أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - يوسف بن الغياثية - محمد الدنمارك ومحمد القرءان، لا يلتقيان















المزيد.....

محمد الدنمارك ومحمد القرءان، لا يلتقيان


يوسف بن الغياثية

الحوار المتمدن-العدد: 1455 - 2006 / 2 / 8 - 09:42
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


ربما استبشر بعض الناس الذين يقتاتون على أحداث ساخنة ومثيرة أن يكون المسلمون ومن يقف في الجهة المضادة أو المعادية في صراع مفتوح عنوانه هذه المرة : "إهانة نبي الإسلام رسول الله عليه الصلاة والسلام في "سكنيدنيـﭭيا" [Scandinavia]" ووقعت الواقعة وانساقت الصحيفة "يولاندس ﭙـوستن" [Jyllands Postten] وتمادت في ادعاء كونها لم تعلم من قبل أن مثل تلك الرسومات لا تسيئ إلى معتقد. وأن الكاريكاتورات المعروضة لم تكن تهدف سوى إلى فتح باب الحوار الثقافي. وأورد البيان المذكور أنه "لم يكن القصد النيْل من شخص النبي (ص) بتاتا، أو الحط من قيمته، بل كانت مدخلا للحوار حول حرية التعبير عن الرأي، التي نعتز بها في بلادنا. ونحن لم ندرك حينها، مدى حساسية المسألة لملايين المسلمين..."
والحقيقة أن البيان الذي وقعته هيئة التحرير يبعث على السخرية والشفقة أكثر مما يبعث على الارتياح. ذلك أن لكل إنسان مقدس مهما كان سواء من عالم الشهادة أو عالم الغيب. وإذا كان الدنماركيون يفخرون بتقديس الحرية وينعمون بالمساواة التامة بين أفراد المجتمع مثل بقية الدول المجاورة لهم، مثل السويد التي اتخذت قرارا حكيما باعتماد الحياد مرتين وتجنبت بذلك الدخول في الحربين العالميتين لتتجنب الدمار ولتكون من الناهضين عقب تلك الكارثتين، فإن نظراءهم من المسلمين لا ينعمون بالمواطنة فهم لا زالوا رعايا ورعاعا في نظر الكثيرين ممن يسوقونهم بدل أن نقول يحكمونهم. وشتان بين القطيع والشعب، وشتان بين الرعاع والأمة، وشتان بين من يحسبون أنهم مسؤولون بأنفسهم ويملكون قرار إزالة سلطة وبين من هم مسؤول عنهم ولا يملكون حتى حق التعبير.
إن البيان الذي نشرته الصحيفة الدنماركية يدخل في سياق الاستشراق أو العقلية الاستشراقية التي تعتقد أن الإنسان الشرقي خصوصا وغير الأوروبي عموما لا يستطيع أن يمثل نفسه بل إنه يُمثَّل. ومن ثمّ، جاء أن هذه الهيئة لم تكن تعتقد أنها تمس شعورا أو أنها كانت تخدش مقدسا وهو الرسول عليه الصلاة والسلام. إذ كان لا بد أن يمر هذا الشعور عبر الضمير الغربي حتى يصبح معتَمَدا. إذ لما قام القائمون بهذه الضجة اتضح للصحيفة أن لأولئك شعورا وكرامة مُسّا، فبادرت إلى الأسف، وهو ما لم يكن كافيا بالنسبة للدعاة وربما لكثير من المسلمين فالمأمول بالنسبة إليهم هو الاعتذار الرسمي والشعبي وربما محاكمة الرسامين محاكمة من قبيل ما يزخر به قضاء بلداننا وينتهي الأمر بإعدامهم حتى يكونوا عِبْرة لمن بعدهم. وهنا تختلف التصورات والأحلام التي يتعلق بها كل مسلم مدعيا أنه يدافع بذلك عن نبيه مع أنه يرتكب في حقه كل يوم ما يفوق ما رسمه أولئك للسخرية منه في العمق وليس من رسول الله عليه الصلاة والسلام. وسيأتي بيان هذه النقطة إن تيسر.
ومما يمكنه أن يثير أسفنا في هذه النازلة هو غياب العقل. على أن الداعية السعودي الشهير وصف المسلمين بالتريث والتعقل هذه المرة ، وأثنى على تتبع المسلمين في الدنمارك للقضية منذ سبتمبر الماضي وحتى اليوم. لتخرج المسألة من الدنمارك إلى العالم الإسلامي الذي ما أن سمع بالخبر حتى هاج وماج وعبر عن غضبه بما يحسن وهو الاحتجاج والدعوة إلى القطيعة والردع، وربما التوسل بعمليات تخريبية وستسمى "استشهادية" أو تأديبية ضد مصالح الدنمارك والنرويج وغيرهما.
ونحن لا ندعو إلى ذلك كله. بل ندعو إلى وقفة مع الذات تكون صريحة تتجه نحو عمق الأشياء وليس إلى سطحها. ولنا في أنبياء الله - تعالى - عليهم الصلاة والسلام أسوة حسنة، فهذا إبراهيم : " قال سلام عليك، سأستغفر لك ربي، إنه كان بي حَفِيـاً." ، وهذا عيسى يقول في العهد الجديد : "أحبوا أعداءكم ؛ باركوا لاعنيكم ؛ صلوا أجل الذين يسيئون إليكم... وبمثل ما تريدون أن يعاملكم الناس عاملوهم أنتم أيضا... ولا تُدينوا، فلا تُدانوا. ولا تحكموا على أحد، فلا يحكم أحد عليكم. اِغفروا، يُغْفَر لكم. أعطوا، تُعْطَواْ : فإنكم تُعْطَوْن في أحضانكم كيْلاً جيّدا مُلَبَّدا مهزوزا فائضاً، لأنه بالكيْل الذي به تكيلون، يُكال لكم." أما محمد رسول الله عليه الصلاة والسلام، فإنه لما أوتي جوامع الكَلِم، فقد لخص ما سبق بقوله : "اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون." ووجهه ربه تعالى، في السياق نفسه بقوله : "خذ العفو، وامر بالعرف، وأعرض عن الجـاهلين."
النية، إذن، هي أن الحوار هو المقصود من خلال ما نشرته الصحيفة. فحتى السُّذَّج لن تنطلي عليهم هذه الأقوال التي لا تغير من الحقيقة شيئا. فالتطرف الغربي يقابله تطرف إسلامي. فالذي أوحى لهذا المنبر الإعلامي بهذا العمل لا يمكنه أن يكون جاهلا بمكانة نبي الإسلام وبقدره في العالم فبالأحرى لدى أتباعه من المسلمين وأمتهم. لقد تملكنا الغضب ليس من الكاريكاتورات ولكن من توسل طريق غير آمِن للوصول إلى قناعة مفادها هو أن ذلك العمل أثار حفيظة المسلمين الذين لم يعد لهم من مشكل سوى محاسبة الآخرين وإدانتهم بدلا من محاسبتهم أنفسهم وإدانة من يعطل تنميتهم ويُبلِّد وعيهم. بالأمس البعيد سلمان رشدي، وتسليمة نسرين، واليوم الصحيفة، وغدا ؟ علينا أن ننتظر على من سيقع الدور، وأي مقدَّس سيمَس هذه المرة لكي نوجه الصراخ والعويل بدلا من إعداد الإنسان الذي سيكون برنامجه نشر السلم العالمي مهما كان مكلفا.
وأبعد عن الناس عن رسول الله الذين يدعون اليوم اتباعه. لكن، هل يكون هذا مبررا لإهانة ملايين من الأتباع البائسين الغارقين في الأمية والعصبية القبلية والاستبداد السياسي والتخلف المعرفي ؟ الجواب معروف، هو النفي. غير أننا نرى أن المسلمين أهانوا أنفسهم قبل أن يهينهم الآخرون مما سهل على البعيد قبل القريب التطاول على مقدساتهم ومنها رسول الله عليه الصلاة والسلام. ومع ذلك، لا يبرر ذلك ما فعلته الصحيفة ومن تبعها من الصحف الأوروبية الأخرى وخاصة الفرنسية.
إن ما نشرته الصحيفة الدنماركية لا يعبر إلا عن حال المسلمين وليس عن نبيهم عليه الصلاة والسلام. ولذا، نرى أنه ربما كان احتجاج المسلمين على من أهانهم هي فورة غضب معهودة ومرتقبة، بل إن هناك من يتساءل عن برودتها واتزانها مقارنة مع ما كان في السابق ؛ مثل ماحدث مؤخرا في ضواحي مدن فرنسا. فالسخرية موجهة بالأساس إلى تصوراتهم المُتْحفِيَّة أكثر من إهانة نبي مهما كان. ولا نرى مسلما تحرك محتجا على اعتماد إحدى الشركات الأوروبية للملابس الجاهزة حين عرضت لوحة "العشاء الأخير" بها نساء بدلا من المسيح وحواريّيه وهن في صورة تخدش الحياء العام. وقد رأينا نموذجا منها في الدار البيضاء. ولكن هل علم المسلمون ماذا يمثله فصل العَشاء الأخير بالنسبة إلى النصارى ؟ إنه الجهل بمعتقدات الآخرين. الجهل بالآخر يؤذي حتى من حيث حسن النية. إننا بعرضنا لوحة إشهارية في مكان مأهول في بلد مسلم تهين فصلا حاسما من حياة نبي عظيم ورسول من أولي العزم من الرسل هو السيد المسيح عليه السلام لا يعني أننا نجد تبريرا لما فعلته الصحيفة الدنماركية المذكورة. بيْدَ أننا نحاول أن ندعو إلى إطلاق عنان التفكير في رص الصفوف مع الأمم الأخرى وربط جسور الثقة والحوار معها والصبر على أذاها لكن في المقابل علينا إعطاء نموذج مغر في الحوار والحرية بين أفرادنا وأن نغير ما بالأنفس باعتماد العلم طريقا إلى الحقيقة بدلا من الخرافة والاتباع. إن احترام الآخرين لنا لا يُمكن فرضه بالقوة والإرغام بل، يكون بالاستحقاق. فهل المسلمون جديرون بالاحترام في وضعيتم الحالية ؟ ليجب عن هذا السؤال كل من له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ؟
وختاما، نقول إن ما حدث في الدنمارك ليس إلا تعبيرا عن محمد رأوه بين ظهرانيهم وليس محمدا الذي عرفناه في القرءان. فلا يزعجنا أن عبروا عن محمد إرهابي جاهل خرافي شبقي، ربما لم يروا غير هذا. لكن محمد الذي بلّغ القرءان لم يكن غير الذي خطب في حجة الوداع وقال : أيها الناس.. إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم إلى أن تلقوا ربكم..." إنه من قال : "...استوصوا بالنساء خيرا..." ، محمد هذا هو الغائب الأكبر عن تلك الرسومات التي أوحت بها سلوكات المسلمين الذين ينسبون أنفسهم إلى محمد القرءان ويفعلون أفعال محمد الدنمارك.
إن القاسم المشترك بين أهل الصحيفة الدنماركية والذين غضبوا لرسول الله عليه الصلاة والسلام هو الجهل. فهؤلاء يجهلون من هو محمد واكتفوا بما رأوا من أهوال أتباعه وسلوكاتهم المشينة، وإن كنا لا نعمم، فمن لم يكن داخلا في هذا الصنف فهو مستثنى منه ؛ وظنوا أن محمدا هو من يوحي لأتباعه بالتخلف واحتقار النساء والتعطش للدماء.. فرسموا ما رسموه. أما الآخرون فلم يدركوا أنهم ليسوا على شيء وإن ادعوا التمسح بنبي الإسلام، وأدخلهم مَلَؤُهم في سراديب التقليد والعنف والركون إلى نماذج تاريخية لم تعد تصلح لعصرهم وحالوا بينهم وبين الحقيقة القرءانيّة والتي تفانى الرسول الكريم من أجلهـا ودعا إلى إخراج الإنسانية من الظلمات إلى النور. فكان النبي رحمة للعالمين، وكان المسلمون عذابا لأنفسهم وشقاء للآخرين. ربما ارتفع المسلمون بحسهم بهذه الأزمة الجديدة، ورُبَّ ضارة نافعة.



#يوسف_بن_الغياثية (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إله واحد وكتابان وثلاثة أديان
- الإرهابي في ضيافة روبي : مقالة في إرهاب الـ-ڤيديو كليب


المزيد.....




- 82 قتيلاً خلال 3 أيام من أعمال العنف الطائفي في باكستان
- 82 قتيلا خلال 3 أيام من أعمال العنف الطائفي في باكستان
- 1 من كل 5 شبان فرنسيين يودون لو يغادر اليهود فرنسا
- أول رد من الإمارات على اختفاء رجل دين يهودي على أراضيها
- غزة.. مستعمرون يقتحمون المقبرة الاسلامية والبلدة القديمة في ...
- بيان للخارجية الإماراتية بشأن الحاخام اليهودي المختفي
- بيان إماراتي بشأن اختفاء الحاخام اليهودي
- قائد الثورة الاسلامية آية الله‌خامنئي يصدر منشورا بالعبرية ع ...
- اختفاء حاخام يهودي في الإمارات.. وإسرائيل تتحرك بعد معلومة ع ...
- إعلام العدو: اختفاء رجل دين اسرائيلي في الامارات والموساد يش ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - يوسف بن الغياثية - محمد الدنمارك ومحمد القرءان، لا يلتقيان