعي البرلمان الا أن عملية تشكيله مناطة بالفرع الاخر (مجلس النواب) عبر قانون عادي يشرعه بهذا الصدد، ألامر الذي يمنح الاخير القدرة على التحكم في طبيعة ذلك المجلس، وربما جعله ادنى منه مرتبة، وكذلك بإمكانه تعديل ذلك القانون متى ما يشاء، طالما قد صدر منه، ألامر الذي قد يدفعه الى الغاءه. 2- ما الاختصاصات التي ستمنح لمجلس الاتحاد، طالما أن جميع الاختصاصات المهمة قد منحت لمجلس النواب . بناء على ذلك تم اضعاف الحكومة العراقية بشكل كبير من الناحية الدستورية مقارنة بما هو سائد في جمهورية المانيا الغربية، نتيجة لطبيعة اختصاصاتها الضعيفة، وحرمانها مزايا المجلس الاخر الذي من الممكن أن يكون أعضاءه وفقاً لطبيعة التفاوت بين المجلسين اكبر سناً، واكثر مهنية مقارنة بمجلس النواب، مما قد يمكنه من تقليص المعوقات التي يضعها مجلس النواب أمام الحكومة، لذا اصيبت الحكومة العراقية بالمزيد من الضعف الذي جعلها تشكل عامل اساسي في دفع النظام السياسي نحو الشلل والجمود. ثأنياً – الدور غير المباشر : أما الاحزاب السياسية فقد أولتها الولايات المتحدة عبر الثقافة السياسية أهمية كبيرة، ولمعرفة الدور الامريكي في صياغة الثقافة السياسية بشكل دقيق لابد من العودة الى الوراء قليلاً للتمييز بين ثلاثة مراحل اساسية مر بها ذلك الدور، وسنركز في دراستنا لاثر ذلك الدور على المكون العربي بشكل اساسي كونه يشكل الأغلبية فضلاً عن كونه الاكثر استهدافاً من قبل الولايات المتحدة : المرحلة الأولى (1980-1991) شهدت هذه المرحلة قيام الحرب العراقية الايرانية التي كان للولايات المتحدة اليد الطولى في اشعالها( )، ويمكن معرفة اثار تلك الحرب على الثقافة السياسية عبر عدة جوانب اساسية : 1- الجانب السياسي : اندفع النظام السياسي نتيجة لما تركته تلك الحرب من عدوان خطير مجاور للعراق، فضلاً عن الخسائر الاقتصادية والبشرية الكبيرة، وما ترتب عليها من مساوئ ولدت سخط اجتماعي كبير نحو المزيد من الدكتاتورية لضمان وجوده وتعزيز سيطرته، مما جعله يضع جملة من القيود التي قوضت حركة التطور الثقافي( )، ألامر الذي اسهم في اضعاف الثقافة السياسية. 2- الجانب الاقتصادي : ساعد الاستنزاف الاقتصادي الكبير لتلك الحرب الطويلة على اضعاف دخل الفرد العراقي( )، مما قلص اهتماماته الثقافية، ودفعه نحو الاهتمام بقوت يومه الذي بات استحصاله امراً صعباً مقارنة بعقد السبعينيات. 3- الجانب الاجتماعي : لقد اسهمت الحرب الطويلة والخسائر الكبيرة المترتبة عليها على مختلف المستويات في الدفع نحو تحشيد المجتمع عسكرياً، مما جعله يفقد ثقافته المدنية بشكل تدريجي. وتبعاً لذلك اسهمت الحرب العراقية الإيرانية في أنقاص المحتوى السلمي للثقافة السياسية، وملئها بدلاً من ذلك بمحتوى عسكري جعلها مائلة الى السلوك العنيف الى حد ما، وكأن ذلك بمثابة نهجاً تمهيدياً للمراحل التالية. المرحلة الثانية (1991-2003) : لقد قامت الولايات المتحدة في هذه المرحلة بحث العراق على غزو الكويت عام (1990) ( )، ثم قامت بتصويره كطرف معتدي، مما اتاح لها الفرصة على فرض حصار قاسي على العراق، ثم تزعم تحالف دولي تولى طرد الجيش العراقي من الكويت عسكرياً، وتدمير البنى التحتية العراقية بشكل كبير( ). وعليه تم تعريض العراق لخسائر فادحة على مختلف المستويات مقارنة بالمرحلة السابقة، كون الحرب العراقية الإيرانية قامت على وجود عدو واحد للعراق هو ايران مقابل نيل العراق دعم الكثير من دول العالم، كذلك أن الحرب العراقية الإيرانية كانت حرب بالمعنى العسكري القائم على المواجهة المادية المباشرة التي حاول من خلالها كل طرف اسقاط النظام السياسي لدى الطرف الاخر من الاعلى، بينما جسد الحصار حرب شاملة ذات معنى اقتصادي قائم على المواجهة غير المباشرة التي استهدفت المجتمع العراقي عبر افقاره بشكل كبير لرفع مستوى السخط لديه بالشكل الذي يحقق انفصال بينه وبين النظام السياسي، مما يجعل الاخير شبه منهار داخلياً كتمهيد لاسقاطه عسكرياً بسهولة كبيرة في المرحلة التالية. وعليه اتاح الحصار قدرة كبيرة للولايات المتحدة مقارنة بالمرحلة السابقة على صياغة الثقافة السياسية عبر ثلاثة جوانب اساسية : 1- الجانب السياسي : تعرض النظام السياسي نتيجة للحصار الى ضغوط خارجية تمثلت بالعزلة، أي عزل العراق عن المحيط الاقليمي والدولي، فضلاً عن الضغوط الداخلية التي تمثلت بالسخط الاجتماعي الكبير، نتيجة لمساوئ الحرب ثم الحصار، ألامر الذي جعل النظام يفقد القوة المعنوية، ويركز بشكل اساسي على القوة المادية الذي بات بقاءه يعتمد على استعمالها بشكل مفرط، مما جعل النظام يتجه نحو المزيد من القمع الذي قوض أو الغى ملامح الحرية بمفهومها الواسع لدى المجتمع( )، ألامر الذي دفع الاخير نحو المزيد من التخلف الثقافي. 2- الجانب الاقتصادي : لقد تم افقار المجتمع بشكل كبير مقارنة بالمرحلة السابقة( )، ألامر الذي جعل الجانب الاقتصادي يشكل محور تفكير الفرد العراقي، لارتباط ذلك في ظل الفقر المدقع ببقائه وكرامته. 3- الجانب الاجتماعي : تعرضت القيم الاجتماعية لهزة كبيرة اسهمت بتغييرها بشكل كبير عبر ارساء قيم فاسدة اتسمت بغياب الروادع الاخلاقية، مما جعل سلوك الفرد العراقي يتسم بالازدواجية التي يمكن لمسها في موضعين اساسيين هما طاعته العمياء للسلطة والسخط التام ازاءها، كذلك الادعاء بالتدين والركون الى الفساد باشكاله المختلفة للحصول على قوت يومه. بناء على ذلك تم تكوين ثقافة سياسية ذات صيغة خاصة، الا أن اهم ما ميز تلك الثقافة هو ارتفاع موجة التدين بشكل كبير مقارنة بالعقود السابقة، نتيجة لما افرزه الحصار من اثار دفعت بذلك الاتجاه، ونقصد بذلك الفقر المدقع بشكل اساسي الذي ولد نوع من اليأس الناجم عن غياب مزايا الحياة المادية، مما خلق اضطراب نفسي دفع اغلب ابناء المجتمع العراقي نحو التدين كوسيلة لالتماس الطمأنينة القائمة على تعويض تلك الماسي في العالم الاخر، وقد ساعدت القيم الاجتماعية المتميزة بالخواء الفكري على تغذية ذلك الاتجاه، من خلال جعل الفرد العراقي على استعداد لاستلهام أي فكرة من دون روادع، وذلك لملء الفراغ الذي كأن يعيشه، أي لم يكن هناك اندفاع جدي نحو الدين قائم على الأدراك الحقيقي له بقدر ما جاء كأمر حتمه المحيط الاجتماعي السائد أنذاك، ألامر الذي جعل اثر الدين على المجتمع يتسم بالسطحية، وهذا ما يمكن أن نلمسه في عجزه عن الوقوف أمام الطابع الازدواجي للفرد العراقي الدافع بقوة نحو تذليل أي معوقات تقف أمام حاجته لشيء ما. كذلك اسهم النظام السياسي في تغذية الموجة الدينية عبر تجسيده الاتجاه المعاكس لها، وهذا ما يمكن أن نلمسه في جانبين اساسيين : 1- طبيعة نهجه العلماني الذي جعل التيار الديني يعده السبب الأساسي وراء المآسي التي تعرض لها العراق، لافتقاره المحدد الديني في صياغة سياساته. 2- طبيعة المنهج الذي أنتهجه ازاء المتدينون والذي اتسم بالقمع المفرط، مما دفع بشكل غير مباشر نحو المزيد من التدين، لكن لم يسمح له بابراز اثاره السياسية، نظراً للتهديد الذي يشكله على النظام، ألامر الذي ادى الى كبته بشكل كبير عبر الوسيلة المادية. المرحلة الثالثة (2003-2014) : قامت الولايات المتحدة في هذه المرحلة بإسقاط النظام السياسي العراقي في عام (2003) عبر التدخل العسكري( ). أن اهم ما يميز هذه المرحلة عن المرحلتين السابقتين هو خضوع اثر الثقافة السياسية للجانب العملي، أي أن المرحلتين السابقتين كانتا بمثابة مراحل اعداد للثقافة السياسية ليتم تشغيلها في هذه المرحلة، كون الشعب لم يكن مصدر السلطة في تلك المراحل على العكس من المرحلة الراهنة، ألامر الذي سمح للشعب بممارسة دوره السياسي وفق محتويات ثقافته التي تم بناءها في المراحل السابقة. لقد برز العامل الديني كموجه اساسي للسلوك السياسي للمجتمع العراقي بعد عام (2003)، وذلك بعد أن اتيحت له الحرية الكافية في التعبير عن ذاته بعد مدة طويلة من الكبت، لذا قام بناء على محتواه المذهبي المتعارض، فضلاً عن التراكم التاريخي القائم على تهميش المكون الشيعي من قبل المكون السني ورد الفعل المضاد من قبل الاخير في خلق شرخ كبير داخل المكون العربي، أي تقسيمه على اسس طائفية متصارعة ولدت فعل مماثل لدى المكونات القومية الاخرى، لكن بأطر مختلفة، أي التوجه نحو التيارات القومية، لاسيما المكون الكردي الذي استحضر العامل التاريخي القائم على اضطهاد العرب له، فضلاً عما افرزته فترة ما بعد عام (2003) من معطيات سياسية جعلته اقلية في المجتمع، مما دفعه الى توحيد صفوفه لتكوين قوة قادرة على الحفاظ على ثقافته واسترداد حقوقه. بناء على ذلك تم تكوين مجتمع ذو ثقافة سلبية قائم على وجود مكونات متنافرة يكن كل منها العداء للأخر، ولا يجمعها سوى العيش في رقعة جغرافية معينة، فأنعكس اثر ذلك على المستوى السياسي بجعل السلوك الانتخابي للفرد العراقي يبحث عن الاحزاب التي تمثل ثقافته الفرعية بشكل اساسي من دون الاهتمام بمدى فاعليتها، أي اخذ ينظر الى الانتخابات كوسيلة لأثبات الذات أمام المكونات الاخرى المتصارعة معه، مما ادى الى أنتاج احزاب طائفية وقومية متصارعة، بسبب قيامها على اسس اجتماعية متعارضة، لذا قامت تلك الاحزاب نتيجة لطبيعة الثقافة السلبية وأيدولوجياتها المتصارعة باتباع اسلوب خاص في نيل رضا مكوناتها لا يقوم على اساس تقديم اداء فاعل بقدر ما يقوم على اسلوب اثارة الصراع مع الاحزاب ذات المكونات الاخرى، وتصوير ذلك الصراع بأنه استهداف لمكوناتها كي تظهر بمظهر المدافع عنها، مما يكسبها المزيد من الدعم من قبل تلك المكونات، ألامر الذي جعل للاحزاب السياسية دوراً محورياً في أنعاش الثقافة السلبية كون الاخيرة تجسد السبب الاساسي لوجود وازدهار تلك الاحزاب. وتبعاً لذلك تم تكوين تركيبة حزبية ذات أيدولوجيات متعارضة اعاقت من امكانية قيام تعاون فعلي فيما بينها، ودفعت بدلاً من ذلك نحو الصراع الذي أنعكس على النظام السياسي عبر مؤسستيه المركزيتين بشكل اساسي، أي (البرلمان والحكومة) اللذان اصيبا بالشلل، مما افضى الى تعطيل ذلك النظام بالشكل الذي جعله يجسد عائق كبير أمام تطور الدولة العراقية، بل اخذ يعمل عبر المساوئ الكبيرة التي تمخضت عنه على تفكيك تلك الدولة من الداخل. ترتيباً على ما تقدم تمكنت الولايات المتحدة عبر بناء نظام برلماني غير فاعل من اضعاف الدولة العراقية بشكل كبير، مما اتاح لها عامل محوري في تحقيق مشروعها القائم على إعادة رسم خارطة الشرق الأوسط وفق المعيار الطائفي والعرقي، أي اقامة دولة الطائفة و العرق بدلاً من الدولة القائمة في الوقت الراهن، لذا جاء التركيز على العراق كنقطة انطلاق في تنفيذ ذلك المشروع، نظراً لامتلاكه ميزتين اساسيتين في هذا الصدد هما طبيعة مجتمعه التعددي، وموقعه الجغرافي الذي جعله يتوسط مجموعة من الدول المتصارعة، ألامر الذي يجعل اثارة الحرب الاهلية في العراق لاتقف عند حدوده بل تمتد الى العديد من الدول لاسيما المجاورة نظراً للصلات الاجتماعية والجغرافية، مما يجعل الدول الاقليمية والدولية تخوض الصراع لاسباب مصلحية، بينما تخوضه الدول الصغرى لاسيما العربية لاسباب طائفية، ألامر الذي سيتيح للولايات المتحدة القدرة على بناء دول ليست ضعيفة فحسب بل متصارعة بحكم خاصية الصراع القائم على الاسس الطائفية والعرقية الذي يغذيه الفقر الذي تعيشه تلك البلدان، فضلاً عن الدعم الخارجي المادي وغير المادي. خاتمة : ركزت الولايات المتحدة في اطار بناء النظم البرلمانية على الجوانب ذات الديمومة النسبية التي تكفل تحقيق مصالحها الاستراتيجية عبر تسيير النظام باتجاه معين، لذا تم التركيز على الثقافة السياسية التي تسهم في علاقتها مع النظام البرلماني عن طريق الاحزاب السياسية بدور مهم في تحديد مدى نجاح ذلك النظام، أي أن الثقافة الإيجابية تستطيع عبر انتاج احزاب كبيرة ومعتدلة من تشغيل النظام البرلماني بشكل سليم، وجعله احد اهم العوامل المسؤولة عن تقدم الدولة، على العكس من الثقافة السلبية التي تنتج احزاب طبقية متصارعة تسهم في تعطيل النظام البرلماني وتجعله احد اهم العوامل المسؤولة عن تخلف الدولة. وغالباً ما يأتي اداء النظم البرلمانية بشكل يتوافق مع طبيعة قواعدها الثقافية، أي أن النظم القائمة على الثقافة الإيجابية ستفرز اداء فاعل يعزز تلك الثقافة ويطورها فتستمر في أنتاج احزاب كبيرة ومعتدلة تمنح النظام المزيد من الفاعلية، بينما تفرز النظم القائمة على الثقافة السلبية اداء غير فاعل يسهم في تعزيز الثقافة السلبية، أي الدفع نحو المزيد من الانقسام الاجتماعي الذي سيستمر في أنتاج احزاب متصارعة تدفع النظام نحو المزيد من التدهور. وعليه سترسم تلك العلاقة الدائرية ظاهرة تتسم بالديمومة النسبية فتعمل على أنتاج دول متقدمة واخرى متخلفة، ونظراً لرصانة تلك الظاهرة القائمة على قوة القاعدة الثقافية ستتمكن من تذليل الكثير من التحديات التي تحاول تقليص اثارها أو الغائها، لاسيما تعديل الدستور وتغيير النظم الانتخابية، كون الاخيرة ستفرز اثارها من الاعلى فتصطدم بمتأنة القاعدة الثقافية التي ستحرفها وتوجهها بالاتجاه المتوافق مع مضمونها مما يسمح بدوام الظاهرة.
#سيف_الامارة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
السياسة الخارجية لأدارة ترامب (اشكالية العلاقة بين المنظور ا
...
المزيد.....
-
فوضى في كوريا الجنوبية بعد فرض الأحكام العرفية.. ومراسل CNN
...
-
فرض الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. من هو يون سوك يول صا
...
-
لقطات مثيرة لاطلاق صاروخ -أونيكس- من ساحل البحر الأبيض المتو
...
-
المينا الهندي: الطائر الرومنسي الشرير، يهدد الجزائر ولبنان و
...
-
الشرطة تشتبك مع المحتجين عقب الإعلان عن فرض الأحكام العرفية
...
-
أمريكا تدعم بحثا يكشف عن ترحيل روسيا للأطفال الأوكرانيين قسر
...
-
-هي الدنيا سايبة-؟.. مسلسل تلفزيوني يتناول قصة نيرة أشرف الت
...
-
رئيس كوريا الجنوبية يفرض الأحكام العرفية: -سأقضي على القوى ا
...
-
يوتيوبر عربي ينهي حياته -شنقا- في الأردن
-
نائب أمين عام الجامعة العربية يلتقي بمسؤولين رفيعي المستوى ف
...
المزيد.....
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
المزيد.....
|