|
تجربة رئيس راحل ذكرى وذاكرة...
خالد ممدوح العزي
الحوار المتمدن-العدد: 5591 - 2017 / 7 / 25 - 05:03
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
تجربة رئيس راحل ذكرى وذاكرة... كتاب جديد للكاتب جورج فريحة صدر عن دار سائر المشرق في بيروت للعام 2017 تحت عنوان:" مع بشير ذكريات ومذكرات" . جورج فريحة، الكاتب والطبيب اللبناني الذي درس الطب في الولايات المتحدة ، ودرس المهنة في الجامعة الامريكية في بيروت، هو المنسق العام للهيئة الشعبية في الجبهة اللبنانية وحزب الكتائب والسياسي والقائد اليمني اللبناني، الذي اصبح مستشارا للريس الراحل بشير الجميل بعد انتخابه في العام 1982. يحاول الكاتب عرض الكتاب من خلال قسمين : يتمحور القسم الاول حول الذكريات التي عاشها الكاتب الطبيب في حزب الكتائب طوال الفترة السابقة وعلاقته مع عائلة الجميل . بصفته المسؤولة في هذا الحزب والمواقع القيادة التي تنقل فيها داخل الحزب ومرافقته للقيادات الكتائبية وتأثره المباشر بشخصين من عائلة الجميل الشيخ (موريس الجميل والشيخ بشير الجميل). حيث يرى الكتاب بان هتان الشخصيتان حرم لبنان من وصولهم للرئاسة اللبنانية لانهما كبيران في العطاء والعمل والتفكير. ويحاول الكاتب عرض المذكرات والتحدث عنها بالتفصيل من خلال نشأته وتربيته في الحزب ، وانعكاس هذه التربية الحزبية والعسكرية والامنية لحزب الكتائب واحزاب الجبهة اللبنانية اثناء اندلاع الحرب الاهلية وحدوث الانهيار المليشياوي في داخل الدولة ، من خلال تقسيم الوحدات الحزبية والامنية والعسكرية والمناطقة التي كانت تسيطر عليها هذه القوى وكيفية خوضها للحرب الاهلية والدفاع عن المنطق التي باتت تحت سيطرتها، من خلال اسماء وتشكيلات قتالية تم ادراجها في الكتاب من خلال دراسة تفصيلية وجداول منظمة يصعب على الكثيرين تصورها ، وخاصة للذين لم يعيشوا او يشارك في تلك الحرب . وبحد ذاتها تدل هذه الدراسة الميدانية للتركيبة العسكرية عن العمق الاستراتيجي للتنظيم في تركيبته وتوزيعه ومدى اطلاع الدكتور فريحة على الكثير من التفصيل التي كانت بحوزته والذي كان على مقربة من مصادر قرارها او المشاركة المباشرة بتركيبتها. اما القسم الثاني في مذكرات الدكتور فريحة هي علاقته بالقوات اللبنانية الجناح العسكري للجبهة التي وضعته على علاقة مباشرة مع الرئيس الشاب الذي انطلق في مغامرة شبابية من حزب سياسي في المجتمع المسيحي والكيان اللبناني المتصارع الى ابرز قائد كتلة حزبية قاد الحرب اللبنانية (الاهلية ) في جبهاتها المتعددة وكان صاحب قرارا سياسيا وعسكريا في البلد ، وصولا الى انتخابه رئيس للجمهورية من خلال فترة قصيرة جسدتها اعتراف امريكي بالقوات اللبنانية مما فتح الطريق السياسي للشيخ بشير بالطموح للوصول الى سدة الرئاسة التي وصل اليها . يشير فريحة في كتابه بان رسالة الرئيس ريغان في اذار 1981 الموجهة لرئيس القوات اللبنانية، اعطت دافعا قويا للرئيس بشير الجميل بالسير وراء طموحاته لان الولايات المتحدة بهذه الرسالة لأول مرة تعترف بالقوات اللبنانية مؤسسة مليشياوية الى مستوى الاعتراف السياسي وبالتالي هذه الرسالة كانت ممرا اساسيا في تغيير التعاطي القواتي الجديد والانتقال من النظرة الميلشياوية الى التطلع السياسي نحو الدولة . ويتوقف الكاتب امام وصول الرئيس بسير الى سدة الرئاسة ابان فترة الاحتلال الاسرائيلي الى لبنان حيث يشرح الكاتب من خلال مذكراته وقربه من القرار السياسي نتيجة وجوده الى جانب الرئيس المنتخب بان بشير قد خرج من مفهوم الدويلة الى مفهوم الدولة وبالتالي كان يعمل على تامين وصوله الشرعي بطريقة ديمقراطية ذات الاكثرية بالرغم من معرفته الكاملة للمعارضة التي واجهت الشيخ بشير في عملية الوصول، لذلك حاول الكاتب الاشارة الى ان بشير السياسي الطامح لتتغير لم يكن يراهن على العلاقة مع اسرائيل والاستقواء بها لكن العلاقة كانت ممرا اجباريا فرض على المسيحين بظل الحصار اللبناني السوري السوفياتي ومنع السلاح والذخيرة عن المنطقة الشرقية والفرقة التي كان ينتمي اليها الرئيس بشير. يحاول الكاتب اظهر المخفي في هذه الفترة التي كان الرئيس بشير جميل يختلف عن غيره في التعاطي مع الفترة الصعبة التي يترتب عليها انقاذ لبنان من الوجود السوري والاحتلال الاسرائيلي ،وربما الاجتماعات التنسيقية التي حصلت بين الرئيس بري والنائب جنبلاط كانت خير دليل على ايجاد مخرج تسوية للجميع من الوجود الاجنبي لانقاض لبنان من كل القوى والاحتلالات التي باتت تصارع على الاراضي اللبنانية . يعرض الكاتب بان اصرار بشير على الترشيح للرئاسة من اجل ايجاد حل فعلي للبنان بالرغم المعارضة القوية التي كانت تواجه قائد القوات اللبنانية من الداخل اللبناني المسيحي المؤيد للرئيس ومحاولة منعه من قبل الاصدقاء قبل الاعداء من الترشح للرئاسة بهذه الفترة الصعبة وخاصة بان الرئيس لا يملك تجربة دبلوماسية وكره كبير من الطوائف الاخرى وخاصة من الطائفة السنية ،بالإضافة الى سنه الصغير الذي لا يسمح بخوض هذه التجربة الصعبة التي دفع ثمنها حياته . ولكن البشير اصر على المعركة وكان له ذلك بالوصول الى الرئاسة وقد اتخذ اول قرار بعد الانتخابات بتعين جورج فريحة كاتب هذا الكتاب متشار الرئيس السياسي. يقول الكاتب من خلال ذاكرته بان نظرة البشير كانت نظرة حقرية انتصارية مكللة بالحبور والنظر الى المستقبل وليس الانتقام من الماضي لأنه بات ينظر للمستقبل كرجل دولة وليس كرجل مليشيا. حيث شدد على الكاتب بان :"لا يترك الجامعة الامريكية لأنه له فيها جذور تاريخية وعميقة وقال "انت رب عائلة لا اريد ان يخترب بيتك "" . ربما كان يعلم بان مصيره مرهونا في عالم القوة وليس بيد اللبنانيين ، لان نظرته الى المستقبل كانت تعتمد على اعادة بناء لبنان ضمن حدوده الخالية من سيطرة الاجنبي والمرهون للدول الاقليمية . يشدد الكاتب بان طموح الريس كانت كبيرة في عملية التغيير والخروج عن التقاليد والبرتوكولات الرسمية التي كانت متبعة سابقا ،لأنه كان يحمل رؤية وحلم جديد لمستقبل لبنان واللبنانيين بعدما انهكهم الحرب والدمار . يحاول الكاتب التوقف امام موقف الرئيس الفعلي من العلاقة مع اسرائيل التي باتت تطلب حدا وبالتالي يجب التعامل بطريقة الندية وليس من باب الوصاية وهذا ما يحاول التحدث عنه في اجتماع "نهاريا المتوتر" لان البشير بات يرى بالصهيوني عامل خطر كبير على لبنان وعلاقته بالمحيط العربي . وهنا يطرح سؤال مهم جدا في عرضه لأفكار الرئيس الراحل، ماذا كان يريد؟ هل كان مشروعه الحقيقي تقسيم لبنان؟ ام التمسك بال 10452 آيا تكن الظروف والتبعيات والمواقف والتحالفات ،او منزلة ما بينهما . ويحاول الكاتب الاجابة عن سؤال مهم جدا في تاريخ الرئيس الراحل ما هي علاقته بإسرائيل وتطلعاتها واهدافها من خلال اجتماع نهاريا الذي يعتبر الكثير من المحللين والباحثين بان الراحل قد انهاها نهائيا ، حيث يعرض الكاتب تفصيل اجتماع نهاريا الذي كان حاضرا فيه. ففي نهاريا بحسب كتاب فريحة الذي يقول :" كان بانتظاره كبار قادة اسرائيل الذي كان وبمقدمتهم مناحين بيغن ، حيث جلسنا جميعنا على الطاولة المستديرة التي باتت تجمع الوفدين اللبناني والاسرائيلي والجميع غير مرتاح لهذا الاجتماع وطبيعته الغاضبة. ويشدد الكاتب بان بشير كان يتكلم بنفس وروح القائد لدولة قادمة والمسؤول الذي يعتمد على تحسن الاوضاع الاجتماعية والسياسية لشعبه وبلده النهاض من تحت الحرب والفوضى ، مبنيا الآمال على الجيش الذي سيكون اللاعب القوي في حماية البلاد والحدود ". ففي الكتب يشير الكاتب على ان البشير كان يؤكد في هذا الاجتماع على ضرورة خروج القوى المحتلة (السورية والإسرائيلية) من لبنان في نفس الموعد، لان لبنان يريد العيش بسلام وسوف ينشئ جيشه القوي ويعيش اهله بسلام وهدوء في ظل دولة قوية تحمي ابنائها . ربما هذا الحديث التي لم تكن تنتظره اسرائيل من الرئيس بشير في الوقوف بشجاعة المقاوم والمواجهة مع كبار قادة العدو الذي يطالبهم بالخروج من ارضه بالتوازي مع السوري والفلسطيني ،ليبقوا اللبنانيين وحدهم جميعا يبنوا سلامهم في دولتهم الجديدة. وفي هذا الكتب الذي يعيد الذاكرة الى مرحة ماضية لم تظهر كافة تفصيليها الايجابية والسلبية من قبل القوى التي شاركت في الحرب اللبنانية على ضفتيها ،كان لابد لجورج فريحة الذي كان من المسؤولين الاساسيين في تلك الحقبة الزمنية الحرجة للبنان من ان يفرج هذا فجاة ،ودفعة واحدة من دون مقدمات ،عما اختزن لديه من حقائق ومعطيات واسرار حول حلم اللغز الذي شكله الرئيس بشير الجميل ،بعد خمسة وثلاثين عاما على اغتياله ،من دون هاجس التبرير او تجميل الصورة او الاستثمار السياسي؟ كتاب جديد في النظر للحرب الاهلية ولوصول الرئيس الراحل بشير الجميل الى السلطة ،من خلال معلومات وصور ودلائل ووثائق كان الكاتب يمتلكها لأنه كان من داخل المطبخ السياسي لتلك المرحلة ، لغة جيدة ومفهومة وغنية بالتعبير السياسية التي استخدمتها الحقبة الماضية . قراءة ونقد ... خالد ممدوح العزي.
#خالد_ممدوح_العزي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سورية حكاية في رواية ...
-
بريطانيا وخروجها من الاتحاد ...
-
كتاب عدالت عبدالله الكرد- الحالة العراقية والاخر العربي
-
الجمهورية الغائبة ...
-
كتاب -حرب السنتين وبعد
-
كتاب جديد عن اوكرانيا ...
-
كتاب -البوتينية....
-
روسيا ما بين السوخوي ورحيل الاسد.
-
خطوات روسيا القادمة في سورية :التقسيم او الاطاحة بالاسد ...
-
اخطار التدخل الروسي العسكري في سوريا ...
-
اوكرانيا :ازمة نخب في القيادة وتطرف يخيف الغرب...
-
المبادرة الفرنسية بخصوص الشرق الأوسط...
-
التطرف ووسائل التواصل الاجتماعي .
-
التمدد -الداعشي- والقلق الروسي...
-
الإبداع الإعلاني والقدرات الفنية...
-
عاصمة القياصرة والخبر العربي .
-
الحلم الروسي -من بطرس الأكبر إلى بوتين-...
-
الدبلوماسية العربية وعاصفة العزم...
-
الإمبراطورية المتخيلة واليمن...
-
العرب وزمام المبادرة...
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
-فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2
/ نايف سلوم
-
فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا
...
/ زهير الخويلدي
-
الكونية والعدالة وسياسة الهوية
/ زهير الخويلدي
-
فصل من كتاب حرية التعبير...
/ عبدالرزاق دحنون
-
الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية
...
/ محمود الصباغ
-
تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد
/ غازي الصوراني
-
قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل
/ كاظم حبيب
-
قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن
/ محمد الأزرقي
-
آليات توجيه الرأي العام
/ زهير الخويلدي
-
قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج
...
/ محمد الأزرقي
المزيد.....
|