الرأسمالية في سنة تخليد مئوية ثورة أكتوبر

عبد السلام أديب

الحوار المتمدن-العدد: 5601 - 2017 / 8 / 4 - 23:56
المحور: ملف الذكرى المئوية لانطلاق ثورة أكتوبر الاشتراكية في روسيا
    

1 – يخلد العالم هذه السنة 2017 مئوية ثورة أكتوبر، في ظل عالم يخضع لهيمنة رأسمالية مأزومة. وتوجد هذه الرأسمالية اليوم في طور انحطاطها وتفككها، بفعل تناقضاتها الداخلية وأزماتها الهيكلية، غير قابلة للتجاوز. فالرأسمالية لم تعد قادرة على اتاحة أية فرصة نمو جديدة للشعوب، فتراها تراكم أكثر فأكثر وتمركز وتكتف الثروات، من جهة، بينما تراها، من جهة أخرى، تمارس استغلالا متزايدا، ومزيدا من عدم المساواة ومن الظلم الاجتماعي، ومن الهجوم على الحقوق الاجتماعية والشغلية للعمال، وفي تجاهل تام للحقوق والحريات الديموقراطية، وتعمل على نهب وتخريب المصادر الطبيعية، وتمارس التدخل والعدوان على السيادة الوطنية للشعوب، كما تعمل على المزيد من العسكرة وشن الحروب، التي أصبحت تخاض في كافة القارات في مرحلة الامبريالية الحالية.

2 – لقد أصبحت الرأسمالية، انطلاقا من طبيعتها المأزومة، عاجزة عن تجاوز تناقضاتها المزمنة –خصوصا تناقضها الرئيسي بين رأس المال والعمل، وبين الطابع الاجتماعي للإنتاج والملكية الخاصة والتي تعمل أكثر على مركزة وحشية للرأسمال دافعة أكثر نحو فوضى إنتاجية كونية. ان الرأسمالية تدفع بالملايين من العمال نحو البطالة، والهشاشة، واللجوء إلى الأشكال الأكثر عنفا في الاستغلال.

3 – يؤشر الانتخاب الأخير لدونالد ترومب في الولايات المتحدة الأمريكية إلى هذه الخصائص في الأزمة الرأسمالية كما يعلن عن انتقال العالم في ظلها نحو اتجاه عام للإمبريالية الى انتاج المزيد من الأزمات الجديدة الأكثر كارثية، والتي يطبعها المزيد من العدوان على الشعوب المسالمة وعسكرة متزايدة للنظام الامبريالي العالمي.

4 - إن بحث الجماهير عن بديل مجتمعي في تزايد مطرد ويعبر عن اهتمامها المتزايد بالبديل الاشتراكي. فمنذ بداية 2017 تم تعداد إضرابات أكثر من عشرة ملايين نسمة على المستوى العالمي على شكل تظاهرات جماهيرية كبرى. كما ظهرت حركات جماهيرية جديدة للشباب عرفت تطورا ملحوظا في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، وعدد من البلدان أمريكا اللاتينية والبلدان الإفريقية والآسيوية وتدخل الانتفاضات العارمة التي عرفها شمال المغرب بمنطقة جبال الريف ضمن هذه الحركات الشبابية الباحثة عن مخرج من الواقع الرأسمالي المأزوم حاليا. فهناك عهد جديد من الأزمة الثورية بدأ يتبلور في مراكز أزمات الامبريالية العالمية في نفس سنة تخليد العالم لمئوية ثورة أكتوبر. تشكل هذه السنة استثناء بالنسبة للإنسانية، لأن ثورة أكتوبر تذكرنا بفتحها عهدا جديدا في تاريخ الإنسانية، عهد الانتقال من الرأسمالية الى الاشتراكية.

5 – إن تخليد مئوية ثورة أكتوبر، تدخل في اعتبار البشرية ضرورة وملحاحيه الاشتراكية كما تؤكد الحاجة والقدرة على التجاوز الثوري للرأسمالية، عبر الاشتراكية والشيوعية. إن النظام الرأسمالي، بسبب طبيعته الاستغلالية، واضطهاده للشعوب، وعدوانيته وافتراسه للمقدرات الطبيعية للانسانية وما ينجم عن كل ذلك من عواقب مأساوية، مصاب بأزمة بنيوية لا تتوقف عن التعمق، تجعل من الرأسمالية المسؤول عن المشاكل المتزايدة والمخاطر التي تواجه الإنسانية.

6 – إن ثورة أكتوبر والتجربة التاريخية في بناء الاشتراكية، تظل تشكل مصدرا لدروس مهمة ومثالا للتغيير والفتوحات التي يمكنها أن تنعكس إيجابيا باعتمادها في عصرنا فهي تضع اليوم في جدول مهام الانسانية اتباع الطريق الثوري، الذي ينير مستقبلها نحو الاشتراكية. وتؤكد ذكرى ثورة أكتوبر دائما أن المستقبل ليس في مملكة الرأسمالية، وانما في عالم الاشتراكية والشيوعية.

7 – في 7 نونبر 1917 (25 أكتوبر حسب التقويم الروسي القديم) استطاعت البروليتاريا الروسية، تحت قيادة طليعتها الثورية في الحزب البلشفي، والدور المميز الذي قام به الرفيق لينين، أن تأخذ مستقبلها بيدها. فقد انتزعت السلطة من النظام الاستبدادي القائم، وأرست عبر ثورتها المظفرة، أسس مجتمع جديد، في بلد حطمته الحرب الامبريالية (الحرب العالمية الأولى) وبجماهير شعبية عانت من الاستغلال والقمع والجوع والأمية.

8 – لقد أحيت ثورة أكتوبر تطلعات نضالات المستغلين والمضطهدين خلال الآلاف من السنين، منذ تمردات العبيد في ظل الإمبراطورية الرومانية، مرورا عبر تمرد الزنج في منطقة الشرق الأوسط القديم وتمرد الفلاحين الفقراء في القرون الوسطى والثورة الفرنسية في سنة 1789 والتي شكلت عاملا أساسيا في انهيار نمط الإنتاج الاقطاعي وصعود نمط الإنتاج الرأسمالي، ثم وصولا الى الانتفاضات العمالية طيلة القرن التاسع عشر. التي توجتها كمونة باريس سنة 1871.

9 – إن ثورة أكتوبر شكلت عملا ثوريا محفزا، مكنت من تجاوز الأوضاع المعقدة ومواجهة العديد من المؤامرات. كالمقاطعة الاقتصادية وأعمال التخريب وتدخل القوى الامبريالية وتأجيج الحرب الأهلية والحصار الاقتصادي وأعمال الخيانة. ورغم كل ذلك، ومن خلال سيرورة ثورة أكتوبر غير المألوفة والمتحركة، تحققت تطلعات وأحلام العمال والمستغلين والمضطهدين والمعزولين كما انفتحت الطريق نحو بناء مجتمع كان غير معروف من قبل الإنسانية الى ذلك الحين.

10 - لقد حولت الثورة الاشتراكية روسيا القديمة المتخلفة التي ظل يحكمها القياصرة المستبدون الى بلد متقدم، استطاع احتواء، خلال عقود، أهداف الهيمنة الامبريالية على العالم. كما تمكن الاتحاد السوفياتي في ظرف زمني تاريخي وجيز من تطور صناعي وفلاحي هائل، والقضاء على الأمية وتعميم الولوج الى التعليم وتفوق في الرياضات وفي القضاء على البطالة وضمان الصحة العمومية والحماية الاجتماعية وضمان الارتقاء بحقوق النساء والأطفال والشباب والأشخاص في سن الشيخوخة، كما اتسع تأثير الحركة الفنية وأشكال الابداع والمنجزات الثقافية، وتم بلوغ مستويات علمية وتكنولوجية عالية جدا كما أسس الاتحاد السوفياتي لممارسات وأشكال من المشاركة الديموقراطية للعمال والجماهير الشعبية، وعمل على معالجة قضية الأقليات الاثنية المضطهدة المعقدة، كما أعلى من قيم الصداقة والتضامن والسلام والتعاون بين الشعوب.

11 - وفي ظل تأثير ثورة أكتوبر المظفرة، تأسست العديد من الأحزاب الشيوعية في كل مكان في العالم، كما تبلورت الحركة الشيوعية العالمية، وأصبحت الحركة العمالية وقيمها أكثر قوة، كما انتشرت القيم الماركسية اللينينية بين الجماهير.

12 – لكن اختفاء الاتحاد السوفياتي وانحراف القيادات الاشتراكية في أوروبا الشرقية، بسبب هيمنة نمط التفكير البرجوازي الصغير التحريفي، كان له وقع سلبي وعميق على التوازن العالمي وعلى وعي الجماهير وعلى تطور النضال من أجل الاشتراكية.

13 – لقد حان الوقت لكي تستعيد الماركسية اللينينية زمام المبادرة في كل بلد على حدة من أجل الوقوف في وجه الهجوم الأيديولوجي البرجوازي والبرجوازي الصغير والاصلاحي والتحريفي والتروتسكي والتصفوي على الاشتراكية والشيوعية.

14 – إن الماركسية اللينينية في ظل قيم ثورة أكتوبر قادرة على إعادة تثمين دور الطبقة العاملة والعمال والشعوب من أجل العمل على تغيير المجتمع على أساس براديغم اشتراكي وشيوعي جديد. انه تثمين للقوة الناجمة عن وحدتها وتنظيماتها ونضالاتها.

#عبد_السلام_أديب (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل