|
عنفوان الكلمة .. يقتل الموت
حسنين السراج
الحوار المتمدن-العدد: 5586 - 2017 / 7 / 20 - 02:47
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
من كتاب جرائم ارتكبتها حين كنت حارسا لدين الله
قبل عقود من الزمن قال احد خطباء بغداد (هناك ثلاث امور تؤدي الى فساد البلاد هي القمار والبغاء والدكتور علي الوردي)(1)
انه الخوف من الكلمة . الرصاصة لا تخيف لانها لا تأتي بجديد فهي تقرب مصير قادم لا محالة (بها وبدونها) . لكن الكلمة تخيف .
ان الرصاصة هي من تموت حين تخترق الجسد . هي من تنبعج وينتهي دورها وتصبح بلا قيمة . لكن بموتها تتضخم الكلمة . ما اغبى من يواجه الكلمة برصاصة فهو ذهب بنفسه الى ما يخاف منه وهو (انتشار الكلمة) هو بقتله لصاحب الكلمة لفت النظر اليها ونشرها . مسكين انت يا من تخاف من الكلمة فانت بلا حيلة فمهما فعلت تبقى الخاسر الاوحد في المعادلة . ان لحظة نفاذ الرصاصة في جسد المفكر هي ذات اللحظة التي تنفجر فيها الكلمة ليتنفسها الناس كالهواء .
سقراط سقراطنا والمسيح مسيحنا والحسين حسيننا...بموتهم ارتفعت الكلمة وتسمم السم في جسد سقراط وصُلب الصليب على جسد المسيح وذُبح السيف في نحر الحسين .
الحلاج والسهروردي ومرتضى مطهري ومحمود محمد طه وعمر باطويل وقافلة طويلة بدأت ولن تنتهي...هؤلاء كلمات ليست كالكلمات ...هؤلاء الاحرار بموتهم راقصوا الحرية...وقالت الحرية على لسان قباني (يسمعنى حين يراقصني كلمات ليست كالكلمات) هؤلاء كما المتنبي (اسمعت كلماتهم من به صمم)
تسخر الكلمة من الرصاصة قائلة (انا حين الامسك اشرب ماء الحياة وانت حين تلامسيني تشربين الموت)
ارسل المتكثلك (معتنق الكاثوليكية) البرت بيرج رسالة لسبينوزا كرد فعل على كتاباته قال فيها: (من أين لك أن تعرف أن فلسفتك هي أفضل التعاليم التي لقنت في العالم فيما مضى، أو أنها أفضل ما يتلقاه العالم الآن بالفعل، أو ما سيتلقاه في المستقبل؟ هل درست كل الفلسفات قديمها وحديثها، مما يتعلمه الناس هنا وفي الهند وفي سائر أصقاع المعمورة؟ حتى إذا كنت درستها جميعاً.. كيف يتسنى لك أن تدرك أنك اخترت أحسنها؟.... وإذا كنت، على أية حال، لا تؤمن بالمسيح فإنك أيأس وأجدر بالازدراء مما يمكن أن أتصور لك. ولكن العلاج الميسور: أرجع عن خطاياك، وتحقق من الغطرسة القاتلة التي ينطوي عليها تفكيرك الحقير المجنون.... هل تجسر أيها الرجل الحقير، يا حشرة الأرض الدنيئة.... في تجديفك الذي لا يصح أن يوصف، أن تضع نفسك فوق "الحكمة المتجسدة اللامتناهية"؟.... إنك بقواعدك ومبادئك لا تستطيع أن تفسر تفسيراً كاملاً حتى واحداً من هذه الأشياء التي يأتي بها السحرة.... كما أنك لا تستطيع أن تفسر أياً من الظواهر المذهلة بين الذين يتملكهم الشياطين، مما رأيت منه بعيني رأسي أمثلة كثيرة منه أو سمعت صدق الأدلة اليقينية عليه؟)(انتهى) (2)
اجابه سبينوزا (اخيرا فهمت من كتابك ما لم اكن اصدقه حين رواه لي اخرون... وهو انك لم تصبح عضوا في الكنيسة الكاثوليكية وحسب بل انك كذلك من اشد انصارها وحماتها غيرة وحماسة , وانك تعلمت الان كيف تصب لعنتك وجام غضبك في وقاحة على خصومك ومخالفيك . ولم اكن اعتزم الرد على رسالتك ... ولكن جماعة بعينها من الاصدقاء , ممن علقوا اكبر الامال على مواهبك الطبيعية الحوا علي في الرجاء الا اقصر بحق صديق... وأن أفكر فيما كنت عليه منذ فترة وجيزة لا فيما أنت عليه الآن... وأقنعتني تلك الحجج بكتابة هذه السطور إليك، راجياً كل الرجاء أن تتفضل بقراءتها بنفس هادئة...ولن أعدد لك هنا من جديد مساوئ القساوسة والباباوات، لأصرفك عنهم، كما أعتاد أعداء الكنيسة الكاثوليكية أن يفعلوا. لأنهم عادة ينشرون هذه المساوئ بداعي الحقد والغضب، ورغبة في الإزعاج لا التقويم والتعليم. والحق إني أقر بأنه يوجد في الكنيسة الكاثوليكية رجال على قدر كبير من العلم والمعرفة واستقامة الحياة أكثر مما يوجد منهم في أية كنيسة مسيحية أخرى، فإنه حيثما توافر عدد أكبر من أتباع الكنيسة، فلا بد أن يوجد عدد اكبر من الرجال من كل صنف. وهناك في كل كنيسة كثيرون من الأمناء المخلصين غاية الأمانة والإخلاص، ممن يعبدون الله في عدل وإحسان،... لأن العدل والإحسان أصدق أمارات المذهب الكاثوليكي الحق... وحيثما يوجد هؤلاء، يوجد المسيح حقاً وصدقاً، وحيثما يفتقدون، يفتقد المسيح كذلك. لأن روح المسيح وحده هي التي يمكن أن تقودنا إلى حب العدل والإحسان. وإذا كنت قد اعتزمت عزماً أكيداً من قبل، التفكير ملياً بينك وبين نفسك في هذه الحقائق، لما ضللت، ولما سببت لأبويك أشد الحزن والأسى.... إنك سألتني كيف أدرك أن فلسفتي أفضل الفلسفات التي ظهرت في العالم من قبل، والتي تلقن الآن، أو ستلقن في المستقبل. والواقع أن لي حق أكبر في أن أسألك هذا السؤال. لأني لا أزعم إني وقعت على أفضل فلسفة. ولكني أدرك أني أظنها الفلسفة الحقة.... ولكنكم أنتم الذين تزعمون أنكم وجدتم آخر الأمر أحسن ديانة، أو على الأرجح أفضل رجال واسرعتم إلى تصديقها كيف تعرفون أنهم أفضل من علم سائر الديانات، أو يعلمونها الآن، أو سيقومون بتلقينها في المستقبل؟ هل درستم كل تلك الديانات قديمها وحديثها تلك التي تلقن هنا وفي الهند وفي سائر أنحاء العالم؟ وحتى لو كنتم درستموها حق الدرس، كيف تعرفون أنكم اخترتم أحسنها؟ هل تعتبرونه عجرفة وغروراً أن أستخدم عقلي في الإذعان لكلمة الله الموجودة في العقل، ولا يمكن بأية حال افسادها أو تحريفها؟...(انتهى)(3)
رسالة ألبرت بيرج هي رسالة مثالية تعبر بصدق عن المؤمن المتعصب مهما كان دينه او مذهبه وجواب سبينوزا هو رد مثالي من المؤمن الحر مهما كان دينه او مذهبه . يستطيع اي مؤمن متعصب ان يستعين برسالة بيرج مع تغيير العناوين الفرعية لما يناسب دينه او مذهبه لانه في النهاية وبسبب تعصبه لن يصل لنص افضل حالا من نص بيرج . زمن العبيد المملوكين انتهى...لكن الاستعباد لم ينتهي بل تحول الى صورة اخرى مثل الماء حين يتحول الى بخار...في الزمن الغابر اذا ثار العبيد المملوكين فيثورون ضد مالكهم...اما العبيد في زماننا فيثورون على من يدعوهم لتحطيم قيودهم...اذا كنت صاحب رأي حر وتعبر عن رأيك بتجرد وحرية...واذا كنت قد كسرت القيود وحطمتها... وتجد (العبيد) يتكالبون عليك ويمعنون في شتمك والحط من قدرك ويبذلون كل ما في وسعهم لاسكاتك بل قد يلجأون لتهديدك...فأبشر بالخير (فانت جلادهم) نعم انت جلاد العبيد...لكن زمن الجلد بالسياط ولى الى غير رجعة...نحن في زمن الجلد بالفكر...المفكرون الاحرار سيدبغون جلود العبيد (فكريا) في حال كانت الحرية بالنسبة لهم شيء سلبي...اما من يفهمون معنى الحرية فلا يدبغ جلودهم شيء لان الاحرار لاقدرة لاحد على ايذائهم البتة فالحرية الحقيقية حرية الفكر ولا قدرة لاحد على تحديد المساحة الفكرية (لانسان حر) مهما فعل .
اذا لم يكن بيدك حيلة وتواجه الرأي بالشتم او التهديد او التسلط ففكر ولو مرة ان تكون حرا وتواجه الرأي برأي مثله ...هيا يا بطل ابرز لنا عضلاتك وادلي برأيك فالدنيا الان للآراء وهذه الاخيرة لا يوقفها الموت بل على العكس يعلي منها ويرفعها .
المصادر
1- - مهزلة العقل البشري – علي الوردي – صفحة 297 2- باروخ سبينوزا – موسوعة المعرفة 3- المصدر السابق
#حسنين_السراج (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كتاب فلاسفة الاغريق واثرهم على الفلسفة والفكر الديني
-
كتاب صولجان الالحاد وسيف الايمان
-
المثلية الجنسية .. الجنس الثالث .. الايمو
-
من يعذب الحيوانات في صغره قد يقتل الانسان في كبره
-
بعد ان تفحم سبعة من اقاربي لم يعد للكتابة معنى
-
يهود العراق بين الفرهود العراقي ومبيد الحشرات الاسرائيلي
-
لماذا لا ينام الملحدين مع محارمهم؟؟؟
-
النسخة الورقية من كتاب جرائم ارتكبتها ... حين كنت حارسا لدين
...
-
كلاكيت ثاني مرة . سنخترع عيد الكراهية يا اعداء الله لنشوش عل
...
-
سنخترع عيد الكراهية يا اعداء الله لنشوش على عيد الحب
-
الحمد لله خالق المشوهين
-
مؤمنين يهينون الله وملحدين يدافعون عن الله وعفويين يعيدون تش
...
-
الحمد لله على نعمة الاسلام ... فضيحة الأله نينساه
-
ذات الثوب الاسود
-
ليس المهم أن أنجح المهم أن يفشل الاخرون
-
ليس المهم أن أنجح المهم ان يفشل الاخرون
-
صدق أو لا تصدق ... السبب الرئيسي للأنهيار الامني
-
كتاب / جرائم أرتكبتها ... حين كنت حارسا لدين الله
-
الدماء المهدورة بين اليهود وخصومهم 3
-
الدماء المهدورة بين اليهود وخصومهم 2...العهود التوراتية
المزيد.....
-
استقبل تردد قناة طيور الجنة أطفال الجديد 2024 بجودة عالية
-
82 قتيلاً خلال 3 أيام من أعمال العنف الطائفي في باكستان
-
82 قتيلا خلال 3 أيام من أعمال العنف الطائفي في باكستان
-
1 من كل 5 شبان فرنسيين يودون لو يغادر اليهود فرنسا
-
أول رد من الإمارات على اختفاء رجل دين يهودي على أراضيها
-
غزة.. مستعمرون يقتحمون المقبرة الاسلامية والبلدة القديمة في
...
-
بيان للخارجية الإماراتية بشأن الحاخام اليهودي المختفي
-
بيان إماراتي بشأن اختفاء الحاخام اليهودي
-
قائد الثورة الاسلامية آية اللهخامنئي يصدر منشورا بالعبرية ع
...
-
اختفاء حاخام يهودي في الإمارات.. وإسرائيل تتحرك بعد معلومة ع
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|