أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد الخميسي - الدين لله .. والمترو للجميع !














المزيد.....

الدين لله .. والمترو للجميع !


أحمد الخميسي

الحوار المتمدن-العدد: 5591 - 2017 / 7 / 25 - 05:18
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


حكى رفاعة رافع الطهطاوى أنه حين ركب السفينة الحربية الفرنسية «لاترويت» متجها من الإسكندرية إلى باريس ضمن البعثة العلمية عام ١٨٢٨، فوجئ فى مرسيليا بحجز فوج من المسافرين فى الحجر الصحى «الكرنتينة»، وعندما أثير الموضوع أفتى البعض بأن الحجر الصحى حرام لأنه هروب من القضاء والقدر ولا يهرب من القضاء إلا الكفرة! بينما أفتى آخرون بأن الحجر الصحى حلال لأنه يمنع انتشار المرض. وهذا المثال يوضح تضارب وتناقض الفتاوى تاريخيا والتطاحن فى الآراء والقول بالشىء وضده، بينما نحن فى طريقنا لإقامة سلسلة أكشاك للفتاوى في محطات مترو الأنفاق بمصر، أى سلسلة من عشرات النقاط لإشاعة البلبلة والتناقض والفوضى الفكرية. وقد لا يعلم البعض السر فى تسمية صنبور الماء فى مصر «حنفية»؟ ووراء ذلك فتوى خرجت مع ظهور الصنابير تحرم استخدام الصنبور، لكن أتباع أبى حنيفة قالوا إن استخدام الصنبور حلال فصار العامة يقولون عن الصنبور «حنفية»، يقصدون أن «الحنفية»، أتباع أبى حنيفة، حللوا استخدامه! هاتان فتويان متضاربتان. انظر أيضا عام ١٨٢٨ حين أفتى البعض مع ظهور «الوقائع»، أولى الصحف المصرية، بأنها حرام لأنه قد ترد فيها أسماء مقدسة ثم يلقى بها إلى الأرض! ولو كنا مضينا وراء تلك الفتوى ما كانت فى مصر اليوم لا صحافة ولا ثقافة ولا علوم. مثال آخر على التضارب والتناقض الذى تثيره الفتاوى بحكم أنها تفانين من عقول البشر أنه فى عام ٢٠١٢ أعلن أحمد الطيب، شيخ الأزهر، استنكار الأزهر السفر إلى القدس المحتلة، وذلك ردا على الزيارة التى قام بها الشيخ على جمعة، مفتى الجمهورية، حينذاك، للقدس! وهكذا نجد أنفسنا إزاء موقفين على طرفى نقيض من شخصيتين وجهتين دينيتين كبيرتين: شيخ الأزهر ثم مفتى الجمهورية! وبينما أفتى الشيخ جاد الحق، شيخ الأزهر الراحل، بتحريم الفائدة التى تصرفها البنوك عن الودائع المالية فإن محمد سيد طنطاوى، شيخ الأزهر الراحل، أفتى بأنها حلال! وفى ٢٠١٦ حرم مجمع البحوث الإسلامية القروض الخاصة بالتمويل العقارى وحللتها دار الإفتاء! ثم حين وضع مجمع البحوث شروطا متشددة للصلاة فى الجوامع التى تضم أضرحة فإن دار الإفتاء حللت تلك الصلاة بل اعتبرت أنها «جائزة ومشروعة ومستحبة أيضا»! الأمثلة على تضارب وتناقض وتطاحن الفتاوى كثيرة ولا تنتهى، فعلى أى أساس سيقيمون سلسلة أكشاك للفتاوى؟!. لقد أوجز دكتور سعد الهلالى، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، قصة الفتاوى بتصريح لـ«اليوم السابع» قال فيه: «إن الفتاوى التى يطلقها رجال الدين مجرد آراء شخصية». وإذا كانت الفتاوى آراء شخصية أو اجتهادا شخصيا فى أفضل الأحوال فمن أين سوف يستقى رجال الكشك آراءهم الشخصية؟ أليس من الفكر السائد الإخوانى؟ يلقى الشيخ محمد الخلايلة، أمين عام دار الإفتاء الأردنية، الضوء على المصادر التى يستقى منها الدعاة فتاواهم فيقول إن الفتاوى: «منها ما جاء نتيجة اختلاف وجهات النظر فى الوقائع، ومنها ما هو لغرض معين، أو لتأييد حزب أو فكر سياسى، أو حتى لمحاباة جمهور من العوام أو حتى لمحاباة الحكام والأنظمة». وهكذا فإن مشروع الكشك المعلن فى محطات المترو يضعنا فى واقع الأمر أمام عملية نشر وترسيخ للفكر الظلامى الذى يخضع لاعتبارات شخصية لا أكثر ولنشأة فكرية رجعية حتى النخاع. وقد برر محيى الدين عفيفى، الأمين العام لمجمع البحوث، حكاية الكشك بقوله إنها تأتى: «لمحاربة التطرف»! لكن الحقيقة غير ذلك، فما يجرى ليس حربا على التطرف بل وثبة رسمية نحو التطرف والإرهاب اللذين يتغذيان على الجهل والعداء للفنون والثقافة والتمييز الدينى وتجريف قيمة المواطنة. ومشروع الكشك تجسيد لكل ذلك.
وبدلًا من إقامة كشك لقراءة الكتب، أو تبادل الكتب القديمة، أو الموسيقا، أو لنشر قيم المواطنة، أو للتوعية بالحقوق الدستورية، إذا بنا نقيم أكشاكا لتصورات فردية دينية لا يحكمها معيار أو ضابط وتخضع فى معظمها للأفكار السائدة. ومشروع الكشك مشروع للتطرف لأنه يبدأ بالتأكيد على الفصل بين المواطنين، وتقسيمهم إلى مسلمين لهم الحق فى أكشاك فتاوى ومسيحيين ليس لهم الحق فى ذلك، مع أن المواطن المسيحى يسهم فى دفع الضرائب التى تقام بفضلها تلك الأكشاك. ومشروع الكشك مشروع للتطرف لأنه حفارة لتقسيم الوطن إلى طوائف دينية، فإذا كنا قد أقمنا كشكًا للفتاوى الإسلامية، فمن البديهى أن يبرز السؤال: لماذا لا نقيم كشكا للفتاوى الشيعية؟ وآخر للسنية؟ وثالثًا للمسيحيين الأرثوذكس؟ ورابعًا للبروتستانت؟ وخامسًا للبهائيين؟ وهلم جرا. وإما أن نقيم كل تلك الأكشاك ونقسم الوطن، أو نعلن أنه ما من أكشاك إلا أكشاك المسلمين وبذلك نعترف صراحة بالتمييز الدينى وننكر الدولة المدنية. وإذا كان التطرف بل الإرهاب يقومان على العداء للثقافة والفنون فقد جاء الكشك المقام فى محطة الشهداء بحيث يغطى لوحة جدارية فرعونية، وهذه الخطوة، بحد ذاتها، فتوى تعلم الجمهور أن الفن لا قيمة له وزائد عن الحاجة. فهل أننا بإعلان احتقارنا الفن نحارب التطرف أم ندعمه؟ الأخطر من كل ذلك فى مشروع الكشك سيئ الصيت أنه مخصص لتكريس الانقسام الفكرى الدينى داخل المسلمين حسب عدد الفتاوى وتناقضها وتضاربها الذى سيكون بعدد العقول المتربعة داخل الأكشاك. الدين لله والوطن للجميع، هذه كانت وما زالت صيحة الحركة الوطنية منذ ثورة ١٩١٩، ويصح القول أيضا إن الدين لله والمترو للجميع، لا يجوز فيه التمييز الدينى، ولا يصح معه أن يصبح بؤرة لتقسيم الوطن وإشاعة البلبلة والفوضى الفكرية.
د. أحمد الخميسي. قاص وكاتب مصري



#أحمد_الخميسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الثانوية العامة في مصر : الموت أو النصر !
- ماذا نعني بلغة الشعب ؟
- اللغة بين التقديس والتحديث
- تسالي أدب على العيد
- مذكرات القديس مكتشف سعاد حسني
- رمضان على الطريقة الروسية
- خمسون عاما على جرح النكسة
- قطر صغيرة قد تشعل حربا كبيرة
- طلعت حرب .. نحن والماضي
- في المرأة يكتمل ظهور الحقيقة
- عبقرية عبد الوهاب وتهمة السطو الفني
- مازن معروف .. نكات للمسلحين
- أبناء الورق والانترنت
- تحرش - قصة قصيرة
- الصحافة .. بداية ولا نهاية
- بيسا - قصة قصيرة
- الغنيمة - قصة قصيرة
- عرفانا ومحبة في عيد المرأة
- طاهر البرنبالي .. انتصار المستحيل
- هل نطالب الأزهر بتكفير داعش؟


المزيد.....




- مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية شرطة الاحتلال الإسرائي ...
- أجراس كاتدرائية نوتردام بباريس ستقرع من جديد بحضور نحو 60 زع ...
- الأوقاف الفلسطينية: الاحتلال الإسرائيلي اقتحم المسجد الأقصى ...
- الاحتلال اقتحم الأقصى 20 مرة ومنع رفع الأذان في -الإبراهيمي- ...
- استطلاع رأي إسرائيلي: 32% من الشباب اليهود في الخارج متعاطفو ...
- في أولى رحلاته الدولية.. ترامب في باريس السبت للمشاركة في حف ...
- ترامب يعلن حضوره حفل افتتاح كاتدرائية نوتردام -الرائعة والتا ...
- فرح اولادك مع طيور الجنة.. استقبل تردد قناة طيور الجنة بيبي ...
- استطلاع: ثلث شباب اليهود بالخارج يتعاطفون مع حماس
- ضبط تردد قناة طيور الجنة بيبي على النايل سات لمتابعة الأغاني ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد الخميسي - الدين لله .. والمترو للجميع !