من وحي ترجماتي للقرآن 2

سامي الذيب
(Sami Aldeeb)

الحوار المتمدن-العدد: 5589 - 2017 / 7 / 23 - 09:39
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

سؤال من قارئ غربي حول القرآن المكي
------------------------
من المعروف لدى قرائي ان التسلسل التاريخي هو اهم سمات طبعتي العربية وترجماتي للقرآن https://goo.gl/72ya61.
فبينما يتم نشر القرآن وترجمته وفقا للترتيب المعتمد من المسلمين - وهو تريتب عبثي غبي يربك القراء يأخذ بطول السور مع استثنائات - أقوم انا بنشر القرآن بالتسلسل التاريخي كما هو متفق عليه في طبعة مصحف الملك فؤاد لعام 1924.
فما اقوم به يساعد على فهم تطور الوحي وانتقاله من الزمن المكي للزمن المدني.
.
وقد وصلتني من قارئ غربي، لن أذكر اسمه، رسالة تتضمن السؤالين التاليين كنت قد نشرتهما مع ردي في مدونتي باللغة الفرنسية http://wp.me/p1gLKx-i2B
وها انا اترجمهما لقراء العربية:
.
سيدي العزيز،
اسمح لي أن أطرح عليك سؤالين باعتبار معرفتك العميقة للإسلام:
1) هل تعتقد أنه من الممكن بشكل معقول اعادة تعريف الإسلام على أساس القرآن والإسلام المكي؟
2) وعلى افتراض امكانية ذلك، ماذا سيجلب هذا الإسلام للبشرية؟ ما هي العناصر الإيجابية الخاصة بذلك الإسلام؟
مقدما شكرا لردكم.
.
جوابي:
-----
أخذ قسطًا من الراحة من تصحيح ترجمتي الإيطالية للقرآن الكريم - التي أتمنى أن تنشر في الأسابيع المقبلة - لأعطيك جوابًا قصيرًا، تاركًا الجواب الطويل لكتابي القادم المعنون: "محمود محمد طه بين القرآن المكي والقرآن المدني".
.
تشمل الديانات السماوية الثلاث جوانبًا مظلمة، بسبب تعاليمها أو المؤسسات التي تديرها.
.
وقد تمكن اليهود من التخلص من الكثير من نظم كتابهم المقدس، ولكن دون أن يكتمل العمل. والدليل على ذلك النظم التمييزية المتعلقة بالزواج والمقابر وذبح الحيوانات، ناهيك عن التمييز ضد غير اليهود. وهذا هو السبب في فشل إسرائيل من تبني دستور بالمعنى الحقيقي إذ أن مثل هذا الدستور يجب أن يحتوي على مبدأ تحقيق المساواة بين اليهود وغير اليهود. وهو ما يعتبر مخالفا لمعايير كتابهم المقدس. ولكن كل نظامهم الجنائي ثم التخلص منه. ولا يمكن لنا أن نطلب من اليهود رمي كل كتابهم المقدس في سلة المهملات، ولكن لنا الحق في أن نطلب منهم ترك النظم التمييزية في ذاك الكتاب المقدس.
.
وقد واجه المسيحيون مشاكل أقل من اليهود، لأنهم يعتبرون عموما نظم الكتاب المقدس اليهودي (المسمى بالعهد القديم) ملغيًا بالعهد الجديد (أي الإنجيل). ولكنهم واجهوا مشكلة السلطات الدينية والنظم التي تفرضها. وقد تم تحييد هذه السلطات الدينية وتفريغ نظمها من خلال فلاسفة عصر التنوير وضغوط السلطات الحاكمة. ولا يمكن لنا أن نطلب من المسيحيين اسقاط كل العهد القديم والعهد الجديد، ولكن تم استبعاد السلطات الدينية في المجال القانوني. فلم يعد هناك محاكم تفتيش، ولا سيطرة الكنيسة على الزواج والمقابر في الغرب، ولا قيود على الحرية الدينية (والتي حاربتها الكنيسة بشدة).
.
ويواجه المسلمون كلًا من مشاكل اليهود ومشاكل المسيحيين معا. فلديهم نظم قانونية دينية مقيتة، وسلطات دينية مريضة عقليًا تهدد بالقتل أي مسلم تسول له نفسه ترك الإسلام. وهذه السلطات الدينية المريضة عقليًا ترتكز على الحكومات التي تسن في دساتيرها على أن الإسلام هو دين الدولة. وهذا يعطي شرعية لكل أنواع التعسف في حال تمكن المسلمين بالوسائل القسرية لفرض النظم الإسلامية. وهكذا تم الغاء الرق بسبب ضغوط من الدول الغربية، ولكن بمجرد ان استولت الحركات الاسلامية على السلطة تم اعادة العمل بالرق كما هو الأمر في العراق وسوريا. ولا يتم ممارسة الرجم وبتر يد السارق في مصر ودول عربية أخرى، ولكن اعتمد وزراء العدل العرب المجرمون في عام 1996 قانون جزائي موحد ينص على تلك العقوبات ... سيتم تطبيقها عندما يصبح المسلمون قادرين على ذلك. وهذا القانون الإجرامي موجود على موقع الجامعة العربية المجرمة https://goo.gl/TWHUoN، وقد قمت بترجمته للفرنسية https://goo.gl/yBtYqq
.
ولم يمر المسلمون بعصر تنوير كما في الغرب، والدول الإسلامية ام تتمكن من تحييد السلطات الدينية المريضة عقليًا. والوضع يتفاقم سوءًا يومًا بعد يوم. والمسلمون البسطاء ذو الحس السليم وعندهم بقية من الإنسانية هم الآن في خطر التدهور ... كما رأينا في بلدان مختلفة. ولا يمكن لنا أن نطلب من المسلمين رمي كل القرآن في سلة المهملات، كما أننا لم نطلب من اليهود والمسيحيين رمي كل كتبهم المقدسة في سلة المهملات. لذا يجب علينا أن نقدم لهم طريقًا للنجاة لا يتطلب تفكيك كل الإسلام. صحيح أن الملحدين واللاأدريين المسلمين - وأعدادهم متزايدة - يفضلون التخلص من كل شيء. وينبغي علينا جميعًا تشجيعهم. ولكن لا يمكن ان يتحول كل المسلمين إلى ملحدين أو لاأدريين. لذا يجب علينا معالجة منحدر الطريق دون الوقوع في الواد وفوضى عارمة. وشخصيا، أرى أن القرآن كتاب بشري يتضمن الغث والسمين. إلا أن المسلمين لا يتقبلون ذلك، ويعتقدون أن القرآن كله جيد وصالح لكل زمان ومكان، مع النتائج التي نراها في العراق وسوريا ومصر وغيرها، وحتى في الغرب.
فما العمل اذن؟
.
أعود هنا إلى سؤاليك:
.
- فكرة اعطاء الأولوية للقرأن والإسلام المكي على القرآن والإسلام المدني - وهي فكرة تأتي من بعض المؤمنين المسلمين وليس من الملحدين أو الكفار مثلي - ربما هذه الفكرة هي الأنسب والأكثر قبولا. فهي تحتوي على بعض المنطق وقد تصدم بصورة أقل المسلمين بشكل عام، على الرغم من أن السلطات الدينية المريضة عقليًا قامت بشنق الأب الروحي لهذه الفكرة في عام 1985، المرحوم محمود محمد طه.
.
- اعطاء الأولوية للقرأن والإسلام المكي على القرآن والإسلام المدني يخلصنا من 99٪ من النظم القانونية الإسلامية المقيتة، إذ أن قرآن وإسلام مكة لا يوجد فيه تلك النظم القانونية المقيتة. فهو يتضمن تذكير لمبادئ عامة تحظى بقبول في جميع النظم الأخلاقية الكبرى. وبهذا الأسلوب، يمكن للمسلمين أن يتحرروا من القيود التي يفرضها القرآن والإسلام المدني، وأيضا التخلص من السلطات الدينية المريضة عقليًا، والتي سيتم تجريدها من صلاحياتها.
.
وأضيف هنا أن تقسيم القرآن إلى قسمين - قرآن مكي وقرآن مدني - هو في حد ذاته صدمة مفيدة لدماغ المسلمين الذي بقي متحجرا منذ 14 قرنا. فهذا التقسيم سوف يجبرهم على قراءة القرآن بأسلوب مختلف عن اسلوب الببغاوات. وسوف ينسف السلطات الدينية المريضة عقليًا التي لم تتمكن من نشر القرآن وفقًا لترتيب الزمني، محتفظة بالترتيب الحالي المخالف للمنطق والغبي الذي يعتمد على طول السور.
.
آمل ان أكون قد اجبتك ولو جزئيًا على سؤاليك. وسوف انشرهما مع ردي لكي اسمح لقرائي بالتعليق.
.
وإلى مقال قادم من وحي ترجماتي للقرآن
ملاحظة: اسمح بنشر التعليقات ولكن لا ارد عليها، تاركا للقراء إبداء رأيهم. وإن لم يتم نشر احد التعليقات من قبل إدارة الحوار المتمدن فهذا ليس بيدي.
.
ادعموا حملة "الترشيح لنبي جديد"
https://goo.gl/X1GQUa
وحملة "انشاء جائزة نوبل للغباء"
https://goo.gl/lv4OqO
.
النبي د. سامي الذيب
مدير مركز القانون العربي والإسلامي http://www.sami-aldeeb.com
طبعتي العربية وترجمتي الفرنسية والإنكليزية للقرآن بالتسلسل التاريخي: https://goo.gl/72ya61
كتبي الاخرى بعدة لغات في http://goo.gl/cE1LSC
يمكنكم التبرع لدعم ابحاثي https://www.paypal.me/aldeeb

#سامي_الذيب (هاشتاغ)       Sami_Aldeeb#          

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات