|
إستمراء كل الشقاوات والعذابات في انتظار اليوم الموعود
سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر
(Oujjani Said)
الحوار المتمدن-العدد: 5589 - 2017 / 7 / 23 - 00:54
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في كل صراع عبر التاريخ ، تكون هناك قوتان متصارعتان ومتقابلتان ، وكل منهما يوظف إمكانياته الذاتية والتقنية لتحقيق النصر ، او لحسم الصراع . وبطبيعة الحال ، فان الأصل يبقى مطالب اجتماعية ، واقتصادية ، واجتماعية ، قد لا ترقى الى مستوى الصراع الطبقي . لكن ومن خلال الاحتكاك ، فناذرا ما يكون للقوى الشعبية حدس دقيق حول قوة الخصم ، مما يجعل أي تحرك مرهونا نجاحه من عدمه ، بمدى تضحية الأتباع ، والمريدين ، وحتى المترددين . وهنا يبقى النجاح مرهونا في مرحة معينة ، بجدية المفاوضات ، والأطراف المنخرطة فيها ، كما يبقى رهيناً بإرشادات المتدخلين الأجانب كصندوق النقد الدولي . لكن الطرف الرسمي ومن خلال الإمكانات المتاحة له ، من بوليس ، واستعلامات ، وجدرمة ،وحرس ، وجيش ، ومخبرين ، ومبثوتين طيّعين ، من أحزاب عميلة ، ونقابات ذيليه ، تكون له فكرة مسبقة عن طبيعة الخصم ، وإمكانياته ، وحدود مقاومته ، والشوط الأخير الذي قد يبلغه . ان هذه الآلية الغير الموجودة عند الطرف الشعبي ، تعطي للدولة هامشا فسيحا في الحركة ، حيث تتصرف طبقا للظروف المحلية ، والمحيطية ، والدولية ، فتربط أي تحرك ، بشرط المصلحة وبغاية النجاح في الحسم . ورغم ان الدولة يكون لها انطباع عن الخصم ، فهي قد تلجأ في غاراتها الى الانتقاء ، ودون التعميم ، حتى لا تسقط في التضخيم ، اي اعتقال بعض العناصر دون الأخرى ، رغم أنها من نفس التنظيم ، او من المؤطرين للحملة . مما ينبئ في حالة الفشل ،باللجوء الى التطرف ، والى العدمية في غياب الالتزام بالمطالب . لكن هناك عنصر في غاية الأهمية في تحليل أسباب ظهور التطرف ، ومنه الديني بالخصوص في المغرب ، وهو العنصر المتعلق بإستراتيجية اشتغال السلطة . نعم ان عناصر التحليل الأخرى هي بمثابة الأرضية الأساسية للتحليل : العنصر السياسي ، العنصر الاقتصادي ، العنصر الثقافي ، العنصر الديمغرافي غير المتزن ، وغير المدروس .... الخ . لكن إستراتيجية السلطة تبقى الخيط او النسيج الناظم الذي يتفاعل ضمنه مختلف كل هذه العناصر . تحقق المجموعات السياسية تماسكها ، إمّا بالاعتقاد بإيديولوجية ، او بالاستجابة لمتطلبات سلطة مركزية مشتركة ، او لوجود مصالح مشتركة .... الخ . لكن هذه المشروعية تزداد قوة ومتانة ، وتكتسب صلابة اكبر ، إذا عرفت السلطة السياسية ، كيف تسوس ببراعة نظام الجماعة ، في اتجاه ترسيخ سيادتها وسلطتها القابضة . . يمكن إجمال استراتيجيات السلطة عامة – اي اية سلطة – في اثنين : إستراتيجية الأمل ، وإستراتيجية الخوف . وهما خطتان سياسيتان مبنيتان على عاطفتين بشريتين أساسيتين ، هما الأمل والخوف . وكل سلطة ناجحة وقادرة على الاستمرار ، تمزج بمقادير متفاوتة هاتين الإستراتيجيتين ، أولاهما تقتضي مداعبة خيال المواطن لشده إليها ، بتقديم وعود مادية ومعنوية ، وتصويرها وكأنها وشيكة التحقيق . قسم الحلم اليوتوبي هذا ، هو بمثابة ترياق أمام مرارة ،وقسوة الحياة اليومية ، وبمثابة طعم يشد إليه النفوس ، ويكتم الأنفاس في انتظار ذلك اليوم الذي سيتم فيه تحقيق الوعود . الأمل من حيث هو بعد انتربولوجي أساسي للإنسان ، هو الدعامة الأولى لكل استراتيجيه ناجحة للسلطة وكل الحركات ، والأنظمة الثورية تقوم على دور قشة الأمل في اجتذاب الناس ، وتحصيل ولائهم وطواعيتهم ، بل ا ن أي نظام مهما كان " واقعيا " ومحافظا ، مضطر الى حقن خطابه السياسي ، وخطته السياسية بحد ادني من الأمل . تقنية الأمل هذه ، تتم تكملتها ، او قد يتم استبدالها ، او تذويبها في تقنية أخرى ، هي تقنية الخوف والتهديد . فالكائن البشري في حاجة إلى الاحتماء من العدوان ، ومن الخطر الخارجي . لذلك تلجأ معظم الأنظمة السياسية ، من اجل ترسيخ هيمنتها وسلطتها ، إلى توجيه الأنظار نحو خطر خارجي مفترض ، مما ييسر عليها رص الصفوف الداخلية في مواجهته ، واعتبار ذلك بمثابة مهمة وطنية أولى ، تتضاءل أمامها كل المطالب ، وتُسخر من اجلها الطاقات والإمكانيات . يبلغ النظام السياسي أعلى درجات قوته ، عندما يستطيع الجمع بين هاتين الإستراتيجيتين : إستراتيجية الأمل ، وإستراتيجية التهديد الخارجي كما حصل في 1975 عند استرجاع الصحراء ، بحيث بلغت التعبئة ذروتها ، لأنها قرنت بين الأمل في تحقيق السعادة المفقودة بالاستفادة من خيرات الصحراء وبين التهديد الخارجي الذي تمثله الجزائر والجماعة الانفصالية ولا شك ان هناك اقترانا قويا ، وانْ لم يحلل بما فيه الكفاية ، بين الصلح والمصالحة الذي أدى الى تخفيض تهديدات الخطر الخارجي ، وبين انطلاق حركة التطرف الديني بعد 1975 . لقد كان المواطن المغلوب على أمره ، مستعدا لتقبل البؤس ، والحرمان ، والكدح الناتجين عن تعبئة موارد الوطن ، لمواجهة العدو الخارجي المهدد لتقسيم المغرب . لكن مع توالي الإنهزامات الدبلوماسية في المحافل الدولية ، ومع طول تكلفة وضعية اللاّحرب واللاّسلم بعد نزاع مسلح دام ستة عشر سنة ، وبعد صراع دبلوماسي دام ستة وعشرين سنة ، ومع تضاعف الفقر ، والكدح ، والغبن الذي يتحمل همهم الوحيد المواطن الكادح ، ومع ظهور طفيليات اغتنت بشكل مهول وفي وقت وجيز ، ومع فشل المصالحة بالعودة إلى القبضة السلطوية ، وتمييع الديمقراطية ..... الخ ، انطلقت الرغبات والمطالب من عقالها ، وأخذت حرب الداخل تحل محل حرب الخارج ، فغاب العدو الخارجي ، وليتحول الى عدو داخلي يفترس كل شيء يجده أمامه ، بنهم وبحيوانية . الآن وأمام الانسداد التام ، والسوداوية التي تعم الوطن ، وموت الأمل وليس فقط فقدانه ، وأمام وضع اللاّحرب واللاّسلم بالصحراء ، وتموُّجات الشعب بكل ربوع المغرب ،وخاصة بالريف ، يكون النظام قد خسر أداتين أساسيتين في إستراتيجية السيطرة هما : الآمل الكذب الذي تعرى وأصبح مفضوحا ، والخوف الذي أضحى السيد في نفس الآن وفي وقت واحد تقريبا . فما عاد بالإمكان تأجيل المطالب ، والحاجات ، والرغبات ، كما كان الأمر في السابق ، وما عاد في الإمكان إسكاتها باسم الواجب الوطني ، او القضية الوطنية ، او ما شابه ذلك من الأكاذيب التي افتضح أمرها ، أمام اغتناء أقلية بطرق غير مشروعة ، وأمام تعميم وانتشار الفساد بكل أوجهه المعروفة . ان غياب أهداف كبرى وطنية بإمكانها ان تعبئ الناس ، وتستقطب أنظارهم واهتمامهم ، وان تجعلهم يستسيغون البؤس ، والحرمان ، والكدح ، والشقاوة ، والإذلال ، والفقر ، سواء كانت هذه الأهداف مسوغة ضمن استراتيجيه الأمل ، او ضمن إستراتيجية التخويف والتهديد الخارجي ، معناه انفتاح الباب أمام إمكانية الاقتتال الاجتماعي الداخلي ، وأمام إمكانية اندلاع الحرب الاجتماعية ، إمّا من اجل انتزاع بعض المكاسب المادية والرمزية ( الريف ) ( الصحراء ) ، او من اجل الاستيلاء على السلطة . وما لم يراع هذا المبدأ الاستراتيجي التعبوي البسيط ، المتمثل في وجود طعم الأمل في الداخل ، وفزّاعة الخطر الخارجي ، فان خطر نقل الحرب من الحدود الخارجية ، الى التخوم الداخلية يبقى امرأ واردا وباحتمال كبير . ان سكوت الجبهة الداخلية ، وانطفاء شمعة الأمل الداخلية ، يوفران افضل الشروط لاشتعال الجبهة الداخلية كما هو ملاحظ اليوم بشكل جلي . وخاصة إذا ما تعلق الأمر ببلد يعاني من تزايد سكان يجري بأعلى الو ثائر ، ويعاني الفقر ، ومحدودية الموارد ، والفوارق الطبقية الخطيرة ، ومن مظاهر حادة للتفاوت الاجتماعي ، ضمن نظام سياسي لا يستظل بآي مظلة إيديولوجية طوباوية او محافظة ، ولا يحتمي بأي إشعاع كاريزمي ، بل يكتفي بكونه نظاما عصريا للتسيير وكفى . ان المبدأ اليوتوبي ، مبدأ الأمل ، هو بمثابة تِرْياق ، او بلْسم ، يجعل المواطن ياستمرئ كل الذل ، والشقاوات ، والعذابات ، في انتظار اليوم الموعود ، والذي لن يأتي أبدا . ومبدأ التهديد او الخطر الخارجي ، لا يقل عن المبدأ الأول ، في تطويع العقول والنفوس والأجساد ، وجعلها مهيأة لابتلاع الشقاوة ، والإذلال ، والكدح ، وغياب الحقوق ، وسيادة الظلم والعدوان ، والتفاوت ... بطواعية ، بل بعز ونخوة . لكن عندما يسقط المبدآن ، تنفتح على مصراعيها إمكانية الحرب الداخلية الطويلة الأمد . وحدها المجتمعات الديمقراطية الحقيقية ، تستطيع بحكم رسوخ التوازنات الداخلية فيها ، بين المجتمع المدني الحقيقي ، والدولة ، وبحكم توافر آليات امتصاص النقمة والسخط ، وحدها هذه المجتمعات تستطيع ان تعيش نسبيا خارج إستراتيجيتي الأمل والخوف ، اي على مجرد الأداء البيروقراطي – الديمقراطي المرتكز على المشروعية البنيوية للسلطة . حفظ الله مغربنا الحبيب من الحالة السورية ، والليبية ، واليمنية ، والعراقية . المغرب الكبير – وحدة الأرض ووحدة الشعب .
#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)
Oujjani_Said#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
واخيرا تأكد ما توقعناه باعتقال وسجن المدون حسام تيمور -- بين
...
-
بين تصريحات سعيد شعو للقضاء الهولندي وجريمة سحل وتشويه الزفز
...
-
إسْحلْ اتشويه ابناء الشعب -- في المغرب الجميل
-
ملك المغرب محمد السادس جد قلق وجد منزعج
-
الوضع بالصحراء اضحى اكثر من خطير
-
النقد والنقد الذاتي : لماذا ترفضهما نخبنا ؟
-
سيادة قطر في الميزان
-
حدود العلاقة بين السياسي والمثقف
-
تقرير تحليلي -- حراك الريف يعري هشاشة الانفتاح الديمقراطي ال
...
-
تحليل لعبة الانتخابات بالمغرب
-
الحق في الإختلاف
-
لتفادي السكتة الدماغية بالمغرب
-
وحدة الشعب ووحدة الارض -- المغرب الكبير --
-
عقد البيعة والدستور . اين تتجسد مشروعية الملك عند ممارسته ال
...
-
حتى لا ننخدع : هل جبهة البوليساريو منظمة ثورية واشتراكية ؟
-
بعد الآن هل لا يزال من يشكك في المغربية الصحراء
-
حين يتم تحويل الهزيمة الى نصر . قرار مجلس الامن 2351 حول مغر
...
-
بيان مناضلين بجيش التحرير والمقاومة المغربية حول مغربية الصح
...
-
الصراع المغربي الجزائري ، صراع حضارة وهوية وتاريخ
-
الصحراء المغربية . حين تكالب على قسعتها الضباع
المزيد.....
-
سقط من الطابق الخامس في روسيا ومصدر يقول -وفاة طبيعية-.. الع
...
-
مصر.. النيابة العامة تقرر رفع أسماء 716 شخصا من قوائم الإرها
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير بنى يستخدمها -حزب الله- لنقل الأ
...
-
كيف يؤثر اسمك على شخصيتك؟
-
بعد العثور على جثته.. إسرائيل تندد بمقتل حاخام في الإمارات
-
حائزون على نوبل للآداب يطالبون بالإفراج الفوري عن الكاتب بوع
...
-
البرهان يزور سنار ومنظمات دولية تحذر من خطورة الأزمة الإنسان
...
-
أكسيوس: ترامب يوشك أن يصبح المفاوض الرئيسي لحرب غزة
-
مقتل طفلة وإصابة 6 مدنيين بقصف قوات النظام لريف إدلب
-
أصوات من غزة.. الشتاء ينذر بفصل أشد قسوة في المأساة الإنساني
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|