أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - دلور ميقري - رسام الكاريكاتور بمواجهة الهمجية 2 / 2















المزيد.....

رسام الكاريكاتور بمواجهة الهمجية 2 / 2


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 1454 - 2006 / 2 / 7 - 10:21
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


حفِل العالمُ الإسلاميّ ، بكل تلاوينه المذهبية والأثنية ، بردة فعل سلبية تجاه الرسوم الكاريكاتورية ، المنشورة في صحيفة دانمركية ، والمتناولة شخص الرسول محمد ؛ ردة فعل ، متفاوتة في درجة تعبيرها ، حضارية وهمجية . الملاحظ في هذا الشأن ، أنّ أعنف تلك المظاهر الإحتجاجية ، في العالم العربي ، شهدها بلدان هما سورية ولبنان ؛ المتناقضان في كل ما له علاقة بحرية وسائل الإعلام وغير ذلك من البنى الدستورية والتمثيلية . وبغض النظر عما خلفته سيطرة الأولى على الثانية ، من تأثير إمتدّ قرابة ثلاثة عقود طويلة ، إلا أنّ حرية الإعلام في لبنان ، بوجه خاص ، سلِمَتْ إلى هذا الحّد أو ذاك ، من بطش الجار الوصيّ ، المستبد . هذه الحقيقة ، تجعل الشكوك حائمة حول دور ذلك الجار نفسه ، فيما جرى في بيروت يوم أمس ، وبالرغم من إنسحاب جيشه المدحور ومخابراته سيئة الصيت .

من النافل التذكير بما كانه لبنان ، الحرّ بمؤسساته الديمقراطية ، حتى أواسط السبعينات ، بالنسبة للعالم العربي ؛ العالم المحكوم آنذاك بطغم ٍ عسكرية إنقلابية أو بأسر مالكة قروسطية . تلك المنارة الثقافية والحضارية ، المسماة بيروت ، المشعة على طرف شاطيء الإستبداد العربيّ ، كان مقدراً لها أن تصبح محجّ النخب الفكرية الهاربة من ذلك الإستبداد . ها هنا حط الأدباء والفنانون العرب رحالهم ، واجدين فسحة كبيرة من الحرية ، المفتقدة في بلدانهم المنذورة للعسكر الفظ أو للبداة محدثي نِعَمة النفط . لاعجب ، إذاً ، أن يزدهر فن الكاريكاتور، لبنانياً ؛ وهو الإبن الأثير للصحافة . برز في هذا المجال أسماء لامعة ؛ مثل ثلاثي دار " الصيّاد " ، مشعلاني وسمارة وستافرو ؛ اولئك الذين شكلوا مدرسة فنية مميزة ، كان لها تلاميذها في الدول العربية . فضلاً عن تجربة الفنان الفلسطيني ، الراحل ناجي العلي ، المبتزغة في ربيع بيروت ؛ التجربة الملتمسة ، بدورها ، إسلوباً فريداً على صعيد الخط والفكرة والرمز ، أضحى لها شعبية كبيرة في العالم العربي .

سورية ، من ناحيتها ، كان لها ربيعُ حياتها الثقافية ، أيضاً ؛ الربيع الذي وأدتْ أزاهيرَه أحذية ُ العسكر الإنقلابيّ ، في مستهلّ ستينات القرن المنصرم . فمنذ الأربعينات من ذلك القرن ، عرفت حاضرة الأمويين فنّ الكاريكاتور ، بفضل الصحفيّ الدمشقيّ ، حبيب كحالة ، مؤسس الجريدة الساخرة " المضحك المبكي " ؛ الصحافيّ الرائد ، الذي كان هو بنفسه رساماً كاريكاتورياً ، إشتهر بتقمّصه شخصية " أبو درويش " ، الطريفة والمأسوية في آن ؛ تلك المعيدة لذاكرتنا شخصية " حنظلة " ، المبتدعة من لدن الفنان الفلسطيني ناجي العلي . بيْدَ أنّ المؤسس الحقيقي لفن الكاريكاتور الصحافي ، سوريّاً ، هو الكردي الدمشقي ، عبد اللطيف مارديني ؛ بريشته الأنيقة ولمحاته الذكية ، التي أضحكت الناس طوال عقد الخمسينات ، خصوصاً في تناوله شخصيات سياسية ، محافظة ؛ وهو الرسام المنتمي وقتئذ لمعسكر اليسار ، الشيوعيّ . قدّر لثمر قريحة فناننا أنْ يُجتنى قبل أوانه ؛ بما كان من ضربة العسكر الإنقلابيّ ، البعثيّ ، لربيع الديمقراطية ، الذي أينعَ بالكاد إثر خلاص سورية من تجربة الوحدة ، المريرة ، مع مصر الناصرية . منذئذٍ ، وحتى اللحظة الراهنة ، إختصُرتْ الصحافة في هذا البلد ، المنكوب بالإستبداد ، بثلاثة جرائد رسمية ، صفراء ، تجترّ جميعاً ذات البلاهة والغباء والخواء ، الملقنة به ، يومياً ، من جانب وزارة الإعلام ! أما رسامو الكاريكاتور ، السوريون _ وقد نشأ منهم أجيال متلاحقة ، في ظلّ الإستبداد المقيم _ فالبعض طوى خيبته وإستسلم للصمت والنسيان ؛ حال المبدعيْن الرائديْن ، كحالة ومارديني ؛ وآخرون آثروا العمل في صحافة النظام ، مثل علي فرزات ؛ إلى من إختار الرحيل لفضاء الحرية ، في بلدان اخرى ، كالمبدع يوسف عبدلكي وغيره .

الحرية ، هي قدَرُ الكاركاريست ، بالنظر لإرتباطه لحماً ودماً ، برحم أمه ؛ الصحافة . إنه بدون الجريدة لا تأثير له ؛ أشبَهَ بصرخة نبيّ في الخلاء . الحرية بالنسبة لهذا الفنان ، كما الماء للسمك . وإذا كانت السياسة ملعبَهُ ، فإنه صوت الحقيقة ، النقية الواضحة ، في أذنها . ربما لا يبالغُ بعض مريدي الكاريكاريست ، بإعتبارهم إياه " جرّاح " جسدنا الإجتماعيّ ؛ فيما المشرط ريشته الساخرة . هو الماسخ عالمنا بمسحة من خطوطه السوداء ، مشترعاً قانوناً لنفسه ؛ يعتقد خلله أنه يطال الجميعَ دون أن يطاله أحد . على أنّ المجتمع ، عموماً ، إذ يغفر للكاريكاريست كثيراً من لذعاته ، فإنّ السلطة المتنفذة ، له دوماً بالمرصاد . هذا ما كانه مصيرُ فناننا ، عبر تاريخ الصحافة ؛ منذ أن خطّ البولوني ، آنيبال كاراش ، من القرن السادس عشر ، أولى رسومه الكاريكاتورية في جريدة مدينته .. مروراً بإدخال الفرنسيّ الشهير ، اونوريه دومييه ، إلى سجن " الباستيل " ، بسبب لوحاته الساخر فيها من المجمع القضائيّ ؛ دومييه ، الذي قال عنه بلزاك ، أديب فرنسة العظيم : " إنّ مايكل أنجلو تحت جلده " .. وليس إنتهاءً بالفلسطيني ، الراحل ، ناجي العلي ؛ الذي عمّد بدمه هذا الفن الأصيل ، وكأنه يحقق كلمة الراحل الآخر ، المبدع السوري فاتح مدرّس ، حينما وصف رسامي الكاريكاتور ب " أشجع الفنانين العرب " .

بما أنّ إسم ناجي العلي ، في متناولنا الآن ، فلننوه بأحد رموزه الأثيرة ؛ السيّد المسيح . إنه يظهر في رسومه بملامح وجهه المستلهمة ، على الأرجح ، من لوحات فناني النهضة الأوروبيين . هو الإسم الفلسطينيّ ، الأشهر ، في عالمنا ، عبر العصور ؛ فلا غروَ ، إذاً ، أن يستخدم ناجي شخصيته وملحمة صلبه سواءً بسواء ، كرمز لشعبه التائه في وحشة المنافي والغربة والضياع : يستحضرنا ، كمثال ، كاريكاتورَ ناجي ، المجسّد لنبيّ المحبة ، وهو على الصليب ، مشاركاً أطفال الحجارة إنتفاضتهم بخلعه مسامير عذابه متلقفاً ، بدوره ، حجر الغضب . بالمقابل ، إجتاس ناجي بعض الشخصيات التوراتية ؛ مثل موسى وشمشون ويوسف وغيرهم ، مرمّزاً إياها ، أيضاً ، في ملحمته الفنية . الكاريكاريست ، والحالة هذه ، لا يستغني عن تلك الخلفيات التاريخية والدينية والأسطورية ، مماهياً بها واقعاً راهناً ، سياسياً كان أم إجتماعياً . ماذا لو قارب فناننا ، ناجي أو غيره ، شخصَ النبيّ محمد ؛ بملامحه المستمدة من كتب السيرة ، بشكل خاص ؟ هذا لم يحصل ، بطبيعة الحال ؛ وستبقى أرض الفن ، في الدول العربية والإسلامية ، مجدبة من غيث هذا الرمز ، الأقدس ، ما فتيء " تابو " العقيدة كريح كأداء ، تزيح غيمة الغيث ، بعيداً عن سماء الفن .

المفارقة هنا ، أنّ وهابيي الجزيرة العربية ، وأتباعهم في الأمكنة الاخرى ، هم أكثر المتداعين إلى الذود عن حياض الشخصية النبوية ؛ خاصة لجهة تصويرها فنياً أو أدبياً . بينما مصادر التاريخ القريب ، تفيدنا بأنّ داعيتهم ، محمد بن عبد الوهاب ، كانوا أول من إشتط في إجتهاده بعدم جواز شفاعة النبيّ محمد أو غيره من الرسل و الصحابة والأولياء ؛ إلى حدّ أنه أمر جيشه بإجتياح العراق ، محيلاً مراقد آل البيت إلى أطلال وخرابات . كما أنّ خلفاءه ، من آل سعود ، حينما إستولوا على مدينة الرياض ، معززين نفوذهم في الحجاز ، ما توانوا عن مسح قبور الصحابة أجمعين في مكة والمدينة ؛ وحتى قبريْ الرسول وصاحبه أبي بكر ، لم ينجيهما من المصير ذاته سوى عاصفة من الغضب عمت العالم الإسلامي برمته ؛ حدّ أن بعض الدول العربية هدد بالتدخل العسكري . وبهذا المقام ، لابد من التنويه بأن الزعيم البلشفي ، لينين ، رحّب بما إعتبره " ثورة سعودية " ، مما نشأ عنه قيام علاقات دبلوماسية بين البلدين " الثوريين " ! هكذا نعلم أنّ آل سعود ، الوهابيين ، خلقوا في عشرينات القرن الماضي ، نفس الأجواء المشحونة ، التي نعايشها في هذه الأيام من مستهل القرن الواحد والعشرين . كانت حجتهم ، آنذاك ، هي أنّ النبيّ محمد شخصية إنسانية وليست إلهية : الوهابيون ذاتهم ، المتناسون تلك الحقيقة ، فيما عقيرة دعاتهم ترتفع بالويل والثبور إرهاباً وتهديداً وتحريضاً ، بوجه الأوروبيين ، بسبب ما يقولون ، الآن ، أنه رسوم كاريكاتورية تهدف إلى الإساءة لشخص النبيّ محمد .




#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رسام الكاريكاتور بمواجهة الهمجية
- إعتذار صليبي من قلعة الإسلام
- التحوّلات الكردية : أقلية وأكثرية
- الإجتماعيات الكرديّة : تقاليدٌ وتجديد
- الإجتماعيات الكردية : طِباعٌ وأعراف
- الإجتماعيات الكردية : فقهٌ وتصوّف
- القصبات الكردية (2 / 2)
- الإجتماعيات الكردية : عامّة وأعيان
- رؤيا رامبو
- الميلاد والموت
- القصبات الكردية
- المهاجر الكردية الأولى
- كي لا ينام الدم
- سنوات النهضة الكردية: مدرسة الشام
- المصادر الاسطورية لملحمة ياشار کمال ..جبل آ?ري


المزيد.....




- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - دلور ميقري - رسام الكاريكاتور بمواجهة الهمجية 2 / 2