نائل الطوخي
الحوار المتمدن-العدد: 1454 - 2006 / 2 / 7 - 10:42
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
"وجد فرع الكتب نفسه فجأة يقوم بدور البطولة في النشرات الاقتصادية", بهذه الجملة وصفت الصحفية في هاآرتس, شيري ليف آري, حال صناعة الكتاب في إسرائيل حاليا, و المنافسات المحتدمة بين الأفرع المختلفة لصناعة الكتاب الإسرائيلي.
يمكننا من خلال التقرير الذي نشرته هاآرتس مؤخرا كحصاد للعام 2005, و الذي اقتبست العبارة السالفة منه, قراءة شيء عن وضع الكتاب الإسرائيلي مقارنة بالكتاب المصري, و من ثم العربي, و محاولة لفهم الشكوى الإسرائيلية الدائمة من تدهور صناعة الكتاب لديهم, و هي الشكوى التي تصبح سريالية إذا علمنا معطيات هذه الصناعة و قارناها بمثيلاتها العربية, و التي لا يفكر القائمون عليها في الشكوى أصلا, حيث لا سوق أمامهم يمكن أن ينشروا فيه, و بالتالي يتسرب انطباع ما بأن نشر كتاب في العالم العربي هو بطولة تستحق الهتاف, و ليس عملا مربحا, ماديا, إن لم يكن معنويا. يفضح هذا التقرير المنشور بهاآرتس تبلد القائمين على أمر الكتاب العربي, فلا أحد يشعر بأن هناك مشكلة حتى يمكن الحديث عن إيجاد حل لها, كما يفضح ركود الحياة الثقافية العربية, فالجميع في مصر منشغل بمتابعة كأس الأمم الأفريقية و لا وقت لشراء كتاب ناهيك عن قراءته. الشعور بالمرارة هو الرد المناسب على شكوى إسرائيلية من كثرة الكتب المنشورة في إسرائيل. تقول الصحيفة أنه ينشر سنويا ما بين أربعة ألاف و سبعة ألاف كتاب. غير أن المقابل لهذا هو قصر الفترة التي يقضيها الكتاب على الأرفف. و بالتالي فالنتيجة الأساسية هي بيع نسخ أقل من الكتاب الواحد "فإذا كان الكتاب الذي يحقق أعلى مبيعات يبيع في الماضي – بحسب الصحيفة – ما بين 40 و 50 ألف نسخة فقط في موجة المبيعات الأولى فالكتاب يبيع الآن فقط من 10 – 20 ألف نسخة", هل يمكننا أن نقارن هذا بالأرقام الهزيلة التي تحققها مبيعات روائي نوبل نجيب محفوظ؟ أي روائي آخر حقق طفرة في السنوات الأخيرة؟ بتساؤل كهذا يمكننا أن ننصت إلى هواجس أستاذ الأدب بجامعة تل أبيب, و المحرر في دار نشر هاكيبوتس هامئوحاد, مناحيم بري, عن المدى الذي يمكن أن تصله الكتب الأفضل مبيعا في السوق الإسرائيلي للكتاب. يقول: "قد نجد أنفسنا قريبا في وضع يصل فيه الأدب الجيد إلى جمهور ضئيل يتكون من عشرة آلاف شخص, قبل عشر سنوات كانت كتب كثيرة بإمكانها الوصول إلى خمسين أو ستين ألف شخص". هذا الرعب من الآتي, هذا الوضع الكابوسي الذي يتخيله أستاذ الأدب العبري هو ما غرق فيه العرب منذ زمن طويل و استكانوا له. يعرف الجميع أن أي كاتب لا تتعدى عدد النسخ المطبوعة منه الثلاثة أو الأربعة آلاف على أحسن تقدير. أحيانا لا ينفذ إلا ربعها أو أقل من هذا بكثير.
لنقرأ هذه الجملة من التقرير حول احتدام المنافسة في مجال صناعة الكتاب الإسرائيلي: "من حين لآخر يتحدث الناشرون عن تقليص عدد العناوين, لأجل تمكين الكتب من الحياة لفترة طويلة, و لكن في الواقع فهم يغرقون المحلات, من خلال افتراض أنه كلما نشروا أكثر باعوا أكثر و زادت فرصهم في إيجاد كتب تحقق أعلى المبيعات." و لنقارن هذا بناشرينا الذين ينشرون أحيانا عشرة عناوين فقط في عام واحد, في مواجهة سوق و مجتمع لا يعرفان القراءة أصلا, و لنحاول فهم شيء عن ذلك التناقض العنيف بين مجتمع يختنق بكثرة معلوماته و كتبه و مجتمع آخر يختنق بندرتهما.
هذا الطوفان من الكتب في إسرائيل يؤدي إلى شيء آخر,قد لا يكون حميدا تماما: تحويل الكتاب إلى سلعة, بكل ما تحمله الكلمة من معنى, و من ثم احتدام المنافسة. تصف لنا التقارير صراعا هائلا في عملية صناعة الكتاب. يمكن لهذا أن يكون انفرادا إسرائيليا التي قطعت شوطا طويلا في الرسملة, مقارنة بالدول العربية المتذبذبة بين رأسمالية السوق و رأسمالية الدولة و أنواع هزيلة من دعم الدولة للثقافة, كواجهة لفرض هيمنتها المقنعة أو الصريحة, فلأجل بيع الكتاب تضطر دار النشر إلى إجراء تخفيضات, و نتيجة لهذا فليس هناك من سعر ثابت للكتاب في إسرائيل. حيث دار النشر تصدره بسعر مبدئي عال, بينما تعرف أن سعره سوف يتغير خلال عدة أسابيع تبعا لمدى الخصم الذي ستقوم به. هذا له أضراره بالطبع: فالتخفيضات تعوّد جمهور القراء على شراء ما هو خاضع للتخفيض, و لا تشجع اختيار الكتاب بشكل حر. أيضا بسبب هذا لا تتمكن دور النشر الصغيرة, و هي في الغالب تقدم إصدارات نوعية, في الأدب و الفكر التاريخ, من الصمود, بسبب عدم قدرتها على بيع الكتاب بسعر مخفض. يخالف هذا الأسلوب ما هو متبع في دور النشر في أوروبا و التي تفرض سعرا موحدا خلال العام الأول لإصدار الكتاب يمنع بحسم أي مكتبة من التلاعب به, و بهذا تتمكن دور النشر الصغيرة من البقاء.
بسبب هذا الصراع الضاري على احتكار السوق بين دور النشر في إسرائيل, يصبح الانصياع لما يمليه الجمهور, حتى لو اتسم بالخفة التامة, حتميا. ففي سؤال عن أحوال الأدب المنشور خلال العام الفائت في إسرائيل يقول يجآل شفارتس, و هو محرر في دار نشر كيتير, و هي إحدى الدور الجادة في إسرائيل و التي تم تملك نصفها مؤخرا على يد مجموعة دور ستيمتسكي, أنه لم يرى أدبا تجريبيا في الكتب التي صدرت عام 2005, و يضيف: "هناك شيء ما محافظ جدا في كتابة الشباب مؤخرا, لم أعد أشم رائحة الغضب", كما يقول إيلي هيرش, و هو محرر في دار نشر حرجول, و هي دار نشر جديدة تنافس بقوة هذه الأيام: "أعتقد أننا في ذروة اتجاه محافظ جدا من ناحية الكتاب و ذوق الجمهور, الوضع في الماضي كان أكثر تعددية. قطاع من الكتاب الذين نجحوا في السنوات الأخيرة و التي تميل دور النشر الكبرى إلى الاستثمار معهم, هم كتاب يبثون الاحساس بالحنين لهوية إسرائيلية مفقودة. في قلب الفوضى السياسية, الاجتماعية و التجارية, يحن الناس لقراءة ما هو معروف و مأمون."
هذا عن الأدب الأصيل المكتوب بالعبرية في إسرائيل, أما عن الأدب المترجم فلقد برزت هذا العام بشكل مفاجئ كتب كتبها مسلمون مهاجرون يعيشون في الغرب, يصفون طفولتهم و حياتهم في أرض طفولتهم. تكفي للتدليل على هذا بضعة عناوين مثل "صائد الطائرات الورقية" لخالد حسيني, و هو طبيب أمريكي من أصل أفغاني, و "أن تقرأ لوليتا في طهران" لإزار نفيسي, و هي أستاذة للأدب الإنجليزي هاجرت في 95 للولايات المتحدة, "رحلة بروانا" للكاتبة الكندية دبورا أليس, و التي دونت القصص الذاتية لمهاجرين أفغان, و مؤخرا "برسبوليس" و هي رواية مصورة لمرجان سترابي, و هي إيرانية تعيش في باريس. هذا الأدب المترجم عن الإنجليزية لكتاب من العالم الثالث, الإسلامي بالأخص, يزود على ما يبدو الجمهور الإسرائيلي بوجهة نظر مريحة إلى العالم الإسلامي, وجهة نظر تحب سماع تجارب من غادروا بلدانهم ليعيشوا في الغرب و تنصلوا من هويتهم و يسبحون, في كتبهم الجديدة, بحمد الغرب الذي آواهم, هنا يمكننا تمييز نزعة محافظة للغاية لا تنقض ما هو سائد في الخطاب الإسرائيلي, و إنما تؤججه مستعينة بتجارب تعتقدها أكثر مصداقية لأجل إثبات نظرتها العنصرية للعرب و المسلمين. و الدليل: ظاهرة نقيضة ظهرت في عام 2005, و هي تواصل فشل الأدب العربي, المكتوب بالعربية عن تجارب عربية خالصة, في العثور على جمهور من القراء الإسرائيليين. فسواء "باب الشمس" أو "يالو" للكاتب اللبناني إلياس خوري على سبيل المثال, لم يحظيا بنجاح كنجاح "صائد الطائرات الورقية" أو "أن تقرأ لوليتا في طهران" مثلا, و كلاهما وصل إلى جمهور ضئيل للغاية في إسرائيل. هذا الفشل قد يعجل بنهاية دار نشر "أندلس", كما تقول صحيفة هاآرتس, و هي الدار المتخصصة في ترجمة الأدب العربي, و ترجمت أعمالا لمحمود درويش, الطيب صالح, حنان الشيخ و هدى بركات, بالإضافة إلى روايتي إلياس خوري السالفتي الذكر. مما يقطع أي أمل بمحاولة معرفة شيء في إسرائيل عن العربي كما يتحدث هو في بلده و من خلال لغته, و ذلك كي تظل صناعة الكتاب تقوم بدور البطولة في النشرات الاقتصادية, و يظل الرأي العام و اتجاه الجمهور هما الذان يحددان الكتاب الذي ينشر أو لا ينشر, و تظل مغازلة هذا الرأي العام قائمة من قبل دور النشر العملاقة, بينما نحن لا نعلم أي شيء عن هذا في ما عصور ما قبل التاريخ التي نحن هانئين برفقتها.
#نائل_الطوخي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟