|
التجربة المُحمدية
زين اليوسف
مُدوِّنة عربية
(Zeina Al-omar)
الحوار المتمدن-العدد: 5599 - 2017 / 8 / 2 - 12:25
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الأفكار..حُبيبات اللقاح تلك و المتطايرة حول عقولنا قد تصبح ذات تأثيرٍ كبير على حياتنا إذا ما تحولت من مجرد أفكارٍ تهيم فوق رؤوسنا فنلتقط منها ما نشاء و ننبذ منها ما نشاء إلى أسلوب حياة يستوطننا مُرغمين فنُجبر على ممارسته طالما بأن الأغلبية تؤمن بجدواه و بمدى صحته..تلك الأفكار التي نُجبر على إتباعها يعتقد الكثيرون مُخطئين بأن نجاحها و مدى فعاليتها يعتمدان فقط على ضخامة "عدد" معتنقيها مُتناسين بأنه أيضاً قد يُقاس بمدى صمودها عبر الزمن حتى بعد وفاة صاحبها المُروِّج لها و الذي بغياب حضوره قد تصبح تلك الفكرة عاجزةٍ عن الصمود أمام أي نقدٍ تواجهه من الرافضين لها و لاعتناقها.
أحد تلك المفاهيم التي يعتنقها ربما الملايين و لكنها فشلت بشكلٍ متكرر في إثبات مدى فاعليتها أثناء مواجهتها للعديد من الاختبارات العملية هي تلك التي أسسها الرسول الكريم محمد خلال حياته سواء في المجتمع الذي كان يقتدي به و بتصرفاته و بأفكاره نتيجةً لاحتكاك أفراده بشكلٍ مباشر و يومي به أو في المجتمعات التي وصلت إليها أفكاره إما عن طريق الحرب أو السَّلم..كل تلك الأفكار أثبتت إنها أفكار غير قابلة للتطبيق بشكلٍ كلي و فاعل في الحياة الواقعية إما لأنها تنزع إلى المثالية الشديدة أو ربما لأنها تحرض على القسوة الشديدة و في كل الحالتين تمت مواجهة تلك الأفكار في حينه باقتناعٍ ظاهري بها إنهار عند أول اختبار حقيقي يواجهه.
فبعد وفاة الرسول الكريم -ربما بعدة ساعات- اتضح مدى العُمق الذي تمكنت من الوصول إليه جذور تلك الأفكار التي كان يُروِّج لها بحماسٍ شديد طوال أهم سنوات حياته..تلك الأفكار -التي قد نختلف أو نتفق حول مشروعيتها- انهارت بعد بضع ساعات فقط من وفاته عندما تنازع أشد الناس مواظبةً على حضور مجلسه و أشدهم تشرباً ظاهرياً لأفكاره حول أي "فئة" هي الأكثر صلاحية لخلافته في سدة الحكم..حينها كان ميلاد اللحظة التي انتقلت فيها عملية اختيار من يتولى إدارة شؤون البلاد من مرحلة الاعتماد على معيار "الكفاءة" إلى مرحلة الاعتماد على معيار "أي الأشخاص هو الأفضل نسباً".
و هنا سأتساءل مُرغمة هل كان الرسول الكريم يُمثل قدوةً حقيقة لمن كانوا حوله أم أنه كان يجسد فقط فكرة السلطة السياسية التي يتطلع جميع من حولها إلى الوصول إليها؟؟..ألهذا سعى الجميع تقريباً إلى أن يكونوا من ضمن الدائرة الضيقة جداً و التي تضم المقربين إليه لنيلها بعد وفاته؟؟..و هل هذا يعني أن أغلب من كانوا يحيطون به لم يؤمنوا حقيقةً بأيٍ من الأفكار التي كان يؤمن بها و لا حتى بجدوى استمرارية محاولة تطبيقها على نطاقٍ مجتمعي أوسع بعد وفاته؟؟..قد يكون هذا التساؤل الأخير هو التفسير الأقرب إلى المنطق -بالنسبة لي طبعاً- نتيجة لحالة التنازع السريعة جداً بُغية السيطرة على مقاليد الحكم بعد وفاته و نتيجة لسرعة إقصاء أتباعه لمعيار الكفاءة عند اختيارهم لمن يقوم بهذه المهمة من بعده..ذلك الإقصاء لم يكن بالعبثي المعنى فعلياً فلقد كان يحمل في طياته إشارة مبطنة منهم للآخرين بأن شدة إيمانك بأفكار ذلك الرسول و إتباعك لها ليس بالأمر الكافي لاختيارك لخلافته في وظيفته فهناك أمورٌ أخرى أهم يجب أن تُؤخذ في الحُسبان..و هو الأمر الذي أصبح مع تقادم الزمن القاعدة الحقيقية في عالمنا الإسلامي لاختيار أي شخص لشغر أي وظيفة مهما صغُرت.
لماذا فشلت التجربة المُحمدية بعد ساعات فقط من وفاته؟؟..أي إجابة سأحاول تجميلها ستحمل لي في طياتها الكثير من التكفير لهذا سأحاول عدم تجميل أي إجابة أطرحها هنا لعبث محاولة القيام بذلك الأمر..فعندما يفشل أي شخص في ضمان استمرارية فعالية فكرته حتى لما بعد بضع ساعات من توقفه عن الترويج لها و تثبيتها في عقول مُريديه فهذا يعني أن تلك الأفكار لم تكن تعنيهم كثيراً إما لكونها مثاليةً جداً أو سيئةً جداً أو لكونها غامضةً جداً فلم يتمكن أياً منهم من فهم جوهرها الحقيقي بشكلٍ عميق..و بالرغم من أن أحد أبسط المفاهيم التي روَّج لها الرسول الكريم كانت أن السلطة الدنيوية ما هي إلا مسؤولية مرعبة بالنسبة لأي شخص يحمل بداخله القليل من الحس الإنساني و ليست بالمكافأة التي قد يسعى أي عاقل إلى الوصول إليها مُستميتاً إلا أن النزاع عليها من قبل أكثر أتباعه قُرباً له كان دموياً وحشياً.
تلك الأفكار لم تتوقف معضلة المسلمين معها عند العجز عن فهمها و الاقتتال بسببها قديماً و لكنها معضلة استمرت معهم حتى هذه اللحظة..ففروع جذور ذلك الصراع الدموي ممتدة حتى عصرنا الحالي و ما زالت تتسبب منذ أكثر من 1400 سنة في دمار و قتل لا يُبقي و لا يذر و ربما لن تتوقف عن فعل ذلك الأمر حتى آخر الزمان..و تكفي نظرة بسيطة و سريعة على التاريخ الإسلامي لجعلنا ندرك بأن انهيار الدولة الإسلامية كان بسبب الاقتتال الداخلي أكثر منه بسبب الأطماع الخارجية..ذلك الاقتتال الذي كان مُستنداً في أسبابه بشكلٍ رئيسي على الاختلاف الشديد في فهم تلك الأفكار المُحمدية و التي يبدو أنها كانت عصيةً على الفهم لدى معظم أتباع محمد..لهذا عندما نرى كل تلك الفروع التي تقطر دماً يجب حينها أن نتساءل مُرغمين "هل كانت أفكاراً ناجحة؟؟".
#زين_اليوسف (هاشتاغ)
Zeina_Al-omar#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لا تصالح
-
براءة
-
خلافة
-
فلنجلد زين كثيراً!!
-
مثلي مثلك
-
طابورٌ خامس
-
24 ساعة
-
تحالف
-
إلهٌ تهاوَى
-
بضع ساعات
-
أوهام
-
عن أركانٍ خمسة!!
-
مكعبات
-
الطوق و الأسورة
-
من دون أي شغف
-
نبضةٌ إضافية
-
أريد
-
حرب
-
مغناطيس
-
قصة مذهبين
المزيد.....
-
الرئاسة المصرية تكشف تفاصيل لقاء السيسي ورئيس الكونغرس اليهو
...
-
السيسي يؤكد لرئيس الكونغرس اليهودي العالمي على عدم تهجير غزة
...
-
السيسي لرئيس الكونغرس اليهودي العالمي: مصر تعد -خطة متكاملة-
...
-
الإفتاء الأردني: لا يجوز هجرة الفلسطينيين وإخلاء الأرض المقد
...
-
تونس.. معرض -القرآن في عيون الآخرين- يستكشف التبادل الثقافي
...
-
باولا وايت -الأم الروحية- لترامب
-
-أشهر من الإذلال والتعذيب-.. فلسطيني مفرج عنه يروي لـCNN ما
...
-
كيف الخلاص من ثنائية العلمانية والإسلام السياسي؟
-
مصر.. العثور على جمجمة بشرية في أحد المساجد
-
“خلي ولادك يبسطوا” شغّل المحتوي الخاص بالأطفال علي تردد قناة
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|