أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - غزوة المترو … والمطوّع على الطريق














المزيد.....

غزوة المترو … والمطوّع على الطريق


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 5594 - 2017 / 7 / 28 - 19:01
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



(أفهم أن الدينَ هو حُسنُ العمل وإتقانُه، وقولُ الصدق، ومحبةُ الناس واحترامُهم. أفهمُ أن الإيمان بالله هو عدمُ الفُحش فى الفعل أو القول، وهو الرفقُ بالضعيف، واحترامُ الكبير، ومراقبة الله فى السر وفى العلن. أفهم أن الدين هو العدلُ وعدمُ الانحياز لإنسانٍ دون إنسان. هو نُصرة المظلوم بالدفاع عنه، ونُصرة الظالم بردّه عن ظلمه. أفهم أن الدين هو النظافةُ فى القول وفى الفعل، مثلما هو في نظافة البدن والمكان. أفهم أن الدينَ المعاملةُ وعدمُ الإساءة للآخر وسوء الظن به. أن نضع أنفسَنا مكان الناس لندرك كيف يشعرون. نحسُّ آلامهم، فنتجنب تزكيتها، وندرك مكامنَ فرحهم فنسعى إلى ترسيخها.)
العبارة السابقة كتبتُها في مقال قديم، ذكّرني بها بالأمس صديقي د. ناجي شوقي، بروفيسور الجيولوجي، حينما لمس حزني على ما صارت عليه مصرُ من مظاهر التديّن الشكلي الذي بدأ يتغوّل بشراسة في مفاصلنا، لافظًا جوهر رسالتنا السامية في الأرض كبشر صالحين، مُهدرًا قيم التحضّر الذي يجعلنا كائنات ممتازة نستحقُّ رهانَ الله علينا أمام ملائكته حين قال: “إني جاعلٌ في الأرض خليفة.”
الشكلانية هي التي دمّرت في مصر كل شيء جميل. أقصد كل شيء كان جميلا. التهذّب والسمو ونظافة اليد واللسان والقلب واحترام الطريق والخضرة والجمال، واحترام الآخر وتبجيل قيمة المرأة والطفل والمُسّن. السكلانية هي التي تجعل موظفًا يفتح درج مكتبه ليمرّر معاملةً غير قانونية، ثم يفرّ من عمله مبكرًا عن موعد الانصراف القانوني، ثم يلقي بشيء من قمامة في الطريق، ثم يبصق على حائط، لكنه لا ينسى أن يشتري كتيّب أدعية وأذكار من الباص، ثم يحاول أن يحفظ بعضها ليرددها بصوت عال في العمل في اليوم التالي، فيردد الجميع من وراءه: "الله الله، ربنا يزيدك إيمانًا وهدىً.” التدين الشكلي هو ذاته الذي جعل مسؤولا يوافق ويسمح وينفذ تلك المهزلة التي تجري الآن في محطات مترو الأنفاق، المُسماة بـ: أكشاك لجنة الفتاوى.
مترو الأنفاق ومحطات مترو الأنفاق وأرض مترو الأنفاق، تُسمى وفق القانون: “مرافق عامة"، تخصُّ وتخدم "جميع" و"كل" مواطن مصري بأمر الدستور. وليس فئةً دون فئة كما يقول عنوان تلك الأكشاك "فتاوى إسلامية". والحقُّ أن ذاك العنوان، فضلا عما سبق، فإنه يفعل شيئًا شديد الخطورة. هو تكريس "الفرز الطائفي" في المجتمع. تذكير المواطنين كل لحظة أن هناك فريقين وعنصريين على ساحة الصراع. أن هناك دائمًا "آخر" مختلف، ينتمي لغير ما أنتمي إليه، ولابد أن يعلو يومًا بعد يوم ما بيني وبينه من جُدر. وما تفعله الدولة اليوم هي تكريس ذلك الجدار العازل بين المسلم والمسيحي، بدلا من تكريس قيم الذوبان المواطَني بين المواطنين. بينما، كان أحوج ما يحتاج إليه المصريون في محطات مترو الأنفاق، وفي كل مكان بمصر، هو وجود شيء يذكّرهم بأنهم ينتمون بالفعل إلى وطن. والوطن "صخرة" نرمي عند سفحها همومنا. شيء يُذكرهم بأنهم يستظلون بمظلة تحميهم من صعاب الأيام. نحتاج إلى أكشاك تقدم الكتب الفكرية المجانية لراكبي القطارات لكي يتصفحوها أثناء رحلاتهم، ثم يعيدوها إلى تلك الأكشاك. نحتاج إلى أكشاك موسيقى يعزف فيها العازفون ليرتقوا بأرواح الناس فيلفظون الدنايا والسخافات. نحتاج إلى أكشاك إسعاف مجهزة بكامل الإسعافات الأولية لإنقاظ المتوعكين. نحتاج أكشاك جميلة يرتاح فيها مُسنٌّ مجهد، أو أمٌّ تود إرضاع طفلها. نحتاج إلى دوارت مياة نظيفة لا نخجل من دخولها. نحتاج إلى كل ما نراه في محطات المترو بأوروبا وأمريكا والشرق الأقصى، تلك الدول التي تحبُّ أبناءها وتعمل على إسعادهم، وليس على تفكيك أواصرهم وتشتيت وحدتهم بتلك الأكشاك العنصرية.
أكشاك الفتوى تلك في محطات مترو الأنفاق دفع ثمنَها المسيحيُّ والمسلم من ضرائب المصريين الكادحين الذين لم يعودوا قادرين على مجرد الحياة وإقامة الأوَد. فهل وافق الدافعون أموالهم على مشتريات طائفية عنصرية من كدّهم ونزف جيوبهم وقوت أولادهم؟ كثيرًا ما كتبنا عن جامعة الأزهر التي تُموَّل منذ دهور بأموال ضرائب المسلمين والمسيحيين على السواء، لكنها مُحرّمٌ دخولها على الطالب المسيحي! والآن يتكرر ذلك الانتهاك للدستور على نحو أشد عنفًا في محطات مترو الأنفاق، الذي يملكه الشعبُ بكل طوائفه، إذ يتم اختراقه واحتلاله بتعدٍّ سافر على الدستور المصري 2014، الذي يساوي بين حقوق المواطنين المصريين كافة. تلك الأكشاك ليس لها إلا هدفٌ واحد هو توسيع الفجوة بين المسلم والمسيحي وتعميق شعور المسيحي بالغربة في وطنه: مصر.
إقامة تلك الأكشاك الهزلية هو لونٌ آثم ومراهق من تكريس الفرز العقدي والتمييز الطائفي البغيض. وكالعادة، تم بليلٍ، وفي في غفلة منّا ورغم أنوفنا؛ بقوة المدّ السلفي الوهابي الذي يزداد سيفُه توغلا في خصر مصر جاهدًا في تغيير ملامح وجهها لتغدو بلدًا لا نعرفها، ولا تشبهنا. والمدهش والمحزن أن يحدث هذا بعد ثورتنا ضد الإخوان!! وكأن كفاحنا ضدهم لم يأتِ إلا بمزيد من التغوّل السلفي الإقصائي! وبعد أكشاك الفتاوى في "غزوة المترو"، سنكون في انتظار الخطوة الوهابية الحتمية التالية، وهي تجول "المُطوّعين" من رجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، في الطرقات ليضربوا الرجال والنساء بالعصا والسياط، لنتحوّل جميعًا إلى جواري وعبيد في مجتمع لا يحترم الدستور، ويدهس على الحريات.
مصرُ المدنية ترفض أن تتحول إلى إمارة وهابية. مصرُ المواطَنة تلفظ عنصريتكم. مصر التعددية على وشك الانفجار في وجوهكم.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحياة معًا …. كما أسراب الطيور
- داعش تغيّر وجه البشرية
- علا غبور … فارسةٌ من بلادي
- الكتيبة 103
- زي النهارده واليومين اللي فاتوا... كارت أحمر
- مسيحيون يغنّون للقرآن
- دستور ماعت … وقانون الأزهر
- وأد القليل من الحرية ... باسم الأزهر
- المصري اليوم … طيارة ورق
- احذر … الفيروس ينخر في عظامك!
- مسجد المسيح ومسجد مريم عليهما السلام
- هل مازال التمرُ في يد الأقباط؟
- نعم... التمرُ مازال في يد الأقباط
- لأن الشمس غير عادلة والقمر كاذب!
- جرس الكنيسة لإفطار رمضان
- كيف سمحت بالدم ... وأنت كريم!
- حكاية من كتاب الأقباط: سامح الله من لامني في حبهم
- المرأةُ في عيني نيتشه
- تاريخ الأقباط وجنود داعش في مصر
- ليلة... بكى فيها الشيطان


المزيد.....




- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - غزوة المترو … والمطوّع على الطريق